شركيسيا / الفصل الأول / اللغة والدين – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسياولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


11 مايو/أيار 2021

شركيسيا

الفصل الأول / اللغة والدين

PHOTO-2021-05-11-11-39-14

اللغة

اللغة جزء لا يتجزأ من الثقافة. إنها تُعبر عن هوية الشركس المستقلة وشخصيتهم القومية وتؤكدها. ساهمت محاولات القضاء على اللغة في جعلها على وشك الانقراض. ومن خلال اللغة، تم إنشاء عملية الاتصال بين مختلف الأفراد والجماعات في المجتمع. وقد استلزم ذلك ظهور عناصر مهمة أخرى مثل الأدب والشعر والفن والموسيقى وغيرها. كل هذا يعبر عن الطريقة التي تأثرت بها الثقافة الشعبية:

أما فيما يتعلق بلغتنا القومية، فهي قابلة للتكيف على نطاق واسع في لغة مرنة يمكنها التعبير عن المعاني دون الحاجة إلى استخدام العديد من الكلمات الأجنبية. إنها مناسبة للأدب والشعر والخطابة، لكنها لم تُدْرَسْ بعناية من قبل علماء أوروبيين متخصصين من أجل فهم خصائصها وأصلها بشكل كامل ومن ثم تسجيل آدابها. وعلى أي حال، إنها إحدى اللغات الأوروبية وتشبه اللغة الهندية القديمة (السنسكريتية) والليتوانية. كما أنها تحتوي على عدد كبير من الجذور والكلمات الأوروبية القديمة مثل مازا {Maza} (القمر) و غافا {Gava} (الحبوب). وفيما يتعلق ببنائها وجذورها فهي تشبه اللاتينية ولكنها تأثرت بشكل كبير باللغات القوقازية.48

الدين والمعتقد

يؤمن الشركس دائمًا بوجود قوة خارقة للطبيعة تتحكم في الكون بأسره. لقد توصلوا إلى استنتاجاتهم الخاصة للوصول إلى الاتصال الروحي والأخلاقي مع القوة غير المرئية. وفي بعض الأحيان مارسوا ذلك من خلال الظواهر الطبيعية أو الأشياء مثل النجوم والكواكب وغيرها. تم اشتقاق ذلك وإدراجه في عاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم الموسمية، وأيضًا من خلال الأدب والملاحم القديمة والنصوص الأدبية مثل  ملاحم النارتيين (Nart sagas). ووفقا لذلك، كانوا يمارسون طقوسهم ويقدمون القرابين. 

عزا الشركس القدماء كل الوقائع والشؤون الدنيوية وكل خير أو شر يصيب حياة الإنسان إلى إرادة الخالق الذي خلق السماء والأرض. وهكذا عملوا كل ما في وسعهم لإرضائه من خلال الدعوات والصلوات والتضحيات. فقد ذبحوا الثيران وقدموا له القرابين حتى يؤجروا عليها الرحمة والإغاثة في زمن الحرب والمرض.49 

صنّف المفتي الديانات الرئيسية التي اعتنقها الشركس: ”تاريخيًا، يقتصر الدين الشركسي على ثلاث مراحل مهمة: الوثنية، والمسيحية، والإسلام. تركت كل مرحلة من هذه المراحل تأثيرها على العادات والتقاليد الشركسية، وأصبحت العديد من التعاليم الدينية في نهاية المطاف عادات وتقاليد قومية بعد أن نسي الناس أصل هذه العادات“.50

وذكر اثنين من الآلهة البارزين وما يتوافق مع الآلهة اليونانية القديمة: ”كان إلههم الأعظم شيبلا (Shi-bla)، إله الرعد الذي كانوا يخشونه بشدة. إنه يتوافق مع الإله اليوناني زيوس، وكان يضرب به المثل في قوته واستبداده . . . كان هناك إله آخر مهم، وهو إله الحديد والنار، ويُدعى ليش (Leash)، وهو الذي كان أيضًا إله الحَدَّاد وصانع سيوف الأبطال. إنه يتوافق مع الإله اليوناني هيفايستوس (Hephaistos)“.51

أشار المؤلف إلى مقاربة إحدى قصص الأساطير اليونانية: ”نكرر، لا يزال بروميثيوس (Prometheus)، العملاق الذي سرق النار المقدسة، يعيش في ذاكرة أمتنا. أكد بعض كبار السن أنه في الجبال المرتفعة كان هناك رجل عجوز مقيد بالسلاسل لآلاف السنين على صخور يتعذر الوصول إليها ويمكن أن تُسمع آهاته في الليل عندما ترددها الجبال والوديان العميقة، وهو يبكي بألم بينما النسر الرهيب أكل كبده“.52

لقد توصل إلى حقيقة مهمة تتعلق بالعلاقة الشركسية-اليونانية من خلال الأساطير والروابط القديمة الأخرى. كما أكدها باحثون آخرون: ”تحت البحث الدقيق، يمكننا أن نقول دون تردد أنّهُ يبدو بأن الإغريق القدماء أخذوا العديد من أساطيرهم من القوقازيين كما انهم كانوا يعرفونهم ويعرفون بلادهم جيدًا“.53

وفي مرحلة لاحقة، وبسبب تواصلهم مع شعوب أخرى وقوى إقليمية وخاصة الإمبراطورية البيزنطية، فقد اطّلعوا على الديانات السماوية. وتحولوا إلى المسيحية. لقد مارسوا هذا الدين، وبنوا المعابد لممارسة شعائرهم الدينية وعباداتهم:

في القرن السادس الميلادي، كان النفوذ البيزنطي يتزايد في شمالغرب القوقاز. وبحلول هذا الوقت، تحولت مناطق الأديغه الساحلية إلى المسيحية وتشكّلت أبرشية زيخ (Zikh) تحت رعاية البطريرك البيزنطي. 54

تم كسب شعب الأديغه للمسيحية في عهد الإمبراطور جستنيان (Justinian) في القرن السادس الميلادي، ونتيجة لذلك، تعززت العلاقات بين أمتنا والإمبراطورية البيزنطية العظيمة.55

إجراءات التوحيد مفصلة

في عهد جستنيان تم بناء المباني التاريخية والكنائس القديمة التي لا تزال موجودة في شركيسيا، وهي حقيقة تظهر أن الشركس كان لديهم في ذلك الوقت درجة من الثقافة والفن وأنه عندما نشأت الحركة المعمارية الجديدة بدأوا في العمل مباشرة في الفنون الجميلة والحرف التي رافقتها.56

وعلاوة على ذلك، لا يزال القديس جورج يعتبر شفيع جميع القوقازيين.57

لقد قدمهم العثمانيون إلى الدين الإسلامي، الذي تقبلوه وفي نهاية المطاف اعتنقوه. وبمرور الزمن أصبح أغلبيتهم مسلمين بينما ظل بعضهم مسيحيين:

لم يعتنق الأديغه الإسلام كجسد واحد في وقت واحد، وما قيل ينطبق على القباردي فقط. أما القبائل التي تعيش في كوبان وعلى السواحل الشرقية للبحر الأسود، فلم يصبحوا مسلمين حتى القرن التاسع عشر، أي قبل خروجهم من وطنهم في عام 1864. ويبدو أنهم اعتنقوا الإسلام عندما يئسوا من مساعدة الأوروبيين في قتالهم ضد الروس وكانوا بحاجة إلى مساعدة عثمانية.

لقد تم دمج بعض المفاهيم والممارسات المسيحية في الحياة اليومية الشركسية، حتى بعد فترة طويلة من اعتناق الشركس للإسلام: ”لا يزال يطلق على يوم الجمعة اسم مريم هو (يوم السيدة مريم العذراء) ويطلق على الأحد اسم تحامافا (يوم الله)“.59

وبهذا المعنى، فقد شاهدت بعض الشركس في الماضي كانوا يحتفظون بمقص مفتوح على شكل صليب، يوضع فوق جثة الميت. ويفعلون ذلك كتقليد، والذي أوضح بطرق مختلفة تعني أن هذه الممارسة تحافظ على الجثة في حالة جيدة حتى دفنها، غير مدركين أن هذا التّصرُّف كان يمارسه الشركس المسيحيون من خلال وضع صليب على جثة الميت.

Share Button

اترك تعليقاً