نظرة على الإبادة الجماعية الشركسية / الإبادة المنهجية في قباردا (1) – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


05 نوفمبر/تشرين الثاني 2021

نظرة على الإبادة الجماعية الشركسية

الفصل الرّابع

الإبادة المنهجية في قباردا (1)

PHOTO-2021-11-05-10-53-35

اعتادت بعض المصادر المشبوهة على نشر الأكاذيب ودق الأسافين بين أفراد الأمة الشركسية الواحدة. فقد تم تنفيذ هذا الإجراء المنظم ونشره بشكل غير مسؤول عدة مرات بطرق مختلفة، لكن تم الإكتشاف بأنه مغرض ويحتوي على معلومات غير جديرة بالثقة.

إن محاولة شخص ما التفريق بين الشركس بشكل خبيث هو إساءة لتقدير الذات الشركسية. إن التّشدُّق بتسميات قبلية أو إقليمية لن يخدم أي غرض.

أراد البعض نشر انطباع بأن القباردي (الشركس الشرقيين) لم يكونوا في حالة حرب مع الإمبراطورية الروسية. واستمروا في الادِّعاء بأن الشركس الغربيين فقط هم من شاركوا في الحرب ضد روسيا. وتضمن ذلك إنكار وإثارة للحقائق، فضلاً عن التّنصل من المذابح والإبادة الجماعية ضد القباردي كما حدث مع الشركس الآخرين. إن هذه المزاعم محض اختلاق وتلفيق.

حاول بعض الأفراد تعميم مثل هذه الروايات المتعمدة؛ ربما استخلصوا معلومات واستنتاجات مضللة من بعض مصادر روسية غير موثوقة وربما غير مؤهّلة لنشر المعلومات التاريخية التي حدثت بالفعل. ومع ذلك، لا تزال الآثار واضحة ويشعر بها أولئك الذين عانوا حتى يومنا هذا.

وأفضل ما تم ذكره، ويتناول هذا الموضوع بالتحديد، موجود في كتابالإبادة الجماعية الشركسية“ (The Circassian Genocide) لمؤلِّفه والتر ريتشموند (Walter Richmond). وأشار إلى المعلومات المستقاة من مصادر مختلفة، بما في ذلك المصادر الرُّوسيِّة.

الشركس، بالإضافة إلى غيرهم، لم يختبروا الروس إلا من خلال جيوشهم وقواتهم المقاتلة. لقد أدخلوا وقدّموا الأعمال العدائية والحزن فقط. اقتبس إدوارد تايتبوت دي ماريني (Edouard Taitbout de Marigny) ما يلي:

يقولونلم نعرف الروس قط، إلّا والسلاح في أيديهم“.487

وتشير الدلائل إلى أن التعامل مع الروس على جميع المستويات يعني أنهم أسيادًا وبقية الشعوب والقوميّات موجودة لخدمتهم ويجب الالتزام بالتعليمات الصادرة عنهم وتنفيذها.

في يونيو/حزيران 1808، طلب إسماعيلبي أتاجوكين (Izmail-Bey Atazhukin)، أحد النبلاء القباردي والعقيد في الجيش الإمبراطوري الروسي، الإذن بعبور خط الحجر الصحي من حصن كونستانتينوفسكايا (Konstantinovskaya) إلى قباردا مع شحنة من الملح كانوا هناك بأمس الحاجة إليها.488

كان هناك مقياس لمعرفة مدى جودة أو سوء العلاقات بين الروس والشركس القباردي. إن الطرق الملتوية التي طبقها الروس تظهر نوايا سيئة وانعدام للثقة، حتى تجاه أولئك الذين يتحالفون معهم أو يتصادقون معهم من الشركس أو غيرهم.

كان أتاجوكين وعائلته من نواح كثيرة نموذجًا مصغرًا لعلاقة قباردا المضطربة مع روسيا. وباعتباره ابنًا لرجل دين قوي، تم إرساله كصبي إلى سانت بطرسبورغ (St. Petersburg) باعتباره أتامان (رتبة عسكرية تعطى لقادة عسكريين قوزاق وغيرهم من القوميات)، كرهينة، لضمان ولاء عشيرته لروسيا. فعلى الرغم من مشاعر والده القوية المعادية لروسيا، إلا أنه انضم هو وشقيقه عادلغيري إلى الجيش الروسي وخدما بِتمَيُّز. ثم في عام 1795 ألقي القبض على الأخوين أتاجوكين ووُجهت لهُما تهمةعدم الثقة“.489

كان من الممكن في أي وقت أن تأتي تهمة عدم الثقة من الروس فيما يتعلق بالتشكيك في مصداقية أو ولاء أي شخص. ويمكن أن يشمل ذلك أي شخص مهما كانت مكانته عند شعبه.

وكان يعتقد إسماعيلبي أن القوات المناهضة لروسيا في قباردا تآمرت مع القائد العام لقوات القوقاز إيفان غودوفيتش (Ivan Gudovich) لتقويض جهود الإخوة لإحلال السلام بين قباردا وروسيا. في عام 1798، هرب عادلغيري وأصبح زعيمًا للحركة المناهضة لروسيا، لكن بقي إسماعيلبي يؤمن بمستقبل قباردا مع روسيا وطلب مرارًا وتكرارًا الإفراج عنه.490

أحد الأسباب الرئيسية التي ثبتت من خلال التجربة المريرة مع الروس هو حقيقة أن الروس يظهرون الافتقار إلى الثقة والطمأنينة. إن استمرار سياسة المواجهة سيمكن روسيا القيصرية من مواصلة حرب الكراهية المعلنة والدعاية ضد شركيسيا. كان الهدف الرئيسي هو احتلال كامل الأراضي الشركسية. لم يكونوا ينوون إيجاد مجال لتحسين العلاقات مع الشركس.

عندما تولى الكسندر الأول (Alexander l) السلطة في عام 1801، أصدر عفوًا عن أتاجوكين، وفي عام 1803 رُقِّيَ إلى رتبة عقيد. اعتقد أتاجوكين أنه يمكن أن يساهم في تحسين العلاقات الروسيةالشركسية، لذلك قدم {ملاحظة حول الاضطرابات على جبهة القفقاس وطرق وضع حد لها} إلى وزير الشؤون الداخلية الروسي، فيكتور كوتشوبي (Viktor Kochubey).491

ومهما قيل، كانت هناك أساليب شريرة تعتمد على الرغبات العميقة التي سيتم اتباعها عند الحاجة إلى سبب مباشر للتصرف بطريقة معاكسة. كان من الممكن إسقاط الوعود والاتفاقيات وحتى المعاهدات وإلغائها من قبل الجنرالات الذين كانت خططهم العسكرية جاهزة.

وجادل في ذلك قائلاً: ”سوف لن نهدئ شعوب الجبال بالقوة مطلقًا، واقترح تطوير علاقة عمل مع طبقة النبلاء القباردي، الذين حافظوا على احترامهم في جميع أنحاء شركيسيا.492

في بعض الأحيان، حتى المقترحات السلمية المرغوبة التي بادر بها كبار المسؤولين الروس تم تجاهلها أو التغاضي عنها. وفجأة يُتَّخذ القرار باستئناف الخروقات ومواصلة المخططات الاستعمارية التوسعية. كان الهدف الرئيسي هو احتلال الوطن الشركسي بأكمله وإبادة شعبه. ساهم غياب النزاهة من كبار القادة القياصرة الروس في إحجامهم عن الامتثال للقرارات العقلانية.

وقال أنَّهُ في المقابل، سيؤثرون على القبائل الأخرى، وسيتحقق السلام تدريجياً. في صيف عام 1804 أرسل الكسندر الأول الزعيم القباردي إسماعيلبي وحمّلهُ مذكرتهإلى القائد العام الجديد لجيش القفقاس، بافيل تسيتسيانوف (Pavel Tsitsianov)، الذي وصف اقتراح أتاجوكين بإزالة قوزاق ستانيتسي (stanitsy) {القرى المحصنة} من قباردا بأنهغير عملي“. وتم إهمال ”الملاحظة“.493

أثبتت الأحداث بما لا يدع مجالاً للشك أن بعض الشركس، وخاصة بعض القباردي منهم، كانوا مخطئين في تصورهم تجاه الروس. كان بعض الشركس يراهنون على صداقة مع الدولة الروسية بينما كانوا على غير هدى من الواقع. لم يُكافئوا في المقابل بصداقة روسية جيدة. والواقع أن الروس لم ينظروا إليهم إلا كمجموعة من الناس يجب السيطرة عليها.

شاهد القباردي، الذين كانوا حلفاء لروسيا منذ عام 1557، علاقاتهم الودية مع جارتهم القوية تتدهور لبعض الوقت. فمنذ أن وضع بطرس الأكبر نصب عينيه غزو إيران، توقف حكام روسيا عن النظر إلى شعوب شمال القوقاز كجيران وبدأوا في معاملتهم على أنهم رعايا يريدون أن يتم غزوهم.494

التغييب، أو بالأحرى جعل الشركس غائبين عن الواقع وعن كل الأمور التي تتعلق بشؤونهم ومصيرهم في المستقبل، يثبت الاستخفاف بهم. لقد أثبت التآمر على وجودهم كأمة، على عكس كل الحقائق، أن كل من الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية قد فرضتا بالتناوب على الشركس أن ينتموا إليهما. كانوا دائما ينتهزون أي فرصة للاستفراد بهم والسيطرة عليهم وعلى وطنهم.

جاءت أول علامة واضحة على هذا الموقف الجديد مع معاهدة بلغراد (treaty of Belgrade)، التي أنهت الحرب الروسيةالتركية 1736 – 1739. في نتائج المفاوضاتالتي لم تتم دعوة القباردي إليهاجُردت قباردا من مكانتها كحليف لروسيا وأعلنت دولة عازلةمحايدةبين الإمبراطوريتين.495

ربما كان من الممكن أن تكون النية في البداية هي جعل قبارداأرضًا محايدة، لكلتا الإمبراطوريتين لتمييز بعض القيود أو بالأحرى الخطوط. بينما تظهر البيانات إمكانية الفهم المشترك لحرية تدخل كلا الجانبين في الأمور التي تخص كل طرف، ولا تبقى المنطقة قيد المناقشة للنظر فيها في المستقبل المنظور.

علاوة على ذلك، في حين لم يُسمح للروس ولا للعثمانيين بموجب المعاهدة بالتدخل في الشؤون القباردية، فإن كلتا القوتين تتمتعان بسلطة أخذ الرهائن ومعاقبة القباردي إذا كان لديهمسببا للشكوى“. كان الأثر الفعلي للمعاهدة هو ترك قباردا بلا حماية ضد أي عدوان من أي من الجانبين.496

لم يتردد المسؤولون والضباط الروس، ولو للحظة واحدة، من مواصلة التخطيط للسيطرة على المناطق المتاخمة للأطراف الروسية الاستعمارية. استخدمت هذه الأساليب الخيانة والقمع والتَّسلُط والقضاء على الجنس البشري عند الضرورة، متجاهلة المبادئ والمعاهدات والقوانين لمثل هذه التحركات غير المسؤولة.

رافق الموقف الروسي الجديد تجاه القباردي تغييرًا في الأسلوب الإداري. ففي عام 1719، عَيَّن بيتر (بطرس) أرتيمي فولينسكي (Artemy Volynsky) حاكمًا لمقاطعة أستراخان (Astrakhan) المُشكَّلة حديثًا، في شرقي قباردا. يصف المؤرخ مايكل خودراكوفسكي (Michael Khodrakovsky) فولينسكي (Volynsky) بأنهتجسيد لغطرسة القوة، تلك التي تعكس الثقة الجديدة في توسيع روسيا وتحديثها“.497

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً