وللشركس في العراق نصيب من المآسي

وللشركس في العراق نصيب من المآسي

وللشركس في العراق نصيب من المآسي حول تأسيس جمعية التضامن القفقاسية العراقية النوايا والمقاصد والمتصيدون في الماء العكر !!
محمد حسين الداغستاني *
غالباً ما ، سواءً بدافع الإستزادة في المعرفة الأكاديمية او التأريخية او الفضول لإكتشاف كيف ينظر الآخرون إليك ، أتتبع وأحرص على قراءة كل ما يكتب عن القفقاس في العراق (رغم ندرته) ، خاصة ً بعد أن هيأت الشبكة العنكبوتية ( الأنترنيت) فرصاً ذهبية لم تكن مؤاتية لنا قبل اقل من عشرين سنة ، للحوار وتبادل الرأي ونشر المعلومات على نطاق واسع وكبير .
وللأسف الشديد وبصورة متأخرة جداً قرأت مقالة الأخ ( إيهاب دربة ) الموسومة (الشركس في العراق) والتعليقات المثبتة عليها والمنشورة في محور التأريخ الشركسي في موقعنا القومي الرصين هذا ، وقد توقفت ملياً عند تعليق يقول كاتبه إبن العم العزيز (شامل نوختشي ـ مشرف منتدى الدين الإسلامي ـ ) بأنه نقل الملاحظة بتصرف من مصدر ما دون أن يشير الى المصدر او الكاتب ، تقول المعلومة :
( قرأت موضوعا يتحدث عن شراكسة العراق أورده بتصرف : يظهر في الانترنت من فترة الى أخرى بعض الاخبار التي تتحدث عن شراكسة العراق وعن تلك المؤسسة التي انشؤها والتي تسمى التضامن ( و تشمل الاديغا و الشيشان ) , وللحق لم يكن يعلم الشراكسة في العالم – الا القليل – عن وجود شراكسة في العراق ولكن بعد سقوط النظام السابق ظهر الشراكسة فجأة (!) وزاروا العديد من الدول التي يعيش فيها الشركس وايضا زاروا شمال القفقاس ..
شركس العراق وغيرهم من ابناء الامة القفقاسية عانوا كغيرهم من ابناء العراق من طمس للهوية ولم يكن هنالك مجال للتحدث عن الاصل الشركسي وعن الانتماء للهوية الشركسية, ولكن الم يكن هنالك مجال لديهم ان يظهروا وان يزوروا الشركس الاخرين قبل ظهور نظام صدام ؟ الم يكن هنالك مجال ان يبنوا الجمعيات في ظل النظام الملكي السابق؟ هنا يظهر التساؤل لمذا لم يظهر الشركس في العراق الا بعد زوال نظام صدام حسين , وهل ظهر الشركس الان لانهم يحبون قوميتهم ام لانهم يحتاجون الى المساعدة ؟) .
ولا ادري كيف سمح المعلق لنفسه بنقل هذه المعلومة (إن كانت موجودة أصلاً) ونشرها ثانية مع ما يحملها من إساءة وتشكيك بالنوايا وخدش عميق لمشاعر اخوته القفقاس في العراق ؟
أنا أدرك ومثلي العشرات بل المئات من اصحاب النوايا والمقاصد القومية النزيهة ، الدوافع التي تجعل الإنسان كتلة من الخلايا الحية بإتجاه تعزيز مشاعره وأحاسيس قومه للإعتداد بالأصل والعودة الى الجذور وتنمية الشعور القومي ، وهذا ما يفعله النادي الشركسي العالمي والعديد من المواقع القفقاسية على الشبكة ، ولا يخفى على اللبيب ابداً عمق المعاناة التي تعسكها هذه المواقع بسبب إفتقار الكثير من أبناء أقوامنا وشعوبنا لأبسط الدلائل والمعلومات عن جذورهم القومية الحقيقية ، لكنهم يتمسكون ، وربما كاتب الملاحظة أيضا ، بمعلومة واحدة يعتبرونها كافية ومجزية للتعبير عن إنتمائهم القومي الى هذه الأقوام ، وهي أنهم شراكس او داغستانيون او شيشان وليس اكثر من ذلك ، وهذا لا يمنع المئات من العوائل (المحظوظة) التي تعرف بيقين إنحداراتها القبائلية والمواقع الجغرافية التي نزح منها أجدادها ، ولكن كم نسبة هذه العوائل قياسا بكل القفقاس المشتتين في اركان الأرض ؟
في العراق وعلى مدى 35 عاماً وقبل عام 2003 بالتحديد كان محظورا على العراقيين تأسيس أي تنظيم او جمعية او رابطة او تيار ذو طابع قومي او أثني للأقليات القومية بإستثناء القومية العربية وتعزيزا لهذا الزعم أتذكر أن توجيها صارما صدر في نهاية سبعينيات القرن الماضي يقضي بتغيير المسميات التي تحمل دلائل قومية من الواجهات والمنظمات وحتى الأندية الرياضية ، فألزم ( النادي الأثوري الرياضي ) و( والنادي الأرمني الرياضي ـ هومنتمن ) وغيرهما بتغيير هذه التعاريف الى اسماء تأريخية او عربية ، فكيف الحال مع القفقاس الذين لم يكن لهم لا نادي اومركز يجمعهم اصلاً ، بل لم يكن الأباء حريصين آنذاك على إيجاد مثل هذه المقرات خوفا على فرص أبنائهم في التعيين او الحماية خاصة لأن الغالبية العظمى من الشباب القفقاسي كانوا من اركان وقادة وضباط الجيش العراقي وكان اي نشاط قومي او إثني لمن في هذه المؤسسة العسكرية المغلقة يعني المخاطرة بقوته وقوت اطفاله ومستقبله ومستقبل قومه كلهم ؟ مما دفع الكثيرين الى التمترس خلف مسميات عربية او محلية تتيح لهم الإندماج مع وسطهم الإجتماعي .
اما عن عدم وجود علاقات او ظهور لقفقاس العراق قبل وأثناء حكم النظام السابق ، فهذه معلومة خاطئة وغير صحيحة بالمرة ، بل العكس من ذلك كانت هناك صلات حميمة جدا لقفقاس العراق مع شيشان الأردن بشكل خاص أنذاك وخاصة القاطنين في عمان وتبادل للزيارات معهم ومع الشراكس ، بل ولدي صور تؤكد عقد إجتماعات متتالية بين وجهاء القفقاس في كل من العراق والأردن وسوريا ( ابان الإحتلال الفرنسي لسوريا ) حول التعاضد وجمع فدية ضخمة من جميع ابناء القفقاس في هذه البلدان الثلاث لأحد الشيشان الشجعان الذي قتل ضابطا فرنسيا لأنه أهانه وشتم قومه ( سوف انشر الحادثة مع الصورة في فرصة قريبة في الموقع ) . فكيف لم يظهر القفقاس قبل النظام السابق في العراق ؟
لكن الحال تغير بعد عام 2009 بعد أن اصبح بإمكان كل فئة او أقلية او طائفة ممارسة شعائرها وطقوسها وخصوصياتها القومية بعيداً عن الضغط الحكومي ، فظهرت في الوجود تنظيمات تمثل الشبك والصابئة والأزيدية والكلدو اشوريين ، واصبحت لهم احزاب وممثلين في البرلمان العراقي وصحف وفضائيات وإذاعات ، وكان للشيشان والداغستان والشركس في العراق حصتهم في هذا المضمار فأصبحت لهم جمعيتهم ومجلتهم الدورية وتجمعاتهم القومية بعد أن إتحدت وأجمعت الإرادة الخيرة لعدد من رجالاتها كالشيخ عبدالعزيز مصطفى نجيب بك الشيشاني والدكتور احمد حسين كتاو الشركسي ومحمد حسين الداغستاني والمهندس محمد جاهد شاكر والطبيب الإختصاصي عبدالكريم جلال الداغستاني وغيرهم ، وذلك بهدف جمع شمل القفقاس المنتشرين في محافظات العراق تحت خيمة مشتركة ، وحصر اعدادهم وخلق فرص التعارف وتعزيز صلات الرحم بين عوائلهم وشبابهم ونسائهم وتقديم الخدمات الإنسانية للعوائل المتعففة فيهم والأخذ بيد أبنائهم ومساعدتهم في إكمال دراساتهم العليا وغيرها من الفعاليا ت والأنشطة التي تعزز روح إنتمائهم الصميمي لوطنهم العراق ، وارض اجدادهم في القفقاس ، وتعريفهم بثقافة وتراث وتأريخ وتقاليد اقوامهم وقبائلهم ، كما يفعل ذلك موقعنا هذا وغيره من المواقع القفقاسية على الشبكة .
نحن لا نحمّل آبائنا وحتى اجدادنا تبعات ما جرى لنا من طمس للهوية القومية ، لأننا نعرف جيدا ما كان يقاسونه وما يتعرضون إليه من مخاطر قد تودي بحياتهم لو اصروا على ذلك ، لكننا يجب ان نكون اكثر إنصافا عندما نشير الى عمر تشتتنا وهجراتنا والتي دامت اكثر من مئة وخمسين عاما ، وهذه الفترة كافية لتحطيم ركائزنا القومية وحصيلتنا المعرفية بتأريخنا وتراثنا مما حدا بنا ( ليس قفقاس العراق فحسب) وإنما كل القفقاس في الشتات الى الإندماج مع المحيط والبيئة وتناسي اللغة والتقاليد والسمات القومية المميزة ، فكم منا لا يزال يمارس تقاليد الزواج والوفاة وشعائر المناسبات مثلما كان الأجداد يفعلون ، او حتى ابناء العمومة الآن في شمال القفقاس ؟ لهذا اصبحنا عربا او اتراكا او المانا او اكرادا حيثما عشنا مع هذه الأقوام، لكن يكفينا فخرا اننا لا زلنا نحتفظ بالبذرة الحية في أعماقنا ، كالشعلة المتفجرة التي تؤكد إنتماؤنا القفقاسي وبأننا جزء لا يتجزء من هواء وتضاريس وجبال ووديان وسهول القفقاس .
لهذا تألمت بشدة وحزنت عند قرائتي تلك الملاحظة السمجة والتي لا تنم عن الحصافة والحكمة والعقلانية ، ولا شك ان كاتبها الأصلي يحمل الكثير لأبناء جلدته من شراكس وقفقاس العراق دون ان نعرف الدوافع ، لأنه إستكثر عليهم حضورهم عبر جمعيتهم الرائدة التي لا تزال تعطي الشهيد تلو الشهيد في هذا الظرف العصيب وبادر الى تصوريهم مجرد اشخاص يستغلون الأوضاع لكي يستجدوا المال من الآخرين ، فكم كان غير منصفاً وغير عادلا وغيرنزيها لتشكيكه بنوايا ومقاصد أبناء جلدته الذين يعملون في ظل هذه الظروف ؟
وعلى اي حال فإن جمعية التضامن ومنذ تأسيسها ضمت نخبة من وجوه المجتمع والأطباء والمهندسين ورجال الأعمال والتجارالمرموقين ، وقد وظفوا ولا يزالون وبنكران ذات الأموال والجهود لتأسيس جمعيتهم من فتح المقرات والتأثيث وديمومة نشاطاتها وإصدار مجلتها الدورية دون ان تستلم دولارا واحدا لا من الدولة العراقية ولا من اي جمعية او حزب او حركة او تيار او حتى من شراكسة وقفقاس العالم كله ، ولعلم صاحب الملاحظة فإن الوفود التي سافرت ممثلة عن الجمعية للتعريف بها الى القفقاس وتركيا وسوريا والأردن وغيرها تحملت التكاليف كاملة من جيوب اعضاء الوفود انفسهم بإستثناء الوفد الذي سافر الى اديغا فقد تولت رئاسة الجمهورية تكاليف الضيافة داخل ما يكوب حصرا فيما كانت اقيام بطاقات السفربالطائرات والتنقل من العراق الى سوريا وبالعكس على حساب الوفد ، ولم تبادر الجمعيات الشقيقة او الجهات المضيفة الى دفع اي مبلغ إطلاقا لدعم الجمعية ، وهذا نعلنه على رؤوس الأشهاد ويمكن التأكد من المعلومة بيسر سواء من ادارتي الجمعيتين الشركستين في كل من دمشق وعمان .
إن دعم ابناء قومنا لبعضهم البعض ليس عيبا وليست منّة ، والحقيقة إن غياب هذا الدعم هو العيب بعينه وهو التقصير الذي ما بعده تقصير ، فإذا كان الشقيق القفقاسي لا يقف لأخيه القفقاسي في الملمات فمتى إذن يقف ؟
واليكم مثلا يقف المراقب خجلا من تفاصيله ، فقبل سنتين من الآن هاجمت العصابات المسلحة الإجرامية قرية الشيشان في قضاء المقدادية بمحافظة ديالى ، وقامت بقوة النار والأسلحة الفتاكة بحرق وتدمير كافة دور القرية الخمسين بكافة محتوياتها من الملابس والأثاث والتذكارات كما وحرقت وهدمت جامعها ومركزها الصحي ومدرسة الأطفال التي أنشأها الشيشان على حسابهم وبتبرعاتهم ، وإستطاعت العوائل الشيشانية من سكنة القرية الخروج مع عدد من جرحاهم تحت حماية قوة عسكرية مسلحة قدمت من العاصمة بغداد والتي لولاها لأبيدت جميعها .
أليس عيبا بالله عليكم أن يقف جميع شراكسة وداغستان وشيشان العالم متفرجين على مأساة تهجير جديدة إستهدفت ابناء عمومتهم في العراق الجريح ولم يتحرك منهم ساكن بإستثناء شيشان الأردن الغيارى الذين إنتخوا لأخوتهم العراقيين و نظموا تجمعات في جوامعهم في عمان لجمع التبرعات وتقديم العون الفوري لهذه العوائل المنكوبة التي تشتت في ضيافة العوائل القفقاسية في مختلف المحافظات العراقية لحين توفير مساكن طارئة لهم وهم لا يملكون سوى الملابس التي كانت عليهم ساعة المغادرة من قريتهم المحروقة ؟ بل أن بعضهم إكتفى وهو يقرأ ويطلع على اخبار الكارثة ولا نريد ان نسميهم أعلنوا فقط عن الأسى والحزن والمشاركة الوجدانية وكأن الموضوع يتعلق بأناس يعيشون على كوكب آخر .!!
يكفينا الكلام والتلاعب بالألفاظ أيها الأشقاء وأبناء العمومة الأعزاء ، نحن المشتتون في الأرض بحاجة ماسة الى الفعل والتعاضد والتأكيد على إنتمائنا القومي بدلاً من إشاعةالتقولات والغمز واللمز والتشكيك بمقاصد الآخرين ونزاهتهم ونواياهم الشريفة .
لكنها مأساة قومنا وبقية الأقوام ايضا ، أن نجد فيها دائما من لا يرتاح إذا لم يرمي الفضلات في بئر ماء نقي لكي لا يشرب منها الناس أاو يرمي بالصنارة لكي يتصيد في الماء العكر ، وبئس هذا الصيد !!
وعذرا إخوتي الأعزاء .

* أمين سر جمعية التضامن الخيرية القفقاسية في العراق

http://www.shababek.de/razuna/modules/news/article.php?storyid=671

Share Button