ورشة عمل معادية للشركس أقيمت في روستوف
نشر هذا المقال في 8 ديسمبر 2012 على موقع “كافكازوفيد” المعروف بتوجهاته المعادية للشركس.
أقيمت في مدينة روستوف ورشة عمل حول “القضية الشركسية” شارك فيها خبراء من كل من روستوف وموسكو وسانت بترسبورغ وتشركيسك وباتيغورسك، بحضور عدد من مندوبي وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والمنظمات الاجتماعية. عقد الاجتماع بتنظيم من مركز المعلومات والتحليلات لمنطقة البحر الأسود وقزوين التابع للمعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية، وكان موضوع الاجتماع يتعلق بما يسمى ب “القضية الشركسية” التي أصبحت موضوع تكهنات مختلفة مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية في سوتشي. افتتح الاجتماع مدير مركز البحر الأسود وقزوين للمعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية (مدينة روستوف) إدوارد بوبوف مشيرا إلى أن ما سمي ب “ألقضية الشركسية” لاقى ردود فعل واسعة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويتعلق الموضوع بمحاولات بعض الجهات الخارجية (بعض الجاليات الشركسية والمؤسسات الأجنبية الغير حكومية) لتسييس مسألة الحرب القوقازية التي وقعت في الفترة ما بين 1817-1864 وما نتج عنها من عواقب وخيمة بالنسبة لشعوب منطقتي القوقاز الشمالية الغربية والجنوبية الغربية كالقبردي والأديغي والشركس والأبخاز وغيرهم. اليوم تدعو المنظمات الاجتماعية الشركسية الأكثر راديكالية وقادتها إلى الاعتراف بارتكاب الإمبراطورية الروسية الإبادة الجماعية بحق الشركس، وإعادة رسم الحدود لبعض الكيانات الواقعة ضمن المنطقتين الفدراليتين الشمال قوازية والجنوبية، وإنشاء كيان شركسي موحد أي ما يسمى ب “تشركيسيا الكبرى”.
أعرب الخبير عن اعتقاده – وأيده بقية المشاركين – بأن صيغة المسألة بوصفها “القضية الشركسية” صيغة مدمرة ومفروضة إلى حد كبير. وفي هذا الصدد، فمن الضروري وضع صيغة مختلفة بديلة لما تعانيه شعوب شمال غرب القوقاز بعيدا عن استخدام نهج عرقي ضيق.
أشار عدد من الخبراء في كلماتهم إلى الدعم الإعلامي القوي الذي تحظى به ا”لقضية الشركسية” من قبل “عملاء” أجانب والذي بدونه كان من غير المحتمل أن تلقى ردود فعل اجتماعية واسعة. أكدت الباحثة المشاركة في مركز الدراسات العربية والإسلامية لمعهد الاستشراق في الأكاديمية العلمية الروسية فيرونيكا إفانوفا (سانت بترسبورغ – موسكو) أن الدور الكبير في تحديث “القضية الشركسية” يعود إلى الجالية الشركسية في تركيا والتي يبلغ عددها 300 ألف رغم وجود بعض الأرقام الأخرى المتضاربة والمثيرة للجدل (بين 5 و15 مليون شخص). أشار التقرير إلى أنه في تركيا وغيرها من الدول يعتبر أحفاد جميع الشعوب القوقازية المغادرة للإمبراطورية الروسية بعد الحرب القوقازية من الشركس. يقدم شركس تركيا المحافظون إلى حد كبير على عاداتهم وتقاليدهم دعما ماديا وإعلاميا كبيرا للناشطين الشركس في روسيا.
في الوقت ذاته، فإن شركس تركيا وخاصة النخبة منهم مدمجون بشكل وثيق في السلطات والهياكل الاقتصادية في تركيا الحديثة، وهويتهم الأديغية ليست سوى جزء من هويتهم الإسلامية والقوقازية، بالإضافة إلى أن السلطات التركية لا تشجع مظاهر الهوية الشركسية داخل تركيا، في محاولة لفرض مشروع تركي واحد لجميع من يعيشون فيها. لهذه الأسباب، يكون دور شركس تركيا في تفعيل “القضية الشركسية” محدودا، كما أن قدرتهم على الهجرة مبالغ فيها جدا.
كما لفت رئيس تحرير مجلة “جيوبوليتيكا” ليونيد سافين (موسكو) في كلمته الانتباه إلى محاولات البعض لافتعال توتر عرقي، بما في ذلك من خلال الشبكات الاجتماعية الشركسية مشيرا إلى أن المجتمع الغربي يفرض على العالم، بما فيه روسيا، صورا نمطية ونظريات خاصة بها. تقوم العديد من المراكز الفكرية في الولايات المتحدة الأميركية بما في ذلك مؤسسة جيمستاون ومؤسسة راند بوضع خطط جيوسياسية عالمية عن طريق إثارة نزاعات عرقية في ما يسمى ب “الشرق الأوسط الكبير” شاملا منطقة شمال القوقاز. “القضية الشركسية” جزء من مشروع “الشرق الأوسط الكبير” ويتم إدارتها وتوجيهها من الخارج وخاصة الولايات المتحدة إلى حد كبير.تستخدم الولايات المتحدة الأميركية عامل “القوة الناعمة” كأداة رئيسية لتحقيق مصالحها في الخارج بما في ذلك الشبكات الاجتماعية والهيئات الغير حكومية. العديد من المواقع الالكترونية “الشركسية” التي تنشر الأفكار المتطرفة حول إنشاء ما يسمى ب “تشركيسيا الكبرى” يتم استضافتها في الخارج. أما بعض المتسللين (هاكرز) الذين يتصرفون نيابة عن الشركس ويهاجمون المواقع الالكترونية الحكومية الروسية فيقيمون في أوروبا والولايات المتحدة. العديد من المنظمات الغير حكومية بما في ذلك الأجنبية المنشأ كثيرا ما تعمل على زعزعة الاستقرار في الكيانات “الشركسية” في المنطقتين الفدراليتين الشمال قوازية والجنوبية. وفي الختام أشار الخبير إلى أن قانون العملاء الأجانب يجب أن يكون نقطة البداية في وضع تدابير مناسبة للتصدي لنفوذ مراكز القوة الأجنبية في الشؤون الداخلية للفدرالية الروسية.
تطرق الأستاذ المساعد في قسم علم الاجتماع والعلوم السياسية رينات باتييف (مدينة روستوف) إلى العلاقة بين الراديكاليين الشركس والإسلاميين في شمال القوقاز وإمكانيات التعاون بينهما، مشيرا أنه في الوقت الحاضر يسود العنصر القومي على العنصر الديني بشكل واضح في الثوابت الإيديولوجية للمنظمات الشركسية القومية حيث العامل الإسلامي هو عامل مساعد أكثر منه أساسي، ويستغله الناشطون الشركس لجذب الشباب المتدينين إلى صفوفهم. تقليديا كانت منطقة غرب القوقاز أقل تدينا من شمال شرقه. ليس للأديغا مكان كبير في مشروع “إمارة القوقاز” الافتراضي، ودورهم يقل عن دور الأقليات المحلية الأخرى، ك النوغاي على سبيل المثال. حتى القادة الإسلاميون في جمهوريتي كاراتشايفا تشركيسيا وكباردينا بلكاريا ليسوا من الشركس بل ينتمون إلى الشعوب الأخرى التركية منها وغيرها. في ختام كلمته أشار باتييف إلى احتمال حدوث تقارب بين المشروعين الإسلامي والشركسي الراديكالي ومدى خطورته حيث أن من الظواهر الجديدة التوافق بين مجموعات وحركات سياسية ودينية كانت تعادي بعضها البعض تقليديا.
أما الخبير في مركز المعلومات والتحليلات لمنطقة البحر الأسود وقزوين التابع للمعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية أنطون افريانوف فتطرق في كلمته إلى مسألة استغلال جورجيا ل “القضية الشركسية” لتحقيق مصالحها الذاتية، وقد كثفت جورجيا جهودها السياسة في منطقة شمال القوقاز في السنوات الأخيرة. اتخذت السلطات الجورجية مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز “القضية الشركسية”، ومنها تأسيس المركز الشركسي في تبليسي وإقامة نصب تذكاري للمهاجرين في أناكليا، كما أنها تستضيف بشكل دوري مؤتمرات وورش عمل من أجل إثبات ارتكاب روسيا “جرائم” ضد الشعوب الشركسية خلال الحرب القوقازية. وكانت هذه السياسة بلغت قمتها عندما اعترف البرلمان الجورجي في 21 مايو 2012 ب “الإبادة الجماعية” للشركس على يد الإمبراطورية الروسية. لم تتغير السياسة الرسمية الجورجية تجاه “ألقضية الشركسية” كثيرا حتى بعد فوز المعارضة الجورجية بقيادة ب. إفانيشفيلي في الانتخابات البرلمانية. وفقا لبعض التقارير، هناك فكرة يتداولها الخبراء في جورجيا حول ضرورة الاعتراف ب “الإبادة الجماعية” للشيشان والإنغوش. وفي الختام ذكر أ.أفريانوف أن للعلاقات مع المجتمع الشركسي أهمية كبرى بالنسبة لجورجيا في ضوء محاولاتها في نشر نفوذها في أبخازيا.
وأشار عدد من الخبراء إلى مشاركة الشباب المتزايدة في النشاطات الاجتماعية المدمرة في سياق “ألقضية الشركسية” واقترحوا تدابر مضادة لمنع التطرف بين الشباب. ذكرت مديرة مركز البحوث والدراسات العرقية السياسية في معهد شمال القوقاز (فرع الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة التابعة لرئيس الفدرالية الروسية) يكاترينا أغييفا (بياتيغورسك) بعض العقبات التي تحول دون إقامة حوار ثقافي مع الشباب، ومن بينها: عدم الالتفات للمشكلة من قبل شخصيات الدولة، وإتباع نهج رسمي لحلها، المسافة الكبيرة التي تفصل الجزء الكبير من منظمات المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب السياسية عن القضايا الحقيقية، وعدد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك البطالة. وفي هذا الصدد، يرى الخبير أن من الضروري العمل على تعزيز التربية الوطنية في المدارس والجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية، وكذلك تنظيم أنشطة شبابية بمشاركة الشباب من مختلف المناطق الروسية، وإدخال مناهج دراسية جديدة ضمن المناهج الإقليمية المتغيرة ومنها “العلاقات القومية الفدرالية”، و”الإدارة السياسية للعلاقات القومية في شمال القوقاز”، و”المجتمع المدني في روسيا الحديثة”، وتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية للتفاعلات القومية التاريخية والمعاصرة بما في ذلك ما بين الشركس وغيرهم من شعوب روسيا في سياق العملية التعليمية. عموما، وبحسب الخبير، فإن الوقاية من التطرف يجب أن تجمع ما بين الأهداف العامة وأشكال عمل فردية لتطبيقها مع أفراد معينين.
أشار نائب مدير معهد القضايا الإقليمية للدولة الروسية في شمال القوقاز أنزور أوستاخوف (بياتيغورسك) أنه، وإضافة إلى العوامل الخارجية المثيرة ل “القضية الشركسية”، توجد مشاكل كبيرة داخل المجتمع الأديغي (الشركسي) نفسه. وفقا للخبير، فإن التطرف في “القضية الشركسية” يرتبط بشعور الأديغا بفقدانهم المكانة القيادية التي كانوا يحتلونها بين شعوب المنطقة بعد الحرب القوقازية. تضاف إلى هذا الشعور التاريخي بفقدان القوة قضايا أخرى معاصرة من بينها انخفاض معدل الإنجاب والفراغ الروحي وفقدان كثير من التقاليد والعادات والخوف من الانصهار وما إلى ذلك. لهذه الأسباب تجد الأفكار القومية والانفصالية بيئة خصبة لا سيما بين الشباب. وبالتالي، تدعي كافة الأطراف المعنية بأن روسيا هي المسؤولة الوحيدة عن جميع المشاكل التي يعاني منها الشركس اليوم. لفت أ. أوستاخوف في خطابه الانتباه إلى دور الإنترنت كقناة رئيسية للدعاية المناهضة لروسيا لسهولة استخدامها، لذا، فلا بد من اتخاذ إجراءات مضادة وباستخدام الانترنت، ونشر فكرة الوحدة بين المجتمع الشركسي وروسيا، والصداقة التاريخية والتعاون بينهما بين الشباب، مع التركيز على الآثار الإيجابية لتكامل الشركس في الفضاء الروسي عموما (إلغاء الثار ووضع الكتابة وما إلى ذلك)، والإنجازات المشتركة، ومحاربة الأعداء الخارجيين معا والذين كثيرا ما استغلوا الشركس لتحقيق مكاسب خاصة لهم. بحسب الخبير، لا يمكن للشعوب الأديغا أن تحافظ على تقاليدهم وتتجنب الانصهار في ظروف العولمة القائمة حاليا إلا ضمن الدولة الروسية.
تطرق مدير مركز الدراسات والتنبؤات الإقليمية في معهد التدريب ورفع الكفاءة في جامعة الجنوب الفدرالية فيكتور تشرنووس (مدينة روستوف) في خطابه إلى موضوع الانقسام الحاصل في الأوساط العلمية حول تقييم آثار الحرب القوقازية، بما في ذلك للشعوب الشركسية. هناك عدد من الباحثين والخبراء الذين يؤكدون على أن انضمام شعوب الاديغا إلى روسيا كانت له عواقب سلبية بحتة، في حين يعتقد البعض الآخر أن التكامل وقع بطرق سلمية بامتياز، وما حدث من إشكالات وصعوبات مختلفة كانت متفرقة وعشوائية. يرى ف. تشرنووس أنه لا بد من وضع صورة موضوعية للماضي والحاضر في العلاقات بين روسيا والشركس دون الخوف من لمس الزوايا الحادة، ولهذه الغاية يجب فتح حوار بناء بين مختلف المؤسسات العلمية التاريخية (ومنها القومية) وإيجاد أرضية مشتركة للنقاش. ما يجري الآن، على حد قول الخبير، هو نشر كتابات صحفية عديدة تحمل معلومات غير مؤكدة وانحيازية بدلا من نشر أبحاث علمية حقيقية. وأضاف قائلا إنه لا يمكن النظر في “القضية الشركسية” بمعزل عن السياق التاريخي والمعاصر، فهذا يولد تناقضات جديدة وأكاذيب قومية ويساهم في نشوء المزيد من النزاعات. فيما لو تم خلق منابر مشتركة للمناقشات العلمية بإشراك المثقفين من شمال القوقاز لشكل ذلك مفتاحا لتخفيف حدة التوتر في الأوساط العلمية فيما يتعلق ب “القضية الشركسية”.
الزميل الباحث في مركز اللغات الشمال قوقازية في معهد الدراسات اللغوية في جامعة بياتيغورسك للغات الأجنبية روسلان كامبييف (بياتيغورسك – تشركيسك) خصص كلمته لمسألة إقامة حوار بناء مع المجتمع الشركسي، وأشار إلى أنه يشكل خليطا متنافرا إلى حد كبير من الحركات والاتجاهات الاجتماعية بين الراديكالية والمعتدلة وهي ما يسعى إلى استغلالها القوى الخارجية. وبالتالي، فلا بد لروسيا أن تتبني أجندة “القضية الشركسية” بنفسها وتسحبها من أيدي منافسيها الجيوسياسيين، وذلك عن طريق رصد مستمر للتوجهات والآراء داخل المجتمع الشركسي وخلق ساحات اجتماعية وإعلامية وعلمية لمناقشة هذه القضية مع النشطاء الشركس من أجل وضع “القضية الشركسية” في مجرى بناء. سياسة التجاهل العلني التي تمارسها روسيا تجاه “القضية الشركسية” يؤدي – بحسب الخبير – إلى التطرف فيها وتوجه البعض من النشطاء الشركس إلى مراكز القوة الخارجية التي بدورها تقوم باستخدام العامل الشركسي لصالحها خلافا عن مصالح روسيا والشركس أنفسهم.
وخلال المناقشة توصل الخبراء إلى خلاصة مفادها أن “القضية الشركسية” التي لاقت في السنوات الأخيرة استجابة دولية واسعة أصبحت بمثابة أداة ضغط إعلامي على روسيا، وبالأخص مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية في سوتشي في عام 2014، وتصاعدها قد يؤدي إلى توسع نطاق عدم الاستقرار في شمال القوقاز وانتشار الأفكار المتطرفة، خاصة بين الشباب. ولمنع التطرف في “القضية الشركسية” ينبغي الدخول في حوار بناء مع الجزء المعتدل من المجتمع الشركسي. نشر المواد الأرشيفية الخاصة بالحرب القوقازية، وتعزيز الأمثلة الإيجابية على التعاون الروسي الشركسي بما في ذلك الكفاح المشترك ضد العدو المشترك، والعمل الوقائي مع الشباب، ووضع جهاز علمي صحيح – قد تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى الحد بشكل كبير من حرارة الجدل المرتبط ب “القضية الشركسية”.
http://www.hekupsa.com/obzor/