الحرب الروسية-الشركسية (1763–1864) / خواطر إنسانية – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


01 أكتوبر/تشرين الأول 2021

الحرب الروسيةالشركسية (1763–1864)

الفصل الثالث

خواطر إنسانية

PHOTO-2021-10-01-18-55-49

لا تزال هناك أفكارًا إنسانية في التعليق على عمليات القتل الجماعي وسياسة الأرض المحروقة: “كانت هذه حربًا حقيقية ووحشية. تم إحراق مئات القرى الشركسية. تركنا خيولنا تدهس محاصيلها وحدائقها لتدميرها، وفي النهاية تحوّلت إلى أنقاض“ (المؤرخ الروسي ي. د. فيليزين {Y. D. Felisin}).368

كتب إيرل ليف تولستوي (Earl Lev Tolstoy): ”أصبح دخول القرى في الظلام أمرنا المعتاد. كان الجنود الروس يدخلون البيوت الواحد تلو الآخر في عتمة الليل. كانت هذه المشاهد وما يليها من مشاهد الرعب لدرجة أن أيا من المراسلين لم يتحلى بالشجاعة الكافية لنقلها“.369

وهناك مُلاحظة أخرى من المجموعة المعارضة ن. ن. رايفسكي (N. N. Rayevski)،الأشياء التي فعلناها في القوقاز كانت مشابهة جدًا للأشياء السلبية التي فعلها الإسبان أثناء الحرب في الأراضي الأمريكية. أتمنى أن لا يترك الله سبحانه وتعالى أي علامات دم تلطخ فيها تاريخ روسيا“.370

وُصِفت الحرب الطويلة أيضًا من قبل جان كارول (Jan Karol): ”الغزو الروسي للقوقاز هو مثال رهيب لعصرنا البربري. لقد استغرق الأمر 60 عامًا من الإرهاب والمذبحة العسكرية لكسر مقاومة الجبليّين القوقازيين“.371 

واصِفًا لمشهد لا يطاق وغير مقبول من قبل البشر، صرح الباحث الروسي أ. ب. بيرغ (A. P. Berge):

لن أنسى أبدًا 17000 شخص رأيتهم في خليج نوفوروسيسك (Novorossisk). أنا متأكد من أن أولئك الذين رأوا وضعهم لا يستطيعون تحمله وسوف ينهارون بالتأكيد بغض النظر عن الدين الذي ينتمون إليه، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين أو ملحدين. في الشتاء البارد، في الثلج، وهم بدون بيت، وبدون طعام، وبدون ملابس مناسبة، كان هؤلاء الناس في أيدي أمراض التيفوئيد والتيفوس وجدري الماء. كان الأطفال يبحثون عن الحليب في جثث أمهاتهم. لقد تسببت هذه الصفحة السوداء الرهيبة في التاريخ الروسي في إلحاق ضرر كبير بتاريخ الأديغه. وقد تسبب المنفى في توقف تاريخ التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفي عملية التحول إلى اتحاد/كونفدرالي سياسي مُوَحَّد.

أولئك الذين يتحملون وطأة الاحتلال والاستعمار يشتركون في الشعور بالإنسانية ويعرفون بدقة الكوارث التي تفرضها الإمبريالية. يقول العقيد البولندي تيوفيل لابينسكي (Teophil Lapinsky):

أصبح وضع المنفيين يتحول إلى كارثة. كان الجوع والأوبئة في الذروة. انخفض عدد المجموعة التي أتت إلى طرابزون (Trabzon) من 100.000 إلى 70.000 شخص. وصل 70.000 شخص إلى سامسون (Samsun). كان عدد القتلى يوميا حوالي 500 شخص. كان هذا الرقم حوالي 400 في طرابزون. 300 شخص في مخيم جيريده (Gerede)، يبلغ عدد القتلى اليومي في أكاكيله (Akcakale) و ساريديرية (Saridere) حوالي 120-150 شخصًا. يشير الدكتور الإيطالي باروزي (Barozzi) في تقريره إلى الملاحظة الهامة التالية: يحاول الناس البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة اعتمادًا على الأعشاب وجذور النباتات وفتات الخبز.373

تجاوزت المآسي الإنسانية حدودها. كتب ي. أبراموف (Y. Abramov) في كتابه المعنون الجبليّين القفقاسيين (Caucasian Mountaineers):

لا توجد كلمات لوصف حالة الجبليّين في تلك الأيام. مات الآلاف منهم في الطرقات، ومات الآلاف منهم بسبب المرض والجوع. كانت المناطق الساحلية مليئة بالموتى أو بالذين كانوا على وشك الموت. الأطفال الذين يبحثون عن الحليب في جُثث أمهاتهم الباردة، والأمهات اللاتي لم يتركن أطفالهن من أحضانهن حتى لو ماتوا بالفعل من البرد، والأشخاص الذين ماتوا أثناء اقترابهم فقط للتدفئة، هي أمثلة على المشاهد التي كانت طبيعية في سواحل البحر الأسود.374

تحدث الكثيرين من أصحاب الضمير عن الجرائم المرتكبة ضد الشعب الشركسي. أحدهم هو الروسي إ. دزاروف (I. Dzarov): ”نصف الذين غادروا للذهاب إلى الإمبراطورية العثمانية ماتوا قبل أن يصلوا إلى هناك. إن حالة البؤس هذه نادرة في تاريخ البشرية“.375

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً