اللغة والثقافة وتكنولوجيا المعلومات / الشركس وتكنولوجيا المعلومات — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


08 / مارس/آذار 2022

اللغة والثقافة وتكنولوجيا المعلومات

الفصل السابع

الشركس وتكنولوجيا المعلومات

PHOTO-2022-03-07-22-24-58

تم إنشاء العديد من المواقع الإلكترونية منذ الحرب الروسيةالشيشانية الأولى في التسعينيات من القرن الماضي، وذلك مباشرة بعد تفكُّكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991. في ذلك الوقت، استعرض الشركس وضعهم القومي، حيث شارك المزيد من أفراد شعبهم حول العالم عبر الإنترنت لمعرفة ما الذى حدث. بالإضافة إلى الشيشان، يمكن للناس متابعة النزاعات في أبخازيا وأجزاء أخرى من القفقاس.

كانت الهوية الشركسية حافزًا لعودة المصالحة الوطنية والوئام والتواصل. تم إنشاء آفاق جديدة بين المجتمعات والمؤسسات والأفراد في جميع أنحاء العالم الشركسي حول العالم. عمّت وسائل الإذاعة على نطاق عالمي وكذلك التلفزيون والاتصالات المباشرة في معظم الأحيان في القرن العشرين، والتي كانت مملوكة ومسيطر عليها من قبل المؤسسات الحكومية.

منذ انتشار الإنترنت وتطوره، وخاصة في بداية القرن الحادي والعشرين، أدّت المحاولات والجهود إلى جلب المعلومات التكنولوجية وتعزيزها وتوحيدها. لم تكن الوسائل الإعلامية النموذجية متاحة لجميع الجماهير على المستوى الدولي. طورت القنوات التلفزيونية الفضائية وسائل الإعلام الدولية، إلى جانب الراديو والتلفزيون المحلي والاتصالات.

أصبحت مواقع الإنترنت ومنافذ الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي في متناول المزيد من الأشخاص الذين يمكنهم تحمل تكلفة الاتصال بالإنترنت والحصول عليه لإنشاء البرامج ونشرها وإرسالها. أصبح نقل البيانات واستلامها بوسائل مختلفة متاحًا ومسموحًا وفق إجراءات روتينيِّة، مما أدى إلى توفير المعلومات لجميع الأشخاص على حد سواء وأصبح في متناول الجميع.

إن التقدم والتطور في مجالات الاتصالات والإنترنت قد عزز بشكل إيجابي وأثّر على الحوار الشّركسي المتبادل. كان الهدف هو استعادة وإعادة تأسيس التنسيق بين الأفراد والمجتمعات الشركسية. استخدم النشطاء الشركس في شمال القوقاز والشتات الشركسي الأوسع حول العالم التكنولوجيا بحكمة. لقد استعادوا الاتصال والتواصل فيما بينهم.

جيل جديد يتراوح عمره بين 18 و 28 عامًا يتواصل عبر الإنترنت وهو مرتبط بالشبكات مع المجتمعات الشركسية في جميع أنحاء العالم. يقدمون مثالاً للظاهرة التي صاغها عالم السياسة الأمريكي بنديكت أندرسون (Benedict Anderson) ألا وهي مصطلحقومية المسافات الطويلة، والتي تم تحديدها بالفعل في مجتمعات الشتات الأرمنية وغيرها. فعلى الرغم من أن القضية الشركسية لم تنتج حركة قومية متماسكة أو متشددة أو مقاتلة أو حركة قومية مدفوعة بالعائدين بشكل صريح وعلني من شأنها أن تثقل مشكلة شمال القوقاز المثقلة بنزاع أكثر عنفًا، فإن إحياء الاهتمام بجذورهم العرقية بين الشباب من أصل شركسي يمثل تحديًا بالنسبة لروسيا. تجد موسكو نفسها في مواجهة فصل لم يتم حله من تاريخها الاستعماري خلال مرحلة يُنَمِّي فيها الرئيس بوتين روح وطنية لا تترك مجالًا للتفكير التاريخي النقدي الذاتي.866

يمكن للشركس أن يتّحدوا عبر الإنترنت. فقد ساعد استخدام وسائل الإعلام، خاصة معرفتها والوسائل المستخدمة في التعامل معها، بما في ذلك وسائل الاتصال الحديثة والمتطورة، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي في تمهيد الطريق إلى إرساء أسس لمعالجة ما يلي: تعليم لغة الأديغه، والحفاظ على الثقافة، والحصول على الكتب الإلكترونية، ومعالجة اهتمامات الأطفال، وتأسيس الاتصالات، وربط النشطاء ببعضهم البعض، ونشر المعلومات حول القضيّة الشّركسيّة، والمشاركة في  الالتماسات، وإنشاء مراكز البحث، والوصول إلى المكتبات، ودور المحفوظات والأرشيفات، ومحلات بيع الكتب، ومزايا معرفة التاريخ الشركسي المُوثَّق، ومسائل أخرى مهمة.

نشرت مجلة الدراسات القفقاسية دراسة بعنوانآي شركيسيا: الرأسمالية الرقمية والهويات العابرة للحدود الوطنية الجديدةبقلم لارس فانش هانسن (Lars Funch Hansen). وبناءً عليه، تطرقت الدراسة المنشورة إلى الفرصة التي أتيحت للشركس من خلال استخدام الإنترنت. ذكر المؤلف في المقدمة حقيقة وجودالعالَم الشّركسيالمنتشر بين الوطن الشركسي الواقع في شمال القوقاز وديار الاغتراب. وسيكون من المناسب أن تدرك شعوب العالم الطريقة التي يستخدمها الشركس للتواصل على المستوى العالمي في مختلف مجالات المصالح القومية. وفي نهاية المطاف سيؤدي ذلك إلى توحيد الجهود للقيام بنهضة قومية شاملة، حيث سيتم حشد الجهود لإعادة الحقوق وفق القوانين والأعراف الدولية.

أدّى النفي الشامل (تقريبًا) للشركس من وطنهم في عام 1864 بعد الانتصار النهائي للجيش الروسي إلى إخراج شركيسيا من الخريطة تحديدًا وفعليًا. ومع ذلك، يوجد عدد لا يحصى من رسوم الخرائط لشركيسيا من القرون السابقة وقد تم تحويلها إلى النظام الرقمي وتقديمها ونشرها على الإنترنت. بهذه الطريقة، بدأت شركيسيا في العودة شيئًا فشيئًا لتكون مرةً أخرىعلى الخريطة“ — على الأقل بشكل عملي. وأن تكونعلى الخريطة“ يرمز بحد ذاته إلى تطور هام، مما يشير إلى أهمية الاعتراف في النهضة الشركسية المستمرة.867

في أكتوبر/تشرين الأول 2014، تمت مناقشة اطروحة الدكتوراه التي قدّمها لارس فونش هانسن بعنوان، الإحياء الشركسي: مسعى الاعتراف.

ينطلق لارس فانش هانسن لاستكشاف ظروف هذا الإحياء والأساليب التي يتم من خلالها تعبئة الشركس في شمال القوقاز وفي الشتات للمشاركة فيه. على حد تعبير المؤلف نفسه، فإن الهدف الرئيسي من الأطروحة هوالكشف عن النهضة المتصاعدة العابرة للحدود للشركس واستعراضها ومناقشتها“ (ص 9) والتي ظهرت في منتصف التسعينيات وتستمر حتى الوقت الحاضر. 868 

يتم تسليط الضوء على القضيّة الشركسية في العديد من القضايا التي إذا تم جمعها ستوضح صورة المأساة الحقيقية التي حدثت، وكذلك رغبة الشركس في التطلع إلى التصرف كأمة تنتهك حقوقها القانونية والقوميّة.

تركز الأطروحة على الشركس، وهم شعب في شمال القوقاز قاوم بشدة احتلال الإمبراطورية الروسية لأراضيهم في القرن التاسع عشر. بعد هزيمتهم الأخيرة في عام 1864، أُجبر معظم الشركس على النفي واليوم يعيش أحفادهم في مجموعات كبيرة من الشتات في تركيا والدول المجاورة في الشرق الأوسط.869

في سياق الموضوع، يذكر أن التحول إلى المفاهيم الرقمية أمر عملي ولا يحتاج إلى إحداث تعقيدات. ومع ذلك، احتاجت التكنولوجيا القديمة إلى إجراءات ومعدات ومواد مختلفة وجهود كبيرة تتطلب من العديد من الأشخاص اتباع سلسلة من العمليات. وكان يتم تنفيذ ذلك من خلال مهن منسقة من جهات مختلفة تعمل للإنتاج والطباعة وتخصصات أخرى، ناهيك عن الوقت والجهد اللازمين للقيام بكل ذلك.

أحد الأسئلة التي أثارها ظهورإنترنت شركيسيا“ (InternetCircassia) والشتات الرقمي الشركسي، هو ما إذا كانت هذه الظاهرة ستقلل من الرغبة في العودة إلى الوطن بين الشركس في الشتات. العودة إلى الوطن هي واحدة من أصعب القضايا التي تواجه منظمات الشتات الشركسي، والتي أعطى العديد منها رسميًا الأولوية للعودة إلى الوطن منذ التسعينيات.870

ساهم باحث إلكتروني في التقريب بين أمة منسية، على الأقل، عاطفياً. برز التأثير الإيجابي للإنترنت، لكونها تقنية حديثة، كتطور إيجابي للإمكانيات الرقمية. وقد أصبحت عنصرا بارزا في أمة كانت في سُباتٍ عميق تقريبا بعد صدمة 1864 وعواقبها السلبية. وبناءً على ذلك، فقد تناولت الأطروحة بالتفصيل الميزات المنسوبة إلى الاتصال عبر الإنترنت من أجل تحقيق الأهداف القوميّة المطروحة ليتم تحقيقها من قبل الشركس.

يمكن التأكيد بشكل أساسي على خاصيتين رئيسيتين للإنترنت: أولاً، عنصر تقارب أشكال وتقنيات الوسائط التي يتم توضيحها، على سبيل المثال، من خلال الاستخدام المتكامل لأشكال الوسائطالقديمةمثل الصور والأفلام على مواقع التواصل الاجتماعي وأجزاء غيرها على الإنترنت. يشار إلى هذا أحيانًا باسموسائط الإعلام الجديدة“ (Manovich 2001). ثانيًا، يعمل الإنترنت كملف لمخزن رقمي ضخم، كنموذج وسائط يعتمد تقنيًا على نموذج قاعدة البيانات (Manovich 2001, 55). هاتان السمتان التوأم للإنترنت المعاصرأو الرأسمالية الرقميةتلخصان إلى حد كبير الجوانب الرقمية للنّهضة الشركسيّة المستمرّة.871

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً