كفكاز سنتر: دائرة الإستخبارات الرّوسيه (إف إس بي) فى حملة للقضاء على القوميّة الشّركسيّة

دائرة الإستخبارات الرّوسيّه (إف إس بي) فى حملة للقضاء على القوميّة الشّركسيّة

فترة الاصدار: 22 فبراير 2007, 15:53

ثلاثة رجال من الرّوس سدّدوا فوهة مسدس الى خلف رأس مراد برزيجوف.  وفى وقت سابق من ذلك المساء، تمّ اختطاف زعيم الحركة الوطنية الشّركسيّة في الأديغيه من أمام منزله.

“نحن قدامى أجهزة الأمن الرّوسيّه والمحترفين الوطنيّين” قالوا لبرزيجوف. “لن تكون قادرا على الموت كبطل قومي. إن لم تكف عن فضح روسيا بكلامك عن “الإباده” فإننا سنشوّه  سمعتك  وسوف تفقد أطفالك.”

مراد برزيجوف يعيد رواية القصة عن الشركس بطريقة عاطفيّة, قرن بطوله من الحرب مع روسيا بينما هو يجلس فى مكتبه فى مايكوب، وعلم شركيسيا الاخضر على الحائط باديا خلفه. واعرب عن قلقه على أسرته، لكنه مصمّم على ألاّ ينحني في مواجهة التهديد.

“لقد قدمنا التماسان الى البرلمان (الدّوما) وكذلك إلى الرئيس الروسي للإعتراف رسميا بأنّ الإبادة الجماعيّة قد حدثت فعلا، ولكنهم رفضوا ذلك.  لذا، فإننا نناشد المنظمات الدولية، حتّى وإن اعتبر ذلك “تطرّفا”.أوّلا، فإنّ دائره الاستخبارات الروسيه (إف إس بي) عملت ضدّنا من خلال القنوات الرّسمية، أما الآن فإنّهم عملوا على تمرير الشّعلة إلى المحاربين القدامى، وهؤلاء الناس لا يلتزمون بقواعد القانون.

إن أمر وجود المنظّمات شبه الرسمية والّتي تتألف من قدامى الأجهزة الخاصّة من الاتحاد السوفييتى وروسيا يكاد أن لا يعلن عنه ضمن الفيدراليّة الرّوسيّة.  فالموضوع حسّاس في وسائل الاعلام،  مع وجود الحظر الّذي نكث به مؤخّرا من قبل الصّحيفة المعارضة (Novaya Gazyeta) نوفايا غازييتّا.  ففي مقال يتألّف من ثلاث صفحات بعنوان “الخدمات المسانده،” تصف الصّحيفة وجود فرق سرّية من المؤسّسة الأمنيّة الرّوسيّة تعمل تحت ستار المنظّمات الاجتماعيّة أو شركات الأمن الخاصّة. إنّ هذه المنظّمات من “القدامى” مشيّدة بشكل جيد، وبموجب تنظيم هرمي ومتّصلة على نحو محكم مع أجهزة الأمن الرّسميّة التابعة للدّولة. ومن خلال بقائها خارج الهياكل الرسمية، فإنّ مثل هؤلاء “القدامى” سيتمكّنون من القيام بالأعمال القذره للتخلص من هؤلاء الّذين تعتبرهم أدوات الاجهزه الامنيّة بأنّهم مزعجون.

غايدار جمال، رئيس حركة “اللّجنة الإسلامية لعموم روسيا” متاكّد من أنّ الطريقة السّرية للتّنظيم هي حسب أسلوب المخابرات السّوفياتيه (ألكى جي بي)  والمرتبطة مع الأجهزه الامنيّة القائمة. جمال أخبر هذا الكاتب: “هناك بعض المنظّمات التي تعمل على حل القضايا التي تقع خارج نطاق العمل المسموح به من النّاحية القانونيّة لأجهزة الامن المقيّدة. إنّ هذه المجموعات تعمل مع جهاز الأمن الرّسمي من خلال قنوات غير رسميّة، ويعمل بها القدامى (المتقاعدون) من هذه الأجهزة. أمثال هؤلاء الرّجال ينفّذون  أحكام الاعدام الّتي يطلبها أولئك الذين يشغلون مناصب حكوميه رسميّة. والدّافع المزعوم وراء هذه الاجراءات هو “المغالاة في الوطنيّة”، ولكنّها في الواقع ذات دوافع عنصريّة وبقصد كراهيّة الأجانب. أمّا ضحايا “المحاربين الأمنيّين القدامى” فهم الّذين يعتبرون” أعداء وخونة روسيا.”

فكما تظهر قصّة مراد برزيجوف،  فإنّ أمثال “الأمنيّين القدامى” ناشطون في القوقاز،  وفي ذات المكان الّذي استهدف فيه برزيجوف لمناشدته الرّئيس والكونغرس في الولايات المتحدة للإعتراف بالإبادة الجماعيّة الّتي اقترفتها روسيا ضد  الشّعب الشّركسي.

تجدر الاشارة الى ان وجود شركيسيا يعرف  في الوقت الحاضر  فقط من قبل قلّة من المؤرّخين. ,وهو بلد يحتلّ  الأراضي الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وقامت روسيا باستعماره في القرن التّاسع عشر، حيث فني 90 ٪ من الشّراكسة خلال العمليّة. واليوم، يوجد هناك مليون شركسي (أديغه وقبرطاي) يعيشون في ثلاث جمهوريّات في جنوب الاتّحاد الرّوسي وهي أديغييه و قراشيفو- شركيسيا و قبردينو- بلقاريا.  وخمسة ملايين آخرين من الشّراكسة تقريبا يضمّون الشّتات الموجود في المهجرخارج روسيا.

إنّ الإعتراف بالإبادة الجماعيّه سيؤدّي لبعث شيركيسيا من جديد ضمن حدودها التّاريخية. وحسبما قال العالم بشؤون القوقاز ياكوف غوردين لهذا الكاتب، بأنّ هذا قد يؤدّي الى خسارة روسيا القوقاز برمّته. ولهذا السّبب فإن وسائل الاعلام الرّوسيّه تقوم  احيانا بنشر روايات عن “خطر خطط اعادة إحياء “شركيسيا الكبرى” تمتدّ  اكثر من البحر الى البحر”. والدّاعم المزعوم  لهذه الخطة هو رجل الأعمال الرّوسي المنفي بوريس بيريزوفسكي. ومثل هذه المقالات تبيّن انّ الكرملين يأخذ المشكلة الشّركسيّة بجدية وهو على استعداد لاتّخاذ خطوات صارمة لسحق مطالب الشّراكسة للإعتراف بحقوقهم مهما صغرت.

من هذا المنطلق، يعتبر “الكونغرس الشّركسي” منظّمة ذات خطر حقيقي لان هدف المنظّمه المعلن هو الاعتراف بالاباده الجماعيّة ضد الشّراكسة من جانب الدّولة الرّوسيّه. و”الكونغرس الشّركسي” له فروع في عشرين بلدا في مختلف أنحاء العالم، مع العلم أنّ الموجود منها في روسيا يتعرّض للمضايقات من قبل السّلطات. أمّا زعيم الفرع في شيركيسك بسلان ماخوف، فقد أخبر هذا الكاتب بأنّه يستدعى بانتظام للاستجواب من قبل المكتب المحلّي لدائرة الاستخبارات الرّوسيّة،  بل  وأنّه اضطّر الى وقف إصدار صحيفة شبابيّة حرّة.

“نحن فقط نشرنا وثائق أرشيفيّة عن الحرب بين شيركيسيا و روسيا”، يوضّح ماخوف،”لكن ذلك كان كافيا لتصنيف الصّحيفة ب”متطرّفة” من دائرة الاستخبارات الرّوسية وإغلاقها.”

في القوقاز، أكبر دليل على نشاط “خدمة القدامى”هو الغموض في اختفاء آلاف الأشخاص. ضابط في ما يسمّى “فرقة الموت” من المنطقة زوّد الكاتب بمعلومات بشرط عدم الكشف عن مصدرها. وحسب قوله، فهنالك طرق عديدة لجعل الفرد يختفي بدون أثر، مع اختلاف الأساليب التي كانت تعتمد فيما إذا كانت المعلومات هي المطلوبة فقط أو الاغتيال.

ووفقا للضّابط، فإنّ هؤلاء الرّجال المختطفون والمراد استجوابهم، يتم استخدام خطّة تدريب متقنة لذلك. وعندما تدفع مجموعة خاصّة الى ايّة مدينة في القوقاز وهي على استعداد كامل مع معرفة جدول أعمال وتحرّكات الضّحيّة. الاختطاف الفعلي يمكن ان ينفّذ من دون ترك أيّ أثر يذكر، حتى في شارع مزدحم. والضّحيّة تنقل الى خارج حدود المدينة ومن ثم توضع في انتظار الطّائرة الهليوكبتر التي تنقل الرجل الى قاعدة خاصّة في Khankala خانكالا (الشيشان) أو الى السّجن السّرّي في مينيرالني فودي (Mineralni Vody ). الإستجواب يتم باستخدام الكيماويّات والتّعذيب (مثل الصّدمات الكهربائيّة). وبعد الحصول على المعلومات اللاّزمة، تنقل الجثّة الى مكان نائي وتلقى في حفر مليئة بالمواد الكيماويّة معدّة خصّيصا. وعلى مدى عدّة أيام، يتحلّل الجسم ويختفي ببساطة والرّجل مكان السّؤال يختفي تماما وبدون أيّ أثر.

هنالك رجلان شهيران في شمال القوقاز كانا قد لقيا المصير ذاته قي الماضي القريب. كان أحدهم رشيد أوزدوييف، وكان يعمل محقّقا في مكتب المدّعي العام في الأنغوش.  وكان قد اختفى قبل عامين بعد التّحقيق معه في دائرة الإستخبارات الرّوسيّة بشأن اختطاف المدنيّين وقادة المجتمعات المحلية. كان أوزدوييف قد تمكّن من جمع معلومات تثبت جرائم ال “إف إس بي” في الأنغوش، لكن اختفت المعلومات والمحقّق في آن معا.

أمّا الرّجل الثّاني فقد كان رسلان ناخوشيف، وهو ضابط  سابق في المخابرات السّوفياتيّة أل (كى جي بي) حيث تلاشى في مطلع تشرين الثّاني / نوفمبر 2005 بعد استجوابه في دائرة الاستخبارات الّروسيّة في نالشيك. تميّز بانّه كان خرّيج أكاديميه الأمن الدّاخلي واتّهم بهجمات ضد رجال الأمن يوم 13 تشرين الأول 2005 بتهمة الارهاب من قبل النّيابة. وقبل شهر من اختفاء ناخوشيف، قامت بعض الصّحف التي تسيطر عليها الحكومة بنشر تفاصيل مواد تفترض خيانة ارتكبها ضابط أمن الدّولة السّابق الذي انحاز الى جانب الانفصاليّين. وقبل ان يختفى باسبوع أخبر أحد الّذين يثق بهم، بأنّه سيقتل – “سيقتلوني. لن يفسحوا لك الطّريق للإفلات طالما انّك كنت في تنظيمهم”. أصبح ناخوشيف خائنا بعدما أسّس “معهد الدّراسات الإسلاميّة” في نالشيك. لقد كان مساعدوه أنزور إستيميروف وموسى موكاشيف و رسول كوداييف حيث كان ثلاثتهم من قادة الجماعة في قبردينو-بلقاريا، كذلك قام اثنان منهم بحمل السّلاح ونظّما الهجوم الّذي حصل في العام 2005 ضد قوّات الأمن الرّوسيّة في نالشيك.

