…مجموعة العدالة لشمال القوقاز: إلى الشراكسة من المنفى

إلى الشراكسة من المنفى…

 

شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرحلة جني الثمار لعشرات لا بل مئات السنين من نثر البذار وزراعة وغرس الشر والقتل والكراهية والجشع والتطهير العرقي  والإبادة الجماعية. “الحرب الروسية القوقازية” كانت تقترب من نهايتها، ومشاهد الدمار والحريق والنهب والقبور والمقابر الجماعية والتشريد بالجملة والترحيل الجماعي للأمة الشركسية، بالإضافة إلى أمم أخرى في شمال القوقاز، والتي وصلت ذروة الشر والأذى فيها إلى الوقت الذي تم فيه وقف الحرب رسميا، وهو 21 مايو/أيار من عام 1864.

 

بدأت نهاية الإمبريالية في العالم لتكون في بداية القرن العشرين، عندما حاولت بلدان مثل بريطانيا العظمى وفرنسا الإبقاء على مستعمراتها، وتوازى ذلك مع اتجاهات ومطالبات لإنهاء الاستعمار، واستعادة الاستقلال الوطني والتحرر والحرية،  بالإضافة إلى إدانة القمع والاحتواء. إن نضال الدول الخاضعة من أجل السيادة الوطنية ومن أجل أن تقوم الشعوب بحكم بلدانها، مثل أيرلندا في أوروبا، فضلا عن الإصرار لحكم الذات في مستعمرات مثل الهند، وعشرات من الدول التي تقع حسب الوصف بِ “العالم الثالث”، الأمر الذي أدى في بعض الأحيان إلى إشتباكات ومواجهات، كثيرا ما أدّت إلى نهايات فظيعة، ولكن مع نتائج وإنتصارات وطنية.

 

إن الدور الفعال لمكافحة الأمبريالية ومناهضة الاستعمار المشار إليه،  في جميع أنحاء العالم، لم يتمكن في البداية من إختراق السّتار الحديدي السوفياتي، الذي كان لا بد من تحديه قبل نهاية القرن العشرين من جانب الشعوب والأمم، والذي أدّى إلى تدمير ما يسمى بإمبراطورية الشّر السوفياتيّة، وقد تحررت دول أوروبا الشرقية التي كان مهيمنا عليها عسكريا واقتصاديا، الى جانب كل هؤلاء الذين كان ينظر إليها في واقع الأمر، كمستعمرات وتابعين لما سمّي بجمهوريات الإتحاد السوفياتي الخمسة عشر (والتي كانت في الواقع نظاما يديره الروس تحت عنوان سوفياتي برّاق)، والذين كانوا يدورون في فلكه المصطنع. وفي الوقت نفسه، فإن الدعوات إلى الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال،  لم تتمكن من أن تؤثر على شهوة النهم والجشع التي عملت على إبقاء الأحداث تحت السيطرة المركزية من قبل الكرملين فى موسكو، التي حكمت هؤلاء الأتباع وفق منهج القبضة الحديدية وبطريقة لم يسبق لها مثيل، التي كان لها منظومة للوصول إلى جميع الذين يمكن أن يفكروا  في الحصول على أي نوع من الحرية، وذهبت إلى أبعد من ذلك كما وصف تعليق ظريف بأنهم “يحصون على الناس أنفاسهم”. ويجدر أن نذكر في هذا الجانب أن الاتحاد السوفياتي استخدم التظاهر بأنه يقف إلى جانب الامم المستعمرة من قبل الدول الإستعمارية الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا، وأيّد دائما مطالب كهذه في الأمم المتحدة، بل وذهب إلى مدى تقديم التدريب العسكري والأسلحة لهؤلاء الذين عملوا من أجل التحرر والاستقلال لأممهم، مما يدل على وجود ازدواجية ونهج الكيل بمكيالين، التي من شأنها أن تذكر في المثل الشهير: “مارس ما تبشر به”!

 

النفاق كان ولا يزال، اسم اللعبة للسلطات الإستعمارية الروسية المتعاقبة منذ ايفان الرهيب عند الموسكوفيين عبر القياصرة الروس ثم القادة الشيوعيين السوفيات حتى الوصول الى ما يسمى حاليا بالإتحاد الروسي. في واقع الحال فإن الإتحاد يشكل تحالفا بين نخبة من حكام وزعماء المناطق والأقاليم (التي يسكنها نحو 120 أمة مستعمرة)، ومعظمهم عل اتصال وثيق بِ “جهاز الكي جي بي / إف إس بي (KGB/FSB) السوفياتي/الروسي”، الذين هم جميعهم عينوا من قبل نظام ديكتاتوري مركزي مع رؤسائهم الذين فوضوهم لهذه الخدمة، حيث أنه لا علاقة لذلك بالمعنى الحقيقي للفيدرالية، لأن الوصف لم يتطور أو يجيئ نتيجة لتطور وتقدم ديمقراطي حقيقي، لكن كان المعني من ذلك اختيارا لعنوان مزخرف ومثير للإعجاب.

 

إن الدخول الروسي في وقت مبكر إلى لعبة الإمبريالية لا يدرأ الاتهام ولا يعفي الدولة الروسية من المسؤولية الأخلاقية والإنسانية من ترك جميع المستعمرات التي تحتلها بالقوة العسكرية وشأنها، بدءا من دول شمال القوقاز، والسماح بحرية الاختيار، وحق تقرير المصير لجميع الشعوب المظلومه من قبل روسيا، الأمر الذي يتطلب من السلطات الروسية حل جميع المشاكل، والأضرار والعواقب المتأتّية من الحروب غير المتكافئة ضد الأمم المحتلة، وخاصة الامة الشركسية الذي اتخذت مثالا في هذا السياق، ونظرا لللذكريات المأساوية الكارثية المترتبة على الجرائم التي ارتكبتها القوات الغازية المجرمة. أيضا، ومن ناحية أخلاقية، إذا ما كانت روسيا تعتزم أن تكون جزءا من العالم المتحضر، فإن الشعب الروسي ينبغي أن يمنح الحرية والمساواة في الحقوق المدنية لجميع المواطنين على حد سواء وفقا للقانون، وبالمعنى الكامل للكلمة.

 

إن محو شركيسيا من على وجه الأرض غير ممكن وغير مجدي، لأن أمة متميزة وقديمة وعريقة ومتجذرة ومتأصلة، وبحضارة وثقافة ولغة ذوي امتداد لأكثر من 6000 عام، هي لا تزال قائمة بعد كل المخططات الشريرة والشيطانية وتنفيذ الغزو العسكري والاعمال الإجرامية وغير الأخلاقية، لغرض الإبادة التي لم تنجح.

 

إنه عين الصواب أن الشركس كان يتراوح تعدادهم بين ثلاثة الى أربعة ملايين نسمة في القرن التاسع عشر، عندما كان إجمالي عدد سكان مصر في ذلك الحين هو نفس العدد من السكان تقريبا، وبالنظر إلى تعداد الشركس الآن مقارنة مع المصريين نجد أن إجمالي عدد السكان الشركس في الوطن والشتات (أكثر من 30 بلدا)، هو فقط 10 ٪ تقريبا من عدد السكان في مصر!

هل يستدل من ذلك على أي شيئ من أي صفة كانت؟

هل يشير ذلك إلى وجود جريمة من أي نوع ضد الشركس ووطنهم؟

هل أن خبث إزالة شركيسيا من الخارطة  (معتقدين بأنهم مزيلون شركيسيا من على وجه الأرض) لتحل محلها عناوين وأسماء أخرى مصطنعة وغير شركسية، تتعلق بأي مبادرة روسية صادقة تجاه هؤلاء، شراكسة “العالم الشركسي”، الذي يمتد بين الوطن والشتات، والذين خدعوا وتعرضوا للخيانة من قبل العديد من الجهات؟

ما هو مستقبل كل المماطلة والتبرير اللذان تقوم بهما السلطات الروسية بشأن الاعتراف بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي؟

هل يمكن لقرار عقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014  في سوتشي الشركسية، بادرة طيبة تجاه الشركس والأديغة؟

كيف يمكن لبناء المنشآت الأولمبية المرتقبة بعد تسوية وتسهيل المنطقة التي تحتوي على مقابر الشراكسة البواسل الذين قضوا نحبهم خلال دفاعهم المشروع عن شعبهم ووطنهم، ستجعل كل من كان وراء هذا القرار غير المنطقي، أن يعيش من دون الشعور بالذنب، عند أذلال كل هؤلاء الذين قتلوا والذين ما زالوا على قيد الحياة في حين أن القضايا الأساسية من إبادة جماعية واحتلال وحق تقرير المصير لم تحل بعد؟

هل الرقص وممارسة الالعاب الأولمبية الشتوية على عظام وجماجم الموتى الشركس الذين دفنوا في ميدان المعركة، حيث اشتبك الغزاة الروس مع المدافعين، من أجل الإستيلاء على وطنهم، بركة للألعاب والحضارة؟

إلى متى ستبقى شركيسيا “فاقدة لشأنها بسبب الأبادة الجماعية”، حيث راقب العالم السفاحين من القوات القيصرية الروسية يوقعون أعمالهم الإجرامية خلال الحرب الروسية-القوقازية التي انتهت في أيار / مايو 1864، ومتى ستكون هناك أمور هامة سيتم التعامل معها فيما يتعلق باستعادة الحقوق الشركسية المنسية؟

متى سيتم التعامل مع المسائل الهامة فيما يتعلق باستعادة الكرامة الشركسية، وذلك وفقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

إنه لمن المناسب للشراكسة أن يقوموا بالإجابة على هذه التساؤلات المذكورة، لأن النمط الروسي في الرد الشكلي لهو معروف جيدا لجميع الذين يتابعون سياساتهم وخدعهم وحيلهم عبر السنين!

 

ينبغي أن تولد شركيسيا من جديد؛ الحقوق يجب أن تعود وتستعاد ويحافظ عليها. شركيسيا بحاجة للاعتراف بها وكذلك إلى حريتها وإلى استقلالها. يجب على أوروبا والعالم المتحضّر ان يكونوا ملتزمين التزاما أخلاقيا لبذل الجهود لتفعيل تصفية الامبريالية الروسية في أوروبا، وقمة جبل البروز (Albros) هي أعلى قمة في القارة الأوروبية، وهي تقع في شركيسيا. إن دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي على عظام وجماجم الشركس الشجعان، ينبغي أن تلغى. يجب أن تتحقق العدالة ضد المعتدين ضد شركيسيا وغيرها من الأمم المستعمرة من قبل روسيا، وكذلك ينبغي أن تنشر الوثائق الحساسة في المحفوظات (الأرشيفات) القيصرية حتّى يستطيع العالم قراءة ومعرفة الأخطاء الروسية التي كانت مدونة من قبل جنرالاتهم المدلّلين والمجرمين!

إن نهاية الإستعمار هو الاتجاه المفضّل في جميع أنحاء العالم، ويوما ما ستستيقظ الأمم المستعمرة المرعبة على واقع الأمر، وذلك من أجل استعادة الكرامة والحرية وحق تقرير المصير والتخلص من القهر والإحتواء.

 

إيجل

20 مايو/أيار 2009

 

مجموعة العدالة لشمال القوقاز

 

 

Share Button

اترك تعليقاً