هل جاء مؤتمر تبليسي متأخرّا؟
على اعتبار أن الأعمال تقاس بنتائجها، فإن أي نشاط أو حدث سيكون مدلوله أو أهميّتة يكمن فيما ينتج من متغيرات على أرض الواقع، بحيث تؤثر إيجابيا أو سلبيا على مجريات الأمور بشكل نسبي أو كلّي، وينعكس ذلك على الفائدة أو عدمها والتي تجنيها قضية ما بسبب التاثيرات المكتسبة من المواضيع التي تثار من قبل أصحاب الإختصاص خلال جلسات العمل.
إن الجمود الذي أحاط بالقضية الشركسية طوال ذلك الزمن الرديئ، وظهور بوادر وتوجهات إيجابية في السّنوات الأخيرة للبدء في ايصال القضية الشركسية للمحافل الأوروبية والدولية لهي إشارات واضحة لكل من يعي حجم المأساة الشركسيّة، بأن حقوق الأمة الشركسية ثابتة راسخة، ويجب استعادتها غير منقوصة وهي غير قابلة للتصرف من قبل أي طرف أو جهة إن لم تحقق تسوية القضية، تسوية شاملة، ليُعطَى كلّ ذي حقٍ حقّه، وبالإنصاف.
إن الوقت يمر والشراكسة يذوبون وينصهرون في المجتمعات التي يعيشون فيها، وهذا بحد ذاتة ما تراهن عليه هذه الجهات وإنّه ليس مستغربا بأن يوصف الوضع الشركسي من قبل البعض بهذه اللوحة الضّبابية أو الوصف الإستهتاري نتيجة لقوة وقع الأنباء المتسارعة، والسبب هو أنه وبعد مرور أكثر من مائة وخمسة وأربعون عاما على النّكبة الشركسية برز الشأن الشركسي بهذا الوضوح وبهذه القوة، وبداية على المواقع الألكترونيّة التي جاءت لتكون إحدى ثمرات التّطور المثير للإهتمام في انتشار تكنولوجيا المعلومات والإتّصالات والتي أخذت على عاتقها معالجة معضلة انتشار الشراكسة في أكثر من خمسين دولة من دول العالم مشرّدين عن أرض الوطن، فيما نجد أهلنا الشرفاء الذين يعيشون في الوطن لا يزالون يقبضون على الجمر وهم يواجهون عنف وغطرسة الجلّاد الروسي الذي لا يزال يحتل الأرض الشركسية ولم يصل في مستواه الفكري والأخلاقي إلى مستوى العقلاء الذين يتصرّفون بطريقة حضارية، وهم الّذين يولون شؤون حقوق الانسان أهمّية تلائم ما وصلته الحضارة الإنسانيّة، ويساعد المحتل الروسي أناس من بني جلدتنا وقد تنكّروا لكل القيم والأعراف والمبادئ الإنسانيّة وعملوا لخدمة المستعمرين والإنتهازيّين، والتّآمر من خلال دعم وتشجيع إبقاء الأغلبيّة الساحقة من الأمة الشركسية خارج الوطن من خلال العناوين الفضفاضة والأساليب المشبوهة التي يروّج لها الكثيرون وذلك للعمل على إضفاء الشرعية على السياسات الإقصائيّة عن الوطن الشركسي، لتصبح الحد الاقصى الذي يمكن للشراكسة أن يحصلوا عليه و”فقط في المنفى”، في ديار الإغتراب، حيث تقوم الأجهزة الروسية المختلفة وبالتعاون مع بعض المؤسّسات الشركسيّة والأفراد في متابعة وتطبيق هذه الإجراءات.
وحتى نكون منصفين وبعيدين عن حالة “جلد الذّات”، فأنّه يجب أخذ الامور بطريقة عقلانيّة ويجب أخذ النّقاط التّالية بعين الإعتبار:
إن الشّراكسة ومنذ تهجيرهم القسري عن الوطن نتيجة لحرب الإبادة الروسية، باتوا يفكرون في العودة سواء هم أو أبنائهم وأحفادهم إلى الوطن المحتل حين زوال الأسباب التي أدّت إلى الإبتعاد عنه.
لم يتوانى الآباء والأمّهات في غرس حب الوطن في القلوب والعقول ولم ينسى الشعراء والكتاب والأدباء الملتزمون ذكر الوطن في أعمالهم الأدبية، كل ذلك لألّا تنقطع أواصر الود والحب والتفاني مع وطنهم الأم.
إن تأسيس المؤسسات والجمعيات الشركسيّة المختلفة في أماكن تواجد الشركس وعند تمكّنهم من ذلك، حصل للإبقاء على التواصل بين أبناء الوطن الواحد متّحدين وجاهزين لمساعدة بعضهم بعضا في كل المناسبات والظّروف.
أمّا بخصوص مشاركة الشّركس أو بعض من الشراكسة بمؤتمرات أو لقاءات، فيمكن ذكر بعضها على سبيل المثال وليس الحصر فيما يلي:
عمل الشركس على تاسيس الجمعية الشركسية العالمية في تسعينيات القرن الماضي من أجل المطالبة بالحقوق الشركسية، لكن للأسف عمل عملاء المخابرات الروسية على التغلغل بها واستقطابها ونقل مركزها إلى نالشيك وتغيير أهدافها، لا بل زادوا على ذلك بجعل رؤسائها والعاملين الرئيسيين بها من التابعين بأشكال متفاوتة لأجهزة المخابرات والقمع الروسية.
لأن شركيسيا هي عضو في منظمة الأمم غير الممثلة في لاهاي فإن الشركس شاركوا ويشاركون في إجتماعات ونشاطات المنظّمة.
شارك شراكسة في تأسيس الجبهة الدولية لمناهضة الإمبرياليّة في أوكرانيا في عام 2007.
بتاريخ 21 مايو/أيّار 2007 شارك الشراكسة في مؤتمر تخصّصي نظّمته مؤسسة جيمستاون عن ماضي وحاضر ومستقبل الشركس.
عقد الشركس مؤتمرات وندوات هامة عن القضية الشركسية في جامعة هارفارد وجامعة وليام باترسونفي شهر نيسان من عام 2008.
عقدت ندوة في الجمعية الخيرية الشركسية في عمان/الأردن بتاريخ 20/5/2009 و تحدث خلال الندوة متحدثين إثنين عن موضوعين، الأول بعنوان الحراك الشركسي بين شمال القوقاز والشتات والثّاني بعنوانالمركز القانوني للشركس.
شارك الشركس بمؤتمرعقد في البرلمان الفنلندي في 25 و 26 مايو/أيّار 2009.
وآخر مؤتمر شارك به الشركس بالإضافة إلى آخرين من قوميات قوقازيّة أخرى هو مؤتمر تبليسي، والذي أتت نتائجه حسب الطموحات والآمال التي توقّعها الذين شاركوا في الأعداد والتنظيم للمؤتمر، ودلّ ذلك بأنّه لم يفت الأوان لعقد هذا المؤتمر العتيد، الذي طال انتظار إقامته في أيّ مكان كان، لكن جاء ليحقّق الطّموحات الّتي دأبت على الـتّمني بأن يعقد على أرض قوقازيّة، فكان ذلك.
بقي أن نقول وأن نحث جيلنا الشاب على العمل الهادف من دون أنانيّة أو نزعة فردية أو تقليد لمن يعملون وفق نزعة أنانيّة والتي بالنتيجة قد تأتي لتكون ضد المبادئ الأساسية لتنسيق الأنشطة المنهجيّة والمؤسسية، بحيث تبدو للناظر المستقل على أنها فشل فريق العمل لمشروع ما، والّذي بالنّتيجة يساعد في إحباط الكثيرين. يجب العمل والإقتداء بأولئك الشباب من رجال ونساء والذين انتقلوا إلى مختلف الوجهات في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا والشرق الأوسط، وأخيرا وليس آخرا، إلى العاصمة الجورجية تبليسي من أجل شرح وتوضيح مأساة أمتنا، ومن أجل المضي قدما في مساعدة أولئك الذين يقفون بصلابة في دعم “قضيتنا النبيلة”، من خلال طريق طويلة لإستعادة الحقوق الشركسية المشروعة.
وعلى شبابنا (مستقبل أمتنا) تجاهل المدخلات السلبية لبعض الأفراد الذين يحاولون فرض انفسهم على المجتمعات الشركسية، التي من شأنها أن تشير إلى الأنانية وعلى الأداء الذاتي وحب الذّات، وبالتّأكيد فإنه لا يوجد عاقل يستطيع السيطرة على حواسه يسمح لذلك بأن يحدث:
تعيّشوا واتركونا،
دعونا نعيش ما دمنا أحياء!
لقد أتعبتمونا…
لذلك، ابتعدوا عن ظهورنا!
وتوقّفوا عن استخدام أجسادنا،
جسور وصل لطموحاتكم!
ولدى انجلاء الحق،
سوف يقود الإيمان طريقنا…
إيجل