الشركس وحقوق الشعوب الأصلية
بقلم: عادل بشقوي
19 أغسطس/آب 2017
أدان الشركس في كافة أماكن تواجدهم الظلم والاضطهاد والإجراءات والتدابير التي دأبت على اتّخاذها الشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطات الروسية في البلدات والمدن والأراضي الشركسية الواقعة في شمال غرب القوقاز. ذلك يؤكد أنّهُ لم يكن هناك تفكير في عقول أولئك الذين أقدموا على غزو شركيسيا ودمروا وجود شعبها على أرض الأجداد في مهمة شيطانية خبيثة سوى الإجهاز على شعب أصيل له تاريخ إنساني عميق الجذور في منطقة شمال غرب القوقاز، التي احتضنت تراثاً إنسانياً فريداً من نوعه.
لم تكن هذه المآسي لتؤدي إلى نهاية هذه الأمة لانها لم ولن تيأس أو تستكين رغم كل المحاولات التي بذلت ولا تزال تبذل، حيث أن الباطل والخداع والتضليل أخذوا دورهم للآن، لكن “الحقيقة سوف تسود”. إن الأساليب والمضايقات الاعتباطية والتعسفية القاسية المتخذة ضد ابناء الامة الشركسية المنتشرين في البلدات والمدن في وطنهم التاريخي في شمال غرب القوقاز لا يمكن ان تكون سوى ضمن سياسة الكراهية والتفرقة العنصرية الروسية ضد من حوّلوهم إلى أقليات في وطنهم حيث أنهم ليسوا من الغرباء بل من السكان الأصليين، أصحاب الأرض الشرعيين.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا بد من ان نسرد في هذا المجال بعضا من حوادث الاعتداء التي مورست خلال السنوات القليلة الماضية حيث تؤكد الاساليب الوحشية والقمعية محاولة ادوات السلطة ومعها بلطجية القوزاق التاثير على عزة النفس والكرامة الانسانية للضحايا المسالمين الذين لا يتبعون سبل العنف. وتتضمن إجراءات تعسفية قاسية ومضايقات ضد الشراكسة الذين تم توزيعهم في أماكن متعددة غير مترابطة جغرافيا وهي أجزاء من وطنهم التاريخي.
— جرت أخر هذه الاعتداءات مؤخراً في الثاني عشر من أغسطس/آب 2017 في منتجع بلدة غيلندجيك (Gelendzhik) التابعة لمقاطعة كرسنودار، حيث “ألقي القبض على عدد قليل من الشبان الشركس على ساحل البحر الأسود”، عندما كانوا يرقصون رقصات وطنية شركسية في احدى الساحات العامة. قامت الشرطة المحلية الروسية مدعومة بالقوزاق المحليين بالاعتداء عليهم قبل ان يتم احتجازهم. “جرى القاء أحدهم بالارض وتم ضربه، بينما جرى رش وجهه برذاذ الفلفل. وقد تم التعامل مع الشباب الشركس بشكل غير لائق”.
وبسبب الضغوط التي مورست من قبل المواطنين الشركس تم الإفراج عن المعتقل سليم أخابيكوف — Salim Akhabekov
(http://www.natpressru.info/index.php?newsid=11291)، وطالبوا بمعاقبة رجال الشرطة المسيئين (http://www.natpressru.info/index.php?newsid=11290).
— جرى في شهر يونيو/حزيران الماضي إعتقال الناشط الشركسي المخضرم رسلان غفاشيف (Ruslan Gvashev) ومواطنه أيدامير باستو (Aidamir Basto) من بلدة كيشماي (kichmay) الواقعة في غربي شركيسيا — شابسوغيو (Cherkessia – Shapsugii)، وفُرِضت عليهما عقوبات إدارية ومالية لمشاركتهما في مراسيم صلاة تذكارية اقيمت في منطقة سوتشي الشركسية على ارواح الذين قضوا دفاعا عن وطنهم. ذلك ما اعتادا هما واقرانهما على اداء واجب إحياء ذكرى ما تعرضت له غالبية الأمة الشركسية من إبادة وتهجير في عام 1864. وقامت الاجهزة الأمنية الروسية بإيقاف ومنع المراقبين الشركس من المؤتمر القباردي بالتوجه من نالتشيك الى شابسوغيو من اجل الاطلاع على الموقف عن قرب. (http://www.circassianews.com/2017/06/08/3236/)
تطورت القضية بعد عدة اسابيع عندما استؤنف بحث القضية “وقررت المحكمة الإقليمية إعادة قضية غفاشيف إلى محكمة لازاريفسكي المحلية لإجراء مراجعة جديدة بسبب الانتهاكات المرتكبة”. وبحسب “المحامية مارينا دوبروفينا (Marina Dubrovina)، فإن قرار القاضي تأثر بالإشارة إلى قانون المنظمات الدينية، الذي يقول إن خدمة الصلاة والحج يمكن أن تتم دون أي تنسيق. وشارك رسلان غفاشيف شخصيا في جلسة المحكمة على الرغم من المرض والسكتة الدماغية وجراحة القلب التي عانى منها في أواخر شهر يوليو/تموز من العام الماضي.
(https://www.youtube.com/watch?v=qqgUC51LJfU)
— في نالتشيك، وفي السابع من فبراير/شباط من عام 2014، ألقت الشّرطة الرّوسيّة القبض على أكثر من خمسين (50) من المحتجّين السّلميّين الشراكسة ضد أولمبياد سوتشي. اعتقل النشطاء الشركس في عاصمة جمهورية قباردينو – بلكاريا بعد أن شكّلوا قافلة تألّفت من عشرات السيارات توجهت إلى وسط المدينة. ورفع المحتجّون أعلاماً شركسيّة من نوافذ السّيّارات، وأيضا قاموا بالتلويح بلافتة كتب عليها باللغة الإنجليزية عبارة “سوتشي – أرض الإبادة الجماعية”. وكما جرت العادة، فإن المحتجّين الذين أطلق سراحهم، تعرّضوا للضرب والتعذيب. وعلى وجه الخصوص، “أقر تقرير شهود عيان أن الشرطة اضطّرّت لحمل أنزور أخوخوف (Anzor Akhokhov) إلى قاعة المحكمة لتلاوة قرار العقوبة عليه، حيث أنّهُ لم يكن في حالة تسمح له بالتحرك بشكل ذاتي نتيجة للضرب الّذي تعرّض له في مركز الشرطة”. وقال شقيقه أصلان بك أخوخوف (Aslanbek Akhokhov) – “غطّت الكدمات أنحاء جسمه — وجهه ويديه وساقيه، هناك علامات في كل مكان نتيجة للضرب المبرّح” (http://www.interpretermag.com/putin-blames-circassian-protests-on-the-west-amid-arrests/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=putin-blames-circassian-protests-on-the-west-amid-arrests).”
(http://circassiatimesarabic.blogspot.com/2015/01/blog-post_16.html)
— في 6 ديسمبر/كانون الأول من عام 2010 تم اعتقال الشركسي أصلان شيركسوف وهو من نالتشيك عاصمة قباردينو/بلكاريا، وذلك بعد مباراة لكرة القدم جرت في موسكو بعد حدوث شغب افتعله مشجعوا نادي سبارتاك (Spartak). قُتل خلاله احد المشجعين عندما كانوا يتعاركون مع أصلان عندما كان في وضع الدفاع عن النفس. جرى تحقيق في مجريات دعوى جنائية ضد أصلان شيركيسوف بطريقة الحكم المسبق عبر القفز الى الإدانة، وتم الحكم بسجنه لمدة عشرين عاماً. قالت ذلك والدة أصلان، سونيا شيركيسوفا (Sonya Cherkesova) في بيان لها خلال لقاء مع الصحفيين في نالتشيك.
“الحقيقة حول موقف هيئات التحقيق في الحكم المسبق تجاه ابني هو واضح تماما. حيث تجلى ذلك من خلال اعطائه {علامة صفراء} والتي تعني بأن من المحتمل أن يتم تحويله إلى مكان آخر. فهذا فاقم وضعه الذي كان خطيرا حتى من دون ترافق ذلك مع صدى واسع للحادث المأساوي” (http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251678789). واعتبر أقارب شيركسوف أن مقتل مشجع نادي “سبارتاك” كان حادثاً مأساوياً (http://www.eng.kavkaz-uzel.eu/articles/15522/). كذلك أبدت والدة أصلان قلقها على حياة ابنها (http://www.eng.kavkaz-uzel.eu/articles/16437/).
وفي يناير/كانون الثاني من عام 1012، صدر قرار المحكمة العليا في روسيا لتخفيف المحكومية ضد أصلان المعتقل في سيبيريا بعيدا عن وطنه لمدة شهرين فقط مما أثار غضب أقارب شيركسوف والمواطنين في وطنه الذين لم يستبعدوا أعمال احتجاج مستقبلية من أجل دعمه (http://www.eng.kavkaz-uzel.eu/articles/19834/).
