موسكو تواجه معضلة مزعجة في التعامل مع قضية شركس سوريا

موسكو تواجه معضلة مزعجة في التعامل مع قضية شركس سوريا

نشر موقع  مؤسّسة جيمس تاون الألكتروني على الإنترنت بتاريخ 25 يناير/كانون الثّاني 2012 مقالا للكاتب فاليري دزوتسيف (Valery Dzutsev) بعنوان: “موسكو تواجه معضلة مزعجة في التعامل مع قضية شركس سوريا“، وجاء فيه:

جلسة الأديغة خاسة – المجلس الشّركسي في  ديسمبر/كانون الأوّل 2011 (المصدر: Caucasian Knot)
جلسة الأديغة خاسة – المجلس الشّركسي في ديسمبر/كانون الأوّل 2011 (المصدر: Caucasian Knot)

في 22 يناير/كانون الثّاني، اجتمعت منظمة للناشطين الشّركس هي المجلس الشركسي – الأديغه خاسه في عاصمة جمهوريّة أديغيه، مايكوب، وعقدت العزم على عقد مؤتمر بشأن إعادة توطين الشراكسة من سوريا. ومن المتوقع أن يعقد المؤتمر في جمهورية أديغيه يوم 11 فبراير/شباط. كما دعا النشطاء الشركس في قباردينو – بالكاريا لعقد مؤتمر لمناقشة هذه القضية. في ديسمبر/كانون الأوّل 2011 وكذلك في وقت مبكّر من هذا الشّهر، ناشدت عشرات العائلات الشركسية التي تعيش في سوريا الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف للسماح لها الانتقال إلى شمال القوقاز (http://adygeia.kavkaz-uzel.ru/articles/199730, January 23).

كما يظهر الوضع في سوريا إشارات ضئيلة للتحول السلمي، يحاول الشراكسة الذين يقيمون هناك إيجاد مخرج من خلال العودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم. معظم الشركس في سوريا الّذين يقدر تعدادهم ب 150000 شركسي هم أحفاد أولئك الذين طردهم الروس من وطنهم في شمال القوقاز إلى الإمبراطورية العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في حين أن الشركس كانوا تقليديا من الموالين للحكومة السورية، لكن الإضطرابات الأخيرة في البلاد جعلت الكثير منهم يعيدون النّظر في ولاءاتهم. وناشد نشطاء الشركس في شمال القوقاز في مايو/أيار 2011 موسكو لمساعدة ذويهم في سوريا، ولكن ردّت موسكو بغرابة على أن الوضع لا يتطلب تدخّلها (أنظر إلى “النظام السوري يفقد دعم المجتمع الشركسي“، تقديم سفيان جموخوف، بتاريخ 10 يناير/كانون الثّاني).

أحد الجانبين ذو حساسيّة للمشكلة لأنه حليف لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وموسكو لا تريد أن يتصف الوضع في هذا البلد بأنه حرب أهلية أو كارثة إنسانية. وعن طريق نقل المئات من الشركس من سوريا، فإن موسكو تلقي الضؤ بشكل غير مباشر على الوضع المأساوي في هذا البلد الشرق أوسطي وتجعل من الصعب على المسؤولين الروس الدفاع عن الأسد في مواجهة الإنتقادات من الدول الغربية والعربية على حد سواء.

في 13 يناير/كانون الثّاني، نظم نشطاء المجتمع المدني الشركسي مؤتمرا حول الشركس السوريّين. وقال المشاركون في المؤتمر بأن 411  من الشركس السوريين قد ناشدوا رسميا الرئيس الروسي للحصول على المساعدة. ويمكن لهذا العدد أن يزيد للآلاف، على الرغم بأنه لا يُتوقّع أن كل الشركس السوريّين سينتقلون إلى شمال القوقاز. ويمكن أن تعتبر جمهوريّة أديغيه لأن تكون أفضل مكان للعائدين، نظرا لأنه لديها خبرة في استيعاب اللاجئين الشركس الآخرين والكثافة السكانية المنخفضة. وورد بأن المشاركين عرضوا في المؤتمر مواقف مختلفة تجاه روسيا، مذكّرين من جهة، بالفظائع الكبرى التي ارتكبت ضد الشراكسة من قبل الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، بينما من ناحية أخرى، مدركين بأن الشركس سيحتاجون مساعدة الحكومة الروسية، ويسعون لطمأنتها بأن العائدين الشركس لن يسببوا أي مشكلة بالنسبة لروسيا في شمال القوقاز (http://www.elot.ru/main/index.php?option=com_content&task=view&id=2695&Itemid=1, January 17).

وبصرف النظر عن الاعتبارات الدولية، فالحكومة الروسية لديها مخاوف محلية بشأن اعادة توطين الشركس من سوريا. بادئ ذي بدء، فإن الشتات الشركسي كبير إلى حدٍ بعيد وأنه من غير الواضح كم منهم يريد إعادة التوطّن في شمال القوقاز. إذا ما سمح لجميع أولئك الذين يسعون إلى إعادة التوطّين، فإن ذلك قد يغير كثيرا من الخريطة العرقية في شمال القوقاز، والتي دأبت موسكو جاهدة لمحاولة روسنتها وجعلها روسيّة. وإذا لم يسمح الا لعدد قليل ويبقى معظم الّذين يمكن أن يكونوا من العائدين من أصل شركسي في الخارج، فيمكن أن يثير ذلك شراكسة شمال القوقاز بشكل أكبر. إن ذلك اعتبار ضمني، والذي لا تعلن عنه موسكو الرّسميّة صراحة، ألا وهو أن مهاجرين من غير العرقيّة الروسية، هم ليسوا سوى السكان الأصليين للبلاد مثلهم مثل العرقيّين الروس يُعتبرون نوعا ما أقل ترحيباً في الفيدراليّة الروسيّة.

في لفتة نادرة لدعم شركس سوريا، أدلى زعيم جمهوريّة قباردينو – بالكاريا أرسين كانوكوف، ببيان خاص. وقال فيه: “من الضروري مساعدة مواطنينا في الخارج للعودة الى روسيا”. “نحن نستقبل الأجانب بيسر، في حين نخجل مناقشة الوضع حول مواطنينا. فيما يتعلق بالشركس السوريّين، فإنّ عودتهم الى روسيا لا تجلب أيّة تهديدات. التقيت بممثلين عن الشتات الشركسي في سوريا والأردن وإسرائيل وتركيّا وشهدت مشاعرهم المؤيدة لروسيا؛ إنّهم أناس مخلصون جداً” (http://www.regnum.ru/news/kavkaz/kab-balk/1488420.html, January 16).

ومن المحتمل، فإنّه من الممكن لروسيا تسجيل نقاط بإظهار نفسها كمدافع عن الشركس والتخفيف جزئيا من معارضة النشطاء الشركس لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2014 في سوتشي. من خلال توفير ممر آمن للشراكسة العائدين من سوريا الى شمال القوقاز، قد تكسب موسكو بعض من قلوب وعقول الشركس، لا سيما هؤلاء السكان المحليين الذين يعارضون الأولمبياد على أساس أنها ستعقد على موقع الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة التي وقعت في القرن التاسع عشر. لكن في هذه اللحظة، فإنّه يبدو أن صُنّاع القرار في موسكو يتأثرون بالعوامل السلبية المرتبطة بعودة الشراكسة السوريّين إلى شمال القوقاز.

في 17 يناير/كانون الثّاني، قام وفد حكومي أبخازي في زيارة مفاجئة الى سوريا للتحقق من وضع السكان الأبخاز والشركس هناك. الأبخاز العرقيّين لا يزالون في وضع ديموغرافي متزعزع في الأراضي الجورجية الانفصالية في أبخازيا على الرغم من طرد جماعي للإثنيّين الجورجيّين خلال الحرب الجورجيّة – الأبخازيّة في العامين 1992-1993. إنّ من المفترض أن تكون أبخازيا مهتمة في جذب المهاجرين الأبخاز. غير أنّه، ربما لأن الحكومة الأبخازية هي تحت العين اليقظة للكرملين، فإن معظم الّذين اجتمع الوفد الأبخازي معهم في سوريا هم من العرقيّتين الأبخاز والشّركس الذين لا يسعون للعودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم. وقد ورد بان ست عائلات أبخازيّة فقط تم تحديدها كانت تسعى للإنتقال إلى أبخازيا. بعض المصادر غير الرسمية أبلغت عبر مواقع على الإنترنت ان الحكومة السورية لم تسمح لأعضاء لوفد الأبخازي لقاء الناس الذين يريدون مغادرة سوريا. وقد زُعِمَ أن الوفد الأبخازي قام بزيارة قصيرة للغاية، وسرعان ما غادر البلاد لتجنب حشود من ذوي العرقيّتيْن الأبخازيّة والشّركسيّة يتوسلون للحصول على عون للخروج من سوريا (http://www.aheku.org/page-id-2815.html, January 23).

الأزمة السورية تعرض موسكو في وضع خاسر لا محالة ذلك أن الحكومة الروسية ونفورا من المخاطر فإنّها غير راغبة في محاولة حلّها، على أمل أنها من الارجح سوف تتبدد من ذاتها تدريجيا. وهذا النهج، على أي حال، سوف لن يؤدّي إلا إلى المزيد من توسيع الفجوة بين الشراكسة في شمال القوقاز وموسكو. في حين أن موسكو يمكنها بأريحيّة أن تحاول تجاهل هذه القضية طالما أرادت ذلك، لكن الخطر الحقيقي قد ينشأ إذا ارتأت تبليسي في أن  في ذلك فرصة وتحاول الاستفادة من الوضع من خلال عرض تقديم مساعدة لنقل الشركس من سوريا الى جورجيا، وهي إمكانية غير مشكوك في حدوثها والتي أثارها بعض الناشطين الشركس على مستوى شخصي مع الجورجيين في محاولة للحصول على دعمهم من أجل معاناة مواطنيهم في سوريا.

 

ترجمة:  مجموعة العدالة لشمال القوقاز

Share Button

اترك تعليقاً