تاريخ النشر: السبت – 01-07-2017- 12:05
آخر تعديل : الجمعة – 30-06-2017- 09:52
«الشابسوغ».. شاهد على نشوء عمان
ابواب – وليد سليمان
.. هي عمان التي نعيش فيها الآن ! .
القرية التي كانت والسيل الهادر ليالي الشتاء..وهي ما يصح انها هي عمان ؛التي عادت الحياة لها منذ حوالي 150 سنة .
ولكن عمان التاريخية القديمة جداً جذورها ضاربة في التاريخ العميق .. فقد كانت عمان مأهولة بالسكان والحركة والعمران والتجارة والصناعة أيام حكم الرومان واليونان قبل حوالي ألف سنة وكانت تسمى فيلادلفيا .. ومر عليها الحكم الاسلامي في عصور الأمويين والعباسيين والمماليك والأيوبيين .. ولكن قبل ذلك بآلاف السنين كانت تسمى بِ ( عمون ) الحصينة والقوية .
إن حي و شارع الشابسوغ هو من أوائل مناطق و أحياء عمان المأهولة بالسكان منذ الفترة الجديدة في أواخر القرن (19 ) .
ويقع حي الشابسوغ في البلد – وسط عمان القديمة – في المنطقة الممتدة ما بين سفح جبل القلعة و شارع الهاشمي الذي يقع تحت حي الشابسوغ – القريب من سيل عمان قديماً – .
وسُمي هذا الحي نسبة الى قبائل الشابسوغ الشركسية التي هاجرت من موطنها الأصلي في القفقاس هرباً بدينهم الإسلامي , لأنهم تعرضوا للتهديد من قياصرة روسيا .. فجاءوا الى الامبراطورية العثمانية المسلمة التي ساعدتهم على السكن في أراضيها التي تقع تحت حكمها مثل بلاد الشام ومنها الاردن وعمان . . وذلك في عام 1868 م .. تاريخ وصول الفوج الأول من المهجرين الشراكسة الى عمان .
لماذا الشابسوغ ؟
عندما توافدت عائلات وقبائل الشركس في نهاية القرن (19) الى عمان بدأت تعمل بالصناعات الخفيفة , و بالزراعة حول ضفاف سيل عمان الواسعة والصالحة لذلك , و بناء بيوت الطين والعيش في مناطقها القريبة من المياه وسيل عمان .
وفي لقاء حديث مع – أحد سكان حي الشابسوغ منذ أكثر من 60عاماً – صلاح الفار أبو أحمد , صاحب بقالة و الذي درس قديماً علم الجيولوجيا في منتصف ستينات القرن الماضي , فقد حدثنا عما يتذكره عن شارع وحي الشابسوغ .
مع دارس الجيولوجيا
ففي خمسينات القرن الماضي كانت تتواجد في هذا الشارع العديد من ورش الحدادة والنجارة ومحلات صنع كراسي الخيزران .. وكان الشارع ترابياً حتى تم تزفيته في ستينات القرن الماضي .
ومما قاله : ان المغفور له الأمير عبدالله الأول ابن الحسين مؤسس الأردن كان أحياناً يتجول على حصانه في شوارع وطرقات عمان الترابية , ومنها في شارع الشابسوغ .
وفي خمسينات القرن الماضي كانت تتواجد في هذا الشارع مباني : « النافعة « أي وزارة الاشغال العامة , وكان المبنى مُلك عصمت خورما , وقد هُدم وأقيم مكانه مجمع تجاري الآن , وقديماً نادي الاردن الرياضي الاجتماعي الشهير والذي انتقل الى أماكن أخرى , والآن موجود مقره في جبل اللويبدة خلف كلية تراسنطة .
وفي ستينات وسبعينات القرن الماضي اشتهر الشارع هذا بوجود عمارة عاكف الفايز والتي سماها البعض بمجمع الأيتام , والتي ما زالت موجودة حتى الآن بالقرب من سوق الصاغة الشهير الذي يقع في شارع فيصل و أول طلوع شارع الشابسوغ .
