التّبعات السّياسيّة على القضيّة الشّركسيّة

التّبعات السّياسيّة على القضيّة الشّركسيّة 
تقديم: عادل بشقوي
يحظى الموضوع الشّركسي باهتمام غير مسبوق من قبل المهتمين بالشؤون الشّركسيّة والقوقازيّة على حدٍ سواء ويبدو أن اهتماما دوليا و إقليمياً يسلط الأضواء على القضيّة الشّركسيّة ومسارها وتداعياتها، وذلك نتيجة لعناصر إيجابيّة أثّرت على مجرى الأحداث في السنوات القليلة الماضية وكذلك نتيحة لتطورات متلاحقة طرأت ولا تزال تطرأ على القضايا القوقازية بشكل عام والقضيّة الشّركسيّة بشكل خاص.
لقد أصبح بالإمكان رؤية ومتابعة من يعملون في بحث الموضوع الشّركسي في مجال أوسع نطاقاً مما كان عليه في السّابق ويمكن وصف ذلك بنهضة ويقظة شركسيّة لم يسبق لهما مثيل منذ انتهاء الحرب الروسيّة – الشّركسيّة في عام 1864، بحيث أصبح موضوع حقوق الإنسان الشّركسي سواء في الوطن الأم أو في ديار الشّتات في دوائر الضوء والإهتمام نتيجة لقيام بعض الأطراف التي يرتبط ما تقوم به على الساحة الدّوليّة بما اقْتُرِفَ من مجازر ضد الأمّة الشّركسيّة وشعوب قوقازيّة أخرى وكذلك نتيجة لحصول تطوّرات على الموقف السّياسي الشّركسي من حيث تثبيت الحقوق المشروعة والمطالبة الجادّة لاستعادتها، والطّرق الواجب اتّباعها من أجل متابعة بحث تفاصيل دقائق القضيّة الشّركسيّة على مستويات وبآفاق وأفكار مبتكرة وعصريّة، وبالتّالي للتّحرّك من أجل الكشف عن إمكانيات للعثور على طرق مناسبة وملائمة لحل كل المسائل المتعلقة بالقضيّة الشّركسيّة بامورها وتداعياتها وتاثيراتها المختلفة.
إن ما يجري في الشتات الشّركسي، يجعل من الملح والواجب على من يهمّه الأمر أن يعمل على حل أمور متعدّدة ومعقّدة تتعلق بالشركس وارتباطهم الّذي لا ينفصم بالوطن الشركسي، ومنها هاجس العودة إلى الوطن الأم عندما يحين الوقت المناسب. إن بحث الحلول المتوقّعة والمتعلقة بالقضيّة الشّركسيّة من دون التّشبّث بمواقف مسبقة وبفرضيات مبنيّة بالضّرورة على نظريّة المؤامرة وعن طريق تقريب أطراف واستبعاد أطراف أخرى لها ارتباط بالاوضاع العامّة والخاصة في منطقة القوقاز نتيجة لخلط الأوراق والأدوار التي أفرزتها السّياسات الإستعماريّة الرّوسيّة المتعاقبة، يساعد على إضفاء وضع غير مسبوق لتحقيق إمكانيّة التّحرّك المسؤول نحو كشف وسبر أغوار “عالم الممكن” من أجل استشراف آفاق العثور على الطريقة المثلى في حل القضيّة الشّركسيّة وفق عناصر متكاملة وتشمل امورها وتفاعلاتها وتداعياتها المختلفة.
هناك من يطرح فرضيّة المؤامرة وأن أطرافاً تعمل على اختلاق العقبات والظّروف وتهيئتها بطرق غير مناسبة للشركس وتقوم بدورها بنفس الوقت بتوجيه مسار القضيّة الشّركسيّة بالإتّجاه الّذي لا ترتضيه الفيدراليّة الرّوسيّة وهو الّذي يؤثّر على مصداقيّتها وهيبتها أمام العالم إقليمياً وقاريا ودولياً ؛ فمن جانب يُتّهم النّشطاء الشّركس بالأنقياد لمن يريد أن يقوّض الدّولة الرّوسيّة وهذا كذب وهراء، لأن من المفترض أن لا تكون دولة كبيرة كالدّولة الروسيّة هشّة إلى هذا الحد بحيث يمكن لعدد من الشّركس أن يقوّضوا بنيانها أو كيانها، ومن جانب آخر يُصوّر الشّركس وكأنّهم في مهب الريح (إذا الريح مالت مال حيث تميلُ) وبأنّه يمكن أن ينقادوا لأيٍ كان! وذلك هو المستحيل بعينه لأن الشّركس هم أحفاد هؤلاء الأبطال الّذين دافعوا عن وطنهم الأم بشرف وبالغالي والنفيس لمدّة 101 سنة متتالية ولم ينقادوا للغزاة الأوغاد، بل دافعوا عن حقوقهم وأنفسهم بكل السبل الممكنة وبكل ما أوتوا من وسائل الدفاع البسيطة الّتي كانت بأيديهم، فلم يهادنوا ولم يستسكنوا ولم يستسلموا ولم يوافقوا على ترك الوطن للطامعين لقمة سائغة، فنالوا القتل والغدر والإبادة والتهجير القسْري والنكران من قبل العدو ومن قبل الأفّاكين الّذين تشدّقوا كذباً وبهتاناً بأنهم أصدقاء للشركس!
هناك من يقول ويتسائل، وذلك مشروع بحد ذاته إن لم تكن هناك مواقف مسبقة: لماذا الآن؟ ولماذا الشّركس (أو بعضاً منهم) تنبّهوا هذه الايام لما جرى ويجري لهم؟ ولماذا بعد مضي هذا الوقت الطويل وهو ما يقارب المائة وخمسين عاماً؟ ولماذا المطالبة بالحقوق؟ وأيّة حقوق وكيف يمكن الحصول عليها أو انتزاعها؟
لكن يمكن القول وبثقة ودراية كاملة أن الشّركس هم “كالأيتام على مآدب اللئام”، وإذا لم يطالبوا بحقوقهم المشروعة فمن سيطالب لهم بها، ومَنْ ذلك المُتطوّع الّذي سيأتي من المجهول للقيام بذلك نيابةً عنهم؟
الشّركس في بلدان عديدة وبالتنسيق فيما بينهم، حتّى الّذين يقيمون في شمال القوقاز، استفاقوا خلال السّنوات القليلة الماضية على استمرار المؤامرة ضدّهم وضد أمتهم ووجودها، وبأشكال متعدّدة، أذكر أهمّها فيما يلي:
1. ابتداءاً بالإحتفالات المزيّفة التي أقامتها وفرضتها روسيا (وبالعين الوقحة إيّاها) على الكيانات التّابعة لها في شمال القوقاز، عندما احتفلت زوراً وبهتاناً بمرور ما يُسمّى بِ 450 عاماً على إنضمام الشّركس الطّوعي لروسيا على حد زعمها وهو ما لم يحصل بالتاريخ!
2. تجاهل مطالبات الشّركس في شمال القوقاز لاتّخاذ خطوة هامّة في سبيل حفظ الذّات من خلال تفعيل التجانس المطلوب بين الجمهوريّات الشّركسيّة، وتوحيدها في كيان قومي بأراضٍ متلاصقة ومتجاورة، لكن كانت روسيا تنوي ضم جمهوريّة أديغييا إلى مقاطعة كروسنودار الّتي تعتبر الآن مقاطعة روسيّة، لكن فشلت هذه الخطّة أمام المواقف الشّركسيّة الرّافضة الّتي أتت من شمال القوقاز ومن دول الإغتراب على حدٍ سواء، والّتي تحدّت هذه الخطوة الرّوسيّة!
3. نيّة روسيا قبل عدة سنوات تقديم طلبها، حيث قدّمتْه لاحقاً إلى اللجنة الأولمبيّة الدّوليّة لعقد دورة الألعاب الأولمبيّة الشّتويّة في سوتشي في عام 2014، وهو ما اعتبره الشّراكسة الّذين يعرفون تاريخ سوتشي حق المعرفة غير مقبول ويكشف عن الوقاحة كونها كانت آخر عاصمة لشركيسيا قبل الإحتلال الرّوسي لها في 21 مايو/أيّار 1864، وكانت آخر حصون المقاومة الشّركسيّة ضد الغزو القيصري الرّوسي حيث سقط فيها العديد منهم دفاعا عن الوطن وقامت القوات المحتلّة بإجراء عرض عسكري فيها إحتفاءاً بانتصار روسيا القيصريّة على الأمة الشّركسيّة عندما “إنتصرت القوّة على الشّجاعة”، وأخيراً وليس آخراً كانت سوتشي هي إحدى أهم المواقع البحرية التي تم تجميع الشّركس بها بقصد تهجيرهم القسري عن وطنهم عندما تأتي سفن الشّحن البالية والفاقدة للصلاحية للإبحار ونقل الرّكاب والبضائع.
4. عمد الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتن في خطابه المتلفز أمام اللجنة الأولمبيّة الدّوليّة بقصد حشد الدّعم لإقامة الألعاب الأولمبيّة الشّتويّة في سوتشي بالقول أمام الملأ بأن سوتشي كانت تسكن من قبل الإغريق القدماء الّذين مرّوا في المنطقة مرور الكِرام ولم يَذْكُر أصحابها االأصليّين الشّركس والّي يُثبت التاريخ الموثّق بأنّهم سكنوها وأقاموا في شمال غرب القوقاز لأكثر من ستّة آلاف سنة!
5. استمرار روسيا وأجهزتها الرّسميّة في الجزء الشّركسي من القوقاز ببناء وتشييد الصّلبان والنّصب التّذكاريّة لقادة الجيوش القيصريّة الروسيّة الّذين اقترفوا عمليات القتل والإبادة والتنكيل بالشّركس واقتلاعهم من وطنهم، وهذا إن دل على شيئ فإنّه يدل على الإستهانة بكل ما هو شركسي!
إن ذلك غيض من فيض من التجاوزات غير المقبولة التي عكست السياسة الروسيّة في القوقاز وفيما يتعلّق بالشّركس تحديداً؛ ويذكّر ذلك ما نقل عن الإمام الشّافعي قوله: “من استُغْضِبَ فلم يغضب فهو حمار”،فكيف بعد الّذي ذكر أعلاه نريد من الّذي يعرف هذه الحقائق بأن يبقى محايداً وغير مهتماً لما يحدث لبني قومه وأمّته؟ فهل العمل من أجل استرجاع الحقوق والمناداة بالحفاظ على الكرامة الوطنيّة يعتبر تنفيذاً لمآرب خاصّة كما يحاول البعض ان يروّج، أو تنفيذاً لأجندات خارجيّة؟
هنا تضعنا هذه الإتّهامات غير المنطقيّة أمام احتمالين لا ثالث لهما، وهو إما الإنقياد للسياسة الروسيّة جملةً وتفصيلاً، او الإنقياد على حد تعبير الّذين يروجون لهذه الأفكار إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وجورجيا لكن لم تذكر نيكاراغوا في هذا الهوس في كيل الإتّهامات جزافا لأولئك الّذين ما ارتضوا غير المناداة باليقظة والعمل بموجب أجندة وطنيّة شركسيّة، وفي كلتا الحالتين هُمّش العمل الوطني الشّركسي وكأن الشّركس لا يملكون روح المبادرة أو حتّى إمكانيّة تحديد المسار وأنهم يجب أن يكونوا حاشا للّه مُسيّرين من قبل الغير!
نقل عن: صفحة الناجون من الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة على الفيسبوك
Share Button

اترك تعليقاً