الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية – القضيّة الشّركسيّة والعامل الأوكراني — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


24 يونيو/حزيران 2022

الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية

الفصل الحادي عشر

القضيّة الشّركسيّة والعامل الأوكراني

وفقًا للوقائع والإجراءات والوثائق، من الضروري للدولة الروسية الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية. في هذا الصدد، نشر بول غوبل (Paul Goble) مقالاً بعنوان، لن يعترف الروس بأن طرد الشركس كان إبادة جماعيةلكن على الأوكرانيين فعل ذلك.

بدأ غوبل بالإشارة إلى إحياء يوم الذكرى الشركسية. ”منذ مائة واثنين وخمسين عامًا من اليوم، هزمت القوات القيصرية الشركس في شمال القوقاز بعد أن نجح الشركس في مقاومة التقدم الروسي لمدة 101 عام، ثم طردت الحكومة الروسية معظمهم إلى الإمبراطورية العثمانية، واستكملت سياسة الإبادة الجماعية التي قررت سانت بطرسبورغ انتهاجها في وقت مبكر“.1172

أشار المقال إلى التعنت المتمثل في إنكار نتيجة الغزو: ”لا يمكن للمسؤولين الروس حتى يومنا هذا الاعتراف بذلك، ليس فقط لأن القيام بذلك سيسمح للعديد من الخمسة ملايين من شراكسة الشتات بالعودة إلى ديارهم، مما يؤدي إلى تغيير في التوازن العرقي في شمال القوقاز بعيدًا عن موسكو، ولأن مثل هذه البراءة ستثير حتماً المزيد من القضايا حول سياسات روسيا الإمبريالية في أماكن أخرى“.1173

وأشار المقال،لكن في هذه الذكرى على وجه الخصوص، وهي التي كانت الجماعات الموالية لموسكو تسعى بشكل أكبر في الماضي إلى الحد من إحياء ذكراها داخل روسيا وخارجها والتشويش على القضية في أذهان الكثيرين، يتوجب على الأوكرانيين أن يقتنصوا الفرصة لأخذ زمام المبادرة الذي يؤدي إلى الاعتراف بما اقترفته روسيا على أنه إبادة جماعية ليس فقط على أسس أخلاقية ولكن أيضًا بسبب الدور الذي لعبه الشركس في التاريخ الأوكراني“.1174

تناول غوبل واقتبس وجهة نظر تتعلق بالقضيّة الشركسية: ”هذا هو جوهر مقال بقلم أفرام شموليفيتش، الخبير الإسرائيلي في شؤون القوقاز، في رسالة إلى الأوكرانيين على موقع الأخبار (TSN) الروسي (ru.tsn.ua/blogi/themes/politics/genocid-cherkesov-esche-odno-prestuplenie-rossii-634709.html). إنه أمر لا يتفق معه إلا أصحاب النوايا الحسنة في أوكرانيا وروسيا وحول العالم“.1175

وتابع المقال،يشير الباحث الإسرائيلي إلى أن الشركس قاوموا توسع القوة الروسية في القوقاز لفترة أطول من أي طرفٍ آخر، من عام 1763 إلى عام 1864، وبالتالي كسبوا الاحترام على مضض من أولئك الذين شاركوا في المعارك ضدهم ولكن أيضًا الكراهية الدائمة من الدولة الروسية التي قررت أنه لا يمكنها السيطرة على المنطقة إلا من خلال التخلص من سكانها.1176

يتحقق غوبل من خطط ونوايا الروس: ”يقول شموليفيتش، بأن (الإمبراطور) نيكولاس الأول (Nicholas I) كتب في سبتمبر/أيلول 1829، {بعد أن أنهيت مهمة واحدة مجيدة [الحرب مع تركيا]، لدينا الآن مهمة أخرى، بنفس التعقيد ومن حيث الفائدة المباشرة علينا، والأهم من ذلك بكثير هو قمع جميع شعوب الجبال وتدمير العصاة}“. ثم أضاف، ”لم يعش نيكولاس الأول  ليرى ذلك اليوم؛ وأعظم شاعر لروسيا، ألكسندر بوشكين  (Aleksandr Pushkin)، في كتابه {رحلة إلى أرضروم} وضع {المهمة} الروسية بشكل أكثر وضوحًا: كتب بوشكين: {الشراكسة، يكرهوننا. لقد طردناهم من حقولهم المعتادة والمعروفة، وقد أُُحْرِقت قُراهم، ودُمِّرت قبائل بأكملها}“.1177