وفي تلك الفترة تواجدت كذلك العديد من مكاتب السفريات للركاب المسافرين الى سوريا ولبنان والسعودية والضفة الغربية ,مثل مكاتب : ابو الهول والعواملة وغيرها .. حيث نُقلت فيما بعد الى منطقة العبدلي .
كذلك اشتهر الشارع هذا بكثرة تواجد محلات بيع مواد البناء مثل الدهانات والطراشة وتأجير أدواتها لمن يريد , ومطعم العقيلي للفول والحمص , وبعض المقاهي الصغيرة للعمال , و صالونات الحلاقة , ومحلات بيع الأدوات الكهربائية .
وفيما بعد أصبح الشارع ولفترة مكاناً لموقف سرفيس جبل الحسين والنزهة . وقبل عقود قليلة من السنين تم بناء مجمع حديث بطوابق متعددة كمواقف للسيارات بالأجرة , وامتدت محلات جديدة للصاغة والذهب في هذا المجمع التجاري أيضاً .
وعُرف حي الشابسوغ منذ القديم جداً بجامعه الصغير – جامع الشابسوغ – او جامع الشركس على الدرج القريب جداً من شارع الهاشمي .
و أدراج الشابسوغ قديمة جداً , فهي الصاعدة نحو هذا الحي والى آثار جبل القلعة التاريخية الشهيرة في عمان , تلك الأدراج التي أعيد تأهيلها بحجارة فخمة تليق بسكان الحي وبالسواح الأجانب الصاعدين من خلالها نحو القلعة .
عائلات في الشابسوغ
ويتذكر صلاح الفار من العائلات التي سكنت حي الشابسوغ : آل خورما , بشقوي , زاش ,الفايز , المعايطة , رسلان , نظمي ومظهر السعيد , العقيلي , الملقي ,جلوقة , قبرطاي , خير , عمر عليم والمفتي , شقم , الحمصي , الحوري , السعودي , الحموي , كنعان , وهلال , الصباغ , كمركجي , وقرادة , القيسي , الكردي , شبارو , السلطي…الخ .
وقرأنا في بعض المراجع عن العائلات الشركسية التي سكنت في حي الشابسوغ قديماً , وكان منها مثلاً :
1 – نمروقة 2 – تاموخ 3 شومن 4- ناغوج 5 – شوباش 6 – قوي حجوق 7 – رتشة 8 – ناتخوه 9 – خورمه 10 – بغانة -11 – حُخرات 12- مه كش 13 – يرغوج 14 – ينووخ 15 – ياخول 16 – حاتقواي 17 خوه باش 18 – بلاناغايز 19 – بطواش 20 – جاجي 21 – شه جاش 22 – كوه شحة 23 – تايمز 24 – تحه ييل 25 – حاتقه 26 – بشه جاش 27 – خواج 28 – مله غوش 29 – غواناجوق 30 – حتش 31 – بأه فش 32 – شاوش – 33 ابدة 34 – قمق 35 – خواج 36 – خواشابج 37 – مال اش 38 – حاغور 39 – لاتساروق 40 – لاوستان 41 – حاوخ 42 – وس تاوق 43 – خوشت 44 – بشه فح 45 – له مافوق 46 – شمنق 47 – قاسم آغا 48 – مصطفى اغا 49 – دودروقه 50- بشه فح 51 – خورما.
مضافات الشابسوغ القديمة
وكان من أوائل من أقام المضافات في عمان وجهاء من قبيلة الشابسوغ ومنهم: إلياس خورما ومضافته كانت في سفح جبل القلعة، ومحمود بشماف وكانت مضافته في بداية شارع الشابسوغ من جهة المدرّج الروماني، وداود زتشه ومضافته في منتصف شارع الشابسوغ قرب المسجد، وحسن شكري ناتخوا ومضافته كانت في منتصف شارع الشابسوغ .
ذكريات خليل عصفور
ولكن عندما تحدث إلينا قبل سنوات السيد خليل عصفور والذي كان من سكان هذا الحي الشابسوغ في فترة قديمة ثلاثينات القرن الماضي أيام طفولته وصباه .. فقد كان في بعض الاحيان يخرج من بيتهم في الشابسوغ يحمل فرش العجين على رأسه ليمشي به مسافة ليست بالقصيرة .. مخترقاً شارع الملك فيصل الترابي ليصل الى أقرب فرن وهو فرن « الجقة « الذي كان في مكان البريد الآلي المعروف في أول شارع الامير محمد – أو كما كان يسمى قديماً طريق وادي السير – ربما كان في ذلك الامر تعب ولكنه تعب لذيذ .. حيث كان في عودته الى البيت والخبز مخبوز وساخن وشهي يأكل رغيفاً في طريق عودته الى البيت .
وكان العديد من آل عصفور يقطنون في هذا الحي منهم مثلاً: شوكت عصفور وسامي عصفور وعمه الآخر صالح عصفور والذي كان تاجر أخشاب يجلبها من حيفا الى عمان.
ومما حدثنا به خليل عصفور
كان منزلنا تحت حارة الشابسوغ القريبة من وسط البلد.. وكان يوجد بها بستان ومنزل سليم خير, ومن فوقه بيت مثقال الفايز, ويقابله بيت توفيق حسين لمبز, وكان في حي الشابسوغ منزل ابراهيم قطان وتوفيق قطان, وفي دخلة من الدخلات منزل ابو سعاد الحلبي , حيث كان يسكن مع ابنته الوحيدة سعاد, وفي تلك المنطقة كان يسكن كذلك محمد أمين الشنقيطي, وعبدالله سراج والذي أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء إمارة شرقي الاردن.
وتفتحت عيني خليل عصفور الطفل في حي الشابسوغ حيث ولد هناك ونشأ ليجد عمه يوسف عصفور رئيساً لبلدية عمان حيث استمر في هذا المنصب من العام 1925 – 1931.
ويدرس الطفل خليل عصفور صغيراً في مدرسة الزهراء بحي الشابسوغ حتى الصف السادس الابتدائي بجبل القلعة , حيث كان من معلماته فيها أميرة الشريقي, هدى غنما, سلوى نصير, نارمين خوتات وشقيقته وجيهة عصفور.
وكان في حارة الشابسوغ أيام زمان منزل رئيس بلدية عمان، وكان من دار خير، وكذلك منزل الشيخ مثقال الفايز، في الشابسوغ، الذي كان يستعمله حين يأتي لزيارته سمو الأمير عبد الله الأول ، أو رئيس الوزراء، أو كبار رجال الدولة الاردنية .
وهذا الشارع العريق يتميز بوجود الأبنية الحجرية المزينة بالأقواس والمنحنيات والشرفات والنوافذ الجميلة العربية التراثية القديمة .
وكانت تسكنه قديماً القابلة القانونية أم سامي، ومنزل أقدم رئيس بلدية لعمان هاشم خير .
من الشابسوغ الى القلعة
ومن فوق حي الشابسوغ يبدو شامخاً جبل القلعة , او قلعة عمان منذ آلاف السنين .. ليظل معلماً ورمزاً تاريخياً وحضارياً لعمان؛ ويستشعر الزائر حين يقف على أرضه جمال الحضارات المتعددة؛ العمونية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والأموية.
وإطلالة جبل القلعة على جبال عمان الأُخرى تشكل خليطاً جميلاً يجمع بين الأصالة والحداثة في مشهد واحد .
فهذا الجبل يعتبر من أقدم جبال عمان السبعة .. الذي اتخذه العمونيون منذ القدم مقراً لحكمهم في ، ومن بعدهم اليونان والرومان والبيزنطيون الذين احتلوا المدينة على التوالي .. إلى أن هلّ عليها الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، حيث بني على قمته القصر الأموي المهيب .
تفاصيل القلعة
ويصبح المشهد أكثر جمالا حين نشاهد بقايا قصور العمونيين التي ما تزال ماثلة رغم مرور الزمن بهذا الجبل الذي كان مقرا للعاصمة العمونية، فستجد جدران الأسوار والآبار المحفورة في الصخر الجيري.
ويشاهد زائر هذا الجبل آثار وأعمدة رومانية ومعبد هرقل، كذلك سيجد بعضا من الآثار الإسلامية .
ويضم جبل القلعة في أحضانه القصر الاموي والمكون من قاعة الاستقبال المؤلفة من عدة غرف تحيطها القاعة الرئيسة التي تزخر جدرانها بالزخارف الاسلامية المنحوتة على الصخر الطري، ويعلو البناء أنصاف القباب .
وللقصر الاموي مدخلان شمالي وجنوبي وبوابتان الأولى تطل على ساحة مركزية مكشوفة، والأخرى على ساحة مربعة أقيمت عند المدخل الامامي للقصر، ويتخذ مخطط البوابة شكلاً مصلباً سقفت أضلاعه بأقبية برميلية وأنصاف قباب ، بينما كان يغطي الجزء المربع الاوسط قبة ربما تكون من الخشب .
ويضم أيضاً حُجرات مستطيلة مسقوفة ومزخرفة، بالاضافة الى شبابيك تزين جدرانها او نوافذ ذات أقواس وأعمدة ، وتحمل كل نافذة فوقها عتبات تحمل نوافذ أخرى بحجم أصغر.
وعند خروج الزائر من القصر سيجد بجانبه بركة قديمة كانت تزود السكان بالماء وقت الحاجة ، وهي بركة واسعة ومستديرة الشكل، محفورة في الصخر لتجميع المياه في فصل الشتاء.
ويكتنف المكان السحر والجمال وأنت تقترب من معبد هرقل او ما يطلق عليه « الساحة المقدسة « .. و هذا المكان رغم اندثار أغلب آثاره التي لم يتبق منها سوى عمودين مرتفعين يذكرنا بمعالم التاريخ العريق . حيث ان الامبراطور الروماني «أوريليوس» هو الذي قام ببناء معبد هرقل والذي أضاف إليه تمثالاً له في مدخل الهيكل، وقد تم العثور على عامودين من المرمر، يبلغ ارتفاعهما 30 قدما، هما من بقايا هذا الهيكل.
وتدل بعض النقوش التي وجدت في الموقع بأن المعبد كان قد شيد في السنوات 161 – 166م، والذي بقي من المعبد هو واجهة مكونة من ستة أعمدة ضخمة.
وبقلب جبل القلعة أيضاً بقايا كنيسة بيزنطية ترجع إلى القرن السادس، أما ما تبقى من آثار فستجدها تنتشر على شكل زاوية مثلثة تضم برجاً وهيكلاً على الطراز الكورنثي، والذي لم يبق منها سوى الأساسات وبعض الأعمدة المبتورة، وتدل المكتشفات الحديثة بأن الآثار الموجودة تعود إلى العصر البرونزي المتوسط والحديدي والهلينستي والروماني والأموي.
متحف الحضارات
كذلك يستمتع الزوار بالتجوال في متحف الآثار الأردني والذي يقع على قمة الجبل حيث يحاكي تاريخ الأردن بشكل عام وعمان بشكل خاص .. فلا يمكن لزائرهذا الجبل أن يغادر المكان من دون مشاهدة متحف الآثار الوطني الذي يضم آثاراً تمتد من العصور الحجرية حتى الحديثة .
وأهم موجوداته تماثيل تعود الى 8 آلاف عام ق.م. تعتبر أقدم تماثيل لأشكال آدمية في تاريخ الحضارة الانسانية تم إكتشافها في منطقة عين غزال شمال شرق عمان ، إضافة الى بعض مخطوطات البحر الميت التي كتبت على جلد ماعز، وتتضمن أقدم نص للتوراة وقد اكتشفها احد الرعاة داخل جرار في احد الكهوف في قمران شمال غرب البحر الميت، اما البقية فموجودة في متحف اللوفر والقدس.
ومن خلال هذا المتحف الذي انشئ سنة 1951 ، ويمكن للزائر ان يشاهد معظم معالم مدينة عمان الحاملة الكثير من الذكريات والحكايا عن سحر وجمال هذه المدينة الخالدة عمان.