وكلاء الغزو الفكري
بقلم: عادل بشقوي
22 يونيو/حزيران 2018
أرسل لي صديق مقالًا منشورًا على موقع إلكتروني تحت عنوان قد يؤدّي -في آخر الأمر- إلى عدم التوافق مع الواقع؛ إنه مشهد آخر من حلقة هوليوودية هزلية يتم نشرها من قبل مجهول يتشدق عبر أحد مواقع الإنترنت فيما يتعلق بالقضية الشركسية. هذا المقال يشير إلى وجود فجوة واسعة بين الحقيقة والأفكار السلبية في سياق يمكن أن يؤدي إلى فضول لا نهاية له، حتى بين النقاط والعناصر المذكورة، والتي تتحدى الحقيقة والمنطق تمامًا.[1]
وحيث أنّهُ لا يوجد أي تجانس منطقي لكل ما هو مذكور بقدر ما يوجد موقف يتسم بالتهكم والتسخيف والدعاية السوداء والمعلومات المضللة، وعبر ذكر الجمل المترابطة بالأخبار والمعلومات المتضاربة؛ تؤكد المحتويات المقدَّمة -في الشكل والمضمون- بوضوح بأنه تحريف للحقيقة. يتم إطلاق الحقائق ممزوجة مع الأحلام والأكاذيب بشكل عشوائي، ويجري التناوب بين الأشخاص والناس والأحداث والأمم والدول والأوقات؛ لا يكون ذلك من أجل التوضيح للقارئ الحصيف، ولكن لتضليل أولئك الذين يريدون البحث عن الحقيقة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق كلام حق يراد به باطل.
لا توجد مشكلة في القراءة بين السطور أو في الوصول إلى هوية من يقف وراء هذا الأسلوب الهابط أو معرفة من هو المستفيد الذي استخدم هذا الأسلوب البهلواني. إن أقل ما يقال في اللغة الإنجليزية المستعملة في كتابة الموضوع: إنها تحتاج إلى تحسين. إن المقال يتناول القضية الشركسية بتحامل واحتيال وافتراء ونفاق ، مع افتراض جهل الآخرين.
هناك انتقائية في ذكر أسماء بعض عملاء استخبارات محتملين بعينهم ومعروفين للرأي العام في بلاد مختلفة على المستوى الدولي، ولكن لا تقدِّم المقارنات ما هو ملائم لقضايا الاستعمار والإمبريالية التي تتصف بها السياسات الجشعة للإمبراطورية القيصرية الروسية. ومن ناحية أخرى؛ فإن معظم المناطق المذكورة للمقارنة لا تتطابق مع الواقع الإقليمي لشركيسيا بشكل خاص أو منطقة القوقاز بشكل عام، كما أنها لا تذكر صراحةً الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف والتعاون والتنسيق بين الأطراف الإستعمارية في ذلك الوقت. وكذلك؛ فإن المقال لا يذكر -ولا حتى إشارة- مواضيع أكثر أهمية بكثير؛ مثل الغزو القيصري الروسي الهمجي، وحرب الإبادة الوحشية، والاحتلال الذي ما زال مستمرًا إلى يومنا هذا، والتطهير العرقي، والترحيل القسري لحوالي تسعين في المائة من الأمة الشركسية، وضم الوطن الشركسي إلى الإمبراطورية الروسية.
إن المؤلف والمروج لهذا المقال المشبوه يظهر كراهية عجيبة تجاه جميع الرموز الشركسية؛ فها هو لم يفوت الفرصة لنشر معلومات سامة واعتباطية وزائفة فيما يتعلق بالعلم الشركسي، وهو ما تم ذكره بتهكم وبشكل محموم. وإذا كان هناك شركسي حقيقي قد يروج لمثل هذه الدعاية المضللة؛ فإن ذلك يذكرنا بالمثل القائل: “مع أصدقاء مثلك، من يحتاج إلى أعداء؟”[2]
وليس سرًّا أن الحملة الدعائية المعادية تكون دائما مستعدة وراغبة في تحدي أي حدث أو رمز وطني، مما يجرِّئ مروّجي التضليل على تحدي العناصر الوطنية للهوية والتراث لحضارة عميقة الجذور دون أي خجل. وعلى ما يبدو؛ فإن الأطراف والوكلاء الذين يوجهون الدّفة قد قرروا أن يسيروا في هذه الحملة بالتوازي مع عدم حل القضية الشركسية أو استعادة الحقوق الشرعية.
