موسكو والشركس الآن على طريق التصادم

موسكو والشركس الآن على طريق التصادم

الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور

بول غوبل (Paul Goble)

20 يونيو/حزيران 2017

ترجمة: عادل بشقوي

20 يونيو/حزيران 2017

Circassians-640x360

الحركة الوطنية الشركسية في شمال القوقاز وكذلك في الشتات آخذة في الازدياد. ويعزى هذا الاتجاه جزئيا إلى وجود نشاط جديد بين الشباب الشركس، الذين يتضح من التقارير أنهم يتحولون بشكل متزايد بعيدا عن الهوية الإسلامية إلى هوية إثنية-قومية. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم وشيوخهم مدفوعين نحو مزيد من النشاط المفعم بالغضب نحو عدم سماح موسكو للشركس بالعودة إلى وطنهم من سوريا التي مزقتها الحرب. وكل هذا يتكشف على وجه التحديد في الوقت الذي—تخشى فيه موسكو من الاحتجاجات، نظرا لتدهور الوضع الاقتصادي قبل الانتخابات الرئاسية الروسية—تسعى فيه موسكو إلى قمع الحركة الشركسية عبر استهداف نشطائها بالاحتجاز والاعتقالات والغرامات الباهظة. وهذا يمهد الطريق أمام تصادم خطير بين أمة تجري اثارتها حديثاً وحكومة روسية يتزايد قمعها بشكل مضطرد. إن هذا الصراع يجري في كثير من الجمهوريات والمناطق في شمال القوقاز حيث يقطن الشركس، ويتم إجبار المسؤولين المحليين هناك للاختيار بين الولاء لموسكو أو الدعم من أحد أكثر القطاعات نشاطا من السكان المحليين. وفي بعض الحالات، يتطلب الأمر حتى من الحكومة الروسية المركزية إلى أن ترسل قواتها لضمان عدم وجود صلة بين الحركة الوطنية الشركسية وسلطات الجمهورية. وإذا حدث مثل هذا التطور، يمكن أن يزيد من تقويض سيطرة روسيا على المنطقة.

ولعل المحفز الرئيسي لصعود القومية الشركسية، كما يقول المشاركون بها، هو نفس الحافز الذي يعزز المعارضة والمظاهرات في روسيا بشكل أشمل: والدور المتزايد للشباب في حركة وطنية كان تاريخيا يهيمن عليها الشركس الأكبر سناً. هؤلاء الشباب الشركس لا يختارون فقط استخدام لغتهم الوطنية في كثير من الأحيان أكثر مما كان يستخدمها شيوخهم (Yuga.ru, June 14) لكن أيضا، على حد تعبير إسلام تيكوشيف (Islam Tekushev)، الذي يتابع القضية الشركسية لموقع قوقاز تايمز (Caucasus Times)، يعملون على “تغيير الحركة الشركسية عبر منحها ديناميكية جديدة” (Caucasus Times, May 21).

لقد قوض الدور المتزايد للشباب واعتمادهم على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تبقيهم على اتصال وثيق مع مراكز الشتات الشركسي في الخارج والبالغ عددهم خمسة ملايين نسمة من المتحمسين، قوّضوا استراتيجية الكرملين السابقة في محاولته للحد من الاتصالات بين الشركس في وطنهم الواقع في شمال القوقاز وهؤلاء في الخارج. وهذا الفشل بدوره دفع موسكو إلى تبني استراتيجية جديدة لمحاربة تنامي القومية الشركسية داخل الفيدرالية الروسية من خلال استهداف النشطاء داخل البلاد. وقد انطوت هذه الاستراتيجية على تصعيد إدخال طاقم من السيلوفيكي {siloviki} (أفراد خدمات الأمن) إلى داخل المناطق الشركسية، وإلقاء القبض على النشطاء وتغريمهم، وتوريطهم في قضايا المحاكم الاستعراضية. لكن على الرغم من آمال موسكو، إلا أن كل هذه الأمور لم تؤد إلا إلى تعبئة الأمة الشركسية (Caucasus Times, June 14).

وفي مقال نشرته صحيفة “قوقاز تايمز” في 14 يونيو/حزيران، يوثق تيكوشيف كيف كانت القوات الروسية حاضرة في جميع الاجتماعات العامة الشركسية في شمال القوقاز، وذلك يمثل تهديدا ضمنيا للشركس وللمسؤولين الإقليميين في الجمهوريات الشركسية. ويشير كذلك إلى كيفية قيام السلطات باعتقال وحبس وفرض غرامات على النشطاء أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط في التاريخ البارز 21 مايو/أيار، عندما يحيي الشراكسة ذكرى الترحيل والقتل الجماعي لشعبهم من قبل الضباط القياصرة في عام 1864، لكن أيضا في مناسبات عامة أخرى.

ولعل أخطر هذه الحالات الأخيرة هو اعتقال رسلان غفاشيف (Ruslan Gvashev)، وهو ناشط من الشابسوغ في سوتشي، في ذكرى 21 مايو/أيار من هذا العام. وقد ثبتت إدانته بتنظيم اجتماع غير مصرح به وفرض غرامة قدرها 10,000 روبل (200 دولار) بعد أن احتجز في السجن لمدة ثمانية أيام. وقد رفض الاعتراف بالذنب ولجأ إلى مركز الدفاع عن حقوق الإنسان في جمهورية قباردينو-بلكاريا (the Kabardino-Balkarian Human Rights Defense Center) للمساعدة في استئناف قضيته (Ekho Kavkaza, June 12). لم يؤدّي ذلك فقط لإيلاء مزيد من الاهتمام بين الشراكسة لما تفعله روسيا، لكنه سلط الضوء على التعاون المتزايد بين الشركس الذين يعيشون في مناطق وجمهوريات مختلفة أنشأتها السلطات السوفياتية على وجه التحديد لتقسيمها، مما يسهل حكمها على موسكو.

وأشار فاليري خاتاجوكوف (Valery Khatazhukov)، رئيس مركز الدفاع عن حقوق الإنسان، إلى أن التحرك ضد غفاشيف كانت “الحالة الأولى في حين أصبحت فيه التدابير التذكارية تقليدية” حيث اعتبرت إجرامية لأنها لم تتمتع بالموافقة المسبقة من السلطات. وفي مكان آخر من شمال القوقاز في ذلك التاريخ، أعطى بعض المسؤولين موافقتهم بينما امتنع آخرون عن ذلك، مما أدى إلى إعتقالات وغرامات، وربما، مورست ضغوط رسمية من موسكو، من وراء الكواليس على السلطات المحلية. ويشير هذا النمط من التعامل إلى أنه سيجري هناك المزيد من المصادمات في المستقبل بين الشركس والسلطات الروسية، مع  وقوع النخب الإقليمية والتابعة للجمهوريات في المنتصف (Ekho Kavkaza, June 12).

إلى وقت قريب، قويت الحركة الشركسية في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي ونتيجة لاعتراف جورجيا بالأحداث المأساوية التي حدثت في عام 1864 واعتبارها “إبادة جماعية” وبعقد أولمبياد عام 2014 في سوتشي، حول ما يعتبره الشركس أرضا لها قدسيتها. لكن الآن، هناك عاملان جديدان ينموان بوضوح: وهما رفض الحكومة الروسية السماح للشركس بالعودة إلى وطنهم من سوريا، وانتهاك حقوق الإنسان، وحتى القانون الروسي، فضلا عن المشاركة المتزايدة لدهاء واقتدار الشباب المشاركين في الحركة،  فيما يتعلق في تعاملهم مع الإنترنت، فهو الشيء الذي لم تعرف موسكو كيفية إعتراضه من خلال الوقف أو إعادة التوجيه.

وفيما يمكن أن تكون ذروة السخرية، فإن رغبة موسكو في أن يبتعد الشباب القوقازيين بعيداً عن الدين فذلك يعني—في أوساط الشركس على الأقل—أن أكثرهم يتحوّلون إلى القومية أكثر من أي وقتٍ مضى. ومن المرجح أن يكون ذلك أكثر صعوبة للروس في أن يواجهوا التعامل مع هذا الوضع، في حين يهيئ الساحة لصراع جديد بين موسكو والأمة الشركسية المتجددة والأكثر شبابا.

المصدر:

https://jamestown.org/program/moscow-circassians-now-collision-course/

Share Button

اترك تعليقاً