لماذا يخشى الكرملين من أن يتم تسمية الشركس ”شراكسة“؟

كُتِبَ هذا المقال باللغة الإنجليزية (https://caucasuswars.com/2019/12/15/why-does-the-kremlin-fear-the-circassians-being-called-circassians/?fbclid=IwAR26BX-J4gu-bcvVm0oucBz7rPOr5m8catDZ-smmxDNXUIUNbocXcVfJBhA) من قبل البروفيسور والت رييتشموند بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2019، ردا على مقال كُتِبَ ونُشر من قبل وكالة أنباء سيغودنيا باللغة الروسية (http://www.segodnia.ru/content/222343) بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، والمعروفة بنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة عن القضية الشركسية وضد كل من يطالب بالإعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية.

تمت ترجمة النص الإنجليزي إلى اللغة العربية، والذي نَشَر ترجمة المقال الأصلي كما هي، حيث قام البروفيسور ريتشموند بالتعقيب على كل الأكاذيب التي وردت في مقال وكالة أنباء سيغودنيا الروسية، وكان من ضمنها التهجم بشراسة على الناشطين الشركس ومن يعمل من اجل هوية شركسية موحّدة، بالإضافة إلى الاعتراف بتداعيات الحرب الروسيةالشركسية، التي يمكن اختصارها بالإبادة الجماعية والتدمير المنهجي والاحتلال الغاشم والتطهير العرقي والتهجير القسري.


لماذا يخشى الكرملين من أن يتم تسمية الشركس ”شراكسة“؟

15 ديسمبر/كانون الأول، 2019 / والت ريتشموند (WALT RICHMOND)

ترجمة: عادل بشقوي

16 ديسمبر/كانون الأول، 2019

أتابع تبادلًا مثيرًا للاهتمام بين المجتمع الشركسي العالمي والمراقبين في الخارج والكرملين. بدأ الأمر عندما رأيت هذا المقال في وكالة أنباء سيغودنيا (Segodnya)، وهي بوق للكرملين متنكِّراً بثوب مصدر إخباري. وهذا هو رابط النسخة الروسية الأصلية (http://www.segodnia.ru/content/222343):

الغرب يُنَشِّط ”الموضوع الشركسي“ مرةً أُخرى

بتمويل من المؤسسات الأمريكية غير الحكومية، نشر ما يسمى بالمركز الثقافي الشركسي (CCC) مؤخرًا مقالًا حول – ناشط اجتماعي شركسي مزيف من الأردن – عادل بشقوي. توضّح هذه المادّة بصراحة على أن الأمريكيين القائمين عليها يعتزمون بمساعدة وبدعم من المركز الثقافي الشركسي، القيام بمحاولة أخرى لزعزعة استقرار شمال القوقاز في المستقبل القريب.

تجدر الإشارة إلى أنه يوجد اليوم بالفعل العديد من المنظمات الإديغيه الزائفة: المركز القانوني والثقافي الشركسي اللاتفي (محمد تلوبوف)، والحركة القومية الشركسية الأردنية (عادل بشقوي)، والإتحاد الدولي الشركسي الأمريكي (إياد يوغار). تم إنشاؤها جميعها من قبل الأميركيين (حتّى أنهم يقولون بأن أفرام شوموليفيتش {Avraam Shmulevich} أسهم نفسه فيها كمستشار) لتكثيف المشاعر المعادية لروسيا ومحاولة إثارة المشاعر الانفصالية القومية في جنوب روسيا. ومع ذلك، لا تتمتع هذه المنظمات حاليًا بدعم حقيقي من الشركس، وعلاوة على ذلك، فهي موجودة فقط من أجل مصالح رعاة ما يفترض أنّهُ ”موقف شركسي مشترك“. وبتحقيق هذه الحقيقة ومتابعة هدف إنشاء هيكل قادر على التأثير على رأي الشراكسة الذين يعيشون داخل الفيدرالية الروسية، أسّسَ الأمريكيون المركز الثقافي الشركسي (CCC) في جورجيا. وهو الموقع المناسب، المجاور لبلدنا، إضافة إلى السياسة المعادية لروسيا لدى قيادة هذه الجمهورية الاتحادية السابقة (ربما يعني المقال الاتحاد السوفياتي المقبور) التي حددت إلى حد كبير الإتجاه الرئيسي وأهداف هذا المركز.

وخلال تشكيله، اعتمد المركز الثقافي الشركسي على إبراهيم يغانوف، الذي، بعد أن توصل في النهاية إلى تحقيق أهدافهم الحقيقية، رفض التعاون مع أعدائه السابقين (لم يستغرق يغانوف وقتًا طويلاً ، ومع ذلك شارك في الحرب من أجل تحرير أبخازيا من مؤيدي الرئيس الجورجي السابق زفياد غامساخورديا (Zviad Gamsakhurdia) وقاتل إلى جانب الأبخازيين) وحتى في الآونة الأخيرة تلقى منصب المدير الفني للفريق الوطني للفروسية الروسي. بعد ذلك حاول المركز الثقافي الشركسي الاعتماد على شاب طموح مختص بفقه اللغة لكنه ليس متمرسا، هو مارتن كوشيسوكوف (Martin Kochesokov)، لكن لسوء الحظ، كان قد دُمِّرَ بسبب شغفه بالمخدرات. ومع ذلك، فإن الخبراء من المركز الثقافي الشركسي والقيِّمين عليه في الخارج لا يستسلمون ويحاولون الآن زعزعة استقرار الوضع في قباردينو – بلكاريا عبر الأردن. إنهم يحاولون القيام بذلك بأيدي طيار أردني سابق، العقيد المتقاعد عادل بشقوي، الذي كان يتعاون مع الخدمات الخاصة الأمريكية منذ خدمته في القوات المسلحة للمملكة.

لذلك، عُقدت واحدة من العروض الأولى من هذا النوع إلى الشركس من روسيا في تبليسي في يناير/كانون الثاني 2018، حيث تم تنظيم منتدى تحت رعاية المركز الثقافي الشركسي، بمشاركة مجموعة متنوعة من المثقفين الجورجيين، وكذلك نشطاء شركس من جمهورية قباردينو – بلكاريا (KBR) منهم بيشتوف (Beshtoev) وكوشيسوكوف (Kochesokov) وغيرهم، لعرض كتاب عادل بشقوي (الذي يوصف بأنه عالم سياسي ومؤرخ أردني) تحت عنوان “شركيسيا: ولدت لتكون حرة”. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب كان مكتوبا باللغة الإنجليزية ومناوئ تماما لروسيا تحت تأثير توابل الخرافات حول ”الإبادة الجماعية للشعب الشركسي“.

إن الاستمرار المنطقي لمحاولات اجتذاب المثقفين الشركس الأردنيين تحت التأثير الشر ير من قبل عملاء المركز الثقافي الشركسي ومؤسسة جيمس تاون كان في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019 في مؤتمر دولي للشركس في عمان. عُقد المؤتمر، الذي نظمه بشقوي ورئيس المركز الثقافي الشركسي، ميراد تشوخوا (Merad Chukhua) {كما ورد الإسم في النص}، بمشاركة مباشرة وحتى فعّالة من قبل القنصل الجورجي وتم تقديمه تحت ستار تقديم كتاب الشاعر الجورجي داتو ماغرادزي (Dato Magradze) ”جياكومو بونتي“، الذي تُرجِم إلى اللغتين الشركسية والأبخازية. هذا هو المكان الذي يبدأ فيه الجزء الأكثر إثارة للاهتمام: فبدلاً من تقديم الكتاب، حاول الجورجيون تنظيم حملة علاقات عامة لقد قدموا الجنسية الجورجية للشركس الأردنيين، والدراسة في الجامعات الجورجية، ودعوتهم إلى مباشرة الأعمال التجارية وحرّضوا على الأعمال المناهضة لروسيا. فبينما روج الجورجيون لأنفسهم بتفان، لم يتمكن الجنرال في سلاح الجو الأردني محمد أباظة، وهو عضو يحظى باحترام كبير في المجتمع الشركسي الأردني، من كبح جماح نفسه وتحدث متهماً علانية ممثلي جورجيا بجرائم الحرب والإبادة الجماعية للأبخاز. ولدهشة ممثلي المركز الثقافي الشركسي والقنصل الجورجي وبشقوي نفسه، أيد غالبية النشطاء الشركس المدعوين رأي الجنرال السابق، الذي أجبر الجورجيين على مغادرة الفعالية قبل الأوان.

