إغداق المساعدات في غياب الواجبات تجاه المواطنين

إغداق المساعدات في غياب الواجبات تجاه المواطنين

عادل بشقوي

5 أبريل/نيسان 2020

IMG_0510

جرى حوار مع صديق حول تأثير جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) في المناطق النائية من الفيدرالية الروسية مثل شمال القوقاز، وما إذا كانت الترتيبات الرسمية والاستعدادات للحماية الصحية متوفرة، وما إذا كانت اجهزة الحكومة والسلطات الطبية المحلية قد وفرت الإمكانيات لإجراء الإختبارات للكشف عن الفيروس، والتي يجب إجراؤها فقط في مختبرات متخصصة ومعتمدة للقيام بذلك. وكذلك إمكانية توفير علاج فعال للمواطنين، وفي نفس الوقت حماية الطواقم الطبية الذين يتعاملون مع تلك الحالات.

حدث ذلك في ضوء حملات العلاقات العامة على المشهد (المسرح) الدولي، والتي تُظهر إرسال طائرات محملة بالطواقم والمعدات الطبية بما في ذلك أجهزة الكشف والعلاج والأدوية الملائمة لفيروس كورونا. ويتجلى ذلك في إغداق الهدايا الروسية التي تنقلها الطائرات، والتي تهدف إلى الحصول على مكاسب سياسية لخدمة المصالح الاستراتيجية على المدى القريب والمتوسط، التي ظهرت من حيث الجوهر والتأثير.

وقد ظهرت واحدة من تلك النتائج والعواقب السريعة على الفور. فقد أظهر بعض مواطني الدول الأوروبية، من الذين تلقوا أنباء المساعدات بالترحاب، التقدير للروس. وفي وقت لاحق، انتقدوا رد الفعل البارد للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتقديم مساعدات مماثلة، والتي وصلت إلى نوع من الدعاية المدبّرة والمنسّقة ضد أعضاء الاتّحاد الأوروبّي الذين تلقوا الشحنات المرسلة.

تناقض غير مفاجئ

لم تنتهي المساعدات عند التسليم فحسب، لكن حدثت مشاهد مسيئة لإظهار هذه الإعانات بقالب يختلف اختلافًا جوهريًا عن العنصر الإنساني المفترض، وذلك لإشباع الرغبة في تعمُّد الإساءة مع العلم بأن العامل الأساسي يجب أن يكون تقديم المساعدة لأولئك الذين يتعرّضون للمحنة. وهكذا اتضح إشباع الرغبة في تعمد الإيذاء، حيث جرى إهانة رموز الدولة.

اعتبرت وسائل الإعلام، ولا سيما المواقع الموالية لروسيا، هذه الفرصة ظرفًا مفضّلاً مناسبًا للتّدخُّل. لم يكن هذا السلوك على أي حال، سوى سمة مميّزة للأنظمة المتعاقبة في روسيا. وتظهر ”قصة فيديو أخرى تمت مشاركتها في وسائل الإعلام الموالية للكرملين تُظهِر عزف النشيد الروسي في إيطاليا. ومن بين الوسائل الإعلامية الروسية التي نقلت الفيديو كانت الشبكة التي تسيطر عليها الدولة (Rossiya 1) وقناة  (REN TV) الموالية للكرملين، والتي تم تقديم تقريرها عبر الإنترنت تحت العنوان الرئيسي (النشيد الوطني الروسي كان يصدح في شوارع إيطاليا).“ [1]

وقد شغلت هذه الظاهرة العديد من الجهات التي نشرتها وعلقت عليها من أجل وضع الرأي العام العالمي في الصورة. أحد التقارير التي دقّقت فيها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) حول استبدال العلم الأوروبي بالعلم الروسي في إيطاليا. ظهرت مثل هذه القصة مع فيديو مصاحب في عدد من وسائل الإعلام الروسية بما في ذلك الصحيفة الحكومية الرسمية (Rossiyskaya Gazeta) والموقع الأخباري على الإنترنت (Life) تحت عنوان، (الصديق وقت الضيق. الإيطاليون يستبدلون أعلام الاتحاد الأوروبي بالعلم الروسي ثلاثي الالوان).“

جهود الإغاثة التي تقوم بها مختلف الحكومات والوكالات، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، ليس لديها أي أجندات خاصة في ما تقدمه في هذه الظروف غير الطبيعية. إنهم لا ينوون لعب ألعاب الاستحواذ. ”ضمن تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية، قال شيبلين (Shepelin) في تعليق لهيئة الإذاعة البريطانية: {بدقيق العبارة، هذه الحالة ليست محض افتراء. في الواقع، فإن السكان الإيطاليين المتواجدين هم متحمسون لأعمال روسيا وهم يستبدلون علم الاتحاد الأوروبي حت عنوان، (الصديق وقت الضيق. الإيطاليون يستبدلون أعلام الاتحاد الأوروبي بالعلم الروسي ثلاثي الالوان بأيديهم. ومع ذلك،  فإن هؤلاء المشجعين لروسيا ليسوا إيطاليين عاديين؛ بل لديهم علاقات تجارية ومالية وثيقة مع موسكو. وبالتالي، نحن لا نتعامل مع تزييف محض، لكن هناك ألاعيب. كذبة هجينة. أو حقيقة هجينة}.“ [2]

الأقربون أولى بالمعروف

ووفقا للصحفي من كالينينغراد ميخائيل فيلدمان (Mikhail Feldman)، ”تسعى جميع أساليب مكافحة فيروس كرونا في الفيدرالية الروسية إلى تحقيق هدف واحد وهو الحفاظ على صورة الدولة بأي ثمن“. تم تسليط الضوء على الوضع الصحي في المناطق الروسية. ”خط الدفاع الأول في دفاع الكرملين هو ببساطة الكذب، حسبما يقول. ويكمل بأن الخبراء المحليين يقولون أن عدد الحالات في الفيدرالية الروسية هو أعلى بكثير مما تعترف به موسكو. وخط الدفاع الثاني هو عدم اجراء فحوصات التشخيص. فبدون اختبارات، من الممكن أن تُنْسب الحالات إلى الإنفلونزا أو إلى الالتهاب الرئوي، لكن ذلك في الواقع انتشارا للوباء (region.expert/covidkenig/)“. [3]

في نهاية المطاف، كما ذكر أعلاه، تشن روسيا حملة علاقات عامة ترويجا لقيادتها ومن أجل إصلاح وترميم سياساتها الخرقاء في الساحة الدولية، عن طريق إرسال المعدات الطبية واجهزة الاختبار إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى [4]؛ لكن في نفس الوقت إعاقة إرسال هذه المعدات إلى المناطق والأقاليم النائية في الفيدرالية الروسية. مع ان حسن النية مرحب به عندما يكون التعاون والتنسيق هو المبتغى الرئيسي، لكن في كل الأحوال، يجب أن تتوقف السياسات العدوانية بشأن احتلال شبه جزيرة القرم والعلاقات العدائية الأخرى مع العديد من البلدان المجاورة.

في غياب وجود الوعي الطبي والدعم والخدمة المناسبة، وبشكل خاص في حالة عدم توفر فحوصات طبية مناسبة، من دون إرسالها إلى موسكو في ظروف معينة وانتظار عودة النتائج، يجب أن يكون واجب الهيئات المدنية والمواطنين أنفسهم، الذين هم ملزمون باتخاذ الاحتياطات الضرورية واتباع خطة تجنب الإصابة بفيروس كوفيد-19 ووضعها قيد العمل ليتم تنفيذها من قبل الطاقم الطبي المحلي. ويجب على الناس أن يثبتوا في الوقت الحالي اتباع منهج التباعد الإجتماعي، لتجنب الإصابة بالمرض أو العدوى، لأن العلاج الطبي غير كافٍ في حالة شهدوا انتشارا واسع النطاق، والذي سيؤدي بدوره في النهاية إن حصل ”لا سمح الله“” إلى خسائر في الأرواح، حيث ستكون العواقب وخيمة على السكان .

إن التفاوت الملموس في الحصول على الرعاية والخدمات بين فئات المجتمع وقدرة المحظيّين على التمتع بجميع الخدمات المتاحة يجعل الأمر يبدو كما لو كانت هناك مستويات ذات أولويات في تلقي كل الإهتمام، ناهيك عن نسيان حقوق جميع العاملين في القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.

ويقول أحد الشركس: ”الطب هنا في وطننا ليس الأفضل، فقد أرسلت الفيدرالية الروسية مؤخرًا معدات واقية ومساعدات للولايات المتحدة وأوروبا. لكن في وطننا هنا يوجد نقص في الأقنعة االمعقّمة. الناس يصنعون أقنعة بأنفسهم، ويستخدمون المطهرات من الفودكا“. وتابع أن ”أولئك الذين يعملون كرجال آليين (روبوتات) يضمنون رواتبهم من الدولة، لكن أولئك الذين يعملون في شركات تجارية خاصة، فإن حقوقهم مشكوك فيها. الدعم ليس متوفرا للجميع. وبشكل عام، لا يمكنني أن أتخيل ماذا سيحدث خلال أسبوعين“.

وأشارت تغريدة وُجِّهتْ كنصيحة لأوروبا على تويتر: ”هذا ما يحدث عندما تساعد الحكومة الروسية مستشفياتكم لفترة طويلة. كما هو الحال في روسيا. إيطاليا، احذري“، وذلك في إشارة إلى رابط يوضح حالة أحد المستشفيات الروسية. [5]

ويكمل صديقي بأنّهُ لا شك في أن الشركس في جميع أنحاء العالم يتمنون أن يعيش الشركس والشعوب والأمم الأخرى في شمال القوقاز وما وراءه في الفيدرالية الروسية الحالية بأمان، ويجب أن يبقوا آمنين وسالمين. وفي ضوء الظروف والملابسات المتعلقة بانتشار مرض فيروس كورونا COVID-19، قطعا، يجب أن يكون الشراكسة في شمال القوقاز حذرين للغاية.

الخاتمة

للأسف، تدير روسيا لعبة خبيثة ليست بالجديدة. ولا تزال قواتها، التي عُرِفتْ على مر التاريخ، تمارس الجرائم والقتل والدمار على كل ما يقع على قائمة أهدافها وتطلعاتها. في الواقع، إنها تسعى إلى ممارسة سيطرتها ونفوذها والحصول على ما يمكن اكتسابه، وحسب النّظريّة الميكافيلية، الغاية تبرر الوسيلة.

===========================

[1] (https://euvsdisinfo.eu/coronavirusbbcchallengesprokremlinreportingfromitaly/)

[2] (https://euvsdisinfo.eu/coronavirusbbcchallengesprokremlinreportingfromitaly/)

[3] (https://windowoneurasia2.blogspot.com/2020/04/kremlincaresmoreaboutsavingits.html)

[4] (https://www.wsj.com/articles/russiansoldiersinitalycontainthecoronavirusandmarkapoliticalshift-11585647002)

[5] (https://uglichjj.livejournal.com/102608.html?fbclid=IwAR3Y02DHx0S5xlMrEj6KPDPIzHNnH0ynR2UrrTB2hpJ145KJM4xnUEUOkzs)

Share Button

اترك تعليقاً