كل عام وأنتم بخير

كل عام وأنتم بخير

ANF1

موقع أخبار شركيسيا يهنئكم بحلول عيد الأضحى المبارك، أعاده الله عليكم وعلى الأمة الشركسية المرابطة وهي ترفل بأثواب الحرية والعز والفخار والإنتصار على الظلم والقهر وعلى من يريدون القبول بالأمر الواقع المرفوض من النارتيين العقلاء، وأن يوفق الله سبحانه وتعالى أبنائها المخلصين على استعادة كرامتها وحقوقها المغتصبة ويحل السلام المشرّف في الوطن الشركسي العزيز، إنه سميع مجيب

وكل عام وأنتم بخير

Share Button

الأساطير المؤسسة للفيتو الروسي على الربيع العربي

الأساطير المؤسسة للفيتو الروسي على الربيع العربي
الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن ضد قرار يدين قمع النظام السوري للثورة (الفرنسية)
الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن ضد قرار يدين قمع النظام السوري للثورة (الفرنسية)

جمال العرضاوي

يبدو موقف الكريملن من الثورات العربية المتلاحقة منذ ديسمبر/كانون الأول 2010 مركبًا، وفي الوقت نفسه غير قابل للتفكيك بسهولة ودون إمكانية لتحديد العناصر الرئيسية فيه والأولويات. وهناك أساطير تلف هذا الموقف لابد من حصرها لمواصلة البحث في صميم السؤال.

لو اتجهنا من الخارج إلى الداخل سنصطدم بأسطورة خارجية (عربية) مفادها أن موسكو متحالفة مع الأنطمة العربية المتهاوية بسبب ارتباطها بمصالح مشتركة وبعقود بمليارات الدولارات، وأن موسكو بدفاعها عن هؤلاء تدافع عن “مجالها الحيوي”.

أما لو دخلنا إلى روسيا الشاسعة فسنصطدم بأسطورة داخلية تروج في موسكو ومفادها أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يقوم ببلبلة ليست مختلفة في جوهرها عن الفوضى البنَّاءة سيئة الذكر، والهدف منها هو توتير السياسة الدولية في انتظار قيام حرب إقليمية كبرى أو حتى عالمية من شأنها أن تحل تناقضات الأزمة المالية المتفاقمة والتدهور المحدق بأكبر اقتصاديات العالم. وما ربيع الثورات العربية، وفق هذه النظرية، سوى حلقات من المؤامرة بعد أن جرَّبت أميركا التدخل العسكري لإسقاط الأنظمة في أفغانستان والعراق وتوصلت إلى إمكانية جني الثمار بأيدي أصحاب البلاد.

الأساطير الخارجية

لو بدأنا بالأسطورة الخارجية سنجد أن من يروِّج لها أكثر من وسائل الإعلام الروسية هي وسائل الإعلام العربية، وهذا راجع قبل كل شيء إلى أن العقل السياسي العربي لا يزال يتعامل مع موسكو وكأنها عاصمة دولة عظمى لا تقل عن عاصمة الاتحاد السوفيتي شراهة للحفاظ على مراكز ثقلها في العالم. وفق هذا الفهم القديم تبقى الذاكرة العربية وفيّة لمقولات قديمة لم تعد قائمة في الخارطة السياسية العالمية. عندما طارت المقاتلات الإستراتيجية الروسية من طراز توبوليف 160 ووصلت إلى فنزويلا لم تُعِرْها أميركا أية أهمية لأنها تعرف أن هذه الحركة هي للاستخدام الداخلي لا غير، وأن هذه الطائرات ربما كانت تكمل بهذه الرحلات عمرها الافتراضي لا أكثر. أما الفكر الجمعي العربي فقد هلَّل لها باعتبارها إشارة إلى عودة التوتر بين روسيا والغرب، وأن المستفيدين قبل غيرهم سيكونون عربًا أيضًا. لا يريد العرب أن يفهموا أن التناقضات بين روسيا والغرب قد تراجعت إلى مستواها الوطني منذ أن سقط محتواها الأيديولوجي.

لو تحدثنا مثلاً عن أحجام التبادل العسكري بين روسيا وبعض الأنظمة المتساقطة وتحديدًا النظامين الليبي السابق والسوري سنجد أن هذه الأحجام خجولة للغاية، وأنها لا يمكن أن تحدد سياسة بلد مثل روسيا له ثالث احتياطي عالمي من العملة الصعبة بما يفوق 500 مليار دولار؛ فالصفقات التي كانت مرتقبة (وليست فعلية) مع القذافي في مجال الأسلحة لم تكن لتتجاوز أربعة مليارات دولار، في حين أنها مع سوريا كانت أقل من ذلك بكثير. أما قاعدة طرطوس، وهي على أية حال محطة لتصليح السفن أكثر منها قاعدة عسكرية دائمة؛ فهي، كما يردد الروس أنفسهم، ليست بتلك الأهمية التي يمكن أن تحدد موسكو مواقفها على أساسها، ويكفي هنا أن نذكر أن الكريملن نفسه منذ أن وعى أنه لم يعد ثاني اثنين تخلَّى عن فكرة القواعد الخارجية، وقد رآه العالم وهو ينسحب طواعية من كوبا وفيتنام ويُخلي قواعده العسكرية هناك، فما الذي سيجعله يستميت إذًا في الدفاع عن قاعدة طرطوس؟ وما المانع -كما قال السياسي الروسي المخضرم يفغيني بريماكوف- من الحفاظ على هذه القاعدة، لو كانت مهمة إلى هذه الدرجة، بأي شكل ممكن بما في ذلك عن طريق مساعدة المعارضة السورية الآن ضد النظام السوري لو كان الساسة الروس مقتنعين بالتعاون مع هذه المعارضة؟ لابد أن موسكو لا تفكر في مثل هذه الأمور وهي تدير ظهرها للثوار العرب.
أما أسطورة المؤامرة الغربية لزرع الفوضى وخلط أوراق مصير العالم فهذه تعمل بشكل علني في روسيا، وقد أفلحت النخبة السياسية الحاكمة في جعلها نظرية مناوبة في عقول الكثير من المثقفين والخبراء الروس. قامت ثورات الربيع العربي، وفق هذه النظرية، بتخطيط مسبق من قبل مراكز البحوث والدراسات الغربية التي يُعتقد أنها نظرت عميقًا في الأزمة المالية التي ضربت العالم قبل ثلاثة أعوام وتهدد الآن من جديد بضربة قاصمة لأكبر الاقتصادات، فرأت أنه لابد من ترتيب جديد للعالم سبق أن جرَّبه الغرب بعد كساد طويل شهدته الأسواق قبل الحرب العالمية الثانية.

قرر الغرب إذًا مرة أخرى تغيير صورة العالم التي أصبح يشوب أفقَها كثير من السواد بسبب رهاب خطير خلفته الأزمة المالية. لأجل ذلك فكّر الغرب وتفتق إبداعه عن فكرة رهيبة يتخلى بموجبها عن حلفائه التقليديين من زعماء العرب الذين كرهتهم شعوبهم ويتحالف مع عدو سابق هو الإسلاميون. دور الإسلاميين محدد وفق هذه الأسطورة بخلط الأوراق قبل كل شيء في منطقة الشرق الأوسط وصولاً إلى إشعال حرب بين إسرائيل وجيرانها؛ ومن ثَمَّ دخول إيران وتركيا على الخط، وليس القوقاز ببعيد، وهكذا دواليك…

الكاتب الروسي نيكولاي ستاريكوف مطروح منذ فترة على الساحة كمفكر روسي متميز، وهو عندما يقارب الربيعَ العربي يصبح من مناصري نظرية المؤامرة بصراحة، ولا يكتفي بالحديث عن مسلسل من الثورات بإخراج هوليودي، بل يمضي أبعد من ذلك ويرى حلقة أخرى فيه وهي حلقة المطالبة بالاعتراف الآن بالدولة الفلسطينية، ويرى أن أميركا أصبحت الآن جاهزة لبيع إسرائيل ودفعها إلى الدخول في حرب طاحنة مع جيرانها الذين سيُحكمون قريبًا من قبل السلفيين. والخوف هنا ليس على إسرائيل أو على العرب بقدر ما هو خوف من أن تنتشر الفوضى وتصل في آخر المطاف إلى روسيا المرتبطة بالعالم العربي الإسلامي بأواصر عميقة وخفية.
ليس غريبًا أن تنتشر هذه النظرية في روسيا فهنا أرضية صالحة لاستنباتها، وهناك شعور قديم توارثه الروس عن السوفيت وهو العداء للغرب؛ ولهذا العداء وجهان: وجه واقعي يتلخص في أن مواطني الاتحاد الروسي فعلاً يشعرون بعداء تاريخي لسياسات الغرب لم يندثر حتى إثر انهيار الاتحاد السوفيتي بل تدعَّم لسببين: أولهما: هو الشعور الغالب بأن الجناح الليبرالي غربي النزعة الذي سيطر على مقدرات الدولة في حقبة الرئيس الراحل بوريس يلتسين تلاعب بهذه المقدرات ووزعها بين فئة قليلة ممَّن سُمُّوا آنئذٍ بالأغنياء الروس الجدد الذين اقتنوا المصانع والمؤسسات بأسعار رمزية جدًّا، وأمعنوا في تحويل أموال الشعب الروسي إلى حساباتهم الخاصة في البنوك الأجنبية فيما ظل المواطنون يتفرجون ويتقاسمون الفقر في زمن الرأسمالية المتوحشة.

السبب الثاني لاستشراء العداء للغرب في روسيا الاتحادية هو استغلال هذا الشعور من قبل النخبة الحاكمة المسيطرة على جميع وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها استغلالاً يشتد، خاصة في الحملات الانتخابية لملئها بمضمون خارجي طالما لا يمكن ملؤها بمضمون داخلي، وذلك بسبب انعدام المنافسة السياسية الحقيقية باعتبار أن الغلبة واضحة ومعقودة لطرف واحد. وهذا هو الوجه الوهمي للعداء للغرب لأن الحقيقة هي أن السلطة في روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي لم تعد فعلاً معادية لهذا الغرب. بل إننا إذا اعتمدنا المحددات الاقتصادية فسنجدها حليفة له، وإذا اعتمدنا العلاقات الخارجية مع الدول الأجنبية فسنجدها تلتزم بالرؤية الأميركية غالبًا، وما ملف التعاون العسكري مع إيران إلا خير دليل على ذلك، ولعل الجميع يذكر صفقة صواريخ إس 300 التي أُبرِمت بشكل قانوني ودُفع من مقابلها الجزء الأول ولكنها أُوقفت بسبب التدخل الأميركي. ولو عدنا قليلاً إلى الأسطورة الأولى التي ذكرناها أعلاه والمتعلقة بالتعاون العسكري الروسي مع دمشق لرأينا أنه هزيل لأنه يخضع لمعادلة التوازن العسكري القائم بين العرب وإسرائيل والذي لا تسمح موسكو لنفسها بأن تخرقه، وعليه فإن معظم طلبات دمشق في السنوات الأخيرة من الأسلحة الروسية المتطورة قوبل بالرفض بسبب تدخلات إسرائيلية وأميركية. ليس هناك ضرورة لكي يكون الإنسان اختصاصيًّا في الأمور العسكرية ليعرف أن ميزان القوى مختل جدًّا في صالح إسرائيل؛ وهذا دليل آخر على أن أسطورة المصالح الروسية العسكرية في سوريا تعرج، وأن العلاقة الإستراتيجية الحقيقة لموسكو هي مع تل أبيب.

الأساطير الداخلية

لو عدنا إلى الربيع العربي لوجدنا أنه فاجأ موسكو التي كانت تربطها علاقات عادية بالأنظمة العربية ربما باستثناء نظام حسني مبارك الذي رفعت معه موسكو درجة التعاون إلى مرحلة إستراتيجية. ثورة تونس جوبهت بخطاب روسيّ دبلوماسي سياحي من قبيل: يوجد لحد الآن عشرون سائحًا روسيًّا على الأراضي التونسية، وحسب معلومات وزارة الخارجية هم جميعًا بخير. وفي مصر تكرر الأمر نفسه ولكن بأعداد أكبر: هناك 20 ألف سائح في شرم الشيخ، كما أرسلت موسكو نائب وزير الخارجية الروسي السابق ألكسندر سلطانوف إلى حسني مبارك قبل أن تقيله من جميع مناصبه بما في ذلك الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط. عندما وصلت الأمور إلى ليبيا تحفظت موسكو على قرار مجلس الأمن ولم تستخدم حق الفيتو، ولكنها أمعنت في نقد تأويل حلف الناتو له؛ وهنا حرَّكت النخبة الحاكمة بعض سفرائها السابقين والمستشرقين ورجال السياسة الآفلين لتشكيل جبهة تضامن مع النظام الليبي ثم توسع محيطها ليشمل النظام السوري. تأخرت موسكو في ليبيا وبدا لها أنها لم تتصرف بحكمة إذ لا يُعقل أن تتحفظ على قرار مجلس الأمن ثم تستغرب تأويلاته الخطأ! كيف يعقل أن وزارة الخارجية الروسية بخبراتها المتراكمة في التعامل مع الغرب وسياساته لم تتمكن من استقراء الوضع بعد الحظر الجوي على ليبيا؟! استاءت موسكو للأمر كثيرًا وعندما حانت الفرصة في سوريا تذكرت أنها تستطيع استخدام الفيتو.

قبيل استخدام حق الفيتو بأيام أعلن الثنائي بوتين-ميدفيديف عن تبادل الأدوار بينهما للمرة الثانية. على مدى أربع سنوات كان الهمّ الأكبر للدوائر المرتبطة بالسلطات الروسية هو إيهام الجميع بوجود خلافات بين الرجلين، وأن ثانيهما يمثل التحديث والتوجه نحو الغرب فيما يمثل الأول الاستقرار والثبات في التوجه الوطني. وحتى المواقف إزاء الثورات العربية كان يراد لها أن تشي بوجود خلاف معيّن بينهما فيتكلم بوتين مثلاً عن حملات صليبية ضد ليبيا فيراجعه الرئيس ميدفيديف ثم يعلن لاحقًا في قمة الثماني بدوفيل الفرنسية أن القذافي قد فقد شرعيته. ويتكلم بعد ذلك عن مستقبل حزين للرئيس السوري وهكذا إلى أن جاء مؤتمر حزب روسيا الموحدة الذي شهد اعترافًا مدويًا للرجل الأول بأنه متفق مع صديقه منذ البداية على كل الأدوار وأنه لا خلاف بينهما فهما يعملان في فريق واحد موحد.

الآن انتهى مسرح العبث وعادت الخشبة إلى سابق عهدها ولكن الانتخابات على الأبواب ولابد أن يكون لها حامل سياسي. لا تستطيعه الخارطة الحالية بحزب روسيا الموحدة المحتكر للمشهد وبالمعارضة الصورية التي لا تستطيع خداع أحد بوجود تناقضات حقيقية مع السلطة. الحامل السياسي الوحيد هو العداء للغرب وإحدى تجلياته المواتية حاليًا الموقف المضاد للغرب من الثورات العربية، وبالذات في سوريا، بالإضافة إلى تسخين ملف الدرع الصاروخية، وربما الملف الإيراني، وغير ذلك من الملفات التي تبقى عالقة للمناوبة هنا أو هناك.

أخيرًا لماذا لا نسأل السؤال المهمّ: لقد انتقل الربيع العربيّ إلى أماكن أخرى في العالم وها هو يطرق أخيرًا أبواب أميركا نفسها. لماذا لا نتصور أن روسيا، بعيدًا عن كل الأساطير التي تلف مواقفها، خائفة على نفسها؟ ذات مرة قال الرئيس ميدفيديف: إن روسيا ترتبط بعلاقات عميقة مع العالم العربي وهو –أي الرئيس ميدفيديف- يبدي احترازه ممّا يحصل هناك. أتراه كان يقصد أن هذه الثورات قادرة على الوصول إلى أراضيه؟ وهل ينبغي أن نفهم هنا بالضرورة أن الخوف كل الخوف ممّا قد يحصل في القوقاز الشمالي مثلاً؟ ولماذا لا يخاف ميدفيديف مثلاً على مدنه الكبرى مثل موسكو وبطرسبورغ؟ كل الأسباب ماثلة أمامه؛ فهو يتكلم عن فساد مستشرٍ قلَّ نظيره حتى في الدول العربية. أما حرية الكلمة في روسيا فوضعها لا يمتاز كثيرًا عن بعض الدول العربية، ناهيك طبعًا عن احتكار السلطة وتغييب المعارضة الفعلية واستفادة زمرة من رجال الأعمال من موالاتهم. أليست هذه هي الأسباب الرئيسية التي قامت الثورات العربية بسببها؟ لابد إذًا من الذهاب بعيدًا في فهم عمق الموقف الروسي. ليس حبًّا في القذافي أو الأسد تتحفظ موسكو وتستخدم الفيتو. المرتبة الأولى في سلَّم أولويات السلطات الروسية هو الحفاظ على هذه السلطات، والمطلوب هو إيقاف زحف الربيع العربي لكي لا تنتقل عدوى الثورة إلى آسيا الوسطى، وربما ستجد روسيا نفسها تواجه الربيع وهو يقترب من حدودها وهو إن قدم فلن يكون كتلك الثورات الملوَّنة التي خبرتها روسيا على حدودها في أوكرانيا وجورجيا وقرغيزيا لأن الشعوب العربية لم تقم بما قامت به بدعم من الملياردير سوروس بل بشكل عفوي وهذا ما لا يمكن مقاومته. روسيا لا تخاف أي عدوٍّ غربي فجميع حملات الغرب على روسيا باءت بالخيبة، ولكنها تخاف من القاعدة التي تقول: إن القلاع تؤخذ من داخلها. ما حصل ويحصل في الدول العربية من عصيان وثورة على الحكام لا يجب أن يصل إلى داخل روسيا.

إذا أردنا إذًا أن نميز الأسطوري من الواقعي في الموقف الروسي من الربيع العربي لابد ألا يلهينا البحث عن مصالح روسية عظمى مع الدول العربية في حين تقول لنا الإحصائيات: إن مجمل أحجام التبادل الاقتصادي الروسي مع جميع الدول العربية لا يتجاوز العشرة مليارات من الدولارات في حين تستأثر دولة وحيدة مثل تركيا بأكثر من ثلاثين مليار دولار من التبادل التجاري مع روسيا سنويًّا. أين هي المصالح إذًا؟

لا ينبغي أن نستمع كثيرًا للنخب الروسية المرتبطة بدرجات متفاوتة بالسلطة وهي تتحدث عن مؤامرة غربية على العالم العربي ولا ترى أن الغرب في عقر الدار بموسكو وغيرها من حواضر روسيا.

سر الموقف الروسي

سر الموقف الروسي كامن في أمرين متلازمين، وهما: الحفاظ على السلطة، والحفاظ على بلد تحكمه هذه السلطة. المطلوب أولاً هو الترويج للعداء مع الغرب كعملة سهلة للتدليل على الروح الوطنية التي يتحلى بها الحاكم بأمره. والمطلوب ثانيًا هو إيقاف الربيع العربي هناك بعيدًا قبل أن يقترب ويزداد اقترابًا.

رب ضارة نافعة. قد يفعل الموقف الروسي الحالي فعله في الخيال العربي، ويخلخل الصورة السوفيتية القديمة التي لا تزال على قيد الحياة فيُفلت التحليل السياسي العربي من ثنائيات الحرب الباردة. بعد عشرين عامًا على انهيار الاتحاد السوفيتي تغيرت موسكو كثيرًا والتوجه الغربي في سياساتها مهيمن على غيره، ومصالحها الاقتصادية الحقيقية ليست مع غير الغرب، أما العرب فهم مثل الروس موسومون بلعنة الخام في صادراتهم ولا يمكن أن يقدّم أحدُهما للآخر الآن سوى كثير من الأوهام وقليل من المنافسة. عندما يسأل العرب أنفسهم عن السر في تعنت الكريملن إزاء الثورات العربية لا يجب أن يجيبوا بسر آخر أكثر طلاسم من قبيل الذهاب إلى أساطير المصالح العظمى المتبادلة.

ستثبت الأيام إلى متى سيدوم هذا التناغم بين عاصمتي “الممانعة” العربية والعالمية: دمشق وموسكو! لنا أن نتصور لو عاد الغرب وقدَّم الضمانات اللازمة لموسكو في ملف الدرع الصاروخية، وأغمض عينيه عن المسرح الانتخابي، وسمح لبعض رجال أعمالها، على وجه الإرضاء بأموال الغير، بالحصول على بعض الصفقات في ليبيا؛ هل ستترك موسكو يومئذٍ نظام الأسد لمصيره الحزين الذي تكلّم عنه ميدفيديف ذات مرة؟ لذا لا ينبغي للأسد أن يطمئن كثيرًا كما لا ينبغي للمعارضة السورية أن تجعل من استرضاء موسكو سببًا رئيسيًّا لنجاحها؛ فالأمور في سوريا لن يحسمها سوى الشارع السوري.

_____________

باحث متخصص في الشأن الروسي.

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/196AEE54-FFF1-4C76-A3AE-59410AF1D371.htm?GoogleStatID=24

Share Button

اللطافة في التعبير عن الرأي لا محل لها من الاعراب

اللطافة في التعبير عن الرأي لا محل لها من الاعراب
logoOlymp2في الوقت الذي يعمل فيه النشطاء الشركس جاهدين ضد اقامة ألعاب أوليمبية على أرض الإبادة الجماعية او حتى التعبير عن الرفض القاطع لهذه المهزلة، تأتي جماعة ممن يقال لهم ممثلين عن مجتمعات شركسية معينة في إطار الجمعية الشركسية العالمية في ظل التحركات السياسية العالميه لتلتمس الى رئيس لجنة الألعاب الأوليمبية الشتوية 2014 لادراج العوامل الشركسية ضمن مجموعة الفعاليات الأوليمبية المقررة لعام 2014 في سوتشي، حيث ان تجاهلها يصبح مقصودا في هذا الحال!!! بل ان بعضهم وأسماؤهم أصبحت معروفة بحيث اتخذوا لأنفسهم مكانة التمثيل عن الشركس عامة لأطلاق الأكاذيب على لسان شعبنا العريق قائلين ان الشركس يوافقون بل ويدعمون إقامة ألعاب أوليمبية في سوتشي، حيث ان في ذلك إبراز لثقافة الشعب الشركسي للعالم أجمع، متخذين من الألعاب الرياضية سبيلا لأقامة مجتمع يتأسس على السلام، وهذا على أرض الإبادة، في ظل إنتهاك حقوق الشعب الشركسي وحتى حقوق السكان المحليين.

على هذا الأساس يورد موقع سوتشي 2014 تقريرا حول هذا الصنف من التعابير المحلّى بالجمل الرّقيقة، والتي قد تبدو جميلة شكلا إلا أنها كاذبة وفاسقة مضمونا، حيث ان هذا انتهاك واضح لحرية التعبير عن الرأي وحرية شعب في تقرير مصيره؛ وهذا ليس بغريب، حيث يورد التقرير ان هذه المهزلة هي لقاء بين المصالح الرّوسيّة والشّركسيّة، بحيث أن الشّركس هم جزء لا يتجزأ من المجتمع الروسي على أرض سوتشي. فمثل هذا القول يُفقد بشكل مباشر شرعية المتحدث به فيما يتعلق بتمثيل الشعب او حتى المجتمع نظرا لمكان إقامته، ونظرا للحياة السياسية في هذا المكان، لذا لا تمثيل في ذلك عن شعب يتواجد 90% منه مشتّت في أرجاء المعمورة.

وهنا يبرز الذكاء الروسي من ناحية في ادارة سياسة محنكة هدفها محو آثار التاريخ الشركسي من أرض الإبادة، والتي ما زالت تحمل في طياتها رفات ضحايا الكارثة حتى يومنا هذا، فكيف يتأتّى لشركسي ان يكرم هذه الجهود؟ وكيف يكون تدنيس قبور الأجداد هو بمثابة عزة وشرف؟ وقد أتت روسيا لتسحق هذا العز وهذا الشرف مرةً أخرى بعد ان سحقته بمبادرتها للإحتفال في الذكرى السنوية لانضمام الشراكسة الطوعي لروسيا وهذا من ناحية أخرى؟ وكيف يأتي هذا كله مع الطلب من روسيا ان تعترف بالمأساة الشركسية؟ وهي التي تنكر الكارثة أصلا وتسميها بالانضمام الطوعي، هل في ذالك أي ذكر بشركسيّة أرض سوتشي؟

المبادرة الروسية في استضافة الألعاب الأوليمبية في سوتشي ما هي إلا ترسيخ وتعزيز الاحتلال الروسي لشمال القوقاز، وليس لتعزيز السلام بين الشعوب القوقازية كما يدعي من يدعون أنفسهم بزعماء شركس، وهي تتخذ من قبور أجدادنا ملاعب رياضية تتنافس فيها، وتغني عليها لشدة فرحها في الانتصار، فهل من الممكن ان نوافق على إقامة هذه الألعابفي هذا المكان، حتى ولو كانت في إطار الرموز الشركسية؟ واية رموز؟ بل هي أصلا فتحت مجالا آخر للتفرقة، وتعميق الهوة بين المجتمعات الشركسية عامة، وبين المهجر والوطن المقهور خاصة.

ولهذا فان التجاهل الروسي للسكان الأصليين في سوتشي هو حتما مقصود، ولهذا الموضوع أبعاد سياسية على الصعيد الداخلي والخارجي، وهي معروفة منذ ان قامت برفض الإعتراف بالإبادة الجماعية بل حتى البت فيها, ولهذا يشاهد بِأن روسيا لن تعترف قط على هذا النمط بِأن الشراكسة هم سكان سوتشي الأصليين ولن تعترف بالجرائم البشعة التي ارتكبتها بحق الشراكسة في الحروب الرّوسية القوقازيه، وبالتالي لن تعترف بالتهجير القسري الوحشي لشراكسة القوقاز المحتل.

لا مكان للتوجهات المطرزة باللطافة لمعارضة أوليمبياد سوتشي, فالشركسي لا يمكن ان يكون عدوٌ لنفسه، إلا اذا كان له ضلع في دور روسيا التي تفرض سيطرتها في تحريك عجلة السياسة العالمية في المسار الّذي تشتهيه من هذه الناحية، حتى ولو استخدمت القوة او اثارة السياسة البريطانية القديمة والتي ما زالت تنتهجها حتى اليوم والمعروفة ب :” فرّقْ تسُدْ”، من هنا يجب ان نتوخّى الحذر الكامل في كل ما نقرأه ونسمعه وبالذات في الأمور المتعلقة في التاريخ والسياسة الحصرية الصادرة عن روسيا، لما فيها من مغالطات خبيثة لترويس الأرض والشعب على حد سواء، ومن التعابير الخطيرة أطرح ما يلي:

شمال القوقاز الروسي.

الشرف الممنوح لسوتشي في استضافة الالعاب الوليمبية.

إهتمام الشراكسه في إنجاح هذا الأمر العظيم.

حب الضيافة.

المتاجرة والاستفادة من وقائع التاريخ المأساوي للشراكس!!

وغير ذالك من المصطلحات الحصرية المتداولة على هذه المائدة.

من ناحية أخرى، يجب التنويه بأن روسيا لا تتجاهل الشركس من المفهوم الشكلي فقط، بل أيضا هي تتجاهلهم من المنظور التاريخي العرقي والاقليمي وحتى النفسي، حيث انها ستحتفل بافتتاح هذه الدورة في الوقت الذي يلازم كل شركسي أصيل الشعور بالألم لذكرى مرور 150 عاما على إنتهاء الحرب وتهجير الشراكسة من وطنهم، وهذا طبعا على صورة أولمبياد سوتشي 2014، فأين العزة وأين الشرف في هذا؟

دعوة المروجين لدعم ألعاب سوتشي مرفوضة قلبا وقالبا، نحن لسنا ممن يبيعون أنفسهم ولا تاريخهم ولا عزتهم ولا شرفهم، وهذا دون المساس بحرية أي إنسان في التعبير عن رأيه الشخصي بوجه حق، وعن رأي آخرين بشرط ألا يكونوا تحت أي تأثير خارجي أو داخلي.

http://www.radioadiga.com/arb/artikkk.php?ind=59

no-sochi-2014_design

 

امنح لنفسك الحق في التعبير الصادق عن مشاعرك

لتسنح لك الفرصة في الحياة بشرف

لا تقبل ان تبيع ماضيك الى من هم ليسوا اهلا له

لألا يأتي المستقبل بما هو عار عليك

نقل عن: راديو أديغا

Share Button

اليوم الشّركسي السّادس في البرلمان الأوروبّي، بروكسل

اليوم الشّركسي السّادس في البرلمان الأوروبّي، بروكسل
euroxase_logo100x90

جدول أعمال يوم السابع من نوفمبر/تشرين الثّاني 2011

تحدّيات الشّركس الأوروبّيين وتوقّعاتهم من البرلمان الأوروبّي

________________________

يصادف “اليوم الشّركسي في البرلمان الأوروبي” لهذا العام يوم السّابع من شهر نوفمبر/تشرين الثّاني 2011، وقد وجه السيد أدميرال داشديمير رئيس فيدراليّة الشّركس الأوروبيين رسالةً دعوة بهذا الخصوص للمدعوين هذا نصّها:

فيدراليّة الشّركس الأوروبيين: دأبت فيدراليّة الشّراكسة الأوروبيين على حضور الثقافة الشركسية وإلى تقديم الشركس الأوربّيين في البرلمان الأوروبي بشكل منتظم خلال السنوات الستة الماضية.

عندما نعرض أنفسنا على هذا المنبر، فإنّا بحاجة أيضا لطرح المعضلات التي نواجهها. ولذلك، اخترنا موضوع “المنظمات الشركسية في المهجر مشاكلها وتوقّعاتها من البرلمان الاوروبي” كموضوع رئيسي في الحدث هذا العام. وسوف يشاركنا ويدعمنا مرّةً أخرى السّيد إسماعيل إرتوغ (Ismail Ertug) وهو عضو في البرلمان الأوروبي ممثّلا للحزب الإشتراكي الديمقراطي (SPD) في ألمانيا، والسّيدة سكا كيلر وهي عضو في البرلمان الأوروبي ممثّلةً لحزب الخُضر.

والعديد من المنظّمات غير الحكوميّة الشّركسيّة وغير الشّركس ستنضم للإجتماع لتسليط الضّؤ على الشّتات وتحدّياته في الوقت الحاضر. سيكون لدينا متحدثين من ألمانيا وهولندا وأستراليا وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة ومن جمهورية أديغيا.

ستجدون طيه جدول أعمال المؤتمر الشّركسي في البرلمان الأوروبي لهذا العام .

مع أطيب التحيات،

أدميرال داشديمير
رئيس

فيدراليّة الشّركس الأوروبيين

________________________________________________________________

ويتضمّن جدول أعمال المؤتمر والبرنامج المعد لهذا اللقاء ما يلي:

الإفتتاح من قبل رئيس الجلسة: أدميرال داشديمير، رئيس فيدراليّة الشّركس الأوروبيين / المضيف


كلمة إسماعيل إرتوغ

عضو في البرلمان الأوروبي ممثّلا للحزب الإشتراكي الديمقراطي (SPD) في ألمانيا


كلمة سكا كيلر، عضو في البرلمان الأوروبي ممثّلةً لحزب الخُضر


الشركس وألعاب سوتشي الأولمبيّة لعام 2014
البروفيسور/الدكتور وولف كوبكه

متحف الإثنولوجيا/ هامبورغ، ألمانيا


قدماً مع أوروبا أو للوراء بدونها

جوني حاغور

جامعة كاليفورنيا – إرفاين، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأميركيّة

جمعيّة الأديغه في كاليفورنيا/الولايات المتحدة الأميركيّة


من إفتراضيّة إلى قابلة للحياة: دور المنظّمات الشّركسيّة في بناء مؤسسات أمّة

شيشيك شيج

جمعيّة الأديغه في كاليفورنيا/الولايات المتحدة الأميركيّة


الشراكسة في أستراليا

ألان جاميرزا

جمعيّة الأديغه في أستراليا


مصدر المعضلات الشركسية: المأساة المجهولة “الإبادة الجماعية الشركسية والتّرحيل من القوقاز”

جيهان جاندمير

رئيس فيدراليّة المؤسّسات القفقاسيّة، تركيّا


الشّراكسة في المهجر – توقّعاتهم من روسيا، تركيّا وأوروبّا

يالشين كاراداش

رابطة الكتّاب القفقاسيين، تركيّا


الشّركس في وطنهم القفقاس

عسكر سوخت

جمعيّة الأديغه، كراسنودار


لقضايا المعاصرة التي تواجه جمعيّاتنا الأديغيّه

إياد يوغار

رئيس المجلس الشّركسي العالمي

نيوجيرسي، الولايات المتحدة الأميركيّة


أبخازيا واستقلالها – من أين إلى أين؟

سيزاي باباكوس

أصدقاء أبخازيا، تركيّا


أخطار الإنصهار والمشاكل التي تواجه منظماتنا

ديفيد شوجن

راديو أديغه،كفر كما، إسرائيل


الشّراكسه الأوروبيون وتوقعاتهم من البرلمان الأوروبي

ياشار أسلانكايا

نائب الرئيس، فيدراليّة الشّركس الأوروبيين


النشاط السّياسي للشّتات الشّركسي

سنجر بوسون

منتدى القفقاس، تركيّا


الختام


مجموعة العدالة لشمال القوقاز

euroxaseprogramcircassiandayon7thnovember2011

Share Button

الأساطير المؤسسة للفيتو الروسي على الربيع العربي

الأساطير المؤسسة للفيتو الروسي على الربيع العربي
vito

الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن ضد قرار يدين قمع النظام السوري للثورة (الفرنسية)

جمال العرضاوي

يبدو موقف الكريملن من الثورات العربية المتلاحقة منذ ديسمبر/كانون الأول 2010 مركبًا، وفي الوقت نفسه غير قابل للتفكيك بسهولة ودون إمكانية لتحديد العناصر الرئيسية فيه والأولويات. وهناك أساطير تلف هذا الموقف لابد من حصرها لمواصلة البحث في صميم السؤال.

لو اتجهنا من الخارج إلى الداخل سنصطدم بأسطورة خارجية (عربية) مفادها أن موسكو متحالفة مع الأنطمة العربية المتهاوية بسبب ارتباطها بمصالح مشتركة وبعقود بمليارات الدولارات، وأن موسكو بدفاعها عن هؤلاء تدافع عن “مجالها الحيوي”.

أما لو دخلنا إلى روسيا الشاسعة فسنصطدم بأسطورة داخلية تروج في موسكو ومفادها أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يقوم ببلبلة ليست مختلفة في جوهرها عن الفوضى البنَّاءة سيئة الذكر، والهدف منها هو توتير السياسة الدولية في انتظار قيام حرب إقليمية كبرى أو حتى عالمية من شأنها أن تحل تناقضات الأزمة المالية المتفاقمة والتدهور المحدق بأكبر اقتصاديات العالم. وما ربيع الثورات العربية، وفق هذه النظرية، سوى حلقات من المؤامرة بعد أن جرَّبت أميركا التدخل العسكري لإسقاط الأنظمة في أفغانستان والعراق وتوصلت إلى إمكانية جني الثمار بأيدي أصحاب البلاد.

الأساطير الخارجية


لو بدأنا بالأسطورة الخارجية سنجد أن من يروِّج لها أكثر من وسائل الإعلام الروسية هي وسائل الإعلام العربية، وهذا راجع قبل كل شيء إلى أن العقل السياسي العربي لا يزال يتعامل مع موسكو وكأنها عاصمة دولة عظمى لا تقل عن عاصمة الاتحاد السوفيتي شراهة للحفاظ على مراكز ثقلها في العالم. وفق هذا الفهم القديم تبقى الذاكرة العربية وفيّة لمقولات قديمة لم تعد قائمة في الخارطة السياسية العالمية. عندما طارت المقاتلات الإستراتيجية الروسية من طراز توبوليف 160 ووصلت إلى فنزويلا لم تُعِرْها أميركا أية أهمية لأنها تعرف أن هذه الحركة هي للاستخدام الداخلي لا غير، وأن هذه الطائرات ربما كانت تكمل بهذه الرحلات عمرها الافتراضي لا أكثر. أما الفكر الجمعي العربي فقد هلَّل لها باعتبارها إشارة إلى عودة التوتر بين روسيا والغرب، وأن المستفيدين قبل غيرهم سيكونون عربًا أيضًا. لا يريد العرب أن يفهموا أن التناقضات بين روسيا والغرب قد تراجعت إلى مستواها الوطني منذ أن سقط محتواها الأيديولوجي.

لو تحدثنا مثلاً عن أحجام التبادل العسكري بين روسيا وبعض الأنظمة المتساقطة وتحديدًا النظامين الليبي السابق والسوري سنجد أن هذه الأحجام خجولة للغاية، وأنها لا يمكن أن تحدد سياسة بلد مثل روسيا له ثالث احتياطي عالمي من العملة الصعبة بما يفوق 500 مليار دولار؛ فالصفقات التي كانت مرتقبة (وليست فعلية) مع القذافي في مجال الأسلحة لم تكن لتتجاوز أربعة مليارات دولار، في حين أنها مع سوريا كانت أقل من ذلك بكثير. أما قاعدة طرطوس، وهي على أية حال محطة لتصليح السفن أكثر منها قاعدة عسكرية دائمة؛ فهي، كما يردد الروس أنفسهم، ليست بتلك الأهمية التي يمكن أن تحدد موسكو مواقفها على أساسها، ويكفي هنا أن نذكر أن الكريملن نفسه منذ أن وعى أنه لم يعد ثاني اثنين تخلَّى عن فكرة القواعد الخارجية، وقد رآه العالم وهو ينسحب طواعية من كوبا وفيتنام ويُخلي قواعده العسكرية هناك، فما الذي سيجعله يستميت إذًا في الدفاع عن قاعدة طرطوس؟ وما المانع -كما قال السياسي الروسي المخضرم يفغيني بريماكوف- من الحفاظ على هذه القاعدة، لو كانت مهمة إلى هذه الدرجة، بأي شكل ممكن بما في ذلك عن طريق مساعدة المعارضة السورية الآن ضد النظام السوري لو كان الساسة الروس مقتنعين بالتعاون مع هذه المعارضة؟ لابد أن موسكو لا تفكر في مثل هذه الأمور وهي تدير ظهرها للثوار العرب.

أما أسطورة المؤامرة الغربية لزرع الفوضى وخلط أوراق مصير العالم فهذه تعمل بشكل علني في روسيا، وقد أفلحت النخبة السياسية الحاكمة في جعلها نظرية مناوبة في عقول الكثير من المثقفين والخبراء الروس. قامت ثورات الربيع العربي، وفق هذه النظرية، بتخطيط مسبق من قبل مراكز البحوث والدراسات الغربية التي يُعتقد أنها نظرت عميقًا في الأزمة المالية التي ضربت العالم قبل ثلاثة أعوام وتهدد الآن من جديد بضربة قاصمة لأكبر الاقتصادات، فرأت أنه لابد من ترتيب جديد للعالم سبق أن جرَّبه الغرب بعد كساد طويل شهدته الأسواق قبل الحرب العالمية الثانية.

قرر الغرب إذًا مرة أخرى تغيير صورة العالم التي أصبح يشوب أفقَها كثير من السواد بسبب رهاب خطير خلفته الأزمة المالية. لأجل ذلك فكّر الغرب وتفتق إبداعه عن فكرة رهيبة يتخلى بموجبها عن حلفائه التقليديين من زعماء العرب الذين كرهتهم شعوبهم ويتحالف مع عدو سابق هو الإسلاميون. دور الإسلاميين محدد وفق هذه الأسطورة بخلط الأوراق قبل كل شيء في منطقة الشرق الأوسط وصولاً إلى إشعال حرب بين إسرائيل وجيرانها؛ ومن ثَمَّ دخول إيران وتركيا على الخط، وليس القوقاز ببعيد، وهكذا دواليك…

الكاتب الروسي نيكولاي ستاريكوف مطروح منذ فترة على الساحة كمفكر روسي متميز، وهو عندما يقارب الربيعَ العربي يصبح من مناصري نظرية المؤامرة بصراحة، ولا يكتفي بالحديث عن مسلسل من الثورات بإخراج هوليودي، بل يمضي أبعد من ذلك ويرى حلقة أخرى فيه وهي حلقة المطالبة بالاعتراف الآن بالدولة الفلسطينية، ويرى أن أميركا أصبحت الآن جاهزة لبيع إسرائيل ودفعها إلى الدخول في حرب طاحنة مع جيرانها الذين سيُحكمون قريبًا من قبل السلفيين. والخوف هنا ليس على إسرائيل أو على العرب بقدر ما هو خوف من أن تنتشر الفوضى وتصل في آخر المطاف إلى روسيا المرتبطة بالعالم العربي الإسلامي بأواصر عميقة وخفية.

ليس غريبًا أن تنتشر هذه النظرية في روسيا فهنا أرضية صالحة لاستنباتها، وهناك شعور قديم توارثه الروس عن السوفيت وهو العداء للغرب؛ ولهذا العداء وجهان: وجه واقعي يتلخص في أن مواطني الاتحاد الروسي فعلاً يشعرون بعداء تاريخي لسياسات الغرب لم يندثر حتى إثر انهيار الاتحاد السوفيتي بل تدعَّم لسببين: أولهما: هو الشعور الغالب بأن الجناح الليبرالي غربي النزعة الذي سيطر على مقدرات الدولة في حقبة الرئيس الراحل بوريس يلتسين تلاعب بهذه المقدرات ووزعها بين فئة قليلة ممَّن سُمُّوا آنئذٍ بالأغنياء الروس الجدد الذين اقتنوا المصانع والمؤسسات بأسعار رمزية جدًّا، وأمعنوا في تحويل أموال الشعب الروسي إلى حساباتهم الخاصة في البنوك الأجنبية فيما ظل المواطنون يتفرجون ويتقاسمون الفقر في زمن الرأسمالية المتوحشة.

السبب الثاني لاستشراء العداء للغرب في روسيا الاتحادية هو استغلال هذا الشعور من قبل النخبة الحاكمة المسيطرة على جميع وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها استغلالاً يشتد، خاصة في الحملات الانتخابية لملئها بمضمون خارجي طالما لا يمكن ملؤها بمضمون داخلي، وذلك بسبب انعدام المنافسة السياسية الحقيقية باعتبار أن الغلبة واضحة ومعقودة لطرف واحد. وهذا هو الوجه الوهمي للعداء للغرب لأن الحقيقة هي أن السلطة في روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي لم تعد فعلاً معادية لهذا الغرب. بل إننا إذا اعتمدنا المحددات الاقتصادية فسنجدها حليفة له، وإذا اعتمدنا العلاقات الخارجية مع الدول الأجنبية فسنجدها تلتزم بالرؤية الأميركية غالبًا، وما ملف التعاون العسكري مع إيران إلا خير دليل على ذلك، ولعل الجميع يذكر صفقة صواريخ إس 300 التي أُبرِمت بشكل قانوني ودُفع من مقابلها الجزء الأول ولكنها أُوقفت بسبب التدخل الأميركي. ولو عدنا قليلاً إلى الأسطورة الأولى التي ذكرناها أعلاه والمتعلقة بالتعاون العسكري الروسي مع دمشق لرأينا أنه هزيل لأنه يخضع لمعادلة التوازن العسكري القائم بين العرب وإسرائيل والذي لا تسمح موسكو لنفسها بأن تخرقه، وعليه فإن معظم طلبات دمشق في السنوات الأخيرة من الأسلحة الروسية المتطورة قوبل بالرفض بسبب تدخلات إسرائيلية وأميركية. ليس هناك ضرورة لكي يكون الإنسان اختصاصيًّا في الأمور العسكرية ليعرف أن ميزان القوى مختل جدًّا في صالح إسرائيل؛ وهذا دليل آخر على أن أسطورة المصالح الروسية العسكرية في سوريا تعرج، وأن العلاقة الإستراتيجية الحقيقة لموسكو هي مع تل أبيب.

الأساطير الداخلية

لو عدنا إلى الربيع العربي لوجدنا أنه فاجأ موسكو التي كانت تربطها علاقات عادية بالأنظمة العربية ربما باستثناء نظام حسني مبارك الذي رفعت معه موسكو درجة التعاون إلى مرحلة إستراتيجية. ثورة تونس جوبهت بخطاب روسيّ دبلوماسي سياحي من قبيل: يوجد لحد الآن عشرون سائحًا روسيًّا على الأراضي التونسية، وحسب معلومات وزارة الخارجية هم جميعًا بخير. وفي مصر تكرر الأمر نفسه ولكن بأعداد أكبر: هناك 20 ألف سائح في شرم الشيخ، كما أرسلت موسكو نائب وزير الخارجية الروسي السابق ألكسندر سلطانوف إلى حسني مبارك قبل أن تقيله من جميع مناصبه بما في ذلك الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط. عندما وصلت الأمور إلى ليبيا تحفظت موسكو على قرار مجلس الأمن ولم تستخدم حق الفيتو، ولكنها أمعنت في نقد تأويل حلف الناتو له؛ وهنا حرَّكت النخبة الحاكمة بعض سفرائها السابقين والمستشرقين ورجال السياسة الآفلين لتشكيل جبهة تضامن مع النظام الليبي ثم توسع محيطها ليشمل النظام السوري. تأخرت موسكو في ليبيا وبدا لها أنها لم تتصرف بحكمة إذ لا يُعقل أن تتحفظ على قرار مجلس الأمن ثم تستغرب تأويلاته الخطأ! كيف يعقل أن وزارة الخارجية الروسية بخبراتها المتراكمة في التعامل مع الغرب وسياساته لم تتمكن من استقراء الوضع بعد الحظر الجوي على ليبيا؟! استاءت موسكو للأمر كثيرًا وعندما حانت الفرصة في سوريا تذكرت أنها تستطيع استخدام الفيتو.

قبيل استخدام حق الفيتو بأيام أعلن الثنائي بوتين-ميدفيديف عن تبادل الأدوار بينهما للمرة الثانية. على مدى أربع سنوات كان الهمّ الأكبر للدوائر المرتبطة بالسلطات الروسية هو إيهام الجميع بوجود خلافات بين الرجلين، وأن ثانيهما يمثل التحديث والتوجه نحو الغرب فيما يمثل الأول الاستقرار والثبات في التوجه الوطني. وحتى المواقف إزاء الثورات العربية كان يراد لها أن تشي بوجود خلاف معيّن بينهما فيتكلم بوتين مثلاً عن حملات صليبية ضد ليبيا فيراجعه الرئيس ميدفيديف ثم يعلن لاحقًا في قمة الثماني بدوفيل الفرنسية أن القذافي قد فقد شرعيته. ويتكلم بعد ذلك عن مستقبل حزين للرئيس السوري وهكذا إلى أن جاء مؤتمر حزب روسيا الموحدة الذي شهد اعترافًا مدويًا للرجل الأول بأنه متفق مع صديقه منذ البداية على كل الأدوار وأنه لا خلاف بينهما فهما يعملان في فريق واحد موحد.

الآن انتهى مسرح العبث وعادت الخشبة إلى سابق عهدها ولكن الانتخابات على الأبواب ولابد أن يكون لها حامل سياسي. لا تستطيعه الخارطة الحالية بحزب روسيا الموحدة المحتكر للمشهد وبالمعارضة الصورية التي لا تستطيع خداع أحد بوجود تناقضات حقيقية مع السلطة. الحامل السياسي الوحيد هو العداء للغرب وإحدى تجلياته المواتية حاليًا الموقف المضاد للغرب من الثورات العربية، وبالذات في سوريا، بالإضافة إلى تسخين ملف الدرع الصاروخية، وربما الملف الإيراني، وغير ذلك من الملفات التي تبقى عالقة للمناوبة هنا أو هناك.

أخيرًا لماذا لا نسأل السؤال المهمّ: لقد انتقل الربيع العربيّ إلى أماكن أخرى في العالم وها هو يطرق أخيرًا أبواب أميركا نفسها. لماذا لا نتصور أن روسيا، بعيدًا عن كل الأساطير التي تلف مواقفها، خائفة على نفسها؟ ذات مرة قال الرئيس ميدفيديف: إن روسيا ترتبط بعلاقات عميقة مع العالم العربي وهو –أي الرئيس ميدفيديف- يبدي احترازه ممّا يحصل هناك. أتراه كان يقصد أن هذه الثورات قادرة على الوصول إلى أراضيه؟ وهل ينبغي أن نفهم هنا بالضرورة أن الخوف كل الخوف ممّا قد يحصل في القوقاز الشمالي مثلاً؟ ولماذا لا يخاف ميدفيديف مثلاً على مدنه الكبرى مثل موسكو وبطرسبورغ؟ كل الأسباب ماثلة أمامه؛ فهو يتكلم عن فساد مستشرٍ قلَّ نظيره حتى في الدول العربية. أما حرية الكلمة في روسيا فوضعها لا يمتاز كثيرًا عن بعض الدول العربية، ناهيك طبعًا عن احتكار السلطة وتغييب المعارضة الفعلية واستفادة زمرة من رجال الأعمال من موالاتهم. أليست هذه هي الأسباب الرئيسية التي قامت الثورات العربية بسببها؟ لابد إذًا من الذهاب بعيدًا في فهم عمق الموقف الروسي. ليس حبًّا في القذافي أو الأسد تتحفظ موسكو وتستخدم الفيتو. المرتبة الأولى في سلَّم أولويات السلطات الروسية هو الحفاظ على هذه السلطات، والمطلوب هو إيقاف زحف الربيع العربي لكي لا تنتقل عدوى الثورة إلى آسيا الوسطى، وربما ستجد روسيا نفسها تواجه الربيع وهو يقترب من حدودها وهو إن قدم فلن يكون كتلك الثورات الملوَّنة التي خبرتها روسيا على حدودها في أوكرانيا وجورجيا وقرغيزيا لأن الشعوب العربية لم تقم بما قامت به بدعم من الملياردير سوروس بل بشكل عفوي وهذا ما لا يمكن مقاومته. روسيا لا تخاف أي عدوٍّ غربي فجميع حملات الغرب على روسيا باءت بالخيبة، ولكنها تخاف من القاعدة التي تقول: إن القلاع تؤخذ من داخلها. ما حصل ويحصل في الدول العربية من عصيان وثورة على الحكام لا يجب أن يصل إلى داخل روسيا.

إذا أردنا إذًا أن نميز الأسطوري من الواقعي في الموقف الروسي من الربيع العربي لابد ألا يلهينا البحث عن مصالح روسية عظمى مع الدول العربية في حين تقول لنا الإحصائيات: إن مجمل أحجام التبادل الاقتصادي الروسي مع جميع الدول العربية لا يتجاوز العشرة مليارات من الدولارات في حين تستأثر دولة وحيدة مثل تركيا بأكثر من ثلاثين مليار دولار من التبادل التجاري مع روسيا سنويًّا. أين هي المصالح إذًا؟

لا ينبغي أن نستمع كثيرًا للنخب الروسية المرتبطة بدرجات متفاوتة بالسلطة وهي تتحدث عن مؤامرة غربية على العالم العربي ولا ترى أن الغرب في عقر الدار بموسكو وغيرها من حواضر روسيا.

سر الموقف الروسي

سر الموقف الروسي كامن في أمرين متلازمين، وهما: الحفاظ على السلطة، والحفاظ على بلد تحكمه هذه السلطة. المطلوب أولاً هو الترويج للعداء مع الغرب كعملة سهلة للتدليل على الروح الوطنية التي يتحلى بها الحاكم بأمره. والمطلوب ثانيًا هو إيقاف الربيع العربي هناك بعيدًا قبل أن يقترب ويزداد اقترابًا.

رب ضارة نافعة. قد يفعل الموقف الروسي الحالي فعله في الخيال العربي، ويخلخل الصورة السوفيتية القديمة التي لا تزال على قيد الحياة فيُفلت التحليل السياسي العربي من ثنائيات الحرب الباردة. بعد عشرين عامًا على انهيار الاتحاد السوفيتي تغيرت موسكو كثيرًا والتوجه الغربي في سياساتها مهيمن على غيره، ومصالحها الاقتصادية الحقيقية ليست مع غير الغرب، أما العرب فهم مثل الروس موسومون بلعنة الخام في صادراتهم ولا يمكن أن يقدّم أحدُهما للآخر الآن سوى كثير من الأوهام وقليل من المنافسة. عندما يسأل العرب أنفسهم عن السر في تعنت الكريملن إزاء الثورات العربية لا يجب أن يجيبوا بسر آخر أكثر طلاسم من قبيل الذهاب إلى أساطير المصالح العظمى المتبادلة.

ستثبت الأيام إلى متى سيدوم هذا التناغم بين عاصمتي “الممانعة” العربية والعالمية: دمشق وموسكو! لنا أن نتصور لو عاد الغرب وقدَّم الضمانات اللازمة لموسكو في ملف الدرع الصاروخية، وأغمض عينيه عن المسرح الانتخابي، وسمح لبعض رجال أعمالها، على وجه الإرضاء بأموال الغير، بالحصول على بعض الصفقات في ليبيا؛ هل ستترك موسكو يومئذٍ نظام الأسد لمصيره الحزين الذي تكلّم عنه ميدفيديف ذات مرة؟ لذا لا ينبغي للأسد أن يطمئن كثيرًا كما لا ينبغي للمعارضة السورية أن تجعل من استرضاء موسكو سببًا رئيسيًّا لنجاحها؛ فالأمور في سوريا لن يحسمها سوى الشارع السوري.

_____________

باحث متخصص في الشأن الروسي.

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/196AEE54-FFF1-4C76-A3AE-59410AF1D371.htm?GoogleStatID=24

Share Button