الجبليّون والقوزاق: موسكو تشهر مرة أخرى السّلاح القديم

الجبليّون والقوزاق: موسكو تشهر مرة أخرى السّلاح القديم

موسكو تتطلع إلى القوزاق للتعامل مع عدم الاستقرار في شمال القوقاز
ظهر القوزاق للمرة الأولى في منطقة القوقاز عندما فرّوا من أسيادهم في روسيا.  باختبائهم في سفوح التلال في شمال القوقاز، فإنهم استوعبوا العديد من أنماط الحياة من القوقازيّين الجبليّين (the Gortsy)، من ثيابهم وأسلحتهم إلى تبنّي عقليّتهم. مع مرور الوقت، وعلى الرغم من أنّ القوزاق تحوّلوا إلى أداة بيد الإمبراطوريّة الرّوسيّة ضد الجبليّين أنفسهم وهم الّذين قدّموا لهم المأوى في البداية. وكان القوزاق عندها قد استوطنوا في أراضٍ احتلّها القياصرة من الجبليّين. وكانت الأراضي هي بالضبط السلعة التي أصبحت مصدر العداء لقرون بين الجبليّين (Gortsy) والقوزاق. واستغلّ البلاشفة بمهارة العداوات بينهما في سنوات 1918-1922. بالتحالف مع الجبليّين (Gortsy)، قضى البلاشفة بنجاح على أعدائهم الّلدودين، قوزاق تيريك وكوبان، الّذين عاشوا في وادِيَيْ النّهرين.

وبالنظر إلى هذه الخلفية من العداوة التاريخية، فمن الغريب أن نسمع بعض كبار المسؤولين الروس يقولون شيئا كهذا: “حقا لدينا وضعا صعبا في داغستان، وضعا صعبا في إنغوشيتيا وفي عدد من الجمهوريات الأخرى. وسيكون من المرغوب فيه إذا تم تعزيز تواجد القوزاق هناك، في تلك المناطق، سنتمكن من تقوية السكان الناطقين بالّلغة االروسية في تلك الجمهوريات. وهذا أيضا اتجاه سياسي هام للغاية”. وهذا ما قاله الكسندر خلوبونين (Aleksandr Khloponin)، مبعوث الرئيس الروسي لمنطقة شمال القوقاز الاتحادية، لمجتمع القوزاق في تيريك خلال اجتماع عقد يوم 18 أبريل/نيسان (http://www.chechnyafree.ru/article.php?IBLOCK_ID=388&SECTION_ID=0&ELEMENT_ID=92256).

والحقيقة أن الاجتماع الذي عقد بين خلوبونين ومجتمع قوزاقي محلي حضره أيضا نائب رئيس “إدارة الرئيس الروسي”، الكسندر بغلوف (Aleksandr Beglov)، هو دليل هام بأن ذلك سيصبح في صلب سياسة الدولة بدلا من مبادرة خاصة كممثل جديد لميدفيديف إلى المنطقة. ما يقترحه خلوبونين هو أن يصبح القوزاق كما كانوا عليه خلال فترة الإمبراطورية الرّوسيّة. وإذا أخذنا بعين الإعتبار أن عدد القوزاق المحليّين في تيريك يبلغ حوالي 35،000 نسمة – فإنّه يترتب على ذلك بأنّهم قوة قد تسبب تدريجيّا اشتباكات بين الأعراق مع الجبليّين المحلّيّين. ومن المهم أن نلاحظ بأنّ تقوية القوزاق لم يقصد منه المساعدة في الدفاع عن منطقة القوقاز وسكّانها من عدو أجنبي. بدلا من ذلك، لوحظ بشكل قاطع خلال الاجتماع بأن القوزاق سوف يخدمون بشكل أفضل كقوة دفاع عن السكان المحليين من العرق الروسي. إنّ ذلك في الحقيقة يعني بأنّ وحدة شبه عسكرية تقوم على أساس عرقي ضد الشّعوب الأصيلة في شمال القوقاز. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا القرار يشير إلى أن الوضع في كافّة أنحاء المنطقة لا يبدو جيدا.

ليس من الصعب التّخمين بأن سياسة الكرملين الجديدة تكتسب السرعة، وسوف تكون مصحوبة بحملة دعائية قوية في الدفاع عن القوزاق ومهمتهم التاريخية. ومن المنطقي أن مسألة الأرض أصبحت قضية فوريّة. فعلى سبيل المثال، القوزاق يقترحون بأن تخصّص لهم أراض في كل جمهوريّة روسيّة. ومساحة الأرض الّتي ستخصّص هي بالفعل معرضة للصراعات. والقوزاق يحسبون أن “لكي تتطوّر مزرعة قوزاقيّة بصورة طبيعيّة، فإنّ هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 100 هكتار” (http://www.interfax-russia.ru/South/view.asp?id=139087). في هذه الأثناء، فإنّه بالكاد يمكن للجبليّين أن يقدروا على امتلاك حتّى هكتار واحد.

سياسة موسكو الجديدة ليست بغريبة على الإطلاق.  حيث كان أول من أعرب عنها قبل حوالي خمس سنوات الرئيس في حينها فلاديمير بوتين، الذي اقترح عددا من التدابير الرامية الى فرض نفوذ القوزاق في المنطقة. في ضوء تلك الخطوات، بدأت السلطات المحلية إنشاء برامج خاصة للقوزاق لتسهيل عودة من هم من أصل روسي، من الذين غادروا جمهوريات شمال القوقاز ردا على عدم الاستقرار في الشيشان. في بعض الجمهوريات، مثل الشيشان وانغوشيتيا وداغستان، تم وضع هذه الأنماط من البرامج الحكومية منذ عام 2006. ومع ذلك، فإن مستقبل هذه البرامج هو بعيد المنال في ظل عدم الاستقرار الكلي لمنطقة شمال القوقاز بأسرها. ومن المثير للاهتمام، بأنّ تلك البرامج الّتي مدتها خمس سنوات ستنتهي في عام 2010، وأنه يمكن الاستنتاج بأنها كانت تمثّل فشلا ذريعا (http://skfonews.ru/article/12). فبدلا من العودة، هناك المزيد والمزيد من ذوي الإثنيّة الرّوسيّة — وأولا وقبل كل شيء القوزاق – يقومون بمغادرة المنطقة (http://skfonews.ru/article/31). أولئك الذين شملهم الاستطلاع ينوّهون إلى “الوضع غير المستقر في المناطق المجاورة” كسبب رئيسي لمغادرتهم(http://skfonews.ru/article/4). هذا هو السبب لمحاولة إحياء قضية القوزاق الّتي هي بالفعل في وضع سيئ جدا من أدّى إلى كشف من شأنه أن يؤدي إلى التوترات بين الجبليّين وذوي العرق الرّوسيّ. وعلى ما يبدو، فإنّ أولئك الذين يحاولون جعل الوضع أسوأ ممّا هو عليه يأملون بأن يوجّهوا قوات أمن إضافية (الحرس القديم) (siloviki) — وزارة الدفاع وجهاز الأمن الفيدرالي (FSB) ووزارة الداخلية — إلى المنطقة باسم إنقاذ الرّوس وهزيمة قوى التّطرّف والنزعة القومية.

إنّ الوضع غير المشجع في شمال القوقاز يتطلب على ما يبدو حلولا إستثنائية من قبل الحكومة. في الواقع، على الرغم من الخطوات التي تتّخذها موسكو فإنّها تماثل الدمية الروسية ماتريوشكا. بغض النظر عن عدد المرات التي تفتحها، فأن لعبة أصغر تبقى موجودة. في بعض الأحيان، فإنّ موسكو توحد أفراد الحرس القديم ومن ثم تبعثرهم. تخضعهم لبعضهم البعض، بتغيير جهاز الأمن الفيدرالى الى وزارة الداخلية أو العكس، فإنها دائما تدور حول المنظمات نفسها التي تعتمد عليها الحكومة: جهاز الأمن الفيدرالى (FSB) ووزارة الدّاخلية ومكتب المدّعي العام.

هكذا، في 19 أبريل/نيسان، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من زيارة الرئيس ميدفيديف للعاصمة الداغستانيّة محج قلعة، فقد أعلن أنه تم إنشاء مجموعة عاملة لوكالة دائمة لمكافحة الإرهاب في منطقة شمال القوقاز الفيدراليّة التي تضم ممثلين عن جهاز الأمن الفيدرالى ووزارة الداخلية ولجنة تحقيق الإدّعاء العام. والمجموعة أنيط بها مهمّة التحقيق في الأنشطة الإرهابية (http://gazeta.ru/news/lenta/2010/04/19/n_1485130.shtml). وغني عن القول بأن هذه الوحدة ستقدم للجمهور باعتبارها ابتكارا على مستوى عالمي والّتي سيكون وجودها يثير نتائج تصم الآذان. ولكن ما تمثله في واقع الأمر يمكن تفسيره مع التعبير الشعبي الروسي، وترجم بالتقريب إلى الانكليزية بشكل “بذل المحاولات العقيمة” أو “طاحونة الهواء”. تعيش موسكو بمفردها في عالمها الزائف والإفتراضي، ويبدو بأنها سعيده في خداع نفسها وكذلك الشعب الرّوسي — الذي، بالمناسبة، لا يفهم لماذا لم يكن ممكنا هزيمة المتمرّدين خلال 11 سنة من الحرب الّتي تم خوضها ضدّهم في شمال القوقاز، ولماذا هم عوضا عن ذلك يتوسّعون ببطء ويقومون بتوسيع مجال نفوذهم ليشمل روسيا بشكل ملائم.

إنّ القوزاق والبنية الجديدة لن يكونوا قادرين على تصحيح الصورة المتغيرة في شمال القوقاز. عدد الأشخاص الذين يرفضون الثقة بأيديولوجية الدولة في تزايد مستمر وانهم يبحثون ويعثرون على إجابات في الشعارات القومية والراديكالية. إنها ليست مجرد حزب أو جماعة وإنما جزء متكامل من المجتمع الذي أصبح متطرّفا، وأنه من المستحيل تصحيح الوضع ببساطة مع شعارات تنتقد الفساد.

ميربيك فاتشكيف (Mairbek Vatchagaev)

ترجمة:  أخبار شركيسيا

Share Button