مأسسة الغزو الأيديولوجي — تزوير التاريخ — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


12 يوليو/تموز 2022

مأسسة الغزو الأيديولوجي

الفصل الثاني عشر

تزوير التاريخ

ليس للتزوير الروسي حد أو سقف في سبيل الحفاظ على الوضع الحالي لفرض وتوسيع التأثير، بشكل كامل ومطلق، وذلك للسيطرة على أوطان الشعوب والأمم الضعيفة، بما في ذلك الشعب الشركسي، مما أدى إلى تغيير السمات والبصمات الطبيعية، وِفْقًا للأهواء والأكاذيب والتزييف التي تم دحضها بالوقائع المستندة إلى الأدلة والوثائق.

كتبت فاطمة تليس (Fatima Tlis) مقالاً بعنوان موسكو تستخدم لجنةالتزوير التاريخيلإنكار الحقوق الشركسية. وقد تم إعداده بشأنالهدف الرئيسي لـ ”{اللجنة الرئاسية الخاصة ضد تزوير تاريخ الفيدرالية الروسية الذي يتسبب في إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية الروسية} وذلك لتحديد ومحاربة عمليات التزوير الواعية والطائشة التي تستهدف النتائج السياسية، كما صرّح سيرغي ماركوف (Sergei Markov)، نائب رئيس لجنة مجلس الدوما للجمعيات العامة والمنظمات الدينية وعضو اللجنة الرئاسية الخاصة (Vechernyaya Moskva, December 29, 2009).1232

أقحم ماركوف نفسه وبلده في موضوع لا يسع المراقب المحايد إلا أن يلاحظ ويتساءل عن مدى الحملة الإعلامية التي لا هوادة فيها، ويتم عبرها نشر معلومات لا يمكن وصفها إلا أنّهُ مشكوك في دقتها ومشروعيتها، مما يؤدي إلى وصم دور وسائل الإعلام بأنّهُ غير مُنْصِف، بل ومستهتر. ناهيك عن ذكر تدمير المناطق المحمية والمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والتعدي على واجبات المختصين والعاملين الذين يؤدون واجباتهم في مجال حماية البيئة والحفاظ على الطبيعة. فضلا عن الحقائق التاريخية المتعلقة بطرد الشركس من مناطقهم السكنية والزراعية الأصلية، وكذلك القِلّة الباقية منهم الذين تمكنوا من البقاء في وطنهم.

تمّ توجيه إدِّعاءات لا أساس لها من الصحة ضد أي شخص ينادي بإحقاق الحقوق، على الرغم من انتهاكها من قبل الدولة الروسية: ”في بيانه، قدم ماركوف مثالين لما أسماه التزوير {ذو الهدف السياسي البحت} الذي يضر بالمصالح الوطنية لروسيا. الأول، كما قال هو، هولودومور (Holodomor) {وهو الاتهام الأوكراني بأن الاتحاد السوفياتي ارتكب إبادة جماعية بِحق الشعب الأوكراني في 1932 – 1933، عندما قضى آلاف الأوكرانيين نحبهم نتيجة للجوع}. وِفقًا للادعاءات الأوكرانية، لم يكن للمجاعة سبب طبيعي، ولكن تم تنظيمها من قبل الدولة الروسية من أجل تقليل عدد الأوكرانيين“.1233

على ما يبدو، لم يكن من قبيل المصادفة أن ذكر ماركوف أوكرانيا، كما لو كان يتطلع إلى ما وراء الأفق نحو المشاكل الحالية مع أوكرانيا، حيث أنّ عقد الألعاب الأولمبية هو السبب الرئيسي وراء تأخير تنفيذ الخطط الروسية في كل من أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

— لم يكن مفاجئًا أن يستهدف ماركوف الشركس لأنه نشأ في بيئة برجه العاجي، حيث عاش وعمل في عالم منعزل ومنفصل عن الواقع.

 وحيث أنّ الغاية تبرر الوسيلة، فإن الدعاية السياسية والترفيهية تغلب على العدل والإنصاف.

— الكلام اللاعقلاني يُستدل عليه بطريقة خرقاء في تذكر التواريخ الخاطئة التي تناقض الواقع وتتعارض مع الحقائق.

— فالإشارة إلى أنالأديغهالشركس حصَلوا على دولتهم الخاصة بهمهو نوع من الهرطقة السياسية.

وفي وصفهأولئك الذين غادروا إلى الشرق الأوسطيثبت جهله لأن من أسماهمهؤلاءهم الغالبية العظمى من الشركس الذين أُجْبِروا على مغادرة وطنهم وترحيلهم إلى الإمبراطورية العثمانية، وهو ما لم يكن جوله سياحية حول العالم.

— أولئك الذين قالوالا ألعاب أولمبية على أرض الإبادة الجماعية، سواء من الشركس في الوطن أو في الشتات، لم يدفعوا 50 مليار دولار لتوضيح وجهة نظرهم، لكنهم فعلوا ذلك من منطلق ضميرهم وواجبهم القومي لإخطار العالم بأن ما يسمى بالألعاب الأولمبية قد أقيمت على التراب الشركسي والمقابر في العاصمة الشركسية الأخيرة سوتشي.

— بينما الدولة الروسية ومن أجل الاحتفال بمرور 150 عامًا على نشوة  إجراء عرض عسكري في سوتشي عندما تم احتلال شركيسيا بالكامل، تمكنت روسيا من إنشاء صندوق كبير لدفع أموال طائلة بلغت 50 مليار دولار من أجل تحقيق أهداف سياسية ودعائية وترويجية.

— الشركس قلقون وفي نفس الوقت مهتمون بشأنالحقيقة التاريخيةالغائبة، ولكن الموثقة.

— نعم، دعا الشركس ”العالم أجمع لمقاطعة ألعاب سوتشي“، وفي نفس الوقت تمكّنوا من جعل العالم يعرف لأول مرة أن الأمة الشركسية محرومة من حقوقها بسبب الإبادة الجماعيّة.

وقال ماركوف إن المثال الثاني لمثل هذا التزوير التاريخي مرتبط بدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي والتي تهدف إلى تزوير تاريخ الحرب الروسيةالقوقازية من 1817 إلى 1864: ”نعم، كانت الحرب دموية، وأضاف،لكن بفضل روسيا فقط، حصل الأديغه/الشركس على دولتهم الخاصة بهم. وأولئك الذين غادروا إلى دول الشرق الأوسط، هم في وضع أسوأ بشكل لا يضاهى اليوم من أولئك الذين بقوا في القوقاز“. وأكد أن هؤلاءالمتطرفينالذين يستخدمون شعارلا ألعاب أولمبية على أرض الإبادة الجماعية، ليسوا قلقين بشأنالحقيقة التاريخية، بل يحاولون دعوة العالم بأكْمله لمقاطعة ألعاب سوتشي (Vechernyaya Moskva, December 29, 2009).1234

لقد تم إدراك وإثبات أنالهدفين الرئيسيين للجنة الخاصة كما أشار سيرغي ماركوف أن (الأوكرانيين والشركس) أصبحا مصدر إزعاج للكرملين ليس لأن هاتين المسألتين تُزيِّفان التاريخ، لكن لأن هناك في الواقع أدلة تاريخية لا تقبل المنافسة وراء مزاعم الإبادة الجماعية“.1235

تناول المقال المطالبات المتعلقة بالحقوق الشركسية: ”بالتركيز على القضية الشركسية، تُطالب منظمة الكونغرس الشركسي (Circassian Congress) غير الحكومية أن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها روسيا ضد الشركس يمكن إثباتها بسهولة بناءً على الوثائق الرسمية من أرشيف الإمبراطورية الروسية. فوفقًا للكونجرس الشركسي، تم القتل والتهجير الجزئي من القوقاز بحق ما يقرب من 1500000 نسمة، وفقد الشركس 99 بالمائة من عدد السكان أثناء الحرب والتّهجير (www.circassiangenocide.com)“.1236

فيما يتعلق بالحق في العودة، مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط المعوقة الصادرة، هناك اتجاه لتشديد العملية بمرور الوقت لثني الشركس عن التفكير في الاستقرار في وطنهم وجعلها مهمة أكثر صعوبة:

كل مشكلة تواجه أمة منفصلة تنطبق على أفراد الشتات الشركسي الذين يعيشون في المنفى. فعلى الرغم من أن الشركس لعبوا تقليديًا دورًا مهمًا في الحكومات والمجالات العسكرية والدبلوماسية للبلدان المضيفة، فقد عانوا من فقدان هويتهم وتقاليدهم ولغتهم وثقافتهم وعلاقاتهم مع وطنهم. إن العودة إلى الوطن هي إحدى الاحتمالات لاستعادة وطنهم في القوقاز، لكن العملية تعني مناشدة الفيدرالية الروسية للحصول على وضع الإقامة الدائمة، وبعد ذلك، إذا مُنِحَ هذا الوضع، يتم العيش في القوقاز لمدة سبع سنوات، يليه التقدم بطلب الحصول على الجنسية. وعلى الرغم من أن العملية نفسها معقدة بالفعل، إلا أن أولئك الذين أعيدوا إلى أوطانهم غالباً ما يواجهون متطلبات إضافية غير عملية.1237

ويكشف مثال حدث مع شركسي من تركيا، أنّهُ تم ترحيل حاجي بيرم (Haci Bairam) من نالتشيك إلى اسطنبول مرتديًا لباس النوم (البيجاما) بدون نقود أو وثائق قبل أيام قليلة فقط من حصوله على الجنسية الروسية، وذلك بتهمةانتهاك نظام التسجيل“ — أي بسبب قضاء ليلة واحدة في منزل صديقه. فعلى الرغم من أن حاجي بيرم كان قد استأنف الحكم في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالقضية المرفوعة ضد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) وكسب القضيّة، لكن لم يُسمح له بدخول الأرض الشركسية منذ ذلك الحين. قام مكتب الأمن الفيدرالي الروسي بدفع مبلغ 8000 يورو إلى حاجي بيرم، لكن عندما عاد إلى نالتشيك، تم احتجازه لمدة 24 ساعة ثم تم ترحيله إلى تركيا دون أي تفسير (Radio Free Europe, October 16, 2003).1238

تم التأكيد على أنالشيء الاستثنائي في قضية حاجي بيرم ليس بسبب ترحيلهتتم عمليات ترحيل الشركس العائدين إلى الوطن شهرياولكن حقيقة أنه أعلن ذلك علنًا ودافع عن حقوقه، في حين أن الطريقة التقليدية هي العثور على مسؤول في الشرطة أو مكتب الأمن الفيدرالي الروسي، والذي سيساعدك مقابل أجور معينة، على استعادة وضع إقامتك الدائم حتى موعد الترحيل التالي“.1239

على ما يبدو، عندما قال ماركوف أنالشركس يستمتعون بِدولتهم الخاصة بهم، إما أنه يحاول اللعب بذكاء أو أنه لا يعرف الوضع الفعلي في القوقاز منذ حذف شركيسيا من الخريطة. لقد تم تقسيم شركيسيا وإعادة تقسيمها في مناسبات مختلفة. فليس للشركس دولتهم الخاصة بهم كما يُزعم، لكن على العكس من ذلك، فإن وطنهم مُجزّأ إلى عدة جيوب بما فيها ما يُدْعى بالجمهوريات الشركسية، والتي لها ملامح مُتنوِّعة بينما لها حدود غير متجاورة.

في الواقع، بينما يعيش ما يقرب من خمسة ملايين شركسي في المنفى في أكثر من 50 دولة، لا يزال اليوم أقل من مليون شركسي في وطنهم. يعيش الغالبية منهم في ثلاث جمهوريات في شمال القوقاز مفصولة بحدود مصطنعة ويتم تحديدها رسميًا على أنها قباردي وشركس وأديغه وشابسوغأي ليس بأسمائهم العرقية ولكن بوصف مواقعهم الجغرافية. من خلال تقسيم أراضي شركيسيا إلى أجزاء منفصلة ومنحها أسماء مختلفة، تحقق روسيا بشكل فعال هدف القضاء على الهوية القومية للشركس، بالإضافة إلى محو شركيسيا بصريًا (نظريًا) من الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.1240

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً