الحرب الروسية-الشركسية (1763–1864) / جنرالات الرعب (2) – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


21 سبتمبر/أيلول 2021

الحرب الروسيةالشركسية (1763–1864)

الفصل الثالث

جنرالات الرعب (2)

PHOTO-2021-09-21-11-40-16

قال المؤرخ الروسي سولوجيين (Sulujiyen): ”لن نتخلى عن قضيتنا لمجرد أن الجبليين لا يستسلمون. كان نصفهم بحاجة إلى التّدمير من أجل أخذ أسلحتهم. وقد تم القضاء على العديد من القبائل بالكامل خلال الحرب الدموية. بالإضافة إلى ذلك، كانت العديد من الأمهات يقتلن أطفالهن حتى لا يعطوهم لنا“.332

قال المؤرخ الروسي زاهاريان ( Zaharyan): ”الشركس لا يحبوننا. قمنا بنفيهم من مروجهم الحرة. لقد دمرنا منازلهم ودُمرت قبائل كثيرة بالكامل“.333

لقد كانت الخطة التآمرية بمشاركة ومباركة عائلة رومانوف (Romanov) الإمبراطوريّة والأباطرة المجرمين ضد الشركس وكانت ضد الإنسانية أيضًا. وفي رسالة التهنئة التي أرسلها الإمبراطور ألكسندر الثاني (Alexander II) إلى إيرل يفدوكيموف: ”لقد قمت بتنظيف وتدمير أمم السكان الأصليين المتمردة في غرب القفقاس في السنوات الثلاث الماضية“.334

وأضافتالتقارير والشهاداتعن الحرب:

استولت مفرزة روسية على قرية طوبة (Toobah) على نهر سوباشي (Soobashi)، التي يسكنها حوالي مائة من الأبزاخ (قبيلة من الشركس)، وبعد أن سلّم هؤلاء أنفسهم أسْرى، قُتلوا جميعًا على يد القوات الروسية. وكان من بين الضحايا امرأتان في حالة حمل متقدمة وخمسة أطفال. وكانت المفرزة العسكرية المعنيّة تنتمي إلى جيش الكونت إفدوكيموف (Yevdokimov)، ويقال إنه تقدم من وادي بشيش (Pshish).

تتكشف أوصاف الأفعال الشريرة عندما يبحث المرء عن مزيد من المعلومات: ”بينما تكسب القوات الروسية أرضًا على الساحل، لا يُسمح للسكان الأصليين بالبقاء هناك تحت أي ظرف، لكنهم مضطرون إما إلى نقل أنفسهم إلى سهول حوض نهر كوبان أو الهجرة إلى تركيا (F.O. 9-424, no 2, Dickson to Russell, Soukoum Kale,17 March 1864)“.336

تم ذكر الفظائع والمآسي حيث تعرّض المُهجّرون عند نقلهم عبر البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط. كانت الخسائر الفادحة في الأرواح نتيجة الظروف الصعبة، مثل نقص الغذاء، وانتشار الأمراض المعدية، وعوامل أخرى: قال ”القنصل الإنجليزي لانغ (Lang): {عندما وصل 2718 شخصًا غادروا سامسون (Samsun) للمجيء إلى قبرص، كان 853 منهم قد مات والآخرون لم يكونوا بمنأى عن الموت تمامًا. كان عدد القتلى يبلغ حوالي 30 – 50 يوميًا}“.337

تم ذكر الآلاف من المُهجّرين: قال س. ي. حاخُرات (Hakhurat) و ل. س. ليشكوي (Lichkov) في كتابهما بعنوان أديغييا (Adygheya): هَجّرَتْ/أبْعَدَت الإدارة القيصرية مئات الآلاف من الشركس عن وطنهم في القفقاس. لقد هَجّروا أُُمم الجبليين من وطنهم عبر شن حرب دموية“.338

أشاد الصحفيون والإعلاميون الروس بعمليات القوات المسلحة الروسية ضد شركيسيا: ”نشرت صحيفة سانت بطرسبرغ (St. Petersburg) الروسية: {بدأوا في الهروب عبر السواحل التي خلّدت ذكراها بالمقاومة والدفاع. لم تبقى هناك شركيسيا. سيقوم جنودنا بتنظيف البقايا في الجبال قريبًا جدًا وستنتهي الحرب في وقت قصير“.339

لم يكن للغة الخطاب المستخدمة أي نمط من الإنسانية: نشرتصحيفة أحوال ترجمان وتصوير أفكار (Tercüman-ı Ahval ve Tasvir-i Efkar): لقد دمر الروس كل القفقاس. فقد أشعلوا النيران في القرى. كانوا يُهجِّرون السكان الأصليين من أوطانهم بعد انتهاء الحرب“.340

تمكن المراسلون الأوروبيون من تبادل الأخبار لعرض الحقائق وتوثيقها: ”المراسل الفرنسي أ. فونفيل (A. Fonvill): {كان البحارة مولعون بتحقيق الأرباح. لقد تمادوا بوضع 200 – 300 راكب في السفينة التي تتسع فقط إلى 50 – 60 راكبا. غادر الناس ومعهم القليل من الخبز والماء. في غضون 5 – 6 أيام، تم استهلاك كل هذه المواد، ثم أصيبوا بأمراض وبائية من الجوع، وكانوا يموتون في طريقهم إلى الإمبراطورية العثمانية، وأولئك الذين يموتون كان يتم إلقائهم في البحر. السفينة التي بدأت الرحلة بـ 600 شخص انتهى بها الأمر بـ 370 شخصًا فقط على قيد الحياة}“.341

كانت الأوامر والشروط التفصيلية المحددة لإخلاء السكان من وطنهم واضحة:

مع اكتساب القوات الروسية للأراضي على الساحل، لم يُسمح للسكان الأصليين بالبقاء هناك تحت أي ظرْف لكنهم كانوا مضطرون إما إلى نقل أنفسهم إلى سهول حوض كوبان أو الهجرة إلى تركيا (F.O. 9-424, no 2, Dickson to Russell, Soukoum Kale, 17 March 1864).342

قبيلتي الوبيخ (Ubykh) و الفيغيت (Fighett) هي . . . الشُّروع بالمغادرة بسُرْعة إلى طرابزون (Trabzon). في واقع الأمر، بعد أن دُمِّرت أراضيهم بالحديد والنار، كانت الهجرة إلى تركيا هي البديل الوحيد المسموح به للجبليّين الذين يرفضون نقل أنفسهم إلى سهوب حوض نهر كوبان والمساهمة بشكل دوري في الميليشيات (F.O. 881-1259, Dickson to Russell, Soukoum Kale, 13 April 1864).343

إن أبشع الجرائم التي لم يسبق لها مثيل والتي ارتكبها البرابرة غريبة من نوعها.

حدث مشهد يمكن وصفه بأنُّه لآكلي لحوم البشر في قرية حافيفا (Hafifa) في مناطق الشابسوغ. كان رجال تلك القرية على التخوم لحماية القواعد الأمامية. استغلَّ جنود القيصر غيابهم فأطبقوا على بقية السكان، الذين كانوا عُزّلا من السلاح، فقتلوهم وأحرقوهم ونهبوهم وسلبوهم. وكان من بين الضحايا ثمانية عشر سيدة وثمانية أطفال وستة رجال مسنين وعلى ظهر إحدى النساء المقتولات، كانت هناك لافتة مكتوب عليها هذه الكلمات: ”اذهبي واشتكي إلى ملكة إنجلترا، التي ذهب إليها نوابكِ للمطالبة بالمساعدة“. وتم أيضًا العثور على هذا النقش على جسد طفل صغير: ”إبق هنا بدلاً من أن تبيع نفسك لِحُماتك، الأتراك“. أخيرًا، وعلى جُثّة رجل عجوز، كان قد تم إقتلاع عينيه، تمت قراءة: ”إذهب وانضم إلى نوابك، وستجد بعض أطباء العيون الجيدين في باريس“ (Courier d’Orient).344

قال بينسون:

تبلغ نسبة وفيات الشركس على طول سواحل البحر الأسود حوالي 50٪. لقي 53000 شخص مصرعهم في طرابزون (Trabzon) وحدها. لا نعرف عدد السفن التي غرقت والّتي كانتقبور عائمة“. يبلغ عدد العائلات المنفية من القوقاز إلى منطقة البلقان حوالي 70000. وأدرنة (Edirne): 6000، وسيليستر فيدين (Silistre-Vidin): 13000، ونيش (Niche) – صوفيا (Sofia): 12000، ودوبروكاكوسوفوبريشتيناسفيستا (Dobruca-Kosovo-PristinaSvista): 42000 أسرة. والرقم الإجمالي حوالي 350.000 نسمة. نسبة الوفيات أقل وهي حوالي 15 – 20 ٪.345

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً