الرأي: رسول حمزاتوف

رسول حمزاتوف

rasool

بلاد كثيرة ووطن واحد.. تختلف الصورة إذا كان ذلك الوطن هو القفقاس وخاصة في قسمه الشمالي الذي يقطنه الأديغة و الشيشان والأبخاز، وبرغم كل الأساطير القفقاسية الكبيرة وكل أشعار الحماسة والمراثي التي بذلها القفقاسيون أثناء حروبهم الشجاعة للحفاظ على الأرض من الأطماع الروسية والفارسية، تبقى أشعار رسول حمزاتوف هي الأكثر حضورا في الذاكرة الإنسانية، حضر المقاتل القفقاسي في الأدب الروسي كثيرا، ولكن الإنسان القفقاسي لم يحضر أبدا كما كان في شعر رسول، نقيا كماء الثلج ودافئا كشمس تأتي بعد غياب، لا شك أن القفقاس شوق من الأرض للفردوس تجلت فيه صفة الجنة، ولكنها تصبح أجمل بكثير عندما يغني رسول.
ولد رسول حمزاتوف أو رسول حمزة تساداسا في واحدة من قرى داغستان سنة 1923 وكان والده شاعرا شعبيا، وبرغم أنه تلقى تعليما في معهد مكسيم جوركي مكنه من إتقان اللغة الروسية كأبنائها، إلا أنه أصر على أن يكتب شعره باللغة الأفارية التي بقيت لغة الأغنيات في بلاده أثناء فترة الحكم السوفييتي الذي سعى لتفكيك الثقافات المحلية، وكان حمزاتوف شاعر الحب والوطن بلا منازع، صحيح أنه لم يحظى بالشهرة العالمية لناظم حكمت أو بابلو نيرودا ولكن إذا كان الموضوع يرتبط بالحب أو الوطن وبالتأكيد حب الوطن فإن كل المنجز الشعري في القرنين الفائتين سيكون في كفة، وما أنجزه ذلك الداغستاني الطيب يرجح في الكفة الأخرى.
بقي حمزاتوف يعيش حياة هادئة بعيدة عن الأضواء في عاصمة داغستان، ولم تجذبه كل ما تحمله موسكو من بريق بالنسبة للأدباء والفنانين، وعلى قربه من الحزب الشيوعي إلا أن وطنه كان يمثل دائما الأيقونة الأغلى، لذلك لم يكن حلم العدالة الاجتماعية والحرية مبنيا على الفكر الشيوعي ولكن على تراثه الإنساني الحضاري القادم من روح الحرية المنطلقة في القفقاس والرفض الغريزي للظلم والقهر، فكان حكيما بقلب شاب يعتبر شجاعة الرجل هويته الحقيقية التي يجب أن تظل للوطن والحب، كما استطاع أن يحافظ على حسه الديني في بعده الثقافي والتاريخي، وصحيح أنه بم يكن متدينا بالمعنى الشائع ولكنه تمسك بالموروث الديني وكان يقول ” يا للشيطان ، أي شاعر أنا
إذا لم تبتهج روحي معنى القرآن الكريم”، وكان ينادي بمفهومه الخاص في الحياة ويغني: ”شعار جمهوريتي يقول : يا عشاق العالم اتحدوا ! ” .
رحل رسول سنة 2003 في موسكو بعيدا عن مدينته الحبيبة محج قلعة عاصمة داغستان، وربما لم يفجع بغيابه العالم كمثل الشعوب القفقاسية والعربية، ذلك لأن الروح في مواجهة الجبل ومواجهة الصحراء دائما ما تحمل ذلك التوق المؤرق للحرية.
 

 

Share Button

اترك تعليقاً