الأربعاء 5 سبتمبر/أيلول 2017
الكذب، والأكاذيب اللعينة، وتزوير بوتين للتاريخ الشركسي
للكاتب: بول غوبل (Paul Goble)
ترجمة: عادل بشقوي
6 سبتمبر/أيلول 2017
ستاونتون، 4 سبتمبر/أيلول — هناك ثلاثة أساليب قامت موسكو من خلالها بتزييف تاريخ الشعوب غير الروسية: لقد تجاهلت تاريخهم ما لم تتطابق قصتهم مع الرواية الروسية، وكذبت بشأن ذلك التاريخ -سواء بشكل فردي أو جماعي-، ثم اختارت أحداثًا معينة لإعطائها معنًى مختلفًا تمامًا عن المعنى الذى يمكن أن يعطيه أي مراقب متجرد.
هيمن النهج الأول على التاريخ السوفييتي منذ عهد ستالين فصاعدًا. أما الثاني؛ فأصبح ذا أهمية متزايدة في نهاية العهد السوفييتي، ولا يزال هو الأسلوب الأكثر شيوعًا الذي تحاول موسكو من خلاله ملاءمة الأحداث التاريخية غير الروسية بطريقة قسرية لإظهار الصورة المطلوبة عن الماضي. لكن الأسلوب الثالث هو المفضل لدى فلاديمير بوتين.
هذا الاسلوب – من نواح كثيرة- هو الأكثر إثارة للفتن؛ وذلك أن عدم وجود تعليق أو وجود تعليقات مزيفة يتسبب في إحداث الانشقاق والمطالبة بالحق، بينما طريقة بوتين تجعل تلك الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لغير الروس لأنها غالبا ما تضعهم في وضعٍ يكون ردهم فيه: “نعم، ولكن ..”، وبالتالي يعترفون بمواقف موسكو حتى وإن رفضوها.
هذا الأمر يعمل لصالح موسكو ولصالح اعتقاد بوتين الخاطئ بأن هناك مجرًى واحدًا لتاريخ الإمبراطورية في الماضي، والذى يبدو ملتزمًا جدًّا بالاحتفال به أو إعادة تشكيله إذا كان ذلك ممكنًا. وهذا يعني أن غير الروس وأنصارهم يجب أن يكونوا حذرين من مخاطر مدرسة بوتين للتزييف.
وهناك مثال فاضح لطريقة زعيم الكرملين يظهر الآن في قباردينو-بلقاريا في شمال القوقاز. ففي نهاية شهر أغسطس/آب؛ أعلن مسؤولون هناك عن بدء مسيرة للفرسان يبلغ طولها 500 كيلومتر عبر الجمهورية احتفالًا بالذكرى الستين بعد المائة للاندماج الطّوعي للقبارداي مع روسيا” (kavkazr.com/a/konny-perehod-k-nesushchestvuyushchey-date/28704987.html).
القبارداي -وهم مجموعة فرعية من الأمة الشركسية- غاضبون جدًّا لأنهم متأكدون من أنه لا يوجد أي أساس لهذا الاحتفال أبدًا. وأفضل ما يمكن أن يقال: أن السّلطات قررت ذلك من خلال ربط ذلك بحدث حقيقي وقع قبل 457 عامًا عندما تزوجت أميرة قباردية إيفان الرهيب.
هذا الاحتفال ليس مخطئًا في عدد السنوات التي انقضت منذ ذلك الحين فحسب، بل يتم إساءة استخدامه أيضًا في دعوى تذكر “الانضمام الطوعي للقبارداي لروسيا”، بدلًا مما حدث حقًّا؛ وهو: عقد تحالف عسكري مؤقت بين حكام الدولتين.
هذا الرأي هو رأي الناشط القباردي إبراهيم يغانوف (Ibragim Yaganov) الذي يقول: إنه في القرن السادس عشر؛ عقدت الدولتان معاهدة تم تتويجها بهذا الزواج، وهو الأمر الذي كان عاديًّا في ذلك الوقت. لكن ذلك لم يمثل -ولا بأي شكل من الأشكال- إتّحاد الدولتين. بل -وفي وقت لاحق- انضمّ القبارداي إلى الشركس الآخرين في محاربة الغزو العسكري الروسي لوطنهم.
قال أنزور أخوخوف (Andzor Akhokhov) -وهو شخصية أخرى في القبارداي-: إنه بسبب هذه التشويشات؛ فإن مسيرة الفرسان الحالية “هي إهانة لذكرى الفرسان الذين أعطوا أرواحهم من أجل حرية الوطن، وإهانة لذكرى النساء والأطفال وكبار السن الذين ماتوا”عندما قامت القوات الروسية لاحقًا بإحراق منازلهم أو إجبارهم على الذهاب إلى المنفى.
قال ناشط ثالث -هو: عدنان خواد (Adnan Khuade)-: إن الروس ليس لهم أي حق للقيام بما يقومون به؛ إنهم لا يفهمون تاريخهم على الوجه الصحيح، ولا حتى حدثًا حقيقيًّا في تاريخ معين. وقالت ناشطة رابعة -هي: دانا تشيركسوفا (Dana Cherkesova)-: إن أي شيء طوعي حدث في القرن السادس عشر تم إبطاله في وقت لاحق بسبب الاعتداءات الروسية.
قال أصلان بشتو (Aslan Beshto) -رئيس الكونغرس القباردي-: إن القول بأن قبارديا انضمت طوعًا إلى روسيا كان حلمًا جيء به في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عندما قرر ستالين تمجيد روسيا، والتقليل من علاقة تاريخ الشعوب غير الروسية بذلك، والتأكيد على مدى توق هذه الشعوب لأن تكون جزءا من روسيا.
ويقول: “ابتداءً من عام 1951″؛ كان المسؤولين السوفييت قد “بدأوا التأكيد على أنه على الرغم من سبليات القيصرية بشكل عام؛ لا ينبغي للمرء أن ينكر الدور الإيجابي لروسيا في العلاقات مع الشعوب التي تم إخضاعها”. وبعد ثلاث سنوات؛ أوضح مؤرخ قباردي سوفييتي معنى ذلك في تقرير له “حول مسألة الانضمام الطوعي لقبارديا إلى روسيا”.
إن ما يفعله بوتين الآن -على نفس النهج- من نسج حقائق محددة في إطار أسطوري سيضطر غير الروس وأصدقاءهم -بل والروس أنفسهم في نهاية المطاف- إلى التصحيح والرفض إذا كان لديهم أي أمل في في إمكانية العيش معًا بشكل إيجابي في المستقبل.
المصدر:
http://windowoneurasia2.blogspot.com/2017/09/lies-damn-lies-and-putins-falsification.html