الحرب الروسية-الشركسية (1763–1864) / النوايا الروسية لشن الحرب – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


24 أغسطس/آب 2021

الحرب الروسيةالشركسية (1763–1864)

الفصل الثالث

النوايا الروسية لشن الحرب

PHOTO-2021-08-24-00-34-39

دخلت روسيا الساحة الدولية بقوة في عهد بطرس الأكبر. كانت هذه هي الفترة التي ضعفت فيها كل من الإمبراطورية العثمانية وإيران وكانت روسيا تزداد قوة. في ذلك الوقت، أصبحت شركيسيا، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية، مكانًا لصراع لهذه القوى. من ناحية أخرى، لفت هذا الوضع انتباه القوى الأوروبية الكبرى المتمثلة بكل من إنجلترا وفرنسا، اللتان احتلتا مواقع رئيسية في السياسة الأوروبية وكذلك العالمية، وبدأتا، بغض النظر عن المواجهة بينهما، في بذل جهودهما المشتركة للحد من النفوذ الدولي المتزايد لروسيا. هذا الأمر وضع شركيسيا في دائرة المشاكل الهامة للسياسة العالمية في القرن الثامن عشر وكذلك تاريخها في مرحلة حرجة.283

تم وضع الخطط الروسية للسيطرة على أي مناطق ودول وعناصر إستراتيجية محتملة من شأنها أن تساعد في إنشاء دولة إمبراطورية.

مع وضع هذا الهدف في عين الاعتبار، ومن أجل التحريض باستمرار على الحروب أحيانًا ضد الأتراك، وأحيانًا ضد الفرس، وبناء أحواض بناء السفن على البحر الأسود، والتي ينبغي الاستيلاء عليها وكذلك بحر البلطيق؛ كلاهما ضروري لنجاح الخطةلتسريع سقوط بلاد فارس، والتوغل في الخليج الفارسي، وإحياء التجارة القديمة في بلاد الشام عبر سوريا، إن أمكن، والوصول إلى الهند والقوقاز. خطة بطرس الأكبر هذه جعلت إيران بوابة الهند والقوقاز مفتاح تلك البوابة.284

بدا الوضع في البداية وكأنه يخدع القيادة الروسية للاعتقاد بأن التفوق العددي والنوعي الهائل على الشركس سيضمن لهم نجاحًا مبكرًا ومؤكدًا. لقد ثبت أنهم اصطدموا بالواقع وواجهوا مقاومة قوية وجعلوا الحرب مستمرة لأكثر من قرن من الزمان.

لم يكن لديهم فكرة عن الصعوبة التي ستنجم عن إخضاع الشراكسة، ومع تقدم الحرب لجؤوا إلى تكتيكات عنيفة وغير إنسانية بشكل متزايد، وبلغت ذروتها بالطرد الجماعي للأباظة والشركس والوبيخ إلى تركيا وإلى تدمير حضاراتهم بالكامل.285

من أجل تحقيق حلمها القديمالتوجه نحو البحار الدافئةكانت روسيا عازمة على غزو شركيسيا وبناء الموانئ الضرورية لها على البحر الأسود. وبعد إنجاز ذلك، تستولي روسيا على مضيق البوسفور والدردنيل مع حرية المرور إلى البحر الأبيض المتوسط، وإضعاف موقف الإمبراطورية العثمانية، وتوجيه ضربة قوية للمصالح التجارية لبريطانيا العظمى، والحصول على الأفضلية فيما يتعلق بالقوى الأوروبية في المنافسة معها من أجل السيادة العالمية.286

افتراض المستعمر بجهل الآخرين إضافة إلى التفوق الذي يتمتعون به على غيرهم.

تقرير بوغودين (Mikhail Pogodin) للقيصر الكسندر الثاني يحدد بوضوح مكانة شركيسيا، والقوقاز بشكل عام، في خطط السياسة الخارجية لروسيا: ”يجب بحق أن ينتمي الشرق  إلينا. ويجب ألا نتراخى في أنشطتنا في هذا الاتجاه للحظة واحدة“. ليس للقسطنطينية اضطلاع على نوايانا الحقيقية. يجب أن نسيطر على ساحل البحر الأسود والبوسفور والدردنيل. يجب أن يصبح البحر الأسود مكان مناوراتنا. إن مرونتنا في التوقيع على معاهدة أدرنة (Adrianople) أدّت الغرض المطلوب للوصول الى النتيجة المرجوّة. ومن خلال ذلك، نجحنا في تجنب التدخل المستقبلي المحتمل لإنجلترا.287

ومن سخرية القدر، وجدنا أن هناك من يعتقدون أن لديهم الحق في تقرير هوية الآخرين.

كان الروس ينظرون إلى المقاومة الشركسية على أنها تمرد ضد سيادة معترف بها، في حين أن الشركس في الواقع يعتبرون أنفسهم كيانًا مستقلاً وأن صراعهم مع روسيا هو حرب بقاء قومي. من جانبهم، لم ينظر الروس إلى الشركس على أنهم رعايا متمردين فحسب، بل آمنوا أيضًا بان دورهم هو جلب الحضارة للشعوب البدائية التي ستتخلّى عن طرقها السابقة بمجرد أن ترى تفوق الثقافة الروسية.288 

كانت الأهداف الروسية تتمثل في تدمير ونهب جميع دعائم الوطن الشركسي، والاستفادة من ثرواته الغنية، والأراضي الشاسعة، والسهول، ومختلف عناصر الثروة.

تم تسهيل أعمال القيادة القيصرية في شمال غرب القوقاز من خلال الانقسام بين القبائل الشركسية والأبخازية. استولت القيادة القيصرية على الأراضي الخصبة من الجبليين ومنحتها للمستعمرين القوزاق والروس ونفذت عمليات طرد جماعي لشعوب الجبال. في نوفمبر/تشرين الثاني 1859، استسلمت القوات الرئيسية للشركس (يصل عددهم إلى 2000 رجل) بقيادة محمد أمين وتم تقسيم أرض الشركس بخط نهر بلايا (Belaia) مع حصن مايكوب (Maikop). بين عامي 1859 و 1861، تم إنشاء ممرات في الغابات، وتم بناء الطرق، وتم استيطان الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من الجبليين. اشتدت المقاومة ضد المستعمرين في منتصف عام 1862. 289

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً