آخر ساعة: الشراكسة.. يعيشون والأردن في قلوبهم والقوقاز محفورة في نفوسهم

الشراكسة.. يعيشون والأردن في قلوبهم

والقوقاز محفورة في نفوسهم

سميرة جورج

تسجل صفحات التاريخ أن شعب القوقاز نفي من أراضي آبائهم وأجدادهم عام 1864 بعد 35 سنة من الحروب الضارية مع روسيا.. وبعدها تفرق الشراكسة في العديد من دول الشرق الأوسط. واليوم يصل تعدادهم في الأردن إلي حوالي 100 ألف نسمة.. ورغم بعاد السنين عن مسقط رأسهم إلا أنهم يتمسكون جدا بعاداتهم وتقاليدهم كما يدينون بالولاء والوفاء للأسرة الملكية الهاشمية حيث إنهم يمثلون الحرس الخاص للملك عبداللة الثاني تحت قيادة الأمير علي ولي عهد الأردن.

 

هذا تاريخيا.. أما جغرافيا فإن القوقاز سلسلة من الجبال بين أوربا وآسيا تمتد بطول 1250 كيلو مترا من البحر الأسود وحتي بحر القزوين. سياج طبيعية أقل ارتفاع لها عن سطح الأرض يصل إلي ألف متر ويهيمن عليها اثنان من أقوي البراكين: البروز وكابيك.

ويمثل الشراكسة جزءا هاما من الحرس الملكي الأردني ولهم مكانة خاصة في الأردن منذ مجيئهم من حوالي 150 سنة بعد أن اضطروا إلي هجر بلادهم نهائيا. وقد رحل جزء منهم إلي القسطنطينية عام 1864 حاملين فوق سفن متهالكة جراحهم وأسلحتهم وأسرا ممزقة وتسرع الباب العالي بإرسالهم إلي الأردن وهنا تعايش أمهر فرسان العالم وهم فرسان الجبال مع البدو في وادي الروم.

ومنذ عام 1921 وبعد العديد من المراحل يبرهن الشراكسة علي وفاء كامل للأمير عبداللة الأول أمير الأردن وملك المستقبل حيث أنهم كانوا يعسكرون عند أبواب قصره وسعد الحاكم بوجودهم وولائهم ومن المعروف عنهم أنهم يتسمون بقوة هائلة وهم خير من يسيطر علي جيادهم ولا يرفعون سواعدهم إلا للشرب أو لتنبيه الفضوليين بأنه غير مسموح تعطيل أي حفل لهم أو مؤتمر أو النظر لواحدة من نسائهم. ومن المعروف أيضا أن المرأة الشركسية من أجمل نساء العالم وتتميز بصفاء وبشفافية بشرتها الناصعة البياض وجمال ودقة ملامحها.

واليوم وبعد140 سنة من الحياة في المنفي فإن الجالية الشركسية موجودة هنا ومتماسكة جدا في محاولة مستمرة لتغيير المنفي القديم إلي مصير هاديء وواعد.

إمارة الأردن أصبحت المملكة الهاشمية عام 1946 وأصبحت عمان عاصمة المملكة وامتزج الشعب القوقازي بالعديد من الشعوب.

حتي الآن لم ينسوا أبدا وهج الضوء المنبعث من 22 قمة ثلجية في سلسلة جبال القوقاز التي تشق السماء بارتفاع 5642 مترا حيث قمتها الشهيرة البروز. ولم ينسوا كذلك صهيل جيادهم ساعة الوداع. ولا يزال شباب الشراكسة يتميزون بالعيون الزرقاء والشعر الذهبي وهم ينتظرون بفارغ الصبر حلول أيام الأعياد والمناسبات القومية حيث يقوم الرجال بإظهار مهارتهم باللعب بالخناجر والمبارزة بالسيوف.

وفي نادي الجيل الجديد بالأردن اعتادت الفتيات الشركسيات الرقص أيام الخميس علي نغمات موسيقي غربية علي المنطقة التي أصبحت وطنهم الثاني فهناك دائما معلم يأتي من القوقاز للتعليم والتدريب علي الخطوات الرشيقة لأجداد أجدادهم ويؤكد كبار المسئولين في الجالية الشركسية أنهم مواطنون أردنيون صالحون ولكن ولا واحد منهم ينسي أبدا مسقط رأسه سواء عرفه أو لم يعرفه. وسواء كان اسم مدينته الأصلية ‘مايكوب’ (جمهورية أديج) أو ‘نالشيك’ (جمهورية الكبارد-بلقر) أو ‘شركس’ (جمهورية الكراتشي-شركيسك) أو ‘جروزني’ (جمهورية الشيشان). هم إذن يعيشون بانتماءين.

وفي عمان كما في باقي الأراضي الأردنية فإن الشراكسة أرسوا العديد من الخطوات الهامة للحفاظ علي هويتهم. وعلي سبيل المثال لديهم ثلاثة أعضاء نواب في البرلمان وهم يدافعون بقوة عن نشاط الجالية. ثم أنشأوا مدرسة وهي الوحيدة الخاصة بالجالية وتستقبل 75 تلميذا والتعليم فيها مجانا لغير القادرين. وللشباب ناد خاص حيث تنظم دروس في اللغة الشركسية ويضم قاعة انترنت وتقدم دروس في الرقص للشباب من الجنسين. وتم تأسيس جمعية صداقة أردنية شركسية تضم 4000 عضو وهي ترعي العديد من المشروعات.

ومنذ تأسيسها عام 1972 كما يقول مديرها ‘محمود نجعاوي’ تنوعت أنشطتها فهي تدير وتستثمر الأراضي التي يمتلكها الشراكسة في وسط عمان. وتثري المكتبة التي تضم 000،15 كتاب باللغتين الشركسية والعربية. وتقدم الجمعية أيضا الدعم المالي لحوالي 300 أسرة وفي خططها القادمة إقامة مستشفي وفندق خمس نجوم.

أما ‘ينال حانق’ مدير مكتب الأمير علي ولي العهد فإنه يصف مواطنيه بأنهم صائبو الرأي أمناء يحترمون الآخرين وسريعو الانفعال يتشاجرون عند نطق أول حرف من كلمة مهينة توجه إليهم. وهم من المسلمين الأتقياء (من السنة) يتحملون مسئولية تصرفاتهم.. وهم أردنيون يشعرون بالحنين للقوقاز ولكنهم أعضاء الحرس الملكي وأوفياء إلي أقصي درجة بحيث يثيرون الغيرة منهم ثم إنهم في منتهي النشاط والتعاون..

واليوم ماذا تمثل القوقاز للشراكسة وهم أردنيون من عدة أجيال متعاقبة؟

إن لديهم دائما هذا الحلم بالعودة إلي أراضي الأجداد والشعور بالحنين لطبيعة فريدة.. إن انهيار الامبراطورية السوفيتية ضاعف عندهم هذه الرغبة بالعودة وبعضهم حاولوا الرحيل منذ عام ..1993 ولكن بعد هدوء الانفعال الكبير بتحقيق الحلم والعودة إلي الأرض الأم وأسرة ينتسبون لها من بعيد.. كان لابد أن يواجهوا الواقع باكتشاف منطقة أهملتها موسكو من عشرات السنين.. دب اليأس في نفوس الكثيرين واضطروا إلي العودة ثانية إلي الأردن..

ق أما النائب في البرلمان ‘روحي شحالتوغ’ وهو شركسي وكان ضابطا كبيرا بالجيش الأردني أحيل إلي المعاش.. فيقول : ‘نحن ثلاثة نواب نمثل الأقلية الشركسية’ (100.000 مواطن منهم 20 % شيشان) في البرلمان منذ عام ..1929 وأنا هنا للدفاع عن مصالح الأردنيين من أصل شركسي والدفاع عن تراثهم ومطالبة الحكومة الروسية بتقديم الاعتذار لنفي الشراكسة في القرن التاسع عشر وكذلك المطالبة بالتعويضات المالية مع توفير حرية التنقل بين الدولتين وحق العودة بصفة نهائية إلي أرض الوطن الأم لمن يريد حتي وإن كان عددهم ضئيلا..

