الحرب الروسية-الشركسية (1763–1864) / الأحداث المأساوية ونتائج الحرب المدمرة (1) – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


24 سبتمبر/أيلول 2021

الحرب الروسيةالشركسية (1763–1864)

الفصل الثالث

الأحداث المأساوية ونتائج الحرب المدمرة (1)

PHOTO-2021-09-24-10-15-17

سلسلة من المعارك والحروب في شركيسيا، الجزء الشمالي الغربي من القفقاس، حيث كانت جزءًا من غزو الإمبراطورية الروسية للقفقاس واستمرت ما يقرب من 101 عام. كانت قد بدأت في عهد القيصر بطرس الأكبر (Peter the Great) وانتهت في عام 1864. 346

وصفت الحرب بأنها استفزازية ووحشية وشنتها روسيا القيصرية. تم احتلال شركيسيا بالكامل في 21 مايو/أيار 1864. لم تكن القوات العسكرية ومرتزقتها تفرض سوى الموت والألم والدمار والكوارث والقمع، الأمر الذي لعب دورًا كبيرًا في احتلال شركيسيا بالكامل وأدّى إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية وترحيل 90 بالمائة من الأمة قسريًا إلى المنفى الإجباري. حُرمت الأمة الشركسية من حقوقها المشروعة عندما تعرضت لعواقب وخيمة ومدمرة نتيجة الحرب والاحتلال القسري الذي أعقب ذلك.

أثبتت 101 سنة من الحرب أنها مشروع طويل الأمد، وتألفت من مراحل، وفترات، واستراتيجيات، وتكتيكات، وحملات من العمليات الدفاعية والهجومية، وأساليب بدت قبيحة في مجملها، تمخّضت عنها عواقب وخيمة على المقاتلين من الجانبين الرئيسيين، خاصة على أولئك الذين أظهروا الشجاعة والإقدام في الدفاع عن وطنهم ومواجهة الغزو.

في عام 1837، كتب زعماء قبائل الأبزاخ (Abadzekh) والناتخواي (Natkhuagia) والشابسوغ (Shapsugh) ردًا إلى الإمبراطور الروسي: ”نحن مقتنعون بذلك تمامًا . . . تستقر الصداقة والاتفاق بيننا عندما تسحب كل جيوشك وتحصيناتك إلى ما وراء نهر كوبان، وفي هذه الحالة سنكون بالإجماع على استعداد للخضوع“. ومع ذلك، فإن السياسة الرسمية للحكم المطلق لم تكن محسوبة لتسوية سلمية للمسألة، ولكن لطرد الشركس بالقوة من أراضيهم وتوطين هذه الأراضي {المحررة} بمستوطنات قوات القوزاق. ظل نداء القادة الشركس للإمبراطور الروسي دون إجابة. واستمر الاستيلاء على الأراضي الشركسية.347

تراوحت النتائج بين انتصارات وهزائم على كلا الجانبين وتنوعت بين تكتيكات الكر والفر، واحتلال الأراضي الشركسية، وقتل وتدمير مجتمعات السكان الشركس مما أدى إلى تهجيرهم، حيث تم تنفيذ العملية برمتها ببطء ولكن بثبات. يمكن وصف إحدى الفترات على النحو التالي: ”ستغطي الدراسة الفترة من 1830 إلى 1864 عندما اندلعت حرب دموية بين روسيا والقبائل الشركسية، وانتهت بطرد الغالبية العظمى من السكان المحليين وتأسيس السيطرة الروسية الكاملة على شركيسيا“.348

خلال المراحل الأخيرة من الحرب الطويلة وتداعياتها، مرت الإدارة العسكرية الروسية بتغييرات كبيرة. ”تم إعادة تقسيم شمال القفقاس في عام 1860: تمت إعادة تسمية الجناح الأيسر لخط كافكازكي (Kavkazski) لتصبح منطقة ترسكي (Terski)، وأصبح الجناح الأيمن، يضم تشيرنوموريا (Chernomoria)، كجزء من منطقة كوبانسكي (Kubansk)“. التغييرات التي استحدثت للموظفين أدت إلى تعيين الجنرال إفدوكيموفقائدًا للقوات الروسية المسلحة في منطقة كوبان“.349

قدم الكونت إفدوكيموف في نوفمبر/تشرين الثاني اقتراحه حول العمليات العسكرية للغزو النهائي لغرب القوقاز“. عرضت الخطة توطين القوزاق في المنطقةالواقعة بين نهري شاغواشا (Shaguasha) ولابا (Laba) والساحل الشرقي للبحر الأسود، وتقديم عرض للجبليّين للهجرة إلى الوديان أو الانتقال بعيدًا إلى تركيا.350

وبسبب التهديد، ترك الباشيلبيز (Bashilbeys) والكازيلبيك (Kazilbeks) وتاموف (Tamovs) وجزء من آل شاخغيري (Shakhgireys) مكانهم في التاريخ المحدد وانتقلوا إلى تركيا. فقط البيسليني (Besleneys) رفضوا الامتثال للأوامر. في 20 يونيو/حزيران 1860، حوصروا فجأة وتم نقل حوالي 4000 أسرة قسرًا إلى نهر أوروب (Uroup) تحت غطاء القوات الروسية، ومن هناك، بعد الحصول على إذن، انتقلوا بعيدًا إلى تركيا“.351

لقد قرروا استخدام الموارد المتاحة للدفاع عن بقائهم، وفي النهاية أقنعهم الأغراببمواصلة القتال ضد روسيا وأقنعوهم كذلك بأن إنجلترا وفرنسا وتركيا سيأخذوهم تحت حمايتهم ويعلنون الحرب ضد روسيا. لقد شجعت مثل هذه النداءات الشركس بشدة، وأرسلت قبائلهم الرئيسية، الأبزاخ (Abadzekhs) والشابسوغ (Shapsughs) والأوبيخ (Ubykhs) زعمائهم الكبار المنتخبين إلى سوتشي، حيث توصلوا في 13 يونيو/حزيران إلى تفاهم للعمل مع القوات المُوحّدة“.352

كان النواب الشركس قد قرروا إقامة إتّحاد استثنائي والحفاظ على النظام الداخلي في البلاد. وقد تم إنشاء مجلس من 15 من العلماء وذوي الخبرة ليحكم الإتّحاد. لقد أطلقوا على ذلك الهيكل القيادي مجلس، وهوالمؤتمر الأعلى الحر“. تم تقسيم المنطقة بأكملها إلى 12 مقاطعة (okrugs)، وفي كل منها عينوا أشخاصًا مسؤولين. وقد سعى الأوبيخ غير الراضين عن عمليات إعادة التنظيم هذه للحصول على المساعدة في تركيا وإنجلترا. لجأوا إلى ديكسون (Dixon)، القنصل الإنجليزي في سوخومي (Sukhumi)، طالبين منه إبلاغ الحكومة الإنجليزية حول موضوع التعدي الروسي على استقلالهم، وشكوا له من أن الجنرال إفدوكيموف قد حاصر بلادهم من جميع الجهات من أجل إخضاع الشركس.353

ومع ذلك، فإن كل هذه الجهود التي بذلها الشركس لم تستطع تغيير الخطة المنهجية المقصودة المتمثلة بغزو روسيا للسيطرة على وطنهم. بادئ ذي بدء، قرر الجنرال كوليوبكين (Koliubkin) توجيه ضربة معنوية من اتجاه أبخازيا. بعد أن تم إنزال القوات المسلحة الروسية في سوتشي، قامت بتدمير مبنى المؤتمر الحر بالنيران. وعبثا، هرع الشركس على وجه السُّرعة من جميع الجهات وحاولوا إنقاذ مبناهم الذي يحتل مرتبة وأهمِّيَّة خاصة عندهم.354

جاء شيوخ الأبزاخ إلى الكونت إفدوكيموف (Evdokimov)، في مخيم خامكيتسكي (Khamketski)، وطلبوا منه عدم الزحف إلى أراضيهم وعدم بناء الطرق أو إزالة الغابات لأنهم تعهدوا بالولاء للإمبراطور ويرغبون في العيش بسلام، لكن إفدوكيموف تجاهل ذلك واستمر في عملياته العدائية، وأبلغ الأبزاخ،أنهم هم أنفسهم من انتهك أولاً الخضوع بعقد إتحاد مع الشابسوغ والأوبيخ“.355

أحبط إفدوكيموف مسعى الأبزاخ. وتم الالتفاف على جهودهم والمماطلة بشأنها عندما أعلنوا موافقتهم على إعلان الشروط التي وضعت لهم مقابل إنهاء العمليات العسكرية ضدهم ومحاولات تغيير الحقائق على الأرض في وطنهم. وهذا يدل على اتجاه لجعل الظروف مواتية، لإجبارهم إما على مغادرة وطنهم التاريخي إلى المناطق الداخلية التي حددتها القوات المسلحة الروسية أو الترحيل إلى الإمبراطورية العثمانية.

أراد الإمبراطور ألكسندر الثاني (Emperor Alexander II) فيخريف عام 1861“ أن يدرك بنفسه حقيقة أن قواته المسلحة تسيطر على جزء كبير واستراتيجي من الوطن الشركسي عندما وصل في سبتمبر/أيلول من ذلك العام، برفقة أعوانه المقربين.

وكان في إنتظاره واستقباله في المرفأ في ميناء تامان (Taman) برفقة كبار المسؤولين في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 1861 ”القائد العام الأمير أوربيلياني (Prince Orbeliani)، قائد جيش القفقاس (Kavkazski Army). كما جاء أكثر من 500 من الشركس المسالمين والمقاومين إلى تامان، لمطالبة الملك بعدم تهجيرهم من القفقاس. لاحظ الإمبراطور على الفور المجموعة الشركسية، وبعد أن سأل الأمير أوربيلياني من هم هؤلاء، وتوجه بسرعة نحوهم. عندما اقترب الملك، نزع كل الشركس أسلحتهم، كأنّهم رجل واحد، ووضعوها على الأرض، وأحنوا رؤوسهم بإحترام. بعد ذلك، تقدم أكبرهم قليلاً إلى الأمام، وألقى خطابًا يعد فيه بقبول أن يكونوا رعايا لروسيا، والمشاركة في بناء ما يحتاجون إليه الروس، بشرط ما تم طرحه،فقط لا تُهجِّرنا من تلك الأماكن التي ولد فيها آباؤنا وأجدادنا وعاشوا فيها. ومن الآن فصاعدًا، سنقوم على قدم المساواة مع قواتك المسلحة بالدفاع عن هذه الأماكن من الأعداء حتى آخر قطرة من دمائنا . . . فقط لا تطردنا وأن تنظر إلينا مثل بقية رعاياك المخلصين …“356

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً