كراسنايا بوليانا: كسر صمت دام 150 عاماً (الجزء الثاني)

كراسنايا بوليانا: كسر صمت دام 150 عاماً (الجزء الثاني)

الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور

(Eurasia Daily Monitor)

بقلم: إبراهيم جوكيموخ (Ibragim Gukemukh)

ترجمة: عادل بشقوي

الصورة: ثيودور Horschelt –هورشيلت (Theodor Horschelt) –  "شراكسة                                        في المعركة ضد القوات الروسية: حلقة من الحرب القوقازية”، 1858-1859                                (Source: adygaunion.com)
الصورة: ثيودور Horschelt –هورشيلت (Theodor Horschelt) – “شراكسة
في المعركة ضد القوات الروسية: حلقة من الحرب القوقازية”، 1858-1859
(Source: adygaunion.com)

 

ما يلي هو الإستنتاج للسلسلتين التاريخيتين في أوراسيا ديلي مونيتور (EDM) بقلم إبراهيم جوكيموخ لنهاية الطريق إلى كراسنايا بوليانا (Krasnaya Polyana) والوقفة الأخيرة للمقاومة الشركسية ضد الغزو القيصري الروسي لشمال شرق القوقاز. ولقراءة الجزء الأول، راجع  (EDM, May 31) (http://www.jaccf.org/?p=1571).

العذاب

في بداية عام 1863، وصل إلى القوقاز القائد العام الجديد للقوات الروسية وحاكم المنطقة الجديد الدوق الأكبر ميخائيل نيكولايفيتش (Grand Duke Mikhail Nikolaevich). وصفه وزير المالية ووزير الشؤون الخارجية الروسي سيرجي ويت (Sergei Witte) في مذكراته في إيحاءات لاذعة صريحة: “كان هذا الرجل شخص ضيق الأفق ورجل دولة ضيق الأفق إلى حد ما، رجل دولة ليس على دراية [غير متعلم]…” ميخائيل نيكولايفيتش ضاعف جهود سلفه دوق ألكسندر بارياتنسكي (Aleksandr Baryatinsky) لإزالة بقيّة المقاومة الشركسية من المنطقة.

بحلول نهاية عام 1863، كتب الجنرال نيكولاي يفدوكيموف (Nikolai Yevdokimov) في تقريره للحاكم الجديد: “… لم يبقى هناك عدو مسلح على المنحدرات الشمالية من سلسلة جبال القوقاز.” الجنرال الكسندر كارتسوف (Alexander Kartsov)، “قائد عسكري” آخر كتب أيضا بمزيد من الفخر إلى مقر الحاكم: “هكذا، لم يعد يوجد جبلي واحد على المنحدرات الشمالية من الجزء الغربي من جبال القوقاز؛ وتم تطهير المنحدرات الجنوبية، بما في ذلك شواطئ البحر، بدءا من خليج نوفوروسيسك (Novorossiysk) [Tsemess](Tsemess)  إلى طوابسه (Tuapse) من السكان.” كان هنا، في أودية أنهر سوتشي (Sochi)، وفاردانا (Vardana) ومزيمتا (Mzymta) حيث تكشفت آخر الأعمال الإجراميّة من مأساة الشعب المحتضر. وصف أ. فونفيل (A. Fonville) في مذكراته، السنة الأخيرة من حرب شركيسيا من أجل الاستقلال، وصفت هذه المشاهد المفجعة: “… كان لدينا الفرصة لمراقبة الإفقار المذهل لهذه الأمة البائسة من مسافة قريبة؛ واجهنا بشكل يومي مجموعات جديدة من الجبليّين الّذين كانوا ينتقلون إلى المناطق التي لم تكن قد تم الإستيلاء عليها من قبل الجيش، وعلاوةعلى ذلك … قتلت الامطار والفيضانات العديد من أولئك المستوطنين ورأينا الجثث في طريقنا بشكل مستمر. كانت المجاعة رهيبة؛ مات كثير من الناس التعساء بسببها…جاء أناسٌ في بعض الأحيان لمقابلتنا في القرى، ولكنا كنا نهرب منهم، لأنا كنا نخشى من الإصابة بالعدوى من الأمراض التي كانت تقتل قرى بأكملها”.

وفقا لخطة الجنرال يفدوكيموف، في بداية عام 1864، انتقل الجيش الروسي إلى المنحدرات الجنوبية من سلسلة جبال القوقاز الكبرى. تم استئناف الحملة العسكرية في بداية الربيع لغرض عملي وحيد وهو الّذي وصف بالتفصيل في الكتاب، آخر سنوات قتال الروس ‘مع الجبليين في غرب القوقاز، من قبل أحد أبطال السياسة الإمبراطورية القيصرية الروسية، أ. ليلوف (A. Lilov). وحسب ليلوف، لم يبدأ الهجوم في بداية العام خلال فصل الشتاء على سبيل الصدفة. توقّع المستعمرون أن يعظّموا من نجاحهم. ولِما لِ”تدمير الإمدادات الغذائية والأماكن المأهولة له تأثير مدمّر، بقي الجبليون بلا مأوى تماما، وبوسائل أقل لحماية أنفسهم ونقص حاد في الغذاء.”

الوحدة العسكريّة المسمّاة داخوف (Dakhov) تحت إمرة الجنرال فاسيلي غيمان (Vasily Geiman) ينبغي أن تكون قد لعبت دورا محوريا في العمليات العسكرية الأخيرة ضد الشركس والوبيخ. وحصلت وحدة داخوف على اسمها نسبةّ إلى ممر داخوف الإستراتيجي، الذي يربط بين المنحدرات الشمالية والجنوبيّة للجبال في هذا الجزء من غرب القوقاز. بعد عدة أيام من بدء حملة الربيع، كتب قائد منطقة القوقاز، الدوق الأكبر نيكولايفيتش (Duke Nikolaevich)، في تقريره إلى القيصر بأن وحدة غيمان (Geiman) التي كانت قد “طهّرت … المنطقة الواقعة بين نهري توابسه (Tuapse) وبسه-جواب (Psezuap) وقامت بإبادة كافّة القرى التي تقع على امتداد هذين النهرين، واستولت على حصن لازاريف (Lazarev) (الّذي يعرف الآن باسم مستوطنة لازاريفسكي { Lazarevsky}) في يوم 16 مارس/آذار؛ وفي يوم 19 مارس/آذار، تم الإستيلاء على الحصن السابق غولوفينسكوي (Golovinskoe) (الّذي يعرف الآن باسم مستوطنة Golovinka) “غولوفينكا { Golovinka}).

اقتربت القوات العسكريّة الرّوسيّة من حدود أراضي الوبيخ، الواقعة على نهر شاخا (Shakha). التقى هنا الجنرال غيمان (Geiman) بممثّلي زعماء الوبيخ الّذين حضروا إلى معسكره للمرة الأخيرة. وردا على اقتراح للهدنة أشار بسخرية: “أين هي قواتكم في البزّات الأوروبّيّة الّتي كثيراً ما أثرتم ضجّة حولها؟ أين هي مدافعكم وذخائركم؟ أين هم حلفاؤكم؟” ردّ الجبليّون:” لقد رأينا أن كل آمالنا بالمساعدة من الخارج هي أحلام… لكننا ما زلنا الوبيخ، فإننا لا نزال شعبا ويمكننا الدخول في مفاوضات من أجل مصلحتنا ولنعرض مطالبنا.” ورد الجنرال على ذلك بصلف: “ليس لكم هناك أي تنازلات، وسوف لن يكون!” بعد هذه الكلمات أدرك الوبيخ أن أوضاعهم كان قد تم البت بها بشكل لا رجعة فيه. كتب سيمون إسادزه (Semyon Esadze) في الكتاب، غزو غرب القوقاز: “في هيئتهم وفي مظهرهم أظهر كل فرد من الوبيخ منتهى كرامة النفس؛ لا أثر للإذلال أو الخوف. ومع ذلك، كان من الواضح أنهم كانوا قد أصيبوا في أضعف موضع، ألا وهو كبريائهم…”

قرر نواب الوبيخ القتال حتى آخر رجل. كما وقف إلى جانب الوبيخ الأخشيبسو (Akhchipsou)، والأيبغا (Aibga) والبسخو (Pskhu)، الذين ينتمون إلى قبائل صغيرة والتي أسميت بهذه الأسماء نسبة إلى المضائق الجبلية الّتي قطنوها. ومع ذلك، لم يكن باستطاعة أي مقاومة أن توقف تقدم الجيوش الروسية التي غطت شريط من الأرض بين البحر والجبال كما لو كانت فيضاناً. بعد أن عبرت نهر شخه (Shakhe)، تقدمت القوات الروسية أبعد من ذلك وبسرعة “أحرقت جموع القرى المتعددة لمجتمع فاردانه (Vardane)عن آخرها” (انظر سيميون إسادزه { Semyon Esadze, op. cit.}).

في يوم 25 مارس/آذار، استولت الجيوش الروسية على سوتشي، قلب أرض الوبيخ. كانت تلك نهاية شعب فخور ومولع بالحرب. في 8 أبريل/نيسان 1864، أرسل االقيصر الروسي الكسندر الثاني (Alexander II)، والملقّب من قبل الشّعب في روسيا بالقيصر المحرر، برقية إلى حاكم القوقاز والتي جاء فيها: “يغمرني الفرح بصدق للنهاية السعيدة للأحداث مع الوبيخ. ويبقى أن نشكر الله على النتيجة التي تحقّقت” (أرشيف الدولة المركزي لثورة أكتوبر في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، صندوق 728، 1862-1881، حزمة # 2732، لوحة 69). في 26 مارس/آذار، وبعد خسارة الوبيخ ، جاء ممثلين عن السادج (Sadz) {الجيغيت} (Jigets)- إحدى قبائل غرب أبخازيا- إلى معسكر غيمان. وحاولوا الحصول على هدنة. ذكر دوقهم، رشيد غيشبا (Rashid Gechba)، نحن الجيغيت. نحن شعب حر، ولم نكن يوماً خاضعين لأيٍ كان. نرى الآن أن الجميع من حولنا ينحنون للروس ونحن نعتبر أرضنا بالفعل ملكا للإمبراطور الرّوسي.” كانوا قد تمّ “تكريمهم” بالسماح لهم بالمغادرة لتركيا جنبا إلى جنب مع الوبيخ والشابسوغ، بعد أن تم إعطاؤهم شهراً للتحضير مع جميع عائلاتهم للقدوم إلى الشواطئ للصعود على متن السفن العثمانية. الحاكم الذي جاء إلى معسكر غيمان أخبرهم بأنه “إذا تخلّف أي شخص للإمتثال لهذا الطلب، فإنه سوف يتم التعامل معهم كأسرى حرب وستصل المزيد من القوات للتعامل معهم” ((Semyon Esadze, the Conquest of the Western Caucasus and the Ending of the Caucasus War, pp. 166–167). بحلول أبريل/نيسان، لم يصادف الجيش أيٍ من الوبيخ أو الجيغيت في الجبال؛ لقد ذهبوا جميعا إلى تركيا.

كبادا

كان يمكن بحلول ذلك الوقت اعتبار حرب القوقاز بحكم المنتهية. فقط عدد قليل، من قبائل الأبخاز الغربي الصغيرة عددياً، مثل  الأيبغا (Aibga)، والبسخو (Pskhu)، و الأخشيبسو (Akhchipsou)،  وبقايا الشابسوغ الذين رفضوا الاستسلام، أبقوا على مقاومتهم، باعتمادهم على الحصون الطبيعية في الجبال لردع الغزاة الروس. أقام الشابسوغ على الهضبة العالية في المناطق العليا من أنهار  مزيمتا (Mzymta)، وبسو (Psou) وبزيب (Bzyb). من أجل تدمير آخر معقل للجبليّين، قرّر القادة الروس استخدام أربعة خطوط هجوميّة، من أجل “جعل العصاة يمتثلون فورا لجميع المتطلبات وتطهير البلاد في أقرب وقت ممكن”، على حد تعبير الحاكم الروسي والقائد العام للقوات المسلحة، نيكولايفيتش (Nikolaevich) (مجلة قفقاس، رقم 44، 11تاريخ يونيو/حزيران 1864).

خط الهجوم الأول تحت قيادة الجنرال بافل شاتيلوف (Pavel Shatilov) انتقل من حصن غاغري (Gagry) حتى أعلى نهر  أيبغا (Aibga)، الواقع في وادي بزيب (Bzyb Gorge). وفي حال الإستيلاء عليه، ينبغي التقدم نحو أخشيبسو (Akhchipsou) من الجنوب. خط الهجوم الثاني، تحت قيادة الجنرال بيوتر سفياتوبولك-ميرسكوي (Pyotr Svyatopolk-Mirskoi)، تم إنزال قوات فى الروافد العليا لنهر مزيمتا (Mzymta) (حيث تقع حاليا مدينة أدلر) وتقدمت عبر الأراضي المنخفضة. خط الهجوم الثالث تقدّم تحت قيادة الجنرال غايمان (Geiman) من ما يدعى موقع كوبان الامامي الّذي كان يقع في الروافد العليا لنهر سوتشي. يجب أن تكون الوحدة العسكرية الثالثة أيضا قد وصلت في نهاية المطاف إلى أخشيبسو. وكان على رأس خط الهجوم الرابع الجنرال بافل غراب (Pavel Grabbe). تقدمت من المنحدرات الشمالية من سلسلة جبال القوقاز الرئيسيّة، الروافد العليا لنهر لابا (Laba). وكان على وحدة غراب (Grabbe) الانضمام إلى الوحدة التي تحت إمرة سفياتوبولك-ميرسكوي في وادي نهر مزيمتا. وهكذا، قامت الجيوش الروسية المتقدّمة بتقسيم أراضي الشعوب التي ما زالت لم تقهر بعد إلى عدة أجزاء أخرى.

واجه الروس أشرس مقاومة في وادي نهر بسو، في أراضي شعب أيبغا. إن نهر بسو يعتبر حاليا الحدودية الرسمية بين أبخازيا وروسيا. القبيلة المقيمة هناك كان لها آمالا كبيرة لعدم إمكانية الوصول إلى أراضيها، حيث أن معظمها كان مغطى بمنحدرات حادّة. كما اعتمدت الأبيغا على المساعدة من قبائل مجاورة والّتي، وفقا لحاكم القوقاز، “جمعت من الساحل الشرقي بأكمله … تستعد للقتال لآخر مرة.” قرر الأيبغا الدفاع عن أراضيهم حتى آخر رجل. قاموا بتحصين السبيل الوحيد إلى أراضيهم الذي امتد على طول نهر بسو بأنقاض الصخور والأشجار المقطوعة. مطلقين نيران بنادقهم من طراز فلينتلوك والقيام برمي الصخور وجذوع الأشجار نحو الجيش الروسي، تمكن الأيبغا من الحفاظ على مواقعهم ضد وحدة الجنرال شاتيلوف (Shatilov) لمدة أربعة أيام. كما اعترف الدوق الأكبر نيكولايفيتش (Nikolaevich)، بأن وحدة شاتيلوف تكبّدت خسائر فادحة. دافعت النّسوة عن وطنها جنبا إلى جنب مع الرجال. أحد شهود العيان على هذه الاشتباكات، إيفان أفركييف (Ivan Averkiev) كتب: “عندما تم الإستيلاء على أيبغا، خرجت اثنتان من الفتيات والبنادق على أكتافهنّ حيث كانتا مصممتان على الدفاع عن رماد منازلهم” (مجلة قفقاس، رقم 74، 1866) (Journal Kavkaz, # 74, 1866).

ولكن كل هذه المقاومة ذهبت عبثاً، حيث أن وحدة قوية أخرى كانت تتحرك حول الأيبغا. بعد قتال شرس، ظهر هذا الجيش الروسي في الهضبة الجبلية التي تقع فيها قرى الجبليّين الآمنة ودمرت هذه المستوطنات في يوم 12 مايو/أيار. في 18 مايو/أيار، انضمت وحدة شاتيلوف إلى الوحدة التي دمرت القرى في مضيق أيبغا وتجاوزتها إلى أخشيبسو. بدأ الأيبغا المتبقين بالنزول النهائي إلى شواطئ البحر الأسود حيث يقوموا بالصّعود على متن السفن والقوارب التركية. كان لهزيمة الأيبغا تثبيطاً لعزيمة جيرانهم. كما كتب المؤرخ الأبخازي جورجي دزيدزاريا (Georgy Dzidzaria): هذه الحملة العسكرية قررت أيضاً مصير جميع القبائل الجبلية الأبخازية الأخرى. جميع الأخشيبسو مع أسرهم وممتلكاتهم تركوا منازلهم وبدأوا بالتحرك إلى شواطئ البحر، لاحقين الأيبغا” (Dzidzaria, “Muhajirs and the Pr unit oblems of Abkhaz History of the 19th Century,” 1975).

في 20 مايو/أيار، التقت الأربع وحدات عسكرية روسية في وسط أرض أخشيبسو (Akhchipsu) “التي تم تطهيرها”، الّتي تدعى غوبادفي (Gubaadvy)، والمعروفة حاليا باسم كراسنايا بوليانا (Krasnaya Polyana) والتي يشار إليها أحيانا بشكل خاطئ بِ كبادا (Kbaada) أو  كبادي (Kbaade). وتتكون غوبادفي من هضبتين ترتبطان مع بعضها البعض بمضيق صغير. تقع الهضبة على ارتفاع 1،730 متراً فوق مستوى سطح البحر ومحاطة بجبال شاهقة من جميع الجوانب. كان مقدرا لهذا المكان النائي بين الجبال العالية لأن يكون موقعاً للاحتفال الختامي بنهاية حرب القوقاز. وجرى هناك عرضاً عسكرياً روسياً في 21 مايو/أيار 1864، بحضور حاكم القوقاز، الدوق الأكبر نيكولايفيتش (Nikolaevich).

حتى ذلك الوقت، لم توقف قبائل الجبليّين مقاومتها حتى بعد ذلك. غزت القوات الروسية قبائل أعالي أبخازيا بسخو (Pskhu) وكودج (Kudzh) (المعروفة بأبازين). لم تتمكّن هذه القبائل الصغيرة الصمود ضد جيش نظامي وميليشيات الأبخاز تحت قيادة الدوق ميخائيل  شيرفاشيدزي (Mikhail Shervashidze)، الّتي قاتلت إلى جانب الرّوس، وتقدمت من جهة الجنوب. تم طرد البسخو  إلى أودية خوبيو (Khabyu) وغونورخفا (Gunurkhva)، حيث حاول نحو 800 شخص من قبيلتي أيبغا (Aibga) وأخشيبسو (Akhchipsu) الاختباء. كان معظمهم من المسنّين والنساء والأطفال. بعد أن رفضوا الذّهاب إلى تركيا، تم تدمير “منازلهم، ومخزونات الذرة ودقيق الذرة؛ ولرفضهم للإبعاد، فقد تم إستيلاء الجيش على ماشيتهم، 220 وحدة،” (من تقرير لقائد القوات العسكرية في أبخازيا إلى حاكم-عام كوتايسي، 20 أغسطس/آب 1864، أرشيف جورجيا المركزي، صندوق 63، لوحات 256-258) (From the report by the commander of the military in Abkhazia to Kutaisi general-governor, August 20, 1864, Central State Archive of Georgia, case 63, sheets 256–258).

في مقدمة أعمال  فونفيل (Fonville)، “في السنة الأخيرة من حرب شركيسيا من أجل الاستقلال،” يبيّن، “هم [الجيش الروسي] كان عليهم إبادة نصف الشراكسة من أجل إجبار النصف الآخر على الإستسلام. لكن أولئك الذين سقطوا من الحرمان وقسوة فصول الشتاء التي تم قضاءها تحت العواصف الثلجية في الغابات وعلى الصخور الجرداء بالكاد شكّلوا عُشْر الذين لقوا حتفهم.” قامت القوات الاستعمارية الروسية بمطاردة هؤلاء الشراكسة والأبخازيّين الذين رفضوا الانتقال إلى الإمبراطوريّة العثمانيّة واختبئوا في المناطق النائية. ووفقا لمرسوم صادر عن الدوق الأكبر نيكولايفيتش (Nikolaevich)، أنشئت وحدة خاصة لتطهير الهضاب البعيدة الواقعة بين نهر توابسه (Tuapse) وقمّة جبل غاغري (Gagry) من الشركس. تكوّنت الوحدة من 12 سريّة ومئة جندي. من أجل منع الشراكسة من التوجّه إلى المنحدرات الشمالية لجبال القوقاز، وتم تمركز وحدتين أخرتين مماثلتين في الروافد العليا لنهري بشيش (Pshish) وبشيخا (Pshekha)، (تقرير قائد الجيش الروسي في القوقاز، 14 يونيو/حزيران، 1865، أرشيف التاريخ العسكري المركزي للدولة صندوق 38، جرد 30/286، حزمة 21، اللوحات 1-2) (Report of the commander of the Russian army in the Caucasus, June 14, 1865, Central State Military History archive, fund 38, inventory 30/286, case 21, sheets 1–2).

و”حتى لو كان بضع عشرات من العائلات أو المتوحّشّين بلا مأوى قادرين على الاختباء بعيدا عن قواتنا العسكرية، فإننا لن نحتاج لحملة عسكرية أخرى لإبادتهم،” حسب ما كتب مراسل لمجلة قفقاس بابتهاج في صيف عام 1864.

أخيراً وصلت المقاومة العسكرية الشّركسيّة الباسلة إلى نهايتها وهي غير قادرة على تجنب هذه الإجراءات النهائية الكاسحة من قبل القوات الروسية. جاء الفصل الأخير من المقاومة الشركسية الى نهايته وحشر الشّراكسة بين المطرقة والسندان، حيث حرموا من الدعم العسكري الذي طال انتظاره من أوروبا، وهم غير قادرين على وقف عزم روسيا القيصرية على طرد الشراكسة عبر البحر الأسود،. ومن المفارقات، أن هزيمة روسيا في وقت سابق في حرب القرم خلقت لها تأثيراً عكسياً في القوقاز غذّى لدى موسكو طعم وشهوة التّوسع- وبالتالي أصبحت معاهدة باريس لعام 1856 أمر إعدامٍ لشعوب القوقاز في حين لم تتمكن القوى الغربية من التحقق من تقدّم روسيا في هذه المنطقة. فيما يتعلّق بالشراكسة، فإن ذلك الفصل من نضالهم الّذي امتدّ 150عاماً، انتهى بهزيمتهم في حقول كراسنايا بوليانا (Krasnaya Polyana)، وهي في نفس الموقع الذي سوف سيشهد عقد دورة سوتشي للألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير/شباط من عام 2014.

المصدر:

http://www.jamestown.org/single/?no_cache=1&tx_ttnews%5Btt_news%5D=41026&tx_

ttnews%5BbackPid%5D=7&cHash=f1fc00e56b406620a18a87d74dace064#.Uc7GVTQ3DXW

Share Button

اترك تعليقاً