هناك طابور خامس منظَّم يعمل ضد المصالح الوطنية الشركسية، وهو نشيط في العديد من المناطق التي يقيم فيها الشركس سواء في الوطن أو في الشتات. “لقد أعلن الفصيل الموالي لروسيا داخل الجمعية الشركسية العالمية (ICA) أنهم يعارضون تدخل المنظمات الشركسية في سياسات الدول التي يعيش فيها الشركس الآخرون. ولم يوضحوا كيف ينبغي للشركس في البلدان الأخرى أن يقفوا إلى جانب مصالحهم كشعب”[3]. إن العديد من المصادر تثبت وجود مؤامرة. “أوقع هذا الوضع شركيسيا في دائرة المشاكل ذات الأهمية في السياسة الدّوليّة في القرن الثامن عشر وتاريخها إلى طورٍ حرج. وتم وضع الخطط للسيطرة على أي أراض أو أمم أو عناصر إستراتيجية يمكن أن تساعد في إنشاء دولة إستعمارية”.[4]
إن من بين الرموز الوطنية التي تجسد تلك الروابط التي ترمز إلى العناصر والأعمدة والوعي عند الأمة الشركسية هو العلم الشركسي (أديغة بيرق). لقد تم استخدامه -وما زال- كتحدٍ ضد الغزاة والإمبرياليين؛ إنه يقوي ويوحد الناس لتحقيق طموحاتهم ومصالحهم، ويعتبر شعارًا يشجع على الحفاظ على الحماس والاستقرار الوطنيين. وعلى عكس ادّعاءات ما يُدْعى بالمقال؛ فقد تم تصميم العلم الشركسي وصنعه من قبل الشركس أنفسهم. وبالنظر إلى الوقت الحاضر؛ فإن العملات المعدنية والأوراق النقدية والوثائق المالية والأعلام والميداليات والعديد من العناصر السيادية القومية الأخرى لمختلف الدول تتم صناعتها بشكل متقن من قبل دول أخرى، وهي التي تشتهر بالعمالة المؤهلة والماهرة. إن إمكانية الحصول على على مواد ثمينة مصنوعة من مواد متينة وطويلة الأمد أمر هام وطبيعي.
وبغض النظر عن الروايات المزيفة والباطلة وعن الدعاية المضللة؛ فإن الحقائق الواضحة تخبرنا بما حدث بالفعل؛ لقد اتفق الزعماء الشركس في اسطنبول على شكل العلم الشركسي؛ “في أحد الأيام عندما زار سيلخور (Selkhur) الأمير جان (Zan)، وقدم الأخير ورقة مطوية، حيث مررها إلى سيلخور، وسأله عن رأيه حول محتوياتها؛ تفاجأ سيلخور، ثم أجاب جان عاطفيًّا بأنه علم الوحدة الشركسية {براق} (Baraq)، قائلاً إنه خلال فترة مكوثه الطويلة في المستشفى كان يفكر مليًّا برمز للوحدة الشركسية، واختتم ذلك بما احتوته الورقة.
“كان يحتوي على اثني عشرة نجمة ذهبية وثلاثة أسهم متقاطعة. وأوضح جان أن كل واحدة من النجوم الاثني عشر تمثل قبيلة شركسية وأنهم يمثلون جميعهم بشكل متساوٍ من دون تحيُّز؛ فهم جميعا متساوون في الإتّحاد. أما بالنسبة للأسهم المتقاطعة؛ فإنها تمثل أن الشركس لا يسعون إلى الحرب، بل سيدافعون عن أنفسهم عند مهاجمتهم”.
وفي وقت لاحق كان جاهزا؛ “في غضون أيام قليلة، أحضرت حورية خانم (H’ouri Khanem) العلم الذي تم تجهيزه حيث كان جاهزًا لإرساله إلى شركيسيا”.[5]
تم الإعلان عن الوحدة القومية الشركسية في العام 1836[6]، وأعطي العلم في منتصف ثلاثينيات القرن التاسع عشر “إلى جيمس بيل ولونغورث (James Bell and Longworth) الذين سافرا إلى القوقاز على متن السفينة البخارية فيكسن (Vixen)”. وبعد وصوله إلى الساحل الشركسي للبحر الأسود؛ سلم بيل رزمة إلى نور محمد حاغور (Nour Mohammad Haghur)، قائلًا إن الأمير جان سيفربي (Prince Zan Seferbi) قد طلب تسليمها له. وتبين أن الرزمة تحتوي على قطعة من مادة الحرير الأخضر مطرزة بخيوط ذهبية لاثنتي عشرة نجمة ذهبية وثلاث أسهم متقاطعة. فوجئ نور محمد، وتساءل: “ما هذا؟ هل هو ما أعتقده؟”، فأجابه بيل بالإيجاب.
“عقد اجتماع عام للمؤتمر في وادي بسيفاب (Psefabe)؛ حيث التقى ممثلو القبائل الشركسية، والذي قدم فيه نور محمد حاغور موضوع العلم الشركسي بالقول: إن الأمير جان أرسل لنا (براق = علم) الوحدة الشركسية، وطلب من ترام (Tram) أن يشرع في فك الرزمة وتقديم العلم”[7].
لقد شهد الشركس لحظات رائعة وذات مغزى؛ “عندما ظهر قماش الحرير ذو اللون الأخضر بنجومه الذهبية وأسهمه؛ بدأ العلم يرفرف بقوة مع الريح، كما لو كان يستعد للطيران في الهواء. ساد الهدوء في الوادي في حين تركزت في تلك اللحظة مئات الأعين على العلم الأخضر الذي يخفق بنجومه وأسهمه الذهبية. ثم سأل حاغور: “من يوافق على أن يكون هذا العلم هو العلم الموحّد لكل الشركس؟”. في تلك اللحظة؛ تم انتزاع السيوف (qamas) من أغمادها ورفعها فوق رؤوس هؤلاء الشركس المتجمعين في الوادي”.[8]
ليس دفاعًا عن أي شخص في هذا المفهوم؛ ولكن ليس من العار أن تتم معرفة ديفيد أوركهارت؛ فهو كاتب وسياسي ودبلوماسي، وفي نهاية المطاف أصبح عضوًا في البرلمان البريطاني. لقد سافر إلى شركيسيا ووجهات إقليمية أخرى، وتم اطلاعه على الثقافة والتاريخ الشركسي، وكان أحد أولئك الذين حاولوا تشجيع الحكومة البريطانية وحثها على التدخل ومساعدة الأمة الشركسية ضد العدوان الخارجي، ولكن دون جدوى بسبب بعض الاهتمامات الاستعمارية. لقد تم إطلاع الحكومة البريطانية على معلومات مهمة جدًا ذات صلة بالغزو القيصري الروسي والجرائم المروعة، ومع ذلك؛ فقد تم -عن قصد- دفع الشركس إلى حافة الهاوية.
“أوركوهارت (Urquhart) … أصبح منزعجًا من التهديد الذي أحدثه التدخل الروسي في المنطقة. وقد بلغت حملة أوركوهارت أوجها -بما في ذلك إشهار تركيا ومواردها- عند تعيينه في مهمة تجارية إلى المنطقة في عام 1833. وقد صاغ مثل هذه العلاقة الحميمة مع الحكومة في إسطنبول لدرجة أنه أصبح صريحًا في دعواته للتدخل البريطاني نيابة عن السلطان ضد محمد علي حاكم مصر في معارضة لسياسة العقاب الجسدي. وقد استدعي من قبل بالمرستون (سياسي بريطاني) عندما نشر كتيبه المناهض لموسكو، إنجلترا وفرنسا وروسيا وتركيا، والذي جعله