العلاقة الشركسية البولندية – وليد هاكوز

لعلاقة الشركسية البولندية – وليد هاكوز

بقلم : وليد هاكوز
٢٠-١١-٢٠١١
war-300x209

لم تكن منطقة القوقاز موجودة في الفكر السياسي البولندي حتى أوائل 1830. وبعد فشل الإنتفاضة البولندية الأولى ضد الإحتلال الروسي في عام 1831 ، فرت جميع القوى السياسية للخارج ، والذي أصبح ما يسمى بالهجرة البولندية العظمى ، حين هاجر نحو 10,000 شخص من النخبة السياسية والعسكرية والثقافية البولندية ، وقررت الذهاب للمنفى إلى فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص ، وبدأت تنظر بعناية فائقة في الأحداث الجارية في شمال القوقاز، حيث كان الشركس والشيشان مازالوا يقاومون الحرب الإستعمارية ضد روسيا .

كان السبب الرئيسي لهذا الإهتمام هو وجود حوالي 9,000 جندي من الجنود السابقين في الجيش البولندي ، والذين أرسلوا قسرا إلى شمال القوقاز لمكافحة المقاومة الشركسية ، من قبل السلطات الروسية بعد قمعهم للإنتفاضة البولندية . وكانت قد فرضت عليهم الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الروسي كشكل من أشكال الإضطهاد والعقاب الذي فرض عليهم بعد إنهيار المقاومة البولندية . وأدى وصول العديد من هؤلاء الجنود الذين هربوا من ساحات المعارك في القوقاز واستطاعوا الوصول إلى أوروبا الغربية ، لإهتمام كبير لرئيس الجناح اليميني للمهاجرين البولنديين الأمير Adam George Czartoryski بشأن مسألة القوقاز .

ولد الأمير آدم جورج كزاتوريسكي في 14/10/1770 ، لعائلة من طبقة النبلاء اللتوانيين البولندية . أصبح وزيرا للخارجية في حكومة روسيا القيصرية ، ثم رئيسا للوزراء في العام 1804 . ترك الحياة السياسية بعد ذلك لمدة 25 عاما ليتفرغ للكتابة ، ولكنه عاد إليها في آواخر 1830 كرئيس للحكومة المحلية خلال قيام الإنتفاضة البولندية الأولى ضد القمع الروسي لبلاده . وفي 23 آب 1831 إنضم للمقاومة الشعبية البولندية ضد الإحتلال الروسي لبولندة ، وغادر بلاده ليؤسس في 25 شباط 1832 منظمة أصدقاء بولندة في بريطانيا ، ثم غادرها إلى باريس في فرنسا وأنشأ مركز للمهاجرين البولنديين ، وأصبح رئيسا لحكومة بولندة في المنفى .

أرسل مبعوثه الخاص Michał Czajkowski إلى تركيا ، والذي إعتنق الإسلام وأصبح يعرف بإسم محمد صادق باشا ، الذي أقام له مركزا وكان يدعى Adampol بالقرب من إستنبول ، للمهاجرين البولندين الفارين من الخدمة في الجيش الروسي الذي كانوا يحاربون في القوقاز . ومع إزدياد قدوم البولنديين الفارين من الأسر في شيركيسيا ، وورود المعلومات عن المقاومة الشركسية ضد القوات الروسية في شمال القفقاس ، بدأ إهتمام الأمير آدم بالقضية الشركسية .

prince-220x300

وفي تلك الأثناء نشأ نزاع في العلاقات بين السلطان العثماني محمود وبين والي مصرمحمد علي باشا ، سميت أزمة الشرق في الإمبراطورية العثمانية ، والذي أدى للتوتر السياسي في العلاقات الروسية البريطانية ، وخاصة بعد معاهدة İskelesi Hünkâr التي عقدت في العام 1833. إستغل الأمير آدم كزارتويسكي Adam Czartoryski هذه الحالة بدبلوماسية عالية ، وخطط بإمكانية تطوير نشاطها بشكل غير رسمي ومعتمد من قبل وزارة الخارجية البريطانية . وقام بالتعاون مع ديفيد أوركوهارت David Urqhaert ، وبعض المتعاطفين مع القضية الشركسية البريطانية بنشر “المحفظة” ، وهي عبارة عن الملف التي كان يحتوي على سلسلة من المراسلات الدبلوماسية الروسية السرية التي إستولى عليها المتمردون البولنديون أثناء الإنتفاضة البولندية في وارسو في 1830 ، وكانت تحوي العديد من الوثائق تدين العمليات العسكرية القائمة في شمال القفقاس .

كلف الأمير آدم إبن شقيقه الكونت Władysław Zamoyski بالإتصال مع مجموعة من أنصار أوركهارت الشراكسة ، ونظم رحلة السفينة الشهيرة “الثعلبة” المحملة بالأسلحة والعتاد لمساعدة المقاومة الشركسية ضد القوات الروسية ، مما أدى لإستفزاز أكثر في العلاقات الروسية البريطانية ، وكادت أن تكون سببا لوقوع الحرب بينهما . ومن وجهة نظر البولندية ، فإن الحرب بين روسيا أو أية قوة أوروبية ، كانت ستكون نجاحا لإستعادة بولندا إستقلالها .

أحيت الحرب التي تشنها روسيا في القوقاز على أمل البولنديين ، والتي حلموا بتطويرها إلى حرب روسية بريطانية ضرورية لمساعدة أهدافهم ، إلا أن الفشل لاحق البولنديين في محاولاتهم للحصول على مزيد من الدعم الفعال من وزارة الخارجية البريطانية لتنظيم مفارز الكتائب العسكرية البولندية ، والتي تم إنشاؤها من الجنود البولنديين الهاربين من الجيش الروسي ، للقتال إلى جانب الشركس ضد الروس .

ومع ذلك ، فقد إستطاع الأمير آدم بإرسال مبعوثه Ludwik Zwierkowski إلى منطقة الشابسوغ في عام 1844 ، لكنه عاد إلى إسطنبول في العام 1846 مثقلا بالجراح . ثم أرسل مبعوثه الثاني Kazimierz Gordon على أمل الوصول للإمام شامل في الشيشان ، إلا أنه إستطاع الوصول إلى أراضي الأوبيخ فقط ، وقتل على يد عميل روسي بعيد وصوله بقليل .

ثم جاءت فكرة إرسال فيلق عسكري بولندي إلى شركيسيا إلى حيز الوجود في وقت سابق قبل نهاية حرب القرم ، ففي عام 1857 تم تشكيلها في الإمبراطورية العثمانية بقيادة العقيد Łapiński Teofil ، وتم إنزالها قرب قرية توابسة الشركسية . تكونت نواتها من مفرزة تألفت من 120 جنديا ، وشاركت في الحرب ضد القوات الروس في المعارك التي دارت خلال أعوام 1857-1860 ، وكانت آخر أعمال هذا العمل الأخوي البولندي – الشركسي المشترك بكافة الأسلحة وخصوصا سلاح المدفعية ، حتى بداية شهر كانون الثاني 1863 عند بدء الإنتفاضة البولندية الثانية . ثم أرسل فيلقا آخر بقيادة العقيد البولندي Klemens Przewłocki ، في شهر تشرين الأول 1863 ، والتي كانت قد نظمت وأرسلت الى شركيسيا بإشراف نجله الأمير Witold Czartoryski ، وخاض الحرب حتى بداية شهر ايآر 1864 .

لقد واجهت المقاومة المسلحة البولندية الشركسية المشتركة النهاية المرة في الوقت نفسه ، والتي أسفرت عن الكارثة الوطنية في 21 مارس ايآر 1864 ، وإنتهت المقاومة المسلحة الشركسية في القفقاس بنزوح أعداد ضخمة من الشعب الشركسي إلى الإمبراطورية العثمانية . كما أدى أيضا إلى فشل ثورة كانون الثاني البولندية الثانية في الأراضي البولندية الليتوانية ، وأدت لأسواء فترة من الإضطهاد والترويس للبلاد . لقد إعتقد الشعبين البولندي والشركسي وما زالا يؤمنان بأن الله عظيم ، وأعظم بكثير من روسيا .

Recources:
1. Radosław Grajewski, Great Britain in the “diplomacy” of prince Adam George Czartoryski towards the Eastern Crisis (1832-1841). Warszawa 1999.
2. John P. Ledonne. The Grand Strategy of the Russian Empire, Oxford University Press, London 200.
Share Button