خطوة أخرى نحو تحقيق المعجزة الشركسية

خطوة أخرى نحو تحقيق المعجزة الشركسية

الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور المجلد: 17 العدد: 16

بقلم: بول غوبل (Paul Goble)

6 فبراير/شباط 2020

ترجمة: عادل بشقوي

7 فبراير/شباط 2020

(Source: Wikimedia)
(Source: Wikimedia)

تماما مثل عرق العشب الوحيد، بغض النظر عن صغر حجمه، فإنّهُ لا محالة يشق طريقه عبر جدار إسمنتي، مهما كان سميكاً، كذلك، فإن الأمة الشركسية تتغلب الآن على تاريخ طويل من القمع والهيمنة. منذ بداية اتصالها بالدولة الروسية قبل ثلاثة قرون، فقد حققت الأمة الشركسية حتما وبشكل متكرر ما كان يفترض مرارًا وتكرارًا انه ليس ممكنا: ليس فقط الخلاص الوطني بل الإنتصار القومي في إعادة تأكيد الهوية الشركسية بالكامل واسترداد الوطن. الآن، تسلط دراسة جديدة للكاتب والناشط الشركسي عادل بشقوي الضوء على هذا الإتجاه الديناميكي الذي يشمل أقرانه من ذوي الأصول الإثنية المشتركة في روسيا والشتات المنتشر في جميع أنحاء العالم.

على مدار أكثر من مائة عام ، قاتل الشركس الجيش القيصري الروسي الأكبر حجماً والأفضل تسليحًا، صامدين لفترة أطول بكثير مما توقعه أي شخص. لكن في عام 1864، هُجِّروا من وطنهم في شمال غرب-القوقاز — وهو تصرف اعترفوا به وحتى بعض الدول في الوقت الحاضر، بما في ذلك جمهورية جورجيا، بأنه ”إبادة جماعية“. لقد افترضت الدولة الروسية أن إعادة التوطين الجماعية القسرية هذه ستقتل هذه الأمة إلى الأبد. لكن القليل من الشراكسة الذين بقوا في أراضي أجدادهم تمسكوا بتقاليدهم؛ وازدهر مئات الآلاف في الشتات، ليس فقط عبر كسب ثقة الشعوب والحكومات التي يعيشون بينها الآن ولكن في الحفاظ على هويتهم الوطنية في التزام لا يتزعزع لليوم الذي قد يتم فيه لم شملهم في وطنهم. بعد ثورة عام 1917 البلشفية، قسمت موسكو الشركس إلى ما أسموه ”قومياتهم“ الحقيقية على أمل تدمير الأمة الموحدة؛ ومع ذلك، فشلت السلطات السوفيتية في محو ذاكرة الشركس المشتركة ولم تستطع فعل الكثير لمنع الشتات من الحفاظ على أمل العودة على قيد الحياة. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي أخيرًا بعد أكثر من سبعة عقود، اعتقد الكثير من الشراكسة أن يومهم قد حان أخيرًا؛ لكن حكومة الفيدرالية الروسية أثبتت أنها معادية للشركس مثلما فعل أسلافها السوفييت والقياصرة.

لكن، وفي السنوات التي تلت ذلك، بدأ ميزان القوى في التحول ويرجع ذلك جزئيًا إلى ظهور الإنترنت. لقد تم ضم الشركس في الوطن وفي الشتات معاً، حتى عندما خاض كل منهم نضاله الخاص به. ركز الشركس في الوطن على المطالبة بهوية شركسية مشتركة، خاصة داخل الفيدرالية الروسية. في حين أن الأخيرين احتد غضبهم ضد ما اعتبروه جرائم موسكو المستمرة، مثل عقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2014 في سوتشي، وعلى وجه التحديد في الموقع الذي طرد منه أجدادهم في عام 1864، وكذلك منع الشركس في الشرق الأوسط الذي مزقته الحرب من العودة إلى الوطن. لم يكن كل فرع من فروع الأمة الشركسية مصدر إلهام للآخر فحسب، بل شجع كلاهما الآخر على الاعتقاد بأنهما لا يستطيعان مواصلة كفاحهما فقط، بل والفوز أيضًا.

جذبت أعمال التحدي المستمرة هذه تعاطف الكثيرين في جميع أنحاء العالم من الذين يرغبون في رؤية هذا النصل الشركسي من العشب يخترق أخيرًا الخرسانة المتزايدة سماكة والمتمثلة في الدولة الروسية تحت قيادة فلاديمير بوتين. على النقيض من ذلك تماماً مثل أولئك الذين شطبوا قضية الشركس قبل ثلاثة قرون، ثم قبل قرنين، ثم قبل قرن، وقبل عقد من الزمان أولئك الذين يُنْكِرون قدرة ”المعجزة الشركسية“ هم اليوم مخطئون.

بالنسبة للعديد من الأمم، فإن احتمالات المثابرة ضد مثل هذا القمع طويل الأجل وسياسات الدولة التقسيمية بشكل مقصود قد تكون مثيرة للإحباط. لكن ليس للشراكسة. لقد حققوا بالفعل ما بدا وكأنه المستحيل البقاء على قيد الحياة لأكثر من 150 عامًا كأمّة محددة هويتها ومستقلة ذاتيا على الرغم من أنها منتشرة في جميع أنحاء العالم ومقموعة في الوطن. وما زالوا متحمسين بروحهم الإيجابية والتزامهم الذي أدى إلى ازدهار فكري جديد في وطنهم وفي جميع أنحاء العالم على السواء. كتاب جديد بعنوان ”المعجزة الشركسية: الأمة التي عجز القياصرة والمفوضون وروسيا عن إيقافها (Xlibriis, 2020, 1167 pp)، للكاتب عادل بشقوي، هو جزء من ذلك الإزدهار. يروي العمل في آن واحد قصة المقاومة الشركسية، ويؤكد مصادرها، ويساهم في تحقيق النصر الذي حققه الشركس أكثر من أي وقت مضى منذ عام 1864.

لا يهم كم هو مقدار ما يعرفه المرء عن القضية الشركسية سواء كثير أو قليل، فإن بشقوي هو دليل مفيد. إنه شركسي وُلد في الأردن وعمل في مهنة طيار في الخطوط الجوية ومؤلف كتاب آخر رائع عن الشركس هو، شركيسيا: وُلدت لتكون حرة (2017)، وهو لا يقدم فقط تاريخًا موثقًا جيدًا عن شعبه ونضالاته ولكن أيضًا المواد وقائمة المراجع عن الحركة الوطنية بشكل عام. ويكرس الكتاب اهتمامًا خاصًا للحملة الدولية للشركس ضد أولمبياد سوتشي 2014 (see EDM November 6, 2013; see Jamestown.org, February 19, 2014) بالإضافة إلى هجمات الحكومة الروسية المستمرة على الشراكسة الذين يعيشون في سوتشي وأماكن أخرى مثل خطط لاستخدام التجديد الحضري لتدمير فرع واحد من الشراكسة في تلك المدينة، ألا وهو الشابسوغ {Shapsugs}(Kavkazr.comNovember 23, 2018 وJanuary 9, 2020Windowoneurasia2.blogspot.com, January 14, 2020).

من المهم بشكل خاص تجميع الكتاب لأكثر من 400 وثيقة، يصعب الوصول إلى العديد منها، وهو ما يدعم حجج المؤلف ويوفر الأساس لمزيد من البحث وفهم ودعم أكبر للقضية الشركسية. لا يمكن لأي شخص يريد أن يفهم هذه القضية الاستغناء عنها أو بدون الرجوع الى هذا الكتاب. يقال أحيانًا أن الثورات تتطلب ثلاثة أنواع من الناس: الفلاسفة الذين يفسرون سبب أهمية الثورة، والنشطاء الذين ينظمون السكان لتحقيق الهدف، والمدراء ذوي الخبرة الذين يمكنهم إضفاء الطابع المؤسسي على الثورة بمجرد تنفيذها. يجمع عادل بشقوي بين الأول والثاني من هذه الأدوار ويحتل المركز الأول ليكون الثالث بعد النصر.

وهذا قد يكون أسرع مما يعتقد أي شخص. فخلال قراءة كتابه، يستذكر هذا القارئ باستمرار كلمات المهاتما غاندي حول شكل حملة التحرر الوطني: ”أولاً يتجاهلونك“، كما قال الزعيم الهندي الراحل، ”ثم يضحكون عليك؛ ثم يحاربونك، ثم تنتصر“.  لم تعد موسكو تضحك، لكنها تخوض معركة الخطوط الخلفية. إن انتصار الشراكسة لا يزال ينتظرنا، وكتاب عادل بشقوي الجديد جعل هذه الغاية أقرب.

المصدر:

https://jamestown.org/program/another-step-toward-the-realization-of-the-circassian-miracle/

Share Button

اترك تعليقاً