ولدى كل أسرة من الشراكسة رموز للقوقاز ففي منزل من منازلهم لابد من وجود العلم الشركسي ويتكون من 12 نجمة بعدد القبائل الشركسية وثلاثة سهام مرادفة للسلام: سهم للدفاع والثاني للصيد، والثالث في حاله.. ومن الضروري وجود ال ‘قالباك’ وهو غطاء الرأس من الفراء الاستراكان والخناجر..

وفي الزرقا وهي من الضواحي النائية في عمان يعيش ‘عدنان بزادوخ’ وهو مدير تجاري في مصنع للصلب ويعتبر الحافظ الأمين علي أرشيف الجالية رغم ضآلة الامكانيات.. وهو يجمع من هنا ومن هناك وثائق الأمس واليوم.. ولديه أرشيف صور يرجع تاريخه إلي وصول أول الشراكسة إلي عمان وكانوا قد اختاروا مقرا لإقامتهم أرض المسرح الروماني ويسع ل 6000 فرد ويحتفظ أيضا ببعض المقالات التي نشرت في صحيفة الأردن وهي ملحق لصحيفة ‘جيروزاليم ستار’.

ويعلق بقوله: ‘أدركت أهمية الذاكرة من 20 سنة بالحديث مع أحد القدماء لقد أرادوا أن يشهدوا علي الاحداث قبل وفاتهم، ومن القوقاز جاءت ‘آسيا يوتيخ’ وزوجها أرسلان ثورطاف، ونزلا في ضيافة الأمير علي وهي تعمل في مدينة ‘مايكوب’ حيث تقوم بصياغة مجوهرات طبقا لرسومات ترجع إلي ألفي عام كما تعد صناعة أسلحة من الذهب والفضة مثل الخناجر والسيوف الخاصة بأربعة عشر من أفراد الحرس الملكي..

ولم تتنازل الجالية الشركسية عن أهم العادات والتقاليد المتوارثة ومنها علي سبيل المثال: أن الرجل يوم زفافه يقوم بخطف عروسه ولكن لم يعد يحملها فوق صهوة جواده وإنما في سيارة وفي وضح النهار ويطلب صديقتين للعروس لصحبتها في هذه المغامرة، ولكن لم تعد المرأة تلجأ إلي الشرائط العريضة لتضغط بها علي صدرها لإخفاء مفاتنها.. ولا وجود لتعدد الزوجات..

وعلي الرغم من الانتماء الكامل للشراكسة داخل المجتمع الأردني إلا أنهم لم يفقدوا شيئا من تراثهم وثقافتهم. فهل يرجع السبب إلي أنهم كبروا وفكرة واحدة تسيطر علي تفكيرهم : أنهم في يوم سيغادرون الأردن للعودة إلي القوقاز.. أي أرض الوطن الذي طردوا منه ظلما؟ ولم يستطع أحد من الأجيال المتعاقبة الإجابة علي هذا السؤال.. وبالتالي اختاروا، أن يعيشوا والأردن في قلوبهم والقوقاز في أرواحهم..

وجدير بالذكر أن الأمير علي بن الحسين ولي عهد الأردن في عام 1998 نظم رحلة لمدة شهر ونصف إلي القوقاز كنوع من التكريم والامتنان لهذه الجالية والدفاع عن تراثها.. وذهب ولي العهد علي رأس 12 فارسا من الشراكسة عبر الأردن وسوريا وتركيا قبل الوصول إلي القوقاز وتوقفت الرحلة في عدة مدن مثل ‘مايكوب’ و’نالتشيك’ حتي يبلغوا سفح جيل البروز. كانت الرحلة مثيرة للغاية واستقبلهم الأهالي بحفاوة بالغة.. والأمير علي يهتم بنفسه بتراث الشراكسة بتعلم لغتهم وبتلقي دروس في رقصاتهم الفلكلورية فهي جزء لايتجزأ عن تراثهم..

http://www.akhbarelyom.org.eg/akhersaa/issues/3647/0400.html


Share Button

اترك تعليقاً