لم يُظهر أعظم شاعر وكاتب مسرحي وروائي ومؤسس الأدب الروسي الحديث الموصوف أي اعتبار للإنسانية أو حقيقة أن الإمبراطورية الروسية قامت بغزو واحتلال وطن الأمة الشركسية وقتل وترحيل شعبها. ويكشف المقال،نتيجة لذلك، كما تابع الشاعر، {لا توجد طريقة تقريبًا لتهدئة [الشركس] حتى بعد نزع سلاحهم كما تم نزع سلاح تتار القرم}“.1178

وتحدث المقال بالتفصيل عن الأرقام: ”في نهاية الحرب التي استمرت 101 عامًا، كان عدد الجيش الروسي في شمال القوقاز يبلغ حوالي 300 ألف رجل وكان يتكبد خسائر سنوية قدرها 30 ألفًا. كانت الدولة الروسية تنفق سدس ميزانيتها على مهمة هزيمة الشركس وحلفائهم، وكانت مستعدة لأن تكون قاسية، كما يقول شموليفيتش“.1179

”{في سياق العمليات العسكرية}، كما كتب، {أحرق الجيش الروسي القرى على رؤوس سكانها}، وقد {طبق على نطاق واسع تكتيك المجاعة الرهيبة [هولودومور] (holodomor) من خلال تدمير المحاصيل واحتياطيات الغذاء، والحكم على الجبليين بالجوع}. وليس أقلها، {اتخذت الحكومة القيصرية قرارًا بتطهير منطقة القوقاز تمامًا من سكانها الأصليين الشركس، لتدمير شعب بأكمله جسديًا}“.1180 ثم أوضح المزيد من الخطط: ”أولئك الذين لم تستطع تدميرهم بهذه الطريقة، قررت السلطات القيصرية، أنه يجب طردهم خارج حدود الإمبراطورية. وكما قال أحد الجنرالات الروس، فإن الدولة الروسية بحاجة إلى أراضي الشركس، لكنها ليست بحاجة إلى الشعب الشركسي، ولذا يجب قتلهم أو طردهم“.1181

وأوضح المقال بعض أرقام الضحايا والوفيات والمبعدين ومن تمكنوا من البقاء.

لم يكن لدى المؤرخين القياصرة مشكلة في الحديث عن ذلك وعن الخسائر التي تنطوي عليها. فوفقًا لروايات الحكومة الروسية في تلك الأوقات، قُتل أكثر من 400 ألف شركسي وأجبر 497 ألفًا على مغادرة الإمبراطورية. ومن بين ما كانت أمة أصيلة في المنطقة التي يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، بقي في الوطنحوالي 80.000“ شركسي … ويقول شموليفيتش إن عددًا كبيرًا من الشركس الذين طردوا إلى الإمبراطورية العثمانية لم يصلوا أبدًا إلى وجهتهم. فقد وصل حوالي ثلث أولئك الذين تم وضعهم على متن السفن في سوتشي أحياء إلى الجانب الآخر من البحر الأسود. وهلك الباقون من الجوع والمرض والغرق.1182

بالإشارة إلى المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإنها تنص على ما يلي:

المادة 2  في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

(أ) قتل أعضاء من الجماعة،

(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة،

(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا،

(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة،

(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخري.

شدد غوبل،كانت هذه حالة واضحة من الإبادة الجماعية، من حيث التدمير المادي لشعب على أساس هويته وحدها. لسوء الحظ، تواصل السلطات الروسية الإنكار بأن أسلافهم ارتكبوا إبادة جماعية وذهبت إلى أبعد من ذلك بتقسيم الأمة الشركسية إلى خمسة أجزاء في خمس مناطق إدارية مختلفة.1184

ذكر المقال أيضًا الأبعاد الديموغرافية الشركسية: ”الشركسويبلغ عددهم أكثر من 500000 في شمال القوقاز وخمسة ملايين في الشتاتكما يشير شموليفيتش، فإنّهُم {يكافحون من أجل الوحدة، ومن أجل الحق في العودة إلى وطنهم الأم التاريخي، حتى يتمكنوا من الحفاظ على ثقافتهم وذاكرتهم التاريخية وللتعرف على أفظع الجرائم المرتكبة ضدهمالإبادة الجماعية والمجاعة الرهيبة}“. جرى الاستمرار في التوضيح،لعدة أسباب، كما يتابع المحلل الإسرائيلي، {إن معاناة الشعب الأوكراني الشديدة تجعل من عدم الممكن لأي طرف آخر أن يتعاطف مع ويتفهم ما يتعلق بمأساة الشعب الشركسي الذي حرم من حقه في العودة إلى وطنه الأم، وحتى في حق الذاكرة التاريخية}“.1185

أدرج المقال عدة عوامل تجمع، وتؤلف، وتوفق بين الشركس والأوكرانيين منذ زمن بعيد. مما لا شك فيه أن الآمال التي تم عقدها في تحقيق نتائج ملموسة ستشجع التنسيق والحوار. هذا سوف يضبط العمل الثنائي للاعتراف بالحقوق المشروعة للشركس.

أوضح غوبل،في عام 2011، أصبحت جورجيا أول دولة تعترف رسميًا بما اقترفه الروس بالشركس على أنه إبادة جماعية. الآن، يجب أن يصبح الأوكرانيين ثانيًا، كما يشير المحلل الإسرائيلي، إلى أنّهُ ليس فقط لأسباب أخلاقية ولكن أيضًا لأسباب عملية للغاية“. علاوة على ئلك، أضاف: ”{تحتاج الدولة التي تقاتل العدوان الأجنبي إلى إيجاد أصدقاء جدد}، و{يمكن أن تصبح القوقاز حليفًا لأوكرانيا ضد موسكو الإمبريالية}. يجب على البرلمان الأوكراني أن يدرك هذا الواقع ويتبنى قرارًا يعترف بالمعاملة الروسية للشركس على أنها إبادة جماعية“. 1186

وخلص المقال إلى أن ”{يوم 21 مايو/أيار} هو يوم حزن وذاكرة ليس فقط للشعب الشركسي ولكن لجميع الشعوب التي أصبحت ضحايا للاستعمار الروسي المُدَمِِّر والذي لا يرحم، وهم ضحايا العدوان الروسي“.1187

الاعتراف بحقوق الشركس

نشرت صحيفة صباح اليومية التركية (Daily Sabah) مقالاً بعنوانالشراكسة يسعون إلى اعتراف روسيا بالإبادة الجماعية“. بدأت بمقدمة بالقول،يأمل المجتمع الشركسي في تركيا أن يتم الاعتراف بتهجير أسلافهم وإبادتهم من قبل روسيا وذلك من قبل أنقرة والكرملين في الذكرى 152 لنفيهم من القوقاز“.1188

ذكر المقال،قبل الذكرى الـ 152 للتهجير والتطهير العرقي المقترف من قبل الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، يطالب المجتمع الشركسي في تركيا باعتراف دولي لما يسمونه إبادة جماعية على يد الإمبراطورية البائدة الآن“. وتابع المقال،يوجد في تركيا مجموعة كبيرة من الشركس، وهي مجموعة عرقية قوقازية غادر الكثير منهم وطنهم بسبب السياسات الروسية لطرد الأقليات. وفي كل عام، يحيون الذكرى السنوية لتهجيرهم، الذي أوصل العديد من الشركس إلى تركيا ودول أخرى في المنطقة، من خلال تنظيم مناسبات لإحياء الذكرى في جميع أنحاء البلاد وعقد تجمعات خارج البعثات الدبلوماسية الروسية. هذا العام، من المقرر تنظيم المظاهرات في 21 مايو/أيار، أو يوم الإبادة الجماعية والمنفى الشركسي كما يسميه المجتمع“.1189

وأضافت الصحيفة، بأننصرت باج (Nusret Baş)، رئيس فيدرالية الجمعيات الشركسية في تركيا، وهي منظمة بارزة غير ربحية تمثل المجتمع الشركسي، أبلغ وكالة الأناضول (Anadolu Agency) التي تديرها الدولة أنهم يسعون إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في تركيا، ويحثون البرلمان لبدء تحقيق في الإبادة الجماعية والاعتراف بها. وقال باج إن عام 1864 كان عامًا {دُمر فيه مجتمعهم وتم اضطهادهم وطُردوا من ديارهم وانتُهكت حقوقهم} وكان {عامًا من الحسرة والمعاناة التي لا تُنسى}“.1190

ويذكر أن الطموحات الروسية موجّهة ضد شعوب القوقاز الأخرى إلى جانب الأديغة الشركس: ”لقد حدث طرد الشركس، الذين يسمون أنفسهم الأديغة، في نهاية انهيار الإمبراطورية العثمانية، التي امتد نفوذها إلى القوقاز، وفي وقت لحملة طموحة من قبل الإمبراطورية الروسية لتوسيع حدودها على الرغم من المقاومة الشديدة للسكان المحليين في المنطقةالشركس والأبخاز والشيشان وغيرهم. المقاومة، التي برزت من خلال قيادة الشيخ شامل، تم قمعها بوحشية بمذابح ضد السكان المحليين والنفي اللاحق. تم سوق وقيادة معظم الشركس ليوضعوا على متن سفن لنقلهم من الشواطئ الشمالية الشرقية للبحر الأسود إلى الأناضول. ولقي الآلاف حتفهم بسبب الجوع والعطش، ومات كثيرون آخرون منهم عندما غرقت سفنهم. وتتراوح التقديرات بين 300000 و 4 ملايين حالة وفاة نتيجة لذلك“.1191

وأوضحت ديلي صباح نوايا الطموحات الروسية الاستعمارية:

كانت منطقة القوقاز مكانًا يعيش فيه الشركس بحرية لقرون، لكنهم كانوا عقبة أمام خطط روسيا للتوسع في الجنوب. دافع الشركس عن أراضيهم لأكثر من قرن من الزمان، لكنهم كانوا قوة ضئيلة مقارنة بالجيش الروسي الهائل. في النهاية، تم تدمير المجتمع وإجباره على الاستسلام نتيجة الهجمات الروسية غير المتناسبة التي شملت قتل المدنيين الأبرياء. كانت هذه إبادة جماعية بالمعنى الحقيقي للكلمة وتتناسب مع وصف الإبادة الجماعية للأمم المتحدة، حسبما قال باج. وقال إن الشركس الذين ما زالوا يعيشون في القوقاز لا يزالون يعتبرون تهديدًا من قبل روسيا الحالية ويخضعون للمراقبة المستمرة من قبل موسكو. وقال بأنّ ”[الرئيس الروسي فلاديمير بوتين] ينتهج نفس السياسة تجاه الشركس مثل السياسات التي نفذها في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا وسوريا“.

وجاء في المقال، ”{الإبادة الجماعية الشركسية معترف بها حاليًا فقط من قبل جورجيا، عدو الكرملين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وقال باج إن تركيا بها أكبر عدد من السكان الشركس، ولهذا السبب نريد أن تعترف بها تركيا أيضًا}. حضر وزير في مجلس الوزراء احتفال العام الماضي لإحياء ذكرى المنفى الشركسي“. بالإضافة إلى ذلك،قال المتحدث باسم وزارة الخارجية تانجو بيلجيتش (Tanju Bilgiç) يوم الجمعة في بيان ردا على سؤال أن المنفى الشركسي كان {كارثة كبيرة محفورة في ذاكرة الشعوب القوقازية المطرودة من وطنها}“.1192

تابعت الصحيفة ”وقال باج إن مطلبهم ليس {انتقاماً} بل {لكشف حقيقة تاريخية}. واضاف {نحن لا نطرح موضوعا سياسيا ولسنا اعداء للشعب الروسي. وقال إن روسيا تتحمل مسؤولية الاعتراف بالإبادة الجماعية}. وقال باج إن دعواتهم لم تلفت انتباه المجتمع الدولي لأنها تضم ​​روسيا، القوة العظمى العالمية. {وبخلاف ذلك، لا يتم الدفاع عن قضيتنا لأن الشركس هم من المسلمين}“.

وخلص المقال إلى أنتركيا لديها مجتمع شركسي متكامل بشكل جيد ويتكون من حوالي 1.5 مليون إلى 3 ملايين نسمة، يتركز الشركس بشكل رئيسي في المقاطعات الشمالية سامسون (Samsun) وأماسيا (Amasya) وتوكات (Tokat) والمحافظات الشمالية الغربية مثل سكاريا (Sakarya) وكوجالي (Kocaeli) وباليكسير (Balıkesir) وكوتاهيا (Kütahya). ويوجد حاليًا حوالي 750.000 نسمة في جمهوريات القوقاز الموجودة حاليًا في الفيدرالية الروسية. تقديرات عالية للمجتمعات الشركسية في الأردن وسوريا حوالي 180،000 و 120.000، على التوالي، على الرغم من أن الأخيرة عانت من حرب أهلية في السنوات الخمس الماضية“.1193

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً