شعب واحد – اسم واحد – مستقبل واحد

شهر تشرين الأول من عام 2010 موعد إجراء التعداد السكاني الدوري في روسيا، وسوف يكون من نتائجه تحديد عدد القوميات المقيمة في روسيا الفدرالية. ومن المعروف أن ديناميكية التغير في تعداد الأمة ووضعها الديموغرافي هما من العوامل التي تظهر نزعات تقدم الأمة ومستقبلها التاريخي ويتبين من خلالها مكانة وأهمية الشعب في البلد والعالم.

 

ومثلما حدث في السابق مرارا يقدم الشراكسة على هذا الحدث في وضع شعب مقسم لا يتم تعداده ككل بل مجزأ إلى أجزاء اعتبرت في العهد السوفييتي شعوبا منفصلة وأصبح هناك من يسمون ب أديغيين وقبردي وشركس، ولكل من تلك القوميات كيانها القومي السياسي داخل الفدرالية الروسية. وفي ماض ليس ببعيد اعتبر الشابسوغ القاطنون على شواطئ البحر الأسود من ضمن القوميات الصغيرة وبالتالي أصبحوا بمثابة شعب منفصل.

حالة الانقسام التي يعيشها الشعب الشركسي تهدد بقاءه وتقف عائقا أمام تقدمه كجسم عرقي واحد له طموحاته ومهامه وأسلوب حياته الخاصة. عندما يكون حال الشعب موزعا جغرافيا وفي مجموعات قليلة مهددة بالانصهار لا يوجد أمامه هدف أهم من البقاء. ونرى أن لهذه الغاية على الشعب الشركسي أن يطالب بالاعتراف الرسمي بوحدة الهوية العرقية لشراكسة شمال القوقاز من قبل السلطات الفدرالية الروسية، فالشراكسة يشكلون القومية الرئيسية في كل من أديغيا وقرشاي شركيسيا وكباردينا بلقاريا.

ولكي نفهم كيف تم تقسيم الشعب الشركسي الواحد اسميا وإداريا والذي أدى إلى تقسيمه معنويا وروحيا وثقافيا واقتصاديا لا بد من طرح تحليل بسيط لما جرى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

تاريخيا انقسم الشراكسة إلى عدد من مجموعات عرقية سميت بالقبائل وهي تسمية غير صحيحة، واختلفت هذه المجموعات عن بعضها بعضا من حيث الخصائص اللغوية كما يختلف سكان منطقة موسكو عن سكان شمال روسيا أو سيبيريا. من ضمن المجموعات العرقية الشركسية القبردي والشابسوغ والبسلني والبجادوغ والتمرغوي والابازيخ والأدمي واليجرقواي وغيرهم علما بأن جميعهم يطلقون على أنفسهم اسم “أديغا” بينما اسم “شركس” هو اسم خارجي أطلق عليهم من قبل الشعوب الأخرى منذ القرون الوسطى. وتفاديا من محاولات لاستغلال هذه الكلمة من قبل البعض نذكر بعدم وجود أية فرضية علمية مثبتة حول أصل كلمة “شركس” ولذلك لا يمكن للأحاديث التي تجري حول هذا الموضوع أن تخرج عن إطار احتمالات وفرضيات ليس لها دليل.

ومع ذلك، فإن كلمة “شركس” يجب الاعتماد عليها لتوحيد الاسم العرقي لشعبنا وليس التسمية الذاتية “أديغا” وذلك للأسباب الثلاثة التالية:

  1. يعرف الأديغا في التاريخ والأدب العالميين تحت اسم شركس، كما أن رجالات العلم والسياسة والثقافة والمجالات الأخرى في أوروبا وآسيا وأميركا وإفريقيا يعرفون أمتنا  كشركس وليس كأديغا. لنقل إن هذا الاسم كاسم تجاري معروف كلف أجدادنا ثمنا غاليا، وهو بطاقة دخول سوف تفتح لأمتنا أبواب السياسة وسوف تساعدنا في حل العديد من قضايانا أكثر بكثير من اسم “أديغا”، بالإضافة إلى أنه من غير المعقول أن نتخلى عن شيء يكون الآخرون على استعداد لدفع ثمن باهظ من أجل الحصول عليه، فهناك أمثلة كثيرة لمحاولات امتلاك هذه التسمية لتحقيق أهداف مختلفة من قبل أطراف ليس لها أي علاقة بالشركس (الأديغا) وتاريخهم.
  2. اسم “شركس” بالذات هو ما يخلق تبعية تاريخية ويربطنا بماضينا، و التخلي عنه لصالح “أديغا” لغايات التوحيد سوف يفقدنا الرابط المباشر بتاريخنا بكافة جوانبه.

يقيم الأغلبية المطلقة لأفراد شعبنا في الشتات خارج الوطن الأم فهناك يطلق عليهم اسم “شركس” مما يعني أن أمتنا معروفة لدى الشعوب والبلدان الأخرى تحت اسم “شركس” بصورة أساسية، فهل من المعقول أن نقيم جدارا إضافيا بين الجزء المقيم في القوقاز والجزء الأكبر المقيم في الشتات ونسبب الانفصال عنهم ونقيم جدارا آخر بين شراكسة القوقاز وبقية العالم؟ الإجابة على هذا السؤال واضحة تماما.

 

لنذكر أن هناك أمثلة كثيرة على إطلاق أسماء متعددة على بعض الشعوب حيث يكون للشعب اسم ذاتي لكنه يعرف لدى باقي الشعوب تحت اسم آخر خارجي وحتى عدة أسماء خارجية. على سبيل المثال الألمان يسمون أنفسهم “دويتش” والصينيون “خان” والأرمن “خايس” والشيشان “نوختشي” والجورجيون “كارتفيلي” والأوسيتين “إرون” أو “ديغورون” والألبان “شكيبتار” واليابانيون “نيخودزين” وإلى أخره. لذلك سوف يكون التخلي عن اسم “شركس” الموحد بمثابة التخلي عن حقوقنا في أزيائنا الشعبية والتنازل عنها لصالح الشعوب القوقازية عموما.

كانت الأمة الشركسية التي بلغ تعدادها قبل بدء روسيا عملياتها العسكرية في شمال القوقاز حوالي 4 ملايين شخص وشغلت الأراضي الممتدة من البحرين الأسود والأزوف وحتى مصب نهر سونجا ولكن نتيجة للحرب والإبادة الجماعية للمدنيين وتهجيرهم إلى الإمبراطورية العثمانية لم يبق في الوطن التاريخي في بداية القرن العشرين سوى أقل من 5% من السكان الشراكسة. وبالرغم من ذلك لم يفقد الشراكسة في روسيا القيصرية اسمهم الوحدوي وظلوا يعرفون كشعب واحد وتحت اسم واحد – “الشركس”. وقد تغير هذا الوضع مع إقامة السلطة السوفييتية عندما حصلت الجيوب الشركسية المتقطعة بعد قيام الثورة الاشتراكية على ولايات ذاتية علما بأنه في جمهوريتي كباردينا بلقاريا وقرشاي شركيسيا تم جمع الشراكسة مع شعوب تركية. ومن هنا تأتي اليوم ضرورة التوضيح والتعداد الدقيق للشراكسة الذين وجدوا أنفسهم في كيانات قومية مختلفة وتحت أسماء عرقية مختلفة.

 

تضمن السكان الشراكسة لولاية أديغيا الذاتية عدة مجموعات عرقية للشراكسة الغربيين والمتبقية بعد الحرب والتهجير القسري بينما تعرضت مجموعات أخرى منها جانيه وماخوش ووبيخ وناتوخاي وغيرهم للقضاء التام أو التهجير. وكان أطلق على شراكسة أديغيا والشراكسة المقيمين في تجمعات في عدة مناطق في مقاطعة كراسندار المحاذية للبحر الأسود اسم “أديغيين” وهي كلمة جديدة مشتقة من تسمية “أديغا” الأصلية. وشملت التسمية الجديدة الشابسوغ (أقاليم تختمقواي وتيوصوج) والتمرغوي (إقليم شوفغينوفسكي – شوجن) والأدامي (إقليم كراسنوغفاردييسكي) وقبردي (إقليم كوشحابل) واليجرقواي (إقليم كوشحابل) والأبزاخ (إقليم شوفغينوفسكي) علما بأن الولاية الذاتية كانت تسمى في البداية بالولاية الشركسية (الأديغية) ولكن قرار اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي الحاكم ألغى هذا الاسم وغيره إلى مجرد الولاية الأديغية الذاتية “للتمييز بين الولاية الأديغية الذاتية والولاية الشركسية الذاتية” وهي جمهورية قرشاي شركيسيا حاليا.

فيما أبقت السلطة السوفييتية اسم “شركس” لشراكسة جمهورية قرشاي شركيسيا الممثلين بقبردي والبسلني والشراكسة المقيمين في إقليم أوسبينسكي في مقاطعة كراسندار بينما اعتبر شراكسة جمهورية كباردينا بلقاريا الممثلين بقيردي عرقا مستقلا أي شعب قبردي.

من الملفت أن “ظهور” شعب قبردي المستقل لم يمنع الجهات العلمية من تسمية القبردي المقيمين في جمهورية قرشاي شركيسيا وأديغيا والذين يتحدثون اللغة ذاتها ب”الشراكسة” و”الأديغيين” وهو دليل آخر على عدم جدية القاعدة العلمية التي تم على أساسها تقسيم الشعب الشركسي اصطناعيا. هناك تناقضا آخر وهو أن “قبردي” كباردينا بلقاريا و”شركس” قرشاي شركيسيا يتعلمون لغتهم الأم بالمناهج ذاتها. أليس غريبا أن يتعلم أبناء الشعبين المستقلين لغتهم الأم بالكتب نفسها؟ أ ليس غريبا أيضا أن تستخدم ثلاثة شعوب اسما واحدا لتسمية أنفسها (أديغا) مع العلم بأن الاسم الذاتي هو العامل المهم إن لم يكن الأساسي في تحديد الهوية العرقية لهذه المجموعات القومية أو تلك. غير أن العلماء السوفييت لم تكن مثل هذه التفاصيل الغريبة تمنعهم من تأسيس نظريات علمية وفقا لما يطلبه الحزب. وبحسب المعايير الغريبة ذاتها لا يزال الشراكسة المقيمون في مقاطعة كراسندار يطلق عليهم اسم “شركس” تارة و”شابسوغ” أو “اديغيين” تارة أخرى. وبغض النظر عما إن كان تقسيم الشعب الواحد اصطناعيا مقصودا من قبل الحكم السوفييتي أم حدث من غير قصد منه فهذا ما حدث بالفعل لأنه وبعد مرور الزمن وبعد عملية غسيل الأدمغة المكثف آمن جميع الشراكسة تقريبا بحقيقة وجود ثلاث قوميات مختلفة منبثقة من الشعب الشركسي الواحد سابقا استجابة لما ادعى به علماء التاريخ السوفييت. وحتى اليوم عندما أصبحت دراسة تاريخ الشعوب أمرا ليس بصعب ولا تخضع للرقابة كما كان في العهد السوفييتي قلما يستطيع إنسان شركسي سواء في أديغيا أو في قرشاي شركيسيا أو في كباردينا بلقاريا أن يلم حقيقة هذا الأمر.

في عام 1991 قام المؤتمر العلمي الذي عقد في مايكوب تحت عنوان “نحن أديغا شركس” بمحاولة جدية لتجاوز التقسيم الاصطناعي للشعب الشركسي ووجه لسلطات الجمهوريات الثلاث توصية لاتخاذ إجراءات لازمة لإعادة الاسم الواحد للشراكسة المقيمين داخل الفدرالية الروسية. وصى المؤتمر على اعتماد اسم “أديغا” لتحديد الهوية إن كان باللغة الشركسية واسم “شركس” إن كان باللغة الروسية أو اللغات الأخرى. واستنادا إلى هذه التوصية أقر المؤتمر الشركسي الأول الذي عقد في نالشك في عام 1992 توحيد الاسم العرقي للشراكسة. أما المحاولة الوحيدة التي تمت على المستوى الرسمي لحل هذه المسألة فتعود إلى أواخر التسعينيات عندما قامت سلطات جمهورية أديغيا بطرح مشروع بهذا الشأن على المجلس البرلماني المشترك لجمهوريات أديغيا وكباردينا بلقاريا وقرشاي شركيسيا بيد أنه لم يتم إقراره بسبب معارضة مندوبي جمهورية كبرادينا بلقاريا. بعد ذلك لم تجدد السلطات طرح هذه المسألة.

ومع ذلك، فإن ما ورد أعلاه يثبت حقيقة الواقع بأن هناك في منطقة شمال القوقاز شعبا شركسيا واحدا يصل تعداده إلى 700 ألف شخص وهو الثاني من حيث التعداد بعد (فايناخ)  وموزع في 6 مقاطعات فدرالية روسية: مقاطعة كراسندار (أقاليم لازرفسكي وطوابسينسكي وأوسبينسكي) ومقاطعة ستافروبول (إقليم كورسكي) وجمهوريات أديغيا وقرشاي شركيسيا وكبرادينا بلقاريا وجمهورية أوسيتيا الشمالية (إقليم مزدوك). كذلك من الواضح أن علم التاريخ السوفييتي وفي نتيجة الإصلاحات الديموقراطية التي جرت في روسيا الجديدة فقد إلى حد كبير وظيفته كأداة سياسية وإيديولوجية تخدم مصالح الدولة وأن الأسطورة العلمية السوفييتية حول وجود ثلاث قوميات شركسية متقاربة ولكن مختلفة في أصلها لم يعد لها معنى ولا تأثير، والآن يأتي مكانها عملية أخرى – عملية إدراك شراكسة شمال القوقاز وحدتهم العرقية كوحدة الجذور والتاريخ واللغة والثقافة والعادات والتقاليد ومنظومة القيم التي تجلت في نظام أديغا خابزه الثابت. وهذه العملية تنتشر وتتعمق وبالأخص في بيئة الشباب المجردة من التحفظ والنظريات العلمية الكاذبة التي تعود إلى العهد السوفييتي الماضي.

نحن على يقين من أن اعتراف السلطات الفدرالية الروسية بالوحدة العرقية للشراكسة المقيمين في الفدرالية الروسية وإعادة الاسم الواحد لهم أمر في غاية الأهمية، ومن دونه لا يمكن لنا الحديث عن تقدم الأمة الشركسية أو حل القضايا التي تواجهها. أما الحل فيمكن أن يأتي بالمبادرة من سلطات الجمهوريات التي يشكل الشراكسة فيها القومية الأساسية المكونة لها ولكن من واجب المنظمات الاجتماعية الشركسية طرح هذا الموضوع كون السلطات الرسمية القائمة حاليا لا تبدي اهتماما له. هنا يجب الإشارة إلى عدم وجود آلية قانونية خاصة للاعتراف بالوحدة العرقية لمجموعات سكانية ما وتكون هذه المسألة من اختصاص علم التاريخ أكثر منه من اختصاص علم القانون، ولذلك يمكن أن يتحقق الحل السياسي القانوني لمسألة توحيد الاسم العرقي للشراكسة على مستوى السلطات الرسمية بطريقة اختيارية وقريبة من التوصية المذكورة أعلاه والمطروحة على المجلس البرلماني المشترك لجمهوريات أديغيا وكباردينا بلقاريا وقرشاي شركيسيا. وعلى كل حال وبوجود الإرادة السياسية لن يكون إيجاد الصيغة المناسبة لتحقيق هذا التوحيد أمرا صعبا.

نحن على أبواب يوم 21 أيار– ذكرى انتهاء الحرب المدمرة التي أصبحت هلوكوست الشركسي ونحن نجد أنفسنا من جديد أمام سؤال عما فعله الشراكسة لتصفية ضمائرهم أمام ذكرى الأجداد ضحايا هذه الكارثة القومية؟ مرت 24 سنة من عام 1985 حيث بدأت البرسترويكا ووضعت أسس الديموقراطية في الاتحاد السوفييتي. وفي خلال هذه المدة التاريخية لم يتمكن الشراكسة من استعادة اسمهم الموحد في وطنهم التاريخي. وإن بقينا على هذا الحال وهذا التباطؤ فقد يؤدي ذلك بنا إلى التخلف إلى الأبد عن قطار التاريخ الذي يسير إلى الأمام بسرعة قصوى وقد نبقى على هامش التاريخ. وإن أردنا أن نحتل مكانة لائقة في صف شعوب العالم فلا بد من بذل جهود شخصية وجماعية والعمل والتحرك. لذا ندعو جميع الشراكسة إلى المشاركة في صنع قرار التوحيد عن طريق التصويت الالكتروني على شبكة الانترنت والذي سيعمل على إظهار مدى الدعم الاجتماعي لفكرة التوحيد وسوف توضع نتائجه في أساس المطالبة لتي ستوجه إلى السلطات الروسية لاحقا.

أثناء حملة التعداد السكاني التي ستجرى في عام 2010 باللغة الروسية ندعوكم أيها الأخوة والأخوات إلى ذكر وتحديد هويتكم القومية ك “شركسي” و”شركسية”، ولا ننسى أن الدستور الروسي (بند 26) أعطى المواطن الروسي حق تحديد هويته القومية كما يشاء وعلى القائم بالتعداد أن يسجل هويتكم كما حددتموها انتم.

أنا أصوت لإعادة الاسم الموحد رسميا لأفراد القومية الشركسية (الأديغا) المقيمين في الفدرالية الروسية بما فيها جمهوريات أديغيا وكباردينا بلقاريا وقرشاي شركيسيا ومقاطعتي كراسندار وستافروبول وجمهورية أوسيتيا الشمالية – ألانيا…

Share Button

اترك تعليقاً