— العائد والمقيم في مايكوب وصاحب متجر في مايكوب، “عدنان خواد، وابنته، والموظّفة التي تعمل في متجره، كان قد أُلقي القبض عليهم في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015 لمدة 15 يوماً بعد مشكلة حدثت مع خدمات الأمن الفيدراليّة (FSB) في جمهورية أديغيا. وفي وقت سابق، كان الناشط الشركسي قد تعرض لضغوط من قبل هيئات إنفاذ القانون وذُكِرَ عن عمليات تفتيش جرت في مكان عمله وفي بيته (http://eng.kavkaz-uzel.ru/articles/31840/)”. واستمرارا لهذه الحادثة، ذكر “موقع {العقدة القوقازية} أنه في يوم 5 مايو/أيار (2016)، قام منفذوا القانون في مايكوب، باعتقال عدنان خواد، وهو ناشط شركسي، عائد إلى وطنه من تركيا. وفي يوم 11 مايو/أيار، أفادت وزارة الشؤون الداخلية (MIA) في جمهورية أديغيا أن عدنان خواد اعتقل لمدة 15 يوماً لقيادته السيارة دون رخصة قيادة. وفي وقت لاحق، أفادت لجنة التحقيق التابعة للفيدرالية الروسية (ICRF) أنه يشتبه بقيام عدنان خواد برشوة مسؤول (http://eng.kavkaz-uzel.ru/articles/35622/)”. (http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251677625)
وقامت منظمة وطنيوا شركيسيا بتقديم “شكاوى إلى المنظمات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان تتعلق بالقمع غير المشروع الذي تمارسه روسيا ضد عدنان خواد (Adnan Khuade)”: و“جاء في البيان الموجه الى منظمات حقوق الإنسان ما يلي: “كما هو معروف للجميع، فإن قوات الأمن الروسية، بما في ذلك خدمة الأمن الفيدرالية (FSB)، يعملون بشكل دائم على شن حملة من المضايقات ضد عدنان خواد الذي هو من العائدين إلى الوطن ومن سكان مدينة مايكوب، وهو يعتبر شخصية شركسية معروفة وناشط يعمل في شؤون الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليّة الشركسيّة. ويحاكم عدنان خواد باستمرار وكذلك يتم التحقيق معه ويعتقل من قبل السلطات الروسية من أجل الترهيب الذي يهدف إلى منعه من النضال من أجل الحقوق الشركسية أمام الرأي العام في روسيا. الأدوات المخفية المذكورة تجرى بواسطة ما يسمى الأشكال القانونية التي تستند كليا على تجريم وهمي مثل خرق قانون حماية المستهلك.” (http://www.cherkessia.net/news_detail.php?id=6948)
وهناك مئات الاعتداءات الأخرى عبر الوطن الشركسي، ناهيك عن النتائج السلبية التي وقعت على العائدين الشركس من تركيا بسبب اسقاط تركيا لطائرة سوخوي 24 روسية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 على الحدود التركية-السورية. “أوجدت الأزمة في العلاقات الروسية-التركية التي تلت اسقاط سلاح الجو التركي طائرة حربية روسية قبل شهرين وضعا غير متوقع ويحتمل أن يكون كارثياً للمئات من الشراكسة من تركيا الذين استقروا على مدى العقد الماضي في شمال القوقاز، وافتتحوا شركات صغيرة هناك. أولئك الذين لم يحصلوا بعد على الجنسية الروسية يواجهون الآن الطرد من روسيا، تماما كما حصل مع أسلافهم في أعقاب غزو بلادهم من قبل روسيا القيصرية قبل 150 عاما”. (https://www.rferl.org/a/russia-expels-circassian-resettlers-as-turkey-relations-sour/27550147.html)
إجراءات غير مقبولة ولا معقولة لا تزال متواصلة الى يومنا هذا، حتى في القرن الحادي والعشرين، حيث يجري اعتقال واحتجاز المواطنين الشركس الذين يرغبون في ممارسة حقوقهم المدنية والأساسية وفقا للقوانين المرعية وقيام السلطات المحلية بالرد على ذلك بتطبيق إجراءات عقابية شريرة مستمرة دون الاحتكام للعقل وللقانون او لقواعد تنفيذ العدالة ويقومون بالتمادي والتعدّي على المواطنين. لقد تم إخضاع المعتقلين لإجراءات غير مبررة كالتعذيب والمعاملة السيئة أو العقوبات القاسية واللا إنسانية أو الحاطَّة من الكرامة، والشواهد كثيرة على ذلك.
وما يتم تطبيقه ضد الشباب والشيوخ على حدٍ سواء لا يمكن ان يوصف إلا أنه تصرفات لأجهزة الشرطة الروسية التي تقوم باتباع خطوات تقوم بتنفيذها ادوات احتلال في ظل الظلم والاضطهاد وحرمان تمتع المدنيين بالحماية وفقا للاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يقر في ديباجته بأن “الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم” (http://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html).
هذا النوع من التعامل لا يمكن ان يوصف الا أنّهُ “تناسي لحقوق الإنسان وازدراؤها” والتي ادت الى أعمال همجية لا تؤدي إلا الى ايذاء الضمير الإنساني، وهو على عكس ما يرنو إليه بني الإنسان وهو “انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة”، و”الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان” (http://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html).