المعمّر القفقاسي أزنور لييف يحمل الحصان ويصنع حبالا من المسامير

المعمّر القفقاسي أزنور لييف يحمل الحصان ويصنع حبالا من المسامير

بلغ عمر المعمر القفقاسي أزنور لييف قرابة 90 عاما إلا أنه ما زال قادرا على صنع الحبال من المسامير وقص أربعة أطنان من القش خلال موسم الصيف. كان يرفع فرسا مع الفارس بسهولة ويحملهما فوق أكتافه حتى بلغ الستين من عمره. هناك حجر كان لييف قد حمله من النهر عندما كان في السادسة والسبعين من عمره ووضعه في العربة ليأتي به إلى منزله ولم يستطع أحد أن يحركه

من مكانه حتى الآن.

تطل التلة المنخفضة الواقعة على الطريق المؤدي من العاصمة شركيسك إلى قرية خابيز على قرية شركسية صغيرة تدعى نوفوخومارينسك. وفي الكروم الواقعة خلف التلة مباشرة يلاحظ المسافر عجوزا هزيلا طويل القامة يعمل بحيوية ونشاط.

عندما يرى المرء تلك النظرة الماكرة الفاحصة للعينين الفتيتين الزرقاوين ينسى أن من يقف أمامه رجل عجوز. وبعد دقائق تبدأ الأفعال العجيبة التي لم يتجرأ أحد من رفاقي الفتيان على محاولة القيام بمثلها.

أخذ أزنور بسهولة المطرقة الثقيلة التي حاولت انا قبل ذلك انتزاعها من الأرض عبثا وقام بتقسيم جذع شجرة طوله 10 أمتار وقطره 40 سنتيمتر خلال أربع دقائق ثم رفعه وحمله لعدة أمتار. بعد ذلك أخرج من جيبه  مسمارين بطول 100 مم ولف رأسيهما بمنديل ولواهما مثل الحبل.

–         لم يزد وزني يوما عن 70 كيلوغراما. وعندما كنت طفلا كنت أسابق أطفالا أخرين وأفوز عليهم دائما.. كنت خفيفا.. أقبض على الأبقار والخيول أثناء الركض.. – يستذكر العجوز وهو يتحدث دون عجلة في الكلام.

ويضيف وهو يستمر في عرض أفعاله البهلوانية:

–         نحن عشيرة لييف (هي من أشهر العشائر الشركسية – ملاحظة الكاتب) عشيرة البهلوانيين، وكان والدي قويا أيضا وحصل على وسامي غيورغيفسكي من القيصر الروسي. أما شقيقته التي تزوجت من رجل من عشيرة شيدوف (أيضا عشيرة شركسية معروفة – ملاحظة الكاتب) من قرية خاخاندوخوفسكي فكانت تتمتع بقوة جسدية هائلة حسب ما ورد في روايات تداولها الناس. تروى إحدى الحكايات أن عائلة شيدوف كانت تقيم احتفالا في يوم من الأيام وكما جرت العادة قاموا بذبح عجل عمره ثلاث سنوات وبعد تقطيع اللحم وضعوه في وعاء ضخم لسلقه فوق النار، فحاول أربعة رجال تعليق الوعاء على خطاف فوق النار غير أنهم لم يتمكنوا من رفعه فذهبوا لطلب المساعدة.

وكانت الكنة الفتية واقفة في الجوار وبعد أن ذهب الرجال نظرت حولها لتتأكد من أن لا أحد يراها وقامت برفع الوعاء بإحدى اليدين وعلقته على الخطاف وانصرفت مسرعة.

 

–         هل هذه المرأة لها صلة ما بحاتاجوقو شيدوف الرجل الذي ذاع صيته في القفقاس لتمتعه بقوة بدنية هائلة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟ – سألتُ العجوز.

 

قال:

– كانت والدته.

 

سألته:

– وهل سبق أن التقيت بحاتاجوقو؟

 

قال:

– التقيت به عندما كنت في سن المراهقة وكان عجوزا.. كان قويا وضخما ووسيما.. تغلب على الكثيرين في المبارزات.. وبقيت له ذكرى طيبة..

طال صمت أزنور. لم أزعجه إذ كان واضحا أن الذكريات أخذته بعيدا. ذكريات أحضرت من الماضي صورا وأصواتا وروائح حية للقرية القديمة. يداه يدا المزارع المعتادتان على العمل تتقطعهما التجاعيد والأوردة المنتفخة موضوعتان على الركبتين على غير عادتهما. قال مبتسما بلطف: – كنت أعمل طوال حياتي.. كنت أعمل في مزرعة الأبقار تارة وراعيا للأبقاروالغنم والخيول تارة أخرى. كنت اقص قشا في كل عام بمساحة هكتار واحد وحدي. حتى في العام الحالي قصصت وصففت 4 أطنان من القش. لا احد يرغمني على العمل إلا أنني لا أريد أن أجلس مكفوف اليدين في انتظار الموت. أصبح الناس الآن يشيخون في عمر الستين ولا يغادرون كراسيهم المريحة. لكنني لست كذلك!

فجأة يرفع جسده متوازيا مع الأرض محملا ثقله على مقبضي الكرسي ويبقى في هذا الوضع لعدة دقائق.

–         لم يسبق لي أن دخنت في حياتي ولم أشرب إلا قليلا في بعض المناسبات. أحب جدا المقامات والرقصات الشركسية. كنت قادرا على أداء الرقص مدة ثلاثة أيام متتالية. لا يمكن لأحد أن يتصور تلك الحركات التي رسمتها قدماي حين رقصت.

ما زال أزنور يحب الرقص ويمارسه. رقصته بعيدة كل البعد عن تلك الرقصات الصاخبة التي نشاهدها في الأعراس اليوم، فرقصة أزنور تتصف بالشهامة والجمال والخفة وتشبه تحليق الطائر الشامخ الذي يحلق فوق الجبال بجناحيه المنشورين ثم يسقط على الفور إلى الأسفل وعندما يقترب من الصخور يرتفع مجددا إلى الأعالي الزرقاء. كذلك يتوقف قلب المتفرج عندما يرفع العجوز رأسه الشائب ويبدأ بالقيام بحركاته السحرية وكل حركة معايرة بقرون من الثقافة الشركسية.

–         لقد رايت صورة لك ظهرت فيها حاملا حصانا على كتفيك.

 

–         كنت في الثالثة والخمسين آنذاك. يبلغ وزن الحصان المتوسط 400-500 كغم فهل يعتبر ذلك ثقلا؟ رفع الحصان دون الفارس أمر سهل. عليك أن تمسكه من سيقانه الأمامية والخلفية بشدة ويمكنك أن تحمله كما تحمل الكيس حتى لمسافة كيلومتر. يوجد في كل قرية تقريبا من شاهدوا كيف كنت أحمل الحصان مع الفارس. للاسف فلا استطيع الآن أن اقوم بهذا العمل ثانية، فالكثيرون لم يعودوا يصدقون…

إن حب المغامرة جزء من شخصية المرء لدى سكان الجبال، وكانت سمعة الشاب صاحب القدرات المتميزة من قرية نوفوخومارينسك تجذب إليه رجال يريدون منافسته طوال عقود من الزمن كالمغناطيس. العديد من الرجال الأقوياء والأصدقاء كانوا يطمحون للتغلب على أزنور لييف نفسه.

إحدى تلك المبارزات أصبحت أسطورة يتذكرها الكثيرون من سكان المنطقة. حدث ذلك حين كان أزنور في سن الشباب حيث جاء إليه فارس عندما كان يرعى الغنم بالقرب من النهر. كان الغريب ضخم البنية ربما يصل وزنه إلى 120 كغ أو أكثر. سأله بعد التحية: – ايها الشاب يقولون إن هناك في قريتكم بهلوانا من عائلة لييف فأتيت لأبارزه”. ولم يخطر ببال الضيف أن الراعي الهزيل الواقف أمامه هو ذاته البهلوان المشهور.

دله على الطريق إلى القرية وفي الوقت نفسه اقترب أزنور من الفرس من الخلف وحملها مع فارسها الذي لم يدرك للوهلة الأولى ماذا حدث. وعندما أدرك الأمر توسل إليه: – يا أزنور لقد فهمتُ كل شيء، بالله عليك أنزل فرسي إلى الأرض..

لم يتفوه المبارز بكلمة أخرى بعد فضيحته هذه ودار ظهره وعاد إلى دياره.

أزنور راو ممتاز، فحدثني بروح فكاهة عجيبة عن قصة بهلوان آخر معروف وقع في وضع محرج منخدعا بمظهره الهش. قال:

–         في أحد الايام جاء إلى شركيسك البهلوان المشهور أدوارد كرون استوني الأصل رجل ضخم ثقيل الوزن. كان يرفع 12 شخصا على العصا. أصر أصدقائي على أن اذهب إليه لابارزه. وجدته يتناول الفطور فكان يأكل كثيرا. حين رآني قال: – إني لن أبارزه إذ أن أوزاننا تختلف كثيرا! فأصر أصدقائي على أن يختبرني على الاقل، فأمرني كرون بأن أضمه بيدي الاثنتين وأشده بكل ما لدي من قوة ولا افلته حتى يطلب مني ذلك. استطعت أن أضمه وأشبك يدي خلف ظهره رغم ضخامة جسمه، وعندما ضغطت على كرون دفعة واحدة انصبب كل ما تناوله من الطعام قذفا من فوق كتفي. من كانوا حولي أخذوا يصرخون طلبا مني أن أفلته. صرخت زوجة كرون قائلة: – إنك سوف تخنقه! إنه أصبح أزرق اللون! عندما فتحت يدي سقط كرون أرضا مثل الكيس. صحا بعد بضع دقائق وقال مرتبكا: – لا تخبر أحدا.. فهكذا أمور تحدث أحيانا.

 

–         أزنور ربما لك طريقة خاصة في الغذاء؟

ضحك وارتسمت تجاعيد صغيرة حول عينيه الضاحكتين. قال:

–         لا يا ابنتي.. أنا صائم الآن ولو ما كنت كذلك لرأيت بنفسك كم غذائي قليل. أحب اللبن الطازج والرائب واللحم المسلوق حيث أنهما يقويان العظام والأسنان. اليوم أصبح الجميع يشترون اللحوم الميتة من السوق ويضعونها في الثلاجة ويستهلكونها طيلة شهر. وهل هذا غذاء؟ أما مرقة الماعز الطازج فإنها مفيدة حتى للعجائز ويحسن لديهم النظر ويعطيهم القوة.

 

–         أزنور لديك ثلاث بنات وأربعة أبناء.. ألم يرث أحدهم قوتك الجسدية؟

 

 

–         لا. إنهم ضعفاء جميعا. لقد قمت بمراقبتهم واختبارهم. لا يوجد بين أبنائي سوى واحد قادر على حمل أكياس بوزن 100 كغ. حتى تمكن من رفع ذلك الحجر.. هل رايته يا ابنتي؟ إنه موجود في الفناء. لقد عثرت عليه عند النهر عندما كنت في السادسة والسبعين من عمري فحملته ووضعته في العربة وأتيت به إلى هنا. مضى زمن طويل منذ ذلك اليوم.. كثيرا ما يأتي شباب من أماكن مختلفة.. شباب مغرورون يدعون بأنهم رياضيون لكن لا أحد منهم تمكن من تحريك حجري من مكانه.

تشتعل في عينيه الزرقاوين حماسة الشباب.

–         أقسم بأنني سأهدي أفضل أغنامي لمن يستطيع أن يرفعه إلى مستوى الركبتين على الاقل.

ما زال حجر أزنور يرقد في مكانه في انتظار موعده.

ربما سيأتي يوما بطل آخر لينال الشهرة ذاتها التي نالها أزنور لييف.

فاطمة تليسوفا

جمهورية كرشايفو شركيسيا

المقال الأصلي كتب باللغة الروسيّة على الرابط التالي:

http://www.rg.ru/anons/arc_2001/1122/hit.shtm

 

 

Share Button

اترك تعليقاً