يبدو بوضوح أن أكاذيب الجورجيين لا تمر حتى في الأردن. مع ذلك، وبعد التشاور مع ممثلي السفارة الأمريكية، طُرد الجورجيون من هذا الحدث في حالة من الخزي، وكتب صديقهم ودميتهم  بشقوي في أفضل تقاليدهم الأمريكية أنهم لم يكن عليهم أن يفلتوا من الأمر، لكن على العكس من ذلك، أربكوا الشركس الموالين لروسيا واتهموهم بالتواطؤ مع القنصل الروسي.

لماذا قام الإيديولوجيين الأمريكيين، بعد ركود في المعلومات، مرة أخرى بنشاط بمناقشة المشاكل الشركسية ويحاولون زعزعة استقرار الوضع في شمال القوقاز؟ الإجابة ليست واضحة، ولكنها بسيطة – السلطات الروسية تنزع المبادرة بثقة. تأكيد هذا هو الموقف الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لقباردينو-بلكاريا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حيث انتقد في مجلس عموم روسيا للعلاقات بين الأعراق في نالتشيك سياسة القنوات التلفزيونية الفيدرالية فيما يتعلق بتغطية العلاقات بين الأعراق وذكر أن الوقائع حول موضوع الإثنية يجب أن تكون موجودة على شاشات التلفزيون الروسي. بشكل منفصل، أشار بوتين إلى أن ”هذا الموضوع لا ينضب، وعليكم أن تتعاملوا معه باستمرار، كما الصِّحّة“. ربما لا يوجد شيء آخر يمكن إضافته إلى ذلك.

تجدر الإشارة أيضًا إلى أن العالم لم يعرف بوجود عادل بشقوي إلا في أبريل من عام 2008، بعد أن شارك في ما يسمى بـ ”ندوة الجمعية الخيرية الشركسية“ في عمان ”حول أعمال ونتائج مؤتمرات عُقِدَتْ في كلٍ من جامعتي هارفارد (Harvard) وويليام باترسون (William Patterson).

اعتدت على قراءة هذا النوع من الكلام الفارغ في وكالة أنباء سيغودنيا، لكن هذا الهراء لفت انتباهي. لقد وجدت أنه من المثير للاهتمام أن الكرملين يبدو خائفًا أكثر من أي وقت مضى من حركة عودة شركسية.

كان للمقال أعلاه رابط لمقال فكاهي آخر، “عامل محرض على الكراهية نحو روسيا”. كان هذا هجومًا مباشرًا على بول غوبل (Paul Goble)، الذي يدير مدونة نافذة على أوراسيا (Window on Eurasia) وشارك في العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية. وأفترض أن هذا هو المقال من نافذة على أوراسيا الذي تمت مهاجمته (http://windowoneurasia2.blogspot.com/2019/12/circassiandrivetodeclarecommon.html).

كما ترون، لا يوجد شيء يدعو إلى النزعة الانفصالية في المقال. إنه ملخص للحركة الأخيرة لتصنيف جميع الشراكسة على أنهم ذو عرقية واحدة بدلاً من كونهم أربعة عرقيات. سبب التصنيف الحالي هو بيروقراطي بحت: قباردينو – بلكاريا كانت تُعتبر ”الجناح الأيسر“ لجبهة القوقاز خلال الحروب الروسية-القوقازية، وتفصل قبيلة القباردي عن باقي الأمة الشركسية. تم تسمية الشراكسة الذين يعيشون في ما يعرف الآن باسم كراشيفو -شركيسيا باسم ”شركس“، وهو التعبير الروسي إلى ”الشركسي“. أديغييا، حيث يعيش عدد كبير آخر من الشراكسة، تم اشتقاقه من الإسم الذاتي للشراكسة، ”أديغه“. وأخيراً مجموعة صغيرة من الشراكسة من قبيلة شابسوغ (Shapsug) تفادوا الترحيل في عام 1864، بفضل القوزاق المحليين (الذين أدركوا أن تجربة الشابسوغ في المنطقة ستكون ذات قيمة لا تقدر بثمن في تطويع التضاريس الصعبة للغاية) حيث استطاعوا تجنب الترحيل. ولفترة وجيزة كان جيبهم الصغير يعرف باسم منطقة شابسوغ (Shapsug) المتمتعة بالحكم الذاتي، لكن في عام 1945 أعيد تسميتها باسم منطقة لازيرفسكي (Lazerevsky)، تكريماً للأدميرال الروسي الذي قصف الشابسوغ في المراحل الأخيرة من ”الحرب“ (التي كانت آنذاك عبارة عن تطهير عرقي بسيط وقد استخدم الروس حتّى في بياناتهم مصطلح ”التطهير“ مرارًا وتكرارًا).

يحاول مقال وكالة أنباء سيغودنيا، الذي يقوض مصداقيته تمامًا عندما عزا “الكاتب” القصة المزيفة حول اعتقال “مارتن كوشيسوكو” “للمخدرات”، في محاولات للخلط في دمج الحركة لإنشاء اسم عرقي موحّد للشركس مع طموحات انفصالية، لم يرد ذكرها في مقال غوبل. هذا مشابه للنهج الذي اتّبعهُ الكرملين عندما أُعيد تصنيف التتار واعتبارهم كمجموعة عرقية واحدة (وهي مقسّمة أيضا بشكل مصطنع إلى أمم زائفة: كازان {Kazan}، والقرم {Crimean}، وسيبيريا {Siberian}، وكيراشين {Kryashen}، إلخ…) ومع ذلك، فإن التتار هم  أمة أكبر كثيراً من الشراكسة.

علاوة على ذلك، فإن المقال بكل بساطة خاطئ لأن ”الكاتب“ يسأل، ”لماذا قام الإيديولوجيون الأمريكيون، بعد ركود في المعلومات، مرة أخرى بنشاط بمواصلة الترويج للمشاكل الشركسية؟“ لم يكن هناك هدوء. لقد كتب الدكتور غوبل باستمرار مقالات عن نضالات الشراكسة على مدار السنوات القليلة الماضية، ونشرت مؤسسة جيمس تاون مقالات كذلك. هكذا، وكما أراها، يحاول الكرملين إعادة صياغة الضغط الشركسي للحصول على اسم عرقي موحّد باعتباره الخطوة الأولى في حركة انفصالية. ليس المقصود من المقال حقا إقناع أي شخص؛ إنه مجرد علف لشوفينيي روسيا مثل الشابة التي قابلتها في عام 2005، وقد أخبرتني بأن الشيشان جزء لا يتجزأ من روسيا، لكن الشيشان ليسوا من الروس. إنها مبادئ أورويل للتفكير المزدوج في العمل.

لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن الكرملين قلق للغاية بشأن إقدام الشراكسة على أن يدعون أنفسهم بنفس الاسم الذي لجأوا إليه لنشر مقالات مثيرة للإهتمام. مع الشيشان تحت سيطرة الديكتاتور المستبد، فإن الشراكسة هم آخر أمة في أي مكان في القوقاز يمكن أن يحدثوا نوعا من الخلل في النظام الاستعماري الروسي. حملت الحملة المناهضة للأولمبياد وأزمة اللاجئين السوريين المجتمع الشركسي في العالم بطريقة تشكل تهديداً حقيقياً قد يطالب به الشراكسة في يوم من الأيام لإستعادة وطنهم المغتصب. وإذا حدث ذلك، فقد تنتشر النزعة الانفصالية في جميع أنحاء ”الفيدرالية الروسية“. أعتقد أنه احتمال حقيقي للغاية، على الرغم من أنّهُ ليس في المستقبل القريب. وأستطيع أن أجد شيئًا واحدًا أتفق فيه مع وكالة أنباء سيغودنيا: إذا حدث ذلك، فستحدث اضطرابات على عكس أي شيء رأيناه في القوقاز لفترة طويلة. لا أتطلع إلى ذلك، لكن مثل الكثير من النزاعات في العالم نتيجة الاستعمار، يبدو  أن الأمر لا مفر منه.

https://caucasuswars.com/2019/12/15/why-does-the-kremlin-fear-the-circassians-being-called-circassians/

Share Button

اترك تعليقاً