المحاضرة الأولى من سلسلة (أن تعرف قضيتك): مدخل للتاريخ الشركسي الحديث للأستاذ جميل اسحاقات

المحاضرة الأولى من سلسلة (أن تعرف قضيتك): مدخل للتاريخ الشركسي الحديث للأستاذ جميل اسحاقات

مدخل للتاريخ الشركسي الحديث جميل اسحاقات

أودّ قبل أن ابدأ حديثتي أن أتقدّم بالشكر والامتنان للأستاذ الدكتور والتر ريتشموند على الجهد الكبير وعلى السنوات والأشهر التي أمضاها في البحث والتنقيب ودراسة وتمحيص الوثائق ، وعلى موضوعيته وحياديته وحسّ المؤرخ المرهف الذي استطاع من خلاله أن يتلمّس الحدث وتأثيراته وبشكل خاص على الجانب المظلوم ، أودّ أن أشكره على إصداره هذا الكتاب المتميّز شمال غرب القفقاس : الماضي والحاضر والمستقبل الذي استطاع فيه أن يتلمّس وبحرفية المفاصل المهمة في التاريخ الشركسي ، وأن يركّز على كثير من المفاصل المهمّة التي حاول غيره من المؤرخين تجاوزها ، أودّ أن أشكره على صدقه وحياديته وعلى صبره وعلى محبته للأمة الشركسية التي درس تاريخها . وهو الآن بصدد إصدار كتاب آخر عن الإبادة التي تعرّض لها الأمة الشركسية .

هذه المحاضرة باكورة مجموعة من المحاضرات التثقيفية عن القضيّة الشركسية لذا ارتأيت أن من الأفضل أن تكون إطلالة على التاريخ الشركسي المعاصر ، وجولة عامة نحاول أن نتعرّف من خلالها على أهم مفاصل تاريخنا المعاصر دون الدخول في التفصيلات . وسأتحدّث عن عصور ثلاثة هي : العصر القيصري والعصر البلشفي وعصر الفدرالية الروسية الحديثة ( أي ما بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي).

تعلمون أن المنطقة التي احتلتها القيصرية الروسية هي ما كان يعرف بشركيسيا ، وهي المنطقة الممتدة على طول شواطئ البحر الأسود ابتداء من شبه جزيرة تامان شمالا وحتى الحدود الجورجية جنوبا ، وتمتدّ من هناك شرقا لتشمل السفوح الشمالية لجبال القفقاس ومنابع نهر الكوبان العظيم وأوديته المختلفة ، أي تلك المنطقة المعروفة باسم الحوض الجنوبي لنهر الكوبان ، وتمتد شرقا لتشمل المنابع العليا لنهر التيرك والسهوب الممتدة شمالا والمعروفة باسم سهول القبردي . هذه هي أرض الاديغه التي احتلتها القيصرية الروسية بعد حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس وأنهكت الإنسان الشركسي ، وأصابت هيكله الديموغرافي بجروح بالغة حتى اضطرت غالبية أهلنا للهجرة ، لتبدأ الدولة الروسية من بعد إلى مصادرة الأرض وتوزيعها على ضباط الجيش الروسي وجنرالاته ، وعلى الأمم المختلفة التي وفدت إلى المنطقة وبشكل خاص من السلاف والقوزاق

1 – لن أدخل في التفصيلات ، فقط للمقارنة : كانت حصة قائد الجيش الروسي في منطقة القفقاس64800 ايكر في حين كانت حصة العائلة الشركسية الممتدة 19 ايكرا ، مع اختلاف نوعية الأرض ، فكانت الأراضي الممتازة تعطى للمحتلين وتعطى الأرض الهامشية أو التي تعرف بالحدّية لأصحاب الأرض الأصليين ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد كان هذا التوزيع غير ثابت ، وكان يعاد النظر فيه كلما زاد عدد السلاف والقوزاق الوافدين ، وفي كل مرّة كان أهل البلاد يدفعون للمناطق الأقل خصوبة ، أو بمعنى آخر كانوا ينزعون الأرض من أهلنا بعد أن يقوموا باستصلاحها ويمنحونها للوافدين ليرحّلوا هم من جديد إلى مناطق قاحلة وغير مستصلحة . ولتبيان الوضع حصل القوزاق مثلا في منطقة بيطالبشنكي على 12019 كيلومتر مربع من أصل الأراضي الصالحة للزراعة ومساحتها 26224 كيلومتر مربع أي على 46% من أراضي الشراكسة ، وحصل الجنرال يفديكيموف على 28782 ايكرا ، وفي مناطق أخرى حصل 300 قوزاقي على أراضي تزيد مساحتها عن مساحة ما خصص ل 4000 عائلة من أهلنا . هذا عدا عن القوانين الجائرة التي كانت تطبّق على أهلنا مثل قانونEkzekutsia التي كان يحق بموجبها للقوى العسكرية احتلال أية قرية والاستيلاء على أراضيها وممتلكات أهلها ، وكان الاحتلال يمتد في بعض الأحيان إلى شهور تستباح فيها القرية .

لعل الظاهرة الايجابية التي شهدتها المنطقة وإن رافقها كثير من التوتر ( تحرير العبيد ) فقد ألهبت كلمة التحرير آمال الفلاحين في شمال القفقاس وزادت التوتر الطبقي فيها . وكان الأرستقراط القبردي الخائفين على ممتلكاتهم في كانون ثاني 1866 على أبواب ثورة مفتوحة عالجتها الدولة الروسية بنفي عدد من الأرستقراط إلى الداخل الروسي ، ثم استجابت لاسترحام عدد من السادة (أنّ حرماننا من عبيدنا وبشكل خاص خدم المنازل سوف يعرّضنا لموقف صعب وسيتسبب في فقرنا ) وذلك بحجة أنّهم استثمروا أموالا طائلة في شراء العبيد فقرّرت الدولة أن يعرض على العبيد شراء حريّتهم بمبالغ يتفاوض عليها بين العبيد وملاكهم ومع هذا لم يبدأ التحرير إلا في أيّار 1866 وذلك بعد أن شهدت المنطقة ثورة عنيفة ، وعلى كل حال أجبر من يريد استرداد حريّته من الذكور على العمل أربع سنوات لصالح سيّده ومن النساء خمس سنوات ، وبشكل عام كانت نتائج التحرير كارثية فقد حطّمت شروط التحرير الصعبة وشراء الحريّات أحوال الفلاحين الاقتصادية وأصبح حالهم أسوا من أيّام العبودية .

أمر الكساندر الثالث سنة 1882م بضم شمال القفقاس لتحسين أحوال الناس فكانت النتيجة أن انتشرت البيروقراطية ، والغريب أنّ إجراءات الدولة التي كانت تدّعي أنّها احتلت المنطقة لنشر الحضارة بين الجبليين أثّرت سلبا على السكان الأصليين ، ولم تحسّن ظروف معيشة الناس فحتى سنة 1913 لم يكن في المنطقة سوى مستشفى واحد ، بل أن السياسة القيصرية سنة 1914 كانت تدفع بالمنطقة إلى أتون الحرب الأهلية فقد بقي موضوع توزيع الأراضي مسألة أساسية ، وتزايد فقر السكان ألأصليين لنقص الأراضي القابلة للزراعة وعدم قدرة الفلاحين الروس على استثمار الأراضي التي منحت لهم فتناقص إنتاج الغذاء بين عامي 1891 – 1913 بنسبة تزيد عن 1500% ، وتزايد التمرّد على سلطة الدولة ، فقد رفضت قرى الشراكسة دفع الضرائب ، واستولى الفلاحون على أراضي الأرستقراط كما تمرّدت الكتائب القبردية في فرقة التيريك – كوبان في تشرين أول 1904 عندما أمرت بالانتقال للجبهة اليابانية ، وسيطرت جماعات من المتمردين على مدينة نالتشك سنة 1905 مدّة شهر.

قامت الدولة بعدّة حملات تأديبية في مناطق القفقاس المختلفة سنة 1906 وألقت القبض على أعداد كبيرة من السكان الأصليين ، وقد أدّى هذا إلى موجة جديدة من الاحتجاجات ، ففي 29/5/ 1913 قام السكان بالزحف على مراعي زولسك وعبر حوالي 3000 محتج نهر مالكا في الأوّل من حزيران للاستيلاء على الأرض بالقوّة ، إلا أنّ قوّة عسكرية ردّ تهم وأجبرتهم على دفع تكاليف القوّة العسكرية؛

وهنا لابدّ لنا من أن نشير إلى أنّ السلطات القيصرية حاولت استخدام التعليم كوسيلة من وسائل صهر شمال القفقاس بالدولة الروسية ، وفتحت مدارس عدّة لتعليم السكان الأصليين ، ونجحت المدارس في تكوين نواة أدبية عند الشباب الشركسي الذين حاولوا رفع مستواهم الأكاديمي وساهموا في نشر التعليم في مجتمعاتهم ، وكانوا من النضج بحيث أسسوا جمعيات للمثقفين الشراكسة وألفوا الكتب ووضعوا قواميس وكان أوّل قاموس هو القاموس الذي وضعه محمد أبزاخ ،هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تصدّى رجالات المؤسسات الإسلامية لجهود الدولة الرامية إلى استخدام التعليم وسيلة لصهر المجتمعات الشركسية في المجتمع الروسي وعملوا على الحيلولة دون انتشار التأثيرات الروسية على أسلوب حياة المجتمعات المحلية ، حتى وصل عدد المدارس الدينية إلى 97 مدرسة مقارنة بعدد المدارس الحكومية الخمسين .

وبشكل عام فشلت الدولة القيصرية في استيعاب القفقاس ، واستخدمت مزيجا من الإجراءات العسكرية والمدنية لإستيعاب هذه الشعوب وطمس هوياتها الوطنية ، وكان هناك نقص واضح في قدرة الدولة على تلبية حاجات أهل القفقاس الاقتصادية وفشلت الدولة في تطوير المنطقة صناعيا كما فشلت في تحسين الأحوال المعيشية ، وعمل سوء توزيع الأراضي على خلق العداءات الاثنية وعلى تأجيج العداءات القديمة كما ولّدت أحقادا جديدة .

العهد البلشفي

لا بدّ لنا من أن نلاحظ أنّ العهد البلشفي كان وبالا على الأمة الشركسية ، فإن احتلت القيصرية الروسية الوطن وانتزعت الإنسان الشركسي من أرضه ومسكنه ، فإنّ البلاشفة دمروا هذا الإنسان من الداخل وعاملوه بكثير من القسوة ، وتتفننوا بإيذائه وعرّضوه للتصفية العرقية ، نعم أقاموا كيانات سياسية للشراكسة ولكنهم عملوا على أن تكون كيانات قزمية .

حاول البلاشفة حل مشكلة توزيع الأراضي في المؤتمر الثاني لمحافظة التيريك في شباط 1921 في فلاديكفكاز ، وهنا تشكلت مصيبة أخرى للأمة الشركسية فبعد أن استولت القيصرية على أراضي الشراكسة بدأت في هذه الفترة عمليات تقزيم الكيانات الشركسية وقضم الأراضي التابعة للأمة الشركسية ، ومنحها للأمم الأخرى ، فمثلا استهداف الجيران أراضي القبردي ، ففي 1921 اقترح الأوسيتين أن تضم قبردا الصغرى لاوسيتيا الشمالية ، ووجد القبردي أن لا نجاة لهم إلا بالمطالبة بالانفصال عن الجمهورية فبدؤوا حملة عنيفة للمطالبة بالاستقلال ولكن مسعاهم فشل ومنحوا بدل الاستقلال محافظة ذات حكم ذاتي ، واشترطت الدولة عليهم إعادة ترسيم حدودها لمصلحة الجيران فخسروا مزدوك التي ضمّت لإقليم ستافروبول ، كما اقتطع من القبردي سنة 1922 / (33866) ايكرا اعطيت للبلقر و (86400 ) ايكرا أعطيت للقرشاي و(17200 ) ايكرا أعطيت لاوسيتيا و ( 2727 ) أعطيت لانجوشيا ،

انشأت محافظة شركيس ( الأديغي ) ذات الحكم الذاتي سنة 1921 وأعيد من بعد تسميتها بمحافظة الأديغي ذات الحكم الذاتي ، وأحيطت بإقليم البحر الأسود ( ومن بعد إقليم كراسندار )من جميع الجهات ، وبطبيعة الحال لم يحل إنشاء المحافظة مشاكل الشراكسة والشابسوغ فأنشأت منطقة (رايون) الشابسوغ الوطنية سنة 1934 ومركزها طوابسه .

لا بدّ من أن نشير هنا إلى تزايد عدد المهجرين إلى الإقليم في هذه الفترة و اكتشفت السلطات أن الإقليم أصبح متخما بالسكان فاختارت التصفية العرقية وتطبيق مبدأ الأمم الخائنة لحل هذه المشكلة ، فقد حضر ستالين مؤتمر فلاديكفكاز 17 /11/ 1918 وأكد على أنّ مصير القوزاق قد حدد ، وهكذا عادت دورة التهجير لتقع هذه المرّة على القوزاق ، بعد أن كانت تقع في الماضي على السكان الأصليين ، استمرّ تهجير القوزاق خلال النصف الأوّل من 1920 وتزايدت الشائعات حول نيّة الحكومة تهجير السلاف فتزايدت الأحقاد على السكان الأصليين ، وخاصة بعد أن فرض الزعماء المحليون في الوحدات ذات الحكم الذاتي ضرائب استهدفت السلاف بشكل خاص ، وعمل السكان الأصليون مستغلين هشاشة وضع السلاف على استعادة أراضي التي كانت ملكا لآبائهم وأجدادهم .

في سنة 1925 عكس البلاشفة قرارهم المتعلق بتهجير القوزاق ولعل أهم أسباب هذا التغير في السياسة الرغبة في زيادة أعداد العمال الصناعيين وخاصة ممن يتقنون اللغة الروسية .

استهدف البلاشفة ابتداء من شباط 1930 أعداء جدد : الإقطاعيين والمؤسسات الإسلامية في شمال القفقاس ففي 1930 رحلت 23000 من أثرياء الأرض والقادة الدينيين من السكان الأصليين و60 عائلة من القبردي وأكثر من 200 عائلة من الأديغي للعمل في مخيمات الأشغال الشاقة في حوض الدون وسيبيريا ، ولا ننسى ما اوقعوه في القرشاي والبلقر والشيشان ابتداءً من العام 1943م ، وهكذا أصبح السكان الأصليون ضحايا من جديد

وهنا لابدّ لنا من أن نشير إلى أنّ تأكيد الشيوعيين على الوطنية ساعد على إنشاء بؤر وطنية حصلت فيها الأيقونة الوطنية على اهتمام واسع ، أي أوسع مما حصلت عليه الجماعات الإثنية الأخرى ، وكان لهذه السياسة أثر واضح على تأسيس وحدات اعتبارية القبردي – الأديغي لكنها سرعان ما تحوّلت إلى إنشاء كيانات ثنائية الاسم فدمجت البلقار مع القبردي في قبردينا – بلقاريا ودمجت القرشاي بالشركس في قرشاي – شركيس ، ولم يخرج عن هذه القاعدة سوى جمهورية الأديغي حيث حصلت الأيقونة الوطنية على كيان خاص بها .

إلا أنّ هذا الإجراء على أهميته أثار كثيرا من التحديّات ، كما تسبب في خلق كثير من المشكلات ارتبطت في مسارها العام بالسياسات المتقلبة للنظام الشيوعي ومنها :

سياسات السوفيت الرامية إلى تصفية القرى الصغيرة وإنشاء التجمعات الكبيرة ( بلدات ومدن ) ، ففي سنة 1960 أزيلت 60 قرية من قرى قرشاي – شركيس مثلا واسكن أهلها في بلدات ( بطبيعة الحال طبّقت نفس السياسة في الأقاليم الأخرى ) وكان في هذا العمل إساءة كبيرة للسكان الأصليين ( الأديغة – الشركس ) فهو يعني أولا : القضاء على القرى الشركسية بأسمائها وكياناتها ، ويعني ثانيا تفريغ المناطق الريفية من سكانها الأصليين ومنح هذه الأراضي للإثنيات الوافدة .

و كانت هذه البلدات تتكوّن من وحدات وكانت العائلات المرحّلة توزّع على هذه الوحدات ، وكانت النتيجة خلط عديب للإثنيات ، فتراجعت الروابط العائلية وهذا أمر مهم في تقرير قوّة السكان الأصليين ، ثم تزايد المشاحنات مع الإثنيات الأخرى ، الأمر الذي ساعد على ظهور الوطنية والانفصالية وخاصة بعد سنة 1980م .

كما أثار هذا العمل حفيظة الإثنيات الوطنية الأخرى مثل النغوي والأباظة والقوزاق وغيرهم من الأمم التي لم تحصل على أيقونات وطنية .

سعى الشوعيون نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي إلى إنشاء منظمة روسية تحاكي الفرانكفونية تشمل شعوب شمال القفقاس تبقي على اللغات المحلية ( القومية ) وتسيّد اللغة الروسية ، بمعنى أن تصبح اللغة الروسية هي اللغة الرسمية أو لغة التفاهم بين الإثنيات المختلفة ، لذا فتحت مدارس تعليم اللغة الروسية في شمال القفقاس سنة 1960 وكانت غايتها إيجاد لغة تفاهم بين غير الروس ، ولكنّها في واقع الحال أضرّت باللغات المحلية ، حيث أصبحت اللغة الروسية بمرور الأيام لغة التفاهم فبدأت بتهديد اللغات المحلية وتراجعها .

ولتنفيذ هذه السياسة أحضرت الدولة أعداد كبيرة من الروس لتولي الوظائف العامة والمهنية والفنية ، فبدأ المدنيون الروس يحلون محل الفلاحين حتى أصبح عدد المهندسين والعمال الفنيين الروس سنة 1989 مساويا لضعف عدد القبردي والبلقر مثلا في جمهورية قبردينا – بلقاريا ، وهذا يعني تدمير الهيكل السكاني للإقليم وتبديله ، فقد تضاعف عدد السكان في قبردينا – بلقاريا من 420000 سنة 1959 إلى 759600 سنة 1989 ووصل عدد الإثنيات التي تسكن الجمهورية إلى أكثر من 60 إثنية.

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى نمت المدن على حساب الريف ( أي انتقل السكان من الريف إلى المدينة تبعا لمجريات الأمور مما ساعد على تفريغ المناطق الريفية من سكانها الأصليين ، حتى أصبح سكان المدن يشكلون ما نسبته 61% سنة 1989 بعد أن كان 40% سنة 1959 وأصبح 43% من القبردي والبلقر يسكنون المدن والبلدات ،

وهنا لا بدّ من أن نشير إلى رايون الشابسوغ ، ففي سنة 1945 أعيدت تسمية مقاطعة الشابسوغ وسمّيت باسم رايون لازاريفسكي تخليدا لذكرى أميرال روسي ساهم في احتلال القفقاس ، كما أعيدت تسمية أعداد كبيرة من القرى والبلدات لطمس هويتها الأصليّة .

بشكل عام وسمت سياسات القمع والترحيل وإعادة الترحيل وإعادة التقسيمات الإدارية التي لا تأخذ مصالح الاثنيات بعين الاعتبار وتسلّط أصحاب الحظوة والسيادة وأصحاب الوظائف العامة والفساد المالي والإداري وتقلّب سياسات الدولة هذه الفترة من تاريخ شمال غرب القفقاس ، فبدا القفقاس أواخر العهد الشيوعي وكأنه أتون قابل للانفجار في أية لحظة ، ولعل انهيار الاتحاد السوفيتي في هذه الفترة كان قدرا تمنى فيه السكان أن يكون القادم خيرا .

فترة ما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي

ترك انهيار الإتحاد السوفيتي فراغا سياسيا وعقائديا في مناطق عديدة من الإمبراطورية الروسية فتوجهت الوحدات الوطنية في مختلف المناطق ومنها القفقاس إلى الدين الإسلامي كعقيدة ( ايدلوجيا ) خاصة جامعة للسكان ، لذا بدأت أعداد المصلين في التزايد وزادت الرغبة لدى عدد كبير من الشباب لتعلّم الدين في المدارس الدينية المتوفرة كما فتحت المدارس الدينية في مختلف مناطق الوطن العربي وخاصة المغرب وتونس ومصر والأردن وسوريا والسعودية لاستقبال هؤلاء الطلاب ، كما أوفدت كثير من الجهات دعاة لمناطق القفقاس المختلفة ، ومن الواضح أن أكثر هذه الجهات كانت السعودية ومناطق الخليج العربي وذلك للإمكانات المالية الكبيرة لأهالي هذه المناطق ، إلا أنّ هذه النهضة أثارت عددا من المشكلات : منها مشكلات تتعلق بالجماعات الإسلامية ، ومشكلات تتعلق بسياسات الفدرالية الروسية ونظرتها للنهضة الإسلامية وطرق تعاملها معها .

فقد تزايدت الفرقة بين جيل الشباب الذي تعلم أصول الدين من جهة وبين رجالات الدين التقليديين الذين لم يكونوا يتقنون اللغة العربية في الغالب ، وكان معظمهم يعرفون بعض الصلوات بالعربية وقلة منهم من درس لمدة سنتين في معاهد إسلامية في الخارج من جهة أخرى ، وكان التخوّف الأساسي من أنّ هؤلاء الشباب يحملون أفكارا يمكن أن تسيّس الدين ، فبدأت الجماعات التقليدية في محاربة الملات الشباب ومنعهم من التدريس في المساجد ومن التعيين في وظائف فمن بين 138 إماما حاصلين على شهادات دينية عليا في نالتشك لم يعين سوى عشرة في المؤسسات الرسمية ، ومن ناحية أخرى كثرت الجماعات والهيئات الإسلامية بشكل مذهل ففي القرشاي – شركيس كان هناك 73 تجمعا إسلاميا ، وفي نالتشك وصل عدد الهيئات الدينية المسجلة رسميا 100 هيئة . وقد ساعد على ذلك أنّ غالبية السكان الفلاحين بالذات كانت تدعم توسيع دائرة الشريعة في مجالات الحياة العامة ليس كتطبيق عملي للشريعة ولكن كرمز لحل المشكلات القاسية التي عاني منها مسلمو شمال القفقاس بعد انهيار الإتحاد السوفيتي (الجريمة والبطالة وفساد دوائر الدولة)

وهنا لا بدّ لنا من أن نلاحظ أن الجماعات الإسلامية التي وفدت من مناطق الشرق الأوسط كان لها نفوذ واضح في مناطق روسيا الفدرالية بما فيها شمال غرب القفقاس ، فقد نشطت هذه الجماعات في الداغستان منذ بداية الثمانيات ، لذا كان لها عند انهيار الاتحاد السوفيتي بنية تحتية مؤثرة جاهزة ساعدتها على نشر بروبجندا راديكالية .

أما الدولة الروسية فقد عجزت عن فهم مجريات الأمور وتسلّحت بأسلحتها التقليدية : القتل والسحل والاغتيال والسجن والتنكيل ، ولعل السبب يرجع إلى عاملين أساسيين :

أولهما : ركوبها مطية الإرهاب في التعامل مع الجماعات الإسلامية ، فقد نظرت لكل من يرتاد المساجد على أنّه إرهابي وأنّ كل محجبة إرهابية ، وبدا هذا واضحا في كتيّب تعريف الإرهاب الذي وزّعته على الجهات الأمنية فقد جاء فيه تعريف الإرهابي : له لحية ويرتاد المساجد ، وكانت النتيجة عدم التمييز بين المسلم العادي وبين المتطرّف ، وكذلك توغّل السلطات الأمنية على المواطنين : إهانة وتوقيف وسجن ، وكان رجال الأمن يتفاخرون بما يقومون به من تجاوزات بحق المواطنين الآمنين ، وقد ساهمت الصحافة الروسية في تأجيج العواطف ضد المسلمين بنشرها مقالات تحذيرية كاذبة فقد نشر ت الصحف وعلى الأخص صحيفة Top Secret سنة 1998 مقالة ادّعت فيها أنّ الإرهابيين الوهابيين في القرشاي هم الذين نفّذوا تفجيرات موسكو ، وحذت مجموعة من الصحف حذوها كصحيفةCherkesss Nationalisr وأساء المفتون المسؤولون عن الوعظ الديني استعمال هذه المقالات فقد أعلن رئيس دائرة الإفتاء في مقاطعة روستوف سنة 2003 عن طرده أعضاء حركة نور من المقاطعة لترويجهم أفكارا وهابية وذلك على الرغم من أنّ هذه الجماعة لم يكن لها أي علاقة بالوهابية وكانت تتجنّب الخوض في المواضيع السياسية . وكان سبب هذه التصرفات : تقديم أنفسهم للسلطات على أنّهم أدوات مفيدة للدولة وكذلك الترويج لشخوصهم لضمان استمرارهم في وظائفهم .

ثانيا : ظنّت الفدرالية الروسية أنّها قادرة على توحيد المسلمين تحت مظلة واحدة وذلك لاعتقادها أن نجاح الكنيسة الأرتوذكسية في توحيد المسيحيين يمكن اتخاذه دليلا وطريقة في التعامل مع المسلمين ، لذا استخدمت الأسلوب الأرتوذكسي في محاولاتها السيطرة على الشعوب المسلمة ، فعملوا على توظيف مرشدين روحيين ظنوا أن ستكون لهم حظوة ونفوذ في مجتمعاتهم ، ولم تستطع الدولة الروسية أن تدرك أنّ هؤلاء الملات لم يكونوا محبوبين من المواطنين الذين كانوا ينظرون إليهم علي أنّهم ملات السلطان الذين يتنافسون لرضا موسكو .

وبشكل عام تأزم الموقف في قبردينا – بلقاريا عندما حصل تبادل لإطلاق النار في الرابع والعشرين من آب 2003 في قرية باكسان بين رجال الأمن والمجاهدين وانتشرت شائعة بأنّ شامل باسييف موجود في القبردي ، فبدأ المسؤولون في أيلول بإقفال مساجد نالتشك وبقية المساجد في كافة أنحاء الجمهورية وألقي القبض على أكثر من مائة شخص تعرّض غالبيتهم لمعاملة وحشية ، رغم أنّ مثل هذه المعاملات الوحشية كانت مألوفة إلا أنّها لم تصل إلى هذا القدر من القسوة والوحشية وبدأ العنف بالتزايد ، وانقسم الشراكسة فقد كان الأكبر عمرا والعاملون في المؤسسات الإسلامية يثقون بقوى الأمن ، في حين إلتفّ الشباب حول موسى موحازييف الأمير غير الرسمي لمسلمي قبردينا – بلقاريا ، وفي كانون ثاني 2004 هاجم المجاهدون مبنى مكافحة الإرهاب وقتلوا أربعة من قوى الأمن واستولوا على أكثر من 200 قطعتي سلاح ، نسبت العملية لجماعة اليرموك التي كان يقودها باتاييف ، كانت ردّة فعل السلطات عنيفة فقد قامت بعملية تعقّب واسعة شملت كل الجمهوريات الشركسية نشرت الرعب بين الشراكسة ، واعتقلت قوى الأمن أعداد كبيرة منهم على أنّهم وهابيون ، ولم تسلم النساء من التنكيل والإعتقال فقد كنّ يعتقلن لمجرّد أنهن يلبسن الحجاب أو يقرأن القرآن ، واضطر أكثر من 400 شركسي التقدّم بطلب للرئيس بوتين يطلبون فيه السماح لهم بالهجرة من روسيا لتعرّضهم للتمييز والتعصب الديني ، وقد صرّح قائد قوات المتمردين الشيشان عبد الحكيم سادولاييف أنّ الغارة جاءت كردّ فعل على تصرفات الدولة ورجالها التي دفعت المواطنين الآمنين إلى طلب الهجرة من موطنهم الأصلي وأرض آبائهم وأجدادهم خوفا على حياتهم ، تزايد مرض كوكف في هذه الفترة النصف الأول من 2005 فثار صراع على السلطة أنهاه بوتين بتعيين قانكوف إلا أنّ التوتر استمرّ في المنطقة ، واستمر تحرّش رجال الأمن بالمواطنين وفي حوالي الساعة الثامنة والنصف من صباح الثاني عشر من تشرين الأول بدأت الغارة على نالتشك واستمرّت حتى العصر ، حصل خلاف في تقدير عدد المهاجمين فمنهم من قال 400 ومنهم من قال 600 ولكن الواقع أن هؤلاء لم يكونوا مدربين وكانوا يفتقرون للخبرة مما سمح لقوات الأمن بالقضاء عليه في وقت قصير ، إلا أن الجهات الحكومية استثمرت الأمر لصالحها حتى أن وزير الداخلية ادّعى أنّ المعتدين كانوا خططوا للإستيلاء على ناتلشك لمدة شهرين وأن المعتدين كانوا ينوون خطف طائرات للقيام بعمليات انتحارية في موسكو ، وربطت العملية بشكل عام بالإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين بالرغم من أنّ غالبية المهاجمين ( الثوار ) كانوا حليقين ، وأنّ كثيرا منهم جاؤوا من عائلات قبردية معروفة ، وأنّ عددا منهم جنّد في الشوارع قبيل الغارة وفي ساعاتها الأولى .

حصل خلاف على مصير الجثت فقد رفضت السلطات تسليم الجثت لعائلات القتلى لدفنهم وفق التقاليد الإسلامية

غمر جوّ من الرعب جمهوريات شمال القفقاس الثلاث نتيجة ردّة فعل السلطات التي قامت بموجة كبيرة من الاعتقالات في كافة أنحاء شمال غرب القفقاس : في قبردينا – بلقاريا وقرشاي شركيس والأديغي وألقي القبض على كل من كان يرتاد المساجد ، وتعرّض عدد كبير من المعتقلين للتعذيب على نطاق واسع وللضرب العلني المبرّح فقد ضرب أحد الضباط إمام مسجد مايكوب روسلان حاكيروف أمام المسجد ،

كان قانكوف عارفا لحقائق الأمور وقد انضم سكرتير اتحاد القوّة الشرقية بوريس ناد زيدين إلى قانكوف في الإقرار بأنّ السبب الحقيقي لمشكلات الجمهورية ليست الوهابية بل فساد السلطة التنفيذية المحلية ، واتّهم قوى الأمن المحلي بالإثارة المتعمّدة للصراع مع شباب الجمهورية عبر الإجراءات العدوانية ضد السكان المسلمين.

و لا يزال القفقاس في الوقت الحاضر كالجمر تحت الرماد ، مشاكله عديدة متنوعة ، منها البطالة والفقر ، وأماني الشعوب التي لا تتحقق ، وسياسة الدولة التي تعرف بالقبضة الحديدية والقهر والتنكيل والقتل والاغتيال واختفاء من يتجرأ على قول كلمة حق ، و إلصاق تهم الإرهاب والانتماء لقوى خارجية تريد تدمير الدولة الروسية هي الطاغية ، فما هي الاتجاهات الرئيسة السائدة الآن :

تغيرت الشعوب غير الروسية في القرن العشرين في جميع المجالات : عدديا وروحيا واقتصاديا … بحيث تصعب محادثتهم من عل أي من مراكز قوّة ، ومحاولة أية جهة التعامل معهم معاملة دونية هي أقصر الطرق للتسبب في الفوضى والحرب الأهلية التي ستكون نتائجها مأساوية ، بهذه الكلمات لخص فاليري دزيدوف وهو من الباحثين الأذكياء والمنطقيين في شمال غرب القفقاس هذه الأيام أسباب فشل الفدرالية الروسية في تحقيق إدارة جيّدة للإقليم ، هذه الإدارة المراوغة التي وقعت على جميع الاتفاقيات الدولية التي لها علاقة بحقوق الإنسان وحقوق القوميات …الخ لكنها لم تنفذ منها ألا ما يمكنها استعماله للدعاية ، وهي في نفس الوقت لا تأخذ بآراء أهل العلم والمتنورين الذين يجمعون على أنّ القفقاس لا يمكن أن يعرف الهدوء والاستقرار ما دامت السلطة الحاكمة : حزب بوتين ومدفيدف ( روسيا الموحدة ) تتطلع إلى إعادة مجد روسيا وتتلمس خطى وأساليب القيصرية وتعيد أمجاد الكنيسة الارتوذكسية تقويّها وتظهرها وتقدّمها في كل مناسبة ، وتعيد تقسيم أقاليم القفقاس الإدارية لتمكين قبضتها الحديدية ، و تعتمد على مشاريع التنمية الاقتصادية المرتبطة بشكل كامل بأولمبياد سوتشي وسيلة لنشر الأمن والاستقرار متجاهلة الأسباب الحقيقية للتوتر :

عدم إنصاف السكان الأصليين للمنطقة وحرمانهم من الحقوق التي نصّت عليها الاتفاقيات الدولية التي وقعتها والمتعلقة أساسا بحقوق الإنسان وحقوق القوميات .

قضايا المختفين : أو الناس الذين اختطفتهم أجهزة الدولة الأمنية ولم يعد يعرف مكانهم ولا مصيرهم وتعداد هؤلاء بالالاف.

قضايا الضرب المبرح والاغتيال والقتل للرموز الوطنية دون تقديمهم للمحاكمة ، وانتم تعرفون أسماء عدد كبير منهم .

وهناك الجماعات القومية الروسية التي تسعى إلى ملاحقة القفقاسيين في المدن الروسية الكبيرة وتعلن حقدها وكراهيتها لهم صراحة ، والذين يعلنون في برامجهم الحزبية عن ضرورة سلخ القفقاس عن الجسم الروسي ، فهذا جرينو فسكي من حزب روسيا الليبرالي الديموقراطي الذي يقول :

الكرملين يحتاج شمال القوقاز لأنّ وجودها داخل روسيا يبرر وجود آلات قمعية ضخمة ، ويقول ( يصرّ التحالف القومي الروسي على تحويل الإتحاد الروسي إلى سلسلة من الدول المستقلة ) وفي مقالة أخرى يقول اليكسي شريباييف (لقد جاء الوقت للاعتراف علانية وبإخلاص عن عدم التوافق العقلي والنفسي للشعب الروسي عن شعوب شمال القفقاس ) ويقول (إن عدم التوافق واضح ، فكم نحتاج من القتلى حتى ندرك هذه الحقيقة (

أما القوزاق فنجد كثيرا من صقور الحكومة المركزية يجادلون في أنّ الدعم الكامل للقوزاق هو السبيل لحل سلسلة المشكلات التي تعاني منها جمهوريات القفقاس ، الأمر الذي شدّ من عزم القوزاق وأصبحوا يؤكدون باستمرار على دورهم في المهمة التاريخية التي أسندت لهم وهي المحافظة على الحدود الجنوبية من غزوات المسلمين ، وقد اتخذت نشاطاتهم دورا شوفينيا متعاليا ، فقد نظم القوزاق في اقليم كراسندار جماعات شبه نظامية تخيف الاثنيات الأخرى وتتحرش بهم وتتعامل معهم بعدائية .

وفي المقابل تسعى الكيانات الوطنية إلى تحقيق آمال الأمة رغم الظروف الصعبة وقيود الحكومة الفدرالية المركزية ، مؤمنة بالأمل ، عارفة أنّه موجود وإن كانت الغيوم تسبب التعثر حينا وتصّعب الوصل إلى الأمل أحيان أخرى، وتبقى قضية تهجير الشراكسة أعظم المسائل إلحاحا وأصعبها على الحل ، يشير الشراكسة إلى التهجير وباستمرار على أنّه إبادة جماعيّة ففي الأوّل من حزيران 2005 أرسل الكونجرس الشركسي طلبا للدوما – مدعوما بأكثر من 500 وثيقة تؤكد ارتكاب القوات القيصرية المذابح والقتل الجماعي – بالاعتراف بالحرب الروسية الشركسية كعمل إبادة جماعية ارتكبها النظام القيصري ، لكن مجلس الدوما ردّ الطلب في 27 كانون ثاني 2006 متعذّرا بأن حقائق الوضع الحالي تتطلب أشكالا جديدة من العمل تنسجم مع الحقوق الكلية للشعوب ، وأنّ من واجب الجميع اليوم البحث عن عامل مشترك يوحّد شعوب الفدرالية الروسية .

يعرف مجلس الدوما أنّ اعترافه بالتهجير على أنّه فعل إبادة سيفتح الأبواب لمطالبات التعويض ، وبإلزامية إعادة التأهيل ( العودة ) لشراكسة الشتات الذين حافظوا على هويتهم القومية والذين لا يزالون يرتبطون وجدانيا بوطنهم الأم ، وبينما تبقى فكرة العودة الجماعية للوطن التاريخي أقرب للخيال ، يقوم شراكسة الوطن بحملات نشطة لتشجيع مثل هذه الهجرات ، ففي الأديغي يعطي الدستور حق المواطنة لكل شركسي يرغب في العودة ، وقد عملوا المستحيل لإعادة شراكسة كوسفو ، وهم الآن يسعون لإعادة عدد من شراكسة سوريا ، والاهتمام هنا ليس الحالة الراهنة فقط ، بل السعي لتوثيق سابقة قانونية تؤكد حق الشراكسة في العودة ، وفي قبردينا بلقاريا وافق البرلمان على وثيقة العودة لتشجيع الشراكسة الذين يعيشون في الشتات للعودة ، وتعمل الحكومة على توسيع دائرة الاتصال بالشتات وتمنحهم عددا كبيرا من المنح الدراسية ، كما قدّم رئيسها الحالي مبالغ كبيرة لدعم تلفزيون نارت والجمعية الخيرية الشركسية في عمّان ، وتبنى فكرة تحمّل نصف قيمة شقة لكل من يرغب في العودة والاستقرار في القبردي .

وتبقى التناقضات الأساسية في وضع الأديغي وسعي اتحادات سلاف وقوزاق الأديغي لحل الجمهورية وضمّها لإقليم كراسندار بالاستناد على قلة الأديغة في الجمهورية مقارنة بالسلاف والقوزاق الذين يمثلون 68% من السكان ، يتشبت الأديغه بأن السبب هو الإبادة والتهجير الظالم لأعداد هائلة من أهلهم ، هذا التهجير والقتل الذي تسبب به أجداد هؤلاء السلاف الذين يطالبون الآن بحلّ الجمهورية ، و يبقى أقليم الشابسوغ غصة في حلق الشراكسة ، فلا يزالون يطالبون بإعادة اسم الشابسوغ للإقليم الذي سمي باسم لازاريفسكي وباتحاده مع جمهورية الأديغي ، وتبقى مشاكل الشراكسة في القرشاي شركيس تتراوح بين الاحتجاج واقتراح الحلول وخاصة تلك التي تنادي بتقسيم الجمهورية خيارا غير قابل للحياة ، وتبقى عناصر عدم الاستقرار ماثلة منها : مطالبات الإثنيات المختلفة باقامة كيانات خاصة بها ،

المكانة المتميزة للإيديولجيات الاسلامية وكثرة الجماعات الإسلامية التي زادت على 73 مجموعة

وبشكل عام تبقى مسألة الاثنيات المتعددة التي زرعت في وطن الشراكسة حتى وصل عدد الإثنيات في جمهورية الأديغ الصغيرة إلى أكثر من 43 إثنية ، منهم الأرمن والألمان واليونانيين وحتى الكوريين الشماليين الذين أصبحوا من مواطني هذا الإقليم . مشكلة كبرى في طريق أيّة تسوية في الإقليم .

وفي النهاية لا بدّ لنا من كلمة ، فنحن لا ندرس التاريخ الشركسي لنكأ الجراح ولا لإثارة النعرات والأحقاد ، بل ندرس تاريخنا لأنّه حق من حقوقنا ككل أمم الأرض ، وإذا كانت الفدرالية الروسية – فدرالية بوتين ومدفيدف وروسيا الموحدة تنادي بأن روسيا بأقاليمها المختلفة عائلة واحدة ، فإننا نقول لربّ العائلة أنّ عليه أن يعدل بين أفراد العائلة ، وأن لا يحابي أفرادا من العائلة على حساب أفراد آخرين ، وأن تتوقّف الدولة عن النظر لأبنائنا على أنّهم أفراد عاقين في العائلة ، وأن تقرّ أنّ لنا الحق وبموجب النواميس العالمية والاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقعتها الفدرالية الروسية بالحياة الكريمة وأن نعيش على أرض آبائنا بحريّة ، وأن تستعيد قرانا وبلداتنا أسماءها الشركسية وأن نحي تراثنا وثقافتنا ولغتنا .

نقل عن صفحة “الناجون من الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة” على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك للدكتور نارت قاخون

Share Button

اترك تعليقاً