دعاوى الإبادة الجماعية تشوّش على الأولمبياد الرّوسي

دعاوى الإبادة الجماعية تشوّش على الأولمبياد الرّوسي

نشر عدد من وسائل الإعلام نقلا عن وكالة رويترز للأنباء تقريرا من شركيسك لثوماس غروف (Thomas Grove) بتاريخ 13 / 10 / 2011 بعنوان “دعاوى الإبادة الجماعية تشوّش على الأولمبياد الرّوسي“، وجاء في مقدّمته أن “أحفاد الشّراكسة المرحّلين يستمرّون في حملة لاسترداد سوتشي”، ويكمل التقرير:

يتذكر محمد شركيسوف جده وجدته وهم يهمسون عن الجنود الروس الذين قادوا أسلافه تحت تهديد السلاح من منازلهم في الجبال وصولا الى ساحل البحر الأسود في منتصف القرن التاسع عشر.

الترحيل القسري للمسلمين الشركس إلى الأراضي المنخفضة في سوتشي وما حولها سوتشي حيث تم ترحيلهم خارج حدود الإمبراطورية الروسية أدّى إلى مقتل نحو ثلث السكان نتيجة للمرض والجوع والتعرض للعوامل الأخرى.

ولاحقاً بعد قرن ونصف، تريد روسيا إجراء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في نفس تلك الأودية الفسيحة والمنحدرات الجبلية حول سوتشي التي يقول الشركس بأنّها تضم عِظام أجدادهم.

واضاف “اننا نتحدث عن انعقاد الألعاب الأولمبية فوق مقبرة جماعية تضم الشركس”، قال شركيسوف، وهو زعيم للأقلية في مقاطعة قراشاي – شركيسيا في شمال القوقاز، وهي خليط من مناطق معظمها مسلمة على طول الجهة الجنوبية لروسيا.

يعتقد الكثير من الشركس بأن 1.5 مليون من أسلافهم لقوا حتفهم حيث أن الجنود الروس شرعوا حينئذٍ في طرد جماعي لشعبهم لتسهيل إخضاع القيصر لمنطقة القوقاز. المؤرخون عن الإمبريالية الأوروبية والروسية يقولون إن الرقم قد يكون أقرب إلى 300,000.

الشركس المتطرفون يقولون انهم يريدون إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء والحصول على الإستقلال عن روسيا. ويقف أغلبيّتهم وراء حملة كلاميّة متزايدة لحث روسيا على الاعتراف بالقتل على أنّه إبادة جماعية ولتمهيد الطريق للشتات الشركسي الكبير للعودة إلى وطنه التاريخي.

المأساة مقابل الإبادة الجماعية

وقالت روسيا أن حالات الوفاة كانت من بين مآسي الحرب التي عانى منها كلا الجانبين حين كان القيصر يتم إحكام قبضته على منطقة جبال القوقاز، لكنها تنكر أنها وصلت إلى حد الإبادة الجماعيّة.

واضاف “اننا لا نطلب أي تعويض مادي من روسيا، فنحن نريد روسيا أن تقول بنفسها بأنّه اتخذت إجراءات غير عادلة ضد الشركس وأن هذه كانت أرض الشركس”، قال شركيسوف، متحدثا لوكالة أنباء رويترز في مكتبه البسيط (الإسبارطي) المحاط بصور أجداده وهم يرتدون المعاطف الحمراء التقليدية الطويلة والأحذية السوداء العالية.

من عدد الشركس الّذي يقرب من 8 ملايين شخص في العالم، هناك فقط حوالي 700,000  يعيشون في روسيا. أما الباقون فهم من أحفاد الرجال والنساء الذين رفضوا الرضوخ للحكم الروسي وتمّ نقلهم بسّفن الامبراطورية العثمانية، وأعيد توطينهم في امتدادات نائية من أراضيها.

“نريد من روسيا أن تعترف بأنّه كان هناك إبادة جماعيّة وأن تقبل بالعواقب الطبيعية، بما في ذلك استعادة أراضينا واعتراف موسكو بسيادتنا”، قال المحامي والكاتب الشركسي تيمور كوداييف (Timur Kudayev) في مقابلة.

الشركس في روسيا، مفصولين بحدود إدارية عبر منطقة القوقاز، فشلوا بالتوحد تحت إمرة زعيم أوحد، ما يؤدّي إلى تعقيد المفاوضات لكلا الجانبين.

وهدد البعض بالقتال من أجل الاستقلال اذا لم يتم تلبية مطالبهم، وهي الخطوة التي من شأنها المساهمة بمزيد من التاجيج في منطقة شمال القوقاز المضطربة.

موسكو بالفعل تتصارع مع متمردين عنيفين يهدفون إلى تحويل المنطقة الى دولة إسلامية وهددوا بمهاجمة دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي حيث سيتنافس الرياضيّون من مختلف أنحاء العالم في غضون سنوات قليلة.

جورجيا تعترف بأعمال القتل

جذبت الحملة الشركسية إهتماماً دولياً مقتضباً في مايو / أيار عندما اعترفت جورجيا التي خاضت حرباً قصيرةً مع روسيا قبل ثلاث سنوات، بأعمال الذّبح الّتي حدثت في القرن التاسع عشر على أنها إبادة جماعيّة.

ورفضت موسكو هذه الخطوة باعتبارها واحدة من الإثارات السياسية العديد من قبل جارتها الجنوبية نظراً لأن تبليسي كانت قد أجبرت على التوقيع على وقف اطلاق النار لوقف القتال في عام 2008 واعترفت موسكو باستقلال منطقتين جورجيّتيْن متمرّدتيْن وهما اللتان جرت الحرب من أجلهما.

أجبرت الضغوط المتزايدة المشرعين الروس على لقاء ممثلين عن الشركس في وقت سابق من هذا العام لمناقشة مطالبهم، بما في ذلك تخفيف القوانين التي من شأنها أن تساعد الشّتات على السّفر، وإعادة التوطين بحرية في وطنهم الواقع في شمال القوقاز.

“يجب على روسيا أن تفكر في ذلك على أنه مشروع للشركس، بما في ذلك جعل عودتهم أسهل، مع المال والأرض ومكانا للعيش”، قال جمهور بال (Cumhur Bal) من فيدراليّة الجمعيّات القفقاسيّة (Kafkas Associations Federation)، وهي مجموعة تمثّل مظلّة للعديد من الجماعات الشركسية المبعثرة في أنحاء تركيا لوكالة أنباء رويترز من انقرة.

منظمته، الذي كانت متواجدة في اجتماع مع المشرّعين الرّوس في فبراير/شباط الماضي، جنبا إلى جنب مع العديد من قادة المجموعات الشركسية الأخرى، يقول أن ما بين 400-500 من المواطنين الأتراك قد انتقلوا بالفعل عائدين إلى وطنهم التاريخي.

ويقول الشّراكسة في تركيا ان المشاعر القوميّة القويّة الّتي تدعمها الدولة التركية تجعل من الحرج بالنسبة لهم لمناقشة جذورهم أو ممارسة ​​تقاليدهم بشكل علني.

انتقلت غوبس ألتينيسك (Gupse Altinisik) من منزلها في اسطنبول، العاصمة الثقافية لتركيا، الى المدينة الصغيرة ذات الأغلبيّة الشركسية نالتشيك في إقليم قباردينو – بالكاريا. قالت بأنها غادرت لأنّها وزوجها شعرا بأنّهما شراكسة أكثر من كونهما أتراكاً.

وقالت “بالنظر إلى الأمر من الجانب التاريخي للمشهد، فهذا هو وطني، وهذا هو المكان الذي عاش في أجدادنا”.

قالت بأنّه بعد عودة أبناءها إلى تركيا لتلقّي التعليم العالي، فإنها تريد منهم أن يعودوا إلى المنطقة الّتي وصفتها بالوطن.

وقالت “هذا مشروع نؤمن به، وهو ما نرى المستقبل من خلاله”.

التزلج على ركام من العظام

إن شعور الأقلية الصغيرة الجديدة بالقومية والوعي احتمال حضور عالمي قوي واسع النطاق تعزّز بواسطة حشد من المواقع الألكترونيّة على شبكة الانترنت باللغات الانكليزية والروسية والتركية والّتي كرّست لحوار مناهضة الأولمبياد وتأييد الشراكسة.

العديد منهم شكّل ملصقات أولمبية وهمية تظهرمتزلجين يتسابقون فوق ركام من العظام، وتصور دماً يقطر من الجبال على الحلقات الأولمبيّة الخمس.

ورفضت الّلجنة الأولمبيّة الرّوسيّة الرّد على تساؤلات حول دعاوى الشركس وأية خطط للإعتراف بأقليّتهم في دورة الألعاب الأولمبيّة.

وقال أوليفر بولو (Oliver Bullough) “نّه فهم جديد لعملية إبادة جماعية خاسرة”، وهو مؤلّف نشر عن ذبح الشركس.

واضاف “إن الوعي يساق عن طريق الإنترنت. انه شيء عظيم بالنّسبة للشركس ولكنه قد يكون معضلة بالنسبة لروسيا”.

لقد وصلت روسيا أقرب ما يكون للإعتذار عن عمليات القتل في عام 1994 عندما قال الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين بأن استعمال القوّة ضد الجيوش القيصرية الغازية كان له ما يبرّره.

وحثت إثنتان من مناطق روسيا في شمال القوقاز – أديغيه وقباردينو-بلقاريا – موسكو على الاعتذار عن عمليات القتل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ولكن الشركس يقولون ان البرلمان الروسي لم يستجب مطلقاً لهذه المبادرة.

ويخشى بعض الزعماء من أن بعض أفراد الجمهور قد يتحولون إلى المطالبة بحركة استقلال كامل اذا لم تتم تلبية المطالب.

“إذا لم يكن هناك تغيير حقيقي في السياسة، فإن طبيعة العلاقة بين روسيا والشركس ستتحول إلى أكثر عدائية”، قالت شيشيك شق، وهي التي التقت مع المشرّعين الرّوس في مايو/أيّار نيابة عن الشركس الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأميركيّة.

وقالت إن “أي حركات وليدة مستقلة ستبدأ في كسب المؤيدين من حيث أن المزيد والمزيد من الشركس يفقدون الأمل في إيجاد حل من خلال التعاون”.

القليل الآن يقولون انهم سيكونون على استعداد للقتال، ولكن أي نوع من المقاومة من شأنه أن يعقّد علاقات موسكو مع المنطقة المضطّربة قبل دورة الألعاب الأولمبية.

” لا نريد عقد دورة الألعاب الأولمبية على الإطلاق إن كانت ستعقد في كراسنايا بوليانا، موقع المجزرة التي المت بنا. منطقتنا. لن نكون قادرين على تحمل مشاهدة المباريات من دون دموع”، قال الكاتب كوداييف.

ترجمة: أخبار شركيسيا

Share Button

اترك تعليقاً