إنّ هاتين الحالتين تطرحان اسئلة لا يمكن الاجابة عليها. وكما يقولون في روسيا في هذه الايام “بدون اي جثّة لا توجد جريمة”. ومع ذلك، فهنالك حالات أخرى. فالوفيات المشبوهة والمشكوك بها التي أدّت تلك الأيّام الى وفاة  ثلاثة من أشهر زعماء الشّركس.

يوري كالميكوف وهو شركسي شغل منصب وزير العدل في عهد الرّئيس يلتسين توفّي بأزمة قلبية حادّه بينما كان يغادر الطّائرة. كالميكوف كان العضو الوحيد في مجلس الوزراء الرّوسي الّذي قدّم الاستقالة على سبيل الاحتجاج ضد الحرب في الشّيشان وبعد أن ترك وظيفته الحكومية، كرّس نفسه لفكرة إعادة توحيد الشّعب الشّركسي. كان رجلا ذو دراية في فهم القانون الرّوسي، وعمل على انشاء مؤسّسة  لدولة شركسيّة جديدة. على سبيل المثال، وفقا لخططه كان سيتم إنشاء “مجلس الاتّحاد البرلماني المشترك” لثلاث جمهوريّات (أديغييه، قراشيفو – شركيسيا و قبردينو – بلقاريا) المشكّلة، ووفقا لقرارات المجلس والهيئه التّنفيذيّة الواحدة وحتى ميزانية موحّدة. الخطوة التّالية كانت التّصديق على دستور جديد، ولكن عندما توفّي كالميكوف، كذلك حصل لمشروعه.

اضطراب قلب مماثل أودى بحياة بوريس أكباشيف، خليفة كالميكوف لرئاسة “الجمعية الشركسيّة العالميّة ” في شيركيسك. وثالث وفاة مفاجئة وغير متوقّعة كانت وفاة ستانيسلاف ديرييف، حيث كان رجل أعمال ذو شهرة واسعة النّطاق ومن زعماء الحركة الوطنية الشّركسيّة في قراشيفو – شركيسيا. هذه الوفيات كان يمكن بطبيعة الحال،  ان تكون طيبعيّة تماما. لكن الأطبّاء للثلاثة رجال فوجئوا تماما من نتائج التّشريح، لان كل القلوب في الثلاثة كانت تقريبا ممزّقة وتالفة. إثنان من المتوفّين – اكباشيف و ديرييف – لم يكن لهما تاريخ في أمراض القلب. في الحقيقة، كان ديريف لاعب تنس ماهر وكان يعدوا عشرة كيلومترات في كل صباح. جنائز الرّجال الثّلاثة شيّعت برفقة حشود من مظاهرات عارمه في شيركيسك ، ومع الكثير من الناس الّذين كانوا يتحدثون جهارا عن اغتيال قادتهم.

صحيح ان كل هذه التّصرّفات غير الرّسمية من قبل دوائر الأمن الرّوسيّة مؤثّرة  في الحفاظ على النّفوذ الرّوسي فعّالا في شمال القوقاز. و تواصل الحكومة الرّوسيّة التّضحية بعشرات الآلاف من الضّحايا على مذبح المصالح الجيوسياسية مضاعفة العنف في شمال القوقاز، وبالتّالي زيادة خطر انتشار عدم الاستقرار العالمي.

مؤسّسة جيمس تاون

15فبراير/شباط 2007

بقلم أصلان إيدار

ترجمة: مجموعة العدالة لشمال القوقاز

http://www.kavkaz.org.uk/arab/content/2007/02/22/7088.shtml

 

 

Share Button

اترك تعليقاً