نافذة على أوراسيا: تحدي بوتين المُضاعَف للنظام الدولي

نافذة على أوراسيا: تحدي بوتين المُضاعَف للنظام الدولي

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

            ستاونتون، 9 أبريل/نيسان – إنها أرضية مشتركة الآن حيث أن ضم فلاديمير بوتين للقرم يمثل إعادة النظر في تسوية عام 1991 التي تتعلّق بنهاية الاتحاد السوفياتي، مع بعض تصوير ذلك بأنه إشارة إلى أن “روسيا قد عادت من جديد” وآخرين يعتبرونه كنوع من الثّأر الّذي يهدد حتما النظام العالمي.

            ولكن بمعنى مؤكّد، فإنّ التعديل في النظام الدولي هو أقل أهمية من عملين غيره من أعمال التعديل الّتي ينهمك بها زعيم الكرملين، أعمال تأتي على عكس الأول ولها عواقب فورية إلى ما وراء حدود ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي لأن بلداناً أخرى، حتى تلك التي لم تنبثق من انهيار الإمبراطورية، قد تلتقط شيئاً منها .

            الأول منها هو تغيير بوتين لتسوية عام 1945، ليس تقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ بل إصرار مؤسّسي الأمم المتحدة أن المواطنة هي أكثر أهمية من الإثنيّة وأنه لا يمكن لأي بلد التأكيد على عكس ذلك، على الرغم من أنّه وتحت حق الأمم في تقرير المصير، فإنّه يمكن أن يتاح ذلك في بعض الأحيان للمجموعات العرقية.

            وسبب ترسيخ هذا المبدأ، بطبيعة الحال، هو أن أوروبا كانت قد نجت على التو من حرب عالميّة ضد ديكتاتور ألماني أصر على عكس ذلك، وهو الذي منح نفسه الحق بالدفاع عن العرقيين الألمان بغض النظر عن جنسيتهم، والمكان الّذي يقيمون به، حيث فعل ذلك عبر استخدام القوة المفرطة .

            من السّوديت (Sudetenland) وما تلاها، عمل هتلر على مواكبة الحدود السياسية لتتماشى مع الحدود العرقية، وهو في حالته، نهج لم يجلب فقط الحروب العدوانية في البلد ولكن أيضاً الإبادة الجماعيّة في داخل البلد وخارجه باسم نظام عالمي أراد أن يوجده. ولحسن الحظ، فإنّه هزم، وسعت الأمم المتحدة لمنع أي شخص من القيام بذلك مرةً أخرى.

            بشكل مأساوي، وبعد 69 عاماً بعد تدمير الرايخ الثالث، فإن نظام بوتين ينتهج برنامجاً يرفع بدوره أيضا العرق على المواطنة على الأقل فيما يتعلق بالعرقيّين الروس والّذي يدّعي أن الدولة الروسية لديها الحق في استخدام القوة لحماية العرقيّين الرّوس في الخارج والذين هم ليسوا من مواطنيها.

            إن عواقب ذلك هي حقا مرعبة لثلاثة أسباب. أولا، هناك أكثر من 15 مليون من العرقية الروسيّة يعيشون في جمهوريات الإتحاد السّوفياتي السابق وتم إحتلال دول البلطيق في الماضي التي من شأنها أن تكون الهدف لهذه السياسة – أو ما يكاد يكون مساوياً بالسوء، وهو الهدف المفترض لمثل هذه السياسة، وبالتالي يولّد عدم اليقين حول ولائهم وزعزعة استقرار هذه البلدان.

            ثانياً، الدّوافع القومية وراء مثل هذه السياسة من غير المرجح أن تبقى فقط في حقل السياسة الخارجية. بدلا من ذلك، أولئك الذين يدفعون باتّجاه استخدام القوة للدفاع عن العرقيّين الرّوس في الخارج، يكاد أن يكون من المؤكد بأنّهم سوف يميلون إلى استخدام القوة في البلد ضد ربع السّكان الرّوس من الّذين هم ليسوا من العرقيّة الرّوسيّة.

            فمِن ناحية، يمكن أن يؤدي ذلك بسرعة إلى التوسع في المذابح التي شهدناها بالفعل ضد المهاجرين إلى مجموعات أخرى، خاصة إذا ما استمر نظام بوتين في الاعتماد على الجماعات المسلحة غير الرسمية من أجل “الحفاظ على النظام”. ومن ناحية أخرى، فإن التهديد بأن هذا يمكن أن يحدث سيجعل بالتّأكيد العديد من هذه المجموعات أقل اهتماما واستعدادا للاندماج في الحياة الروسية.

            ونتيجة لذلك، فإن الكثير من دفاع بوتين الصّاخب عن العرقيّين الروس المتواجدين خارج الحدود، سيؤدي إما إلى مزيد من الاستبداد في الداخل، مع كل العواقب السلبية التي من شأنها أن تؤثّر على الروس وغير الروس على حد سواء، أو إلى جهود تبذل من قبل بعض الأقليات من أجل الانفصال وتشكيل دولهم الخاصّة بهم كآخر خط للدفاع ضد نظامه.

            ثالثاً، على خلاف الحالة الخاصة للفيدراليّة الرّوسيّة والفضاء الّذي تلى الاتحاد السوفياتي، وهذا النوع من الديناميكية يمكن أن ينتشر إلى مجموعة متنوعة من أماكن أخرى في العالم، خصوصا ان الكرملين يقوم الآن بتعزيز العلاقات مع القادة والجماعات الذين أظهروا أنفسهم بالفعل بأنّهم يحتقرون حقوق الأقليات بكافّة أنواعها.

             وفعل بوتين الآخر هو التحريف الّذي يتعلق بتسوية عام 1919. بوتين، وحتى أكثر من ذلك، بعض المحيطين به يحتفلون بفضائل الإمبراطورية، بشأن حق الدول القوية السّيطرة على الشعوب الأقل قوة في ظل العبوديّة، باسم بعض الرؤى العظيمة أو ببساطة من أجل إثراء هؤلاء الموجودين في القيادة.

            يمكن للمرء أن يناقش الآثار المترتبة على إلتزام وودرو ويلسون (Woodrow Wilson) في حق الأمم في تقرير المصير، ولكن المرء لا يستطيع أن ينكر أنه أشار إلى المسمار الأخير في نعش الإمبراطوريات كأساس لمنظمة سياسية كانت المرة الأولى في أوروبا، حيث أن الحرب العالمية الأولى دمرتهم ومن ثم في أماكن أخرى، عندما دفعت الولايات المتحدة في اتّجاه نهاية الإمبراطوريات الأوروبية في كل من آسيا وأفريقيا.

            من خلال الإحتفال بذكرى الإمبراطورية، فإن القيادة الروسية لا تعمل لمجرد إعادة النظر في تسوية عام 1991 أو إتفاقية عام 1945. إنّها تتحدى هذه االتّسوية لعام 1919 ودفع العالم إلى الوراء لعالمٍ حيث ادّعت فيه بعض الدول الحق في السّيطرة على الآخرين دون موافقتهم واستخدام الأخيرين لمصلحتها الخاصة .

            بعض المعلقين الروس أصبحوا بالفعل المروّجين للإمبراطورية، وقد حان الوقت للبعض الآن في الغرب لرؤية “فضائل” مثل هذه الترتيبات السياسية، ناسين بطبيعة الحال في كثير من الحالات، بأن بلادهم حصلت على إنطلاقتها من خلال الانفصال عن إمبراطورية وأنهم ولا بأي حال من الأحوال يرون أنفسهم بأنهم تابعين لدولة أخرى .

            أن بوتين وأنصاره في موسكو والغرب يرغبون في الحفاظ على التركيز على ما يقوم به بوتين في أوكرانيا بأضيق ما يمكن. ومن المرجّح أن يقول دبلوماسيون أن هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على “تقدم”، ولكن تحريف بوتين المضاعف للتّسويات الّتي تم التّوصل إليها بشق الأنفس في القرن العشرين يعتبر أمراً خطيراً جداً بحيث أنهم ونحن بحاجة إلى معرفة ما هو على المحك .

            إن استعادة السيطرة الأوكرانية على القرم لن يكون سهلا، ولن يمنع المزيد من العدوان الروسي في أماكن أخرى في أوكرانيا. ولكن باسم مبادئ عام 1919، وعام 1945، وعام 1991، فإنّه يجب متابعة تلك الأهداف حتى يتم تحقيقها، أو أنّ العالم سيصبح مكانا أكثر رعباً بكثير وليس فقط في روسيا وما حولها.

            يدرك بوتين بوضوح أن ما يقوم به ليس فقط بما يتعلّق بشبه جزيرة القرم أو أوكرانيا أو أيٍ من الجمهوريات السوفياتية السابقة الأخرى. إنّه تحدٍ للنظام العالمي على هذا النحو. الكثيرين في الغرب يرفضون أن يروا ذلك، لانهم اذا اعترفوا بتلك الحقيقة، فإنه يجب عليهم أن يعملوا على منعه أو إظهار أنفسهم حكاماً فقراء للمُثُل الّتي يقولون أنهم يؤيدونها.

المصدر:

http://windowoneurasia2.blogspot.ae/2014/04/window-on-eurasia-putins-three-fold.html

http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251672572
Share Button