كلمة رئيس الجمعيّة الخيريّة الشّركسيّة في الأردن بذكرى يوم الوفاء للوطن والأجداد

أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة
 
  أهلنا الأوفياء الأصلاء..
 
  بتحيّة السلام، سلام الله للأرض والوطن والإنسان، أبدأ، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
  ها نحن نجتمع مرّة أخرى في رحاب الجمعيّة الخيريّة الشركسيّة لنحيي يوم الحداد، يوماً نستذكر فيه سيرة الشهادة والشهداء، نستدعي فيه الذاكرة لنعيد لها بعث الحياة، يوماً نتبصّر فيه ما فات، لنبعث من رماد النار نوراً لأيامنا القادمات، يوماً نقف فيه أمام تضحيات الأجداد إجلالاً لدماء رسمت ملاحم العزّ والبطولة، إكراماً لنفوسٍ ضحّت بأرواحها عزيزة في سبيل الوطن والكرامة. نقف وقفة الحقّ والواجب تجاه من نسجوا بأرواحهم وأجسادهم حكاية الوطن والتهجير. حكاية شعب تكالبت عليه القوى فأخذت تنهش وطنهم ووجودهم. نقف لنشهد العالم أنّ القفقاس جذوة النار والنور التي لن تخمد في قلوبنا وعقولنا، فالأوطان خلقت للخلود، فليس للقفقاس طول الدهر سلوان أو نسيان.
 
  أهلنا الأعزاء…
 
  وقفت أمامكم مرّات قبل يومنا هذا، وكنت أستذكر معكم جزءاً من الماضي الحيّ، واليوم اسمحوا لي أن أتجاوز حديث الماضي والذكريات ليس عن استخفاف أو تقليل شأن، معاذ الله، فمأساة التهجير وفقد الوطن حاضرة فينا حضور الزمن، وجراح أجدادنا لا تزال حيّة في قلوبنا وعقولنا، إلا أنّ واجبنا تجاه هذه الدماء الزكيّة والأرواح النقيّة يتجاوز البكاء على الوطن، والرثاء لأرض الأجداد، لذلك علينا أن نواجه سؤال المأساة الأول، فإن كان أجدادنا منهم من ارتقى السماء شهيداً لعيون الوطن والحريّة، ومنهم من أُخرج من أرضه ظلماً وعدواناً، ولم يكن له إلا أن يموت تحت آلة الدمار والإبادة الجماعيّة التي لا يعرف التاريخ لها مثيلاً في الوحشيّة والدمويّة والعنصريّة، أو أن يخرج من وطنه على كره منه إلى حين. فإذا كان الأجداد قد أجابوا بما استطاعوا إليه سبيلاً سؤال النجاة في ظلّ هذه الظروف القاسية، فقد أورثونا سؤال العودة، هذا السؤال الذي ينبغي أن يكون همّ كلّ واحد منّا وشغله الشاغل؛ فعودة القفقاس لنا، وعودة حقّنا في أرضنا ووطننا هي القضية الكبرى التي يجب أن تتوحّد لأجلها القلوب والجهود.
 
  أيّها الإخوة من أبناء الدم الواحد والوطن الواحد والمصير الواحد، إنّ اجتماع الصفوف وتوّحدها هو سبيلنا الوحيد للخروج من متاهة التهجير إلى مرفأ الوطن، فإذا كان التهجير وحده مأساة وأيّ مأساة، فإنّ فرقة الأرواح واختلاف القلوب تهجير على التهجير، ومأساة فوق المأساة، فلنتعلّم من دماء أجدادنا وتضحياتهم أنّ ميثاق الأخلاق والفروسيّة الشركسيّة يجمعنا جميعاً، فالأوطان تسبق كلّ غاية وتعلو كلّ راية، وليس فينا ولا منّا من دعا إلى عصبيّة تفرّق، وجهويّة تبدِّد، فلنجمع قلوبنا على غاية واحدة، وهي غاية استعادة الوطن الأمّ، وحقّنا في العيش فيه بعزة وكرامة وحريّة.
 
   أيّها الحضور الكريم..
 
   تحاول الجمعيّة الخيريّة الشركسيّة أن تكون على قدر اسمها ولقبها، “الجمعيّة الأمّ”، فهي أصل المؤسسات كلّها وموطن اجتماعها، وهي مظلّة الشراكسة جميعاً في الأردن وخارج الأردن، وقوّتها قوّة للشراكسة جميعاً، وأيّ ضعف يصيبها –لا سمح الله – سيصيبنا جميعاً، فلنكن كلّنا على قدر تضحيات من شهدائنا وأجدادنا، فما أشدّ خزينا حين نلقى الله وقد قدّم أسلافنا أرواحهم فداءً للوطن، ونقدُم نحن عليه وليس في أيدينا وقلوبنا إلا التخاذل والتخالف والتباغض، فإن كان واقع التهجير قد جمّع الأجداد فما أحرانا أن يجمّعنا أمل العودة وتحرير الوطن.
 
   أيّها الأهل الكرام..
 
   إيماناً من الجمعيّة أنّ العمل على إحقاق الحقوق لا يكون بالتمنيّ والأحلام، بل بالسعي والبذل والإخلاص، فقد أرسلنا رسالة إلى رئيس روسيا الاتحاديّة، نؤكد فيه على حقوقنا، ونسعى به لفتح آفاق مرحلة جديدة، تقوم على الاعتراف بتشركيسيا وطناً تاريخياً للشراكسة، والاعتراف بحقوق الشراكسة في أرض الشتات، فإنّ تجاوز مأساة الماضي لا يكون بتجاهلها وإنكارها، بل بالعمل على ردّ الحقوق وضمانها. وستقرأ الرسالة على مسمعكم الكريم في يومنا هذا.
 
  أيّها الشراكسة الأصلاء النبلاء، على أمل أن نلتقي في يوم التحرير، وعودة الوطن الأمّ إلينا نحن أصحابه الشرعيين، أترككم في رعاية الله وحفظه ولنبقَ أوفياء لوطن الأجداد ذكرى و ذاكرة، حلماً وحقيقة، تاريخاً وواقعاً.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
                                                             رئيس الجمعية الخيريّة  الشركسيّة
                                                                   رئيس مجلس الإدارة
                                                                       اسحق مولا
 
Share Button

اترك تعليقاً