هل وصل الربيع العربي إلى داغستان؟

هل وصل الربيع العربي إلى داغستان؟

نشر موقع  مؤسّسة جيمس تاون الألكتروني على الإنترنت بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثّاني 2011 مقالا للكاتب فاليري دزوتسيف (Valery Dzutsev) بعنوان “هل وصل الرّبيع العربي إلى داغستان“، وجاء فيه:

 

في 25 نوفمبر/تشرين الثّاني، شهدت عاصمة داغستان محج قلعة، أكبر احتجاج تشهده في الفترات الأخيرة. نزل ما مقداره 2500-3000 من الناس إلى الشوارع للإعتراض على انتهاكات الشرطة المتزايدة. حاول النائب الأول لرئيس وزراء داغستان رضوان قربانوف طمأنة المتظاهرين بأن السلطات كانت تقوم في حماية حقوق الإنسان بيقظة، لكنه لم يقنعهم بذلك. قامت بتنظيم المسيرة عدد من المنظمات المدنية الداغستانية من أقارب الاشخاص المخطوفين على أيدي الأجهزة الأمنية. حيث تعهدوا بمواصلة الإحتجاجات كل يوم جمعة حتّى يتم وضع حد لكل عمليات الخطف وغيرها من تجاوزات الشرطة، واصفين الوضع في داغستان بأنه حرب أهلية (www.kavkaz-uzel.ru, November 25).

 

ولاحظ العديد من المراقبين وجه الشّبه الكبير بين الأحداث الأخيرة في محج قلعة وموجة الثورات في الشرق الأوسط. وبصرف النظر عن شعارات الإسلام ذات الصلة، فإنّه تم استخدام خدمات تويتر وفيسبوك على الانترنت للتنسيق للحشد. وسرد محمدخان بايسلطانوف من خاسافيورت في شمال داغستان قصته الشخصية ذاكراً كيف تم اقتحام منزله من قبل أفراد إنفاذ القانون الذين قتلوا زوجة ابنه وجرحوا ابنه خلال العملية. اعترفت الأجهزة الامنية في وقت لاحق بأنها ارتكبت خطأً، ولكن محاولة بايسلطانوف لمقاضاة السلطات لم تنجح. ووفقا لبايسلطانوف، فقد نصحه المدعي العام الداغستاني أندريه نزاروف بالإنضمام الى المتمردين والإنتقام ضد المسؤولين عن وفاة زوجة ابنه (http://www.voanews.com/russian/news/Dagestan-Protests-134515903.html?ft, November 25).

في 21 نوفمبر/تشرين الثّاني، نظمت نفس المجموعة احتجاجاً آخر في محج قلعة أمام مسرح الآفار. هذا يعني على الارجح ان العديد من المتظاهرين كانوا من عرقية الآفار، وهي أكبر مجموعة إثنيّة في داغستان. “إذا أراد المسؤولون الحرب على الوطن الدّاغستاني الذي عانى طويلا، فإنهُ يجب أن يخبرونا عن ذلك علنا”، قال المنظمون في بيان لهم. وأضاف البيان “اذا لم يكن كذلك، يجب عليهم أن يردّوا على تجاهل القانون والتعسف من قبل الضّبّاط المكلفين بتنفيذ القانون بطريقة صارمة وجوهريّة” (http://www.kavkaz-uzel.ru/articles/196237, November 22).

 

احتجاجات الجمهور الواسعة ضد تجاوزات الشرطة هي تطور حديث نسبيا في داغستان، على الرغم من أن الناس قد نزلوا إلى الشوارع هناك في كثير من الأحيان ربما أكثر مما هو عليه في أجزاء أخرى من شمال القوقاز. الحكومة الآن في موقف صعب. فمن جهة، الخوف ممّا يشبه ثورة الربيع العربي في داغستان في الوقوف في وجه حملة الحكومة ضد المحتجين. ومن ناحية أخرى، إذا قمعت الحكومة حركة الاحتجاج بالقوة، يمكن أن يكون هناك رد فعل دولي، فضلا عن زعزعة إستقرار شديدة أخرى في داغستان. في حين انّه غالبا ما يفترض أن سلطات الجمهوريّة هي نفس السلطات في موسكو، فإن العلاقة بين الاثنتين هي أكثر تعقيدا بكثير. سوف تطالب موسكو رئيس داغستان محمد سلام محمّدوف، توفيرمظهر من مظاهر الاستقرار على الأقل وتهديده بالفصل، لكن ربما يكون محمّدوف أيضا عنده واسطة معتبرة تدفع باتّجاه تعزيز مصالحه. وفي اجتماع للحكومة يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني، هاجم رئيس داغستان فروع عدة وكالات اتحادية في داغستان واصفاً إيّاها بأنها “بؤر للفساد” (http://www.ndelo.ru/one_stat.php?id=5944, November 18).

 

حتى الآن، فقد استجابت السلطات الداغستانية للتّحدّي بِبيروقراطية معهودة وبأهمّية غير واضحة جدا، إن وجدت. في أعقاب الإحتجاج في محج قلعة، عقدت الحكومة الدّاغستانيّة إجتماعا خاصاً في 26 نوفمبر/تشرين الثاني. ودعى محمّدوف وكالات تطبيق القانون فرض “القانون والنظام” في الجمهورية. وتم تشكيل لجنة مشتركة بين الوكالات لتنسيق التحقيق في عمليات الخطف في داغستان (http://www.riadagestan.ru/news/2011/11/26/121621/, November 26). وقد حاولت الحكومة أيضا تهديد منظّمي الإحتجاج باستدعائهم إلى الشرطة (http://dagestan.kavkaz-uzel.ru/articles/196548/, November 27).

في 17 نوفمبر/تشرين الثّاني، اختفى محمد رسولوف في محج قلعة في ظروف غامضة. حظي رسولوف بدعاية لا يستهان بها كونه والد مريم شاريبوفا، الّتي يعتقد أنّها إحدى الانتحاريّتيْن الّلتان هاجمتا محطّة المترو في موسكو في مارس/آذار 2010. وقد اشتُبِه ايضا بنجل رسولوف، أنور شاريبوف بأنّه كان متورطاً في تفجير مترو موسكو، لكنه تمكن من الفرار إلى إيطاليا والحصول على حق اللجوء السياسي هناك في يونيو/حزيران 2011. ونجلا آخر لرسولوف، الياس شاريبوف، هو أيضا هارب: وقد ناشد السلطات عدّة مرات من مخبئه لحمايته من إنتهاكات إنفاذ القانون (www.kavkaz-uzel.ru, November 22).   في حديثه الأخير قبل اختفائه لإذاعة أوروبا الحرة / راديو ليبرتي، كشف رسولوف بأنه كان ضابطاً سابقاً في جهاز الأمن الفيدرالي (FSB). وأدلى ببيان يكشف فيه عن السياسة الروسية في شمال القوقاز، قائلا انه عندما كان لا يزال في ال “إف إس بي” كان يُأمر هناك بقتل الأولاد المسلمين “للسيطرة على أعدادهم” (http://www.rferl.org/content/radicalization_splitting_society_in_russia_north_caucasus/24381757.html, November 4). إذا أردنا أن نصدق رسولوف، فإن عدم الاستقرار في شمال القوقاز يبدو خيارا واعيا يبذل من قبل موسكو لتكريس مزيدٍ من الفوضى في المنطقة.

لقد جرت سلسلة من الاعتقالات وعمليات الخطف في داغستان في تشرين الأول/أكتوبر- نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ما أدّى إلى إثارة احتجاجات واسعة النطاق في داغستان. أحد منظّمي المظاهرة، سعدالله أبو سفيانوف فقد اثنان من اشقائه. في 27 أكتوبر/تشرين الأوّل، اقتاد رجال مسلحون يرتدون الزي العسكري بعيدا ، رضوان أبو سفيانوف من السوق حيث كان يعمل في تجارة مستحضرات التجميل. في 18 نوفمبر/تشرين الثّاني 2010، اختفى شيخ الإسلام أبو سفيانوف، وعثر عليه ميتا بعد ذلك بيومين مع وجود علامات على تعرّضه للتّعذيب (www.kavkaz-uzel.ru, November 16).

إن ثورة كالربيع العربي في داغستان أو في غيرها من مناطق شمال القوقاز مرحب بها إذا كانت موسكو غير قادرة أو غير راغبة في التدخل. في السّنوات الأخيرة، أبدت موسكو استعداداً أكثر لسفك دماء المتظاهرين في المناطق غير الروسية في روسيا والإتحاد السوفياتي السابق منه في الأراضي ذات الإثنيّة الروسية. حيث انه من غير المرجّح أن تتجنّب موسكو معاملة المتظاهرين السلميين في شمال القوقاز بقسوة. ومع ذلك، هناك أيضا اتجاها جديدا نسبيا في السياسة الروسية التي يعتبر هذه المنطقة خارجة عن المصالح الروسية وانها مناطق مزعجة حيث انها  “لا تستحق” إهتمام وجهود  روسيا. وبالتّالي فإنّه في ظل ظروف معينة، يعتبر وصول الاحتجاج المدني إلى حجم الاحتجاجات في الشرق الأوسط سيناريو معقولاً.

 

ترجمة: مجموعة العدالة لشمال القوقاز

Share Button