العلم الشركسي، الوطن، الهوية الشركسية / الهوية الشركسية — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


01 فبراير/شباط 2022

العلم الشركسي، الوطن، الهوية الشركسية

الفصل الخامس

الهوية الشركسية

PHOTO-2022-01-31-20-37-26

نشر توني كيلام (Tunne Kelam)، عضو البرلمان الأوروبي، بيانًا بعنوان: ”الشركس الذين يدافعون عن حقوقهم وهويتهم الثقافية يستحقون دعم الاتحاد الأوروبي، حيث يستعرض المآسي التي واجهها الشركس بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين.

تعرض الشركس لأحد أقسى أنواع الاضطهاد بين الشعوب العرقية القوقازية. منذ القرن الثامن عشر، عندما بدأت سلطات الإمبراطورية الروسية عمليات تطهير عرقي وترحيل واسعة النطاق للسكان الأصليين، قُتل فيها أكثر من 1.5 مليون شركسي. وكان لاستمرار السياسات الاستعمارية الروسية تأثيرًا كبيرًا على الشركس اليوم. للأسف، لم يهدأ وضعهم في القرن الحادي والعشرين.757

يتطلب الوضع غير الطبيعي والمأساوي للشركس وغيرهم من الشعوب الأصلية القوقازية استجابة سريعة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على أساس القيم الأوروبية المشتركة. إنّ الفيدرالية الروسية شريك استراتيجي للإتّحاد الأوروبي؛ حيث انضمت روسيا إلى العديد من الاتفاقيات الدولية، وبالتالي ينبغي أن تفي بالالتزامات والمعايير المنبثقة عن تلك الاتفاقيات. وإذا تم تأكيد الانتهاكات العديدة لحقوق المواطنين والأمم الأصلية والبيئة، فيجب على الاتحاد الأوروبي الرّد بقوة على الموقف.758

تميل الجمعيات والأفراد إلى حماية وتقوية وتحصين هوية الشركس ووحدتهم بدلاً من التسبب في ارتباك يؤدي إلى تحويل الشتات نحو الاستيعاب والجمود.

صنف رجل حكيم الرجال إلى خمسة أصناف: الصِّنف الأول يخدم وطنه بالمال، والصّنف الثاني بالعمل، والثالث بقلمه، والرابع بحياته، والصِّنف الخامس بالصمت. كلهم سيخونون وطنهم إذا فشلوا في فعل ما يجب عليهم فعله تجاه وطنهم في الوقت المناسب.

وفقا لهِويت (Hewitt) {199}، لدى الشركس شعور بأن هويتهم مُهدّدَة. وقد قامت المنظمات الشركسية بشن حملات ناجحة ضد مقترحات دمج جمهورية أديغيا (Adygeya) المتمتعة بالحكم الذاتي مع منطقة كراسنودار المجاورة.759

لقد عرّضت الكارثة التي حلت بالشركس في ستينيات القرن التاسع عشر بقاءهم كشعب إلى الخطر سواء داخل الإمبراطورية الروسية (وفيما بعد الاتحاد السوفياتي والأنظمة التي خلفته) أو في المنفى. ومع ذلك، فمن بين الغالبية العظمى من الشركس الذين يعيشون في المنفى، كانت الهوية الشركسية أكثر قدرة على الصمود ضد الهويات الضيقة. كان التحدي الذي واجهته من نوع مختلفهو الاندماج التدريجي في المجتمعات المضيفة في تركيا والشرق الأوسط. وبمرور الوقت، مالالشركسالمنفيون إلى أن يصبحواأتراكًا (أو أردنيين، إلخ..) من أصل شركسي“. 760

كانت تأثيرات الفترة السوفيتية على الهوية العرقية للشركس، كما كان عليه الحال بالنسبة للشعوب الأصلية الأخرى، فقد كانت معقدة ومتغيرة. بعض جوانب سياسة التوطين عملت على إضعاف وتفتيت الهوية الشركسية. في عام 1927 تم تقسيم ما كان في السابق لغة أدبية شركسية واحدة إلى لغتين أدبيتين منفصلتين: قباردي-شركس وأديغه. كما تم تشكيل المجموعات الشركسية، في عشرينيات القرن الماضي وما بعدها، بشكل تعسفي مع الكراشاي والبلكار، وهم الذين يتحدثون لغة تركية، وذلك لتشكيل أقاليم عرقية مختلطة. وقد شهدت الفترة السوفيتية اللاحقة عودة إلى سياسة الترويس أو الرّوسنة.761

——————————

6

ما يسمى ذكرى مرور 450 عاما على الانضمام الطوعي لروسيا

الباطل والتزييف والتزوير والكذب التاريخي لا يكفي للمطالبة أو قبول فرد، كائنًا من كان لصفقة، وافق فيها على ما يسمى بالتحالف مع القيصر إيفان الرهيب (Tsar Ivan the Terrible) للمطالبة بالاستيلاء على وحيازة البلد بأكمله وفرض إقصاء الأمة بأكملها، حيثوقع الحدث في عام 1557، عندما تم إبرام تحالف بين أمير قباردي تيمروك إداروف (Temruk Idarov) والقيصر إيفان الرهيب. لقد تم عقد الإتفاق عندما تزوج القيصر ابنة الأمير، غواشيفينا (Goshevnai)“.762

لقد حقق الرئيسفلاديمير بوتين قفزة جديدة إلى الأمام في منطقة القوقاز. من خلال تزوير التاريخ، قام بالتوقيع على ثلاثة مراسيم متميزة تحت عنوان {الذكرى السنوية الـ 450 للإتّحاد الطوعي مع روسيا} لثلاث جمهوريات يعيش فيها الشركس؛ دفع إداراتها إلى وضع برامج احتفالات من خلال منحهم تمويل فلكي. وافق جميخ كاسبولات (Dzemikh Kasbolet) — رئيس الجمعية الشركسية العالميّة (ICA) — على هذا التزوير من خلال تقديم إقرارات مكتوبة وأصبحت الجمعية الشركسية العالميّة أحد مؤيدي شعارات مشروع {مع روسيا إلى الأبد} (Forever with Russia)…“763

من الواضح أن القضية برمتها بدت خاطئة وتفوح منها رائحة النفاق السياسي لفقدانها أي محتوى واقعي: ”مبادرة رسمية للاحتفال بالذكرى 450 لتوحيد أديغييا مع روسيا أثارت غضب الأديغه، المعروفين أيضًا بالشركس، الذين يتهمون السلطات الفيدرالية والمحلية الروسية بأنّها تقوم بتشويه التاريخ لتحقيق مكاسب سياسية“.764

الأشخاص الذين يعيشون في خيال وهمي هم مجرد أفراد مجهولين مثل الجسم بدون عقل متفتح أو وعي منطقي. ويمكن تشبيههم بالنعامة التي تدس رأسها في الرمال مما يؤدي إلى فقدان البصر. وهم يزعمون حدوث وقائع ومعلومات مزيّفة بعيون مفتوحة على مصراعيها، بينما يتجاهلون كل الحقائق الأخرى المتعلقة بالضحايا مثل المذابح والإبادة الجماعية والترحيل القسري. ذلك للاحتفال بما يسمى“450 عامًامن الارتباط الزائف والمزيف بروسيا! وهذا يدل على أن ضحايا الجرائم القيصرية الروسية كانوا قد ربطوا طوعا بأنفسهم ووطنهم بالغزاة والقتلة الذين ارتكبوا عدوانًا وحشيًا واحتلوا شركيسيا في نهاية المطاف في نزعة للمساواة بين الضحايا والطغاة.

في الوقت الذي كانت الأحداث ستحدث فيه، أشاررشدي توغوج (Rushdi Tuguz)، وهو شركسي سوري المولد انتقل مؤخرًا إلى شمال القوقاز، إلّا أنّهُ لاحظ بأنه إذا كان اندماج الأديغه في روسيا طوعيًا، إذن لماذا فرّ أسلافه إلى الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر. قال توغوج: ”إذا أضفت الماء الحلو إلى الماء المر، فلن يكون ماءً جيدًا“.756

من الواضح أن الأفراد الانتهازيين المرتبطين عضوياً بالسلطات الروسية كانوا مهتمين بحصاد ما يمكنهم من هدايا موسكو وشهادات حسن السلوك التي يحتاجون إليها للحصول على مزايا وفرص مستقبلية، إلى جانب إنفاق البَدَلات المالية والهدايا المنفقة عليهم وعلى ضيوفهم، أعضاء الجمعية الشركسية العالميّة، وداعميهم في كل من الوطن والشتات، وذلك لتقديم الدعم المناسب وكذلك التشريع الملائم.

وقد خصصت موسكو مبالغ ماليّة كبيرة للاحتفالاتحصلت منها جمهورية قباردينوبلكاريا على 600 مليون روبل (حوالي 24 مليون دولار أمريكي) وذلك لإقامة المناسبات والمباني الجديدة وإصلاح الطرق، بينما تلقت جمهورية أديغيا مبلغ 200 مليون روبل.766

هناك إحْجام كبير على المستوى الفيدرالي لقبول إعادة التعريف المستمر للذاكرة والهوية الشركسية، كما يتضح من الاحتفالات التي أقيمت في عام 2007 بالذكرى السنوية الـ 450 لما سُمِّيَ الانضمامالطوعيللشركس إلى روسيا. قبل عشر سنوات، تم إلغاء احتفالات مماثلة بعد أن رفضتها لجنة مؤرِّخين من أجزاء مختلفة من روسيا باعتبارها زائفة. وعلى نفس المنوال، يشكو الممثلون الشركس من أن تاريخهم كشعب أصلي في المنطقة يتم تجاهله في مواد عرض ألعاب سوتشي الأولمبية الشاملة. هذا التردد من المركز الفيدرالي يمكن أن يوضح النزعات الاستبدادية المتزايدة، بما في ذلك محاولات السيطرة على المجتمع المدني والأقليات العرقية.767

المستفيدون وأولئك الذين يستغلون ميزة تحقيق مكاسب شخصية هم نوع المحتفلين المستعدين للاحتفال بأي شيء يمكن اعتباره مواكبة للوضع، والتي يمكن وصفها بحكم الأمر الواقع على الرغم من أنها تتجاهل الحقوق المشروعة للأمة الشركسية؛ لكن من العدل أن نقول إن الغالبية العظمى من الأديغة الشّركس يتميزون بالمبادئ الأخلاقيّة والصِّدق والقِيم السّامية والأخلاق الحميدة.

قال علي تلياب (Aly Tliap)، رئيس منظّمة أديغه خاسه (Adyge Khase) في بلدة أديغيسك (Adygeisk): ”تريد [موسكو] فقط أن تؤشر بعلامة في خانة مخصّصة للقول بأنّهم قاموا بعمل لتحسين العلاقات بين الأعراق، والمسؤولين المحليّين يريدون فقط جني بعض المال“. وقالأمين جيخوف (Amin Zekhov)، أحد قادة أديغه خاسه، إن الشركس خدموا الدولة الروسية في الماضي وكانوا قادة عسكريين بارزين“. ومع ذلك، يجب أيضًا قول الحقيقة بشأن الحرب الروسيةالقوقازية، والتي تحولت خلالها جمهورية أديغيا إلى مستعمرة. وتساءل: ”كيف يمكننا التحدث عن الانضمام الطوعي بعد إراقة الكثير من الدماء؟“768

الشركس ليسوا روبوتات ولا مجموعة من لعبة اليويو (yo-yos). ولا يقبلون أن يُنظر إليهم على أنهم أدوات أو أجهزة تحكُّم يتم التحكم بهم عن بُعد ويمكن عمل ذلك بواسطة وكلاء. إن لديهم مشاعر وحواس إنسانية. وبناءً على ذلك، فإن النشطاء الشركس قد قدّروا الدّعم الذي حصلوا عليه من كل محبي السلام، ونشطاء حقوق الإنسان، والمنظمات المختلفة، وجميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة الذين يسعون جاهدين للتأكيد على صون كرامة الإنسان.

على مدى ثلاثة أيام من الاحتفالات، أقامت نالتشيك، عاصمة جمهوريّة قباردينوبلكاريا، حفلات موسيقية ومعارض، وافتُتِحَ مسرح جديد، والتقى الرئيس وفريقه بالناس. كانت الاحتفالات في جمهوريتي أديغيه وكاراشايشركيسيا أكثر تواضعًا. اعترف رئيس جمهورية أديغيه أصلان تخاكوشنوف (Aslan Tkahkushinov) أن التاريخ كان مثيرًا للجدل إلى حد ما، لكنه وصف الخلاف بأنهغير مهم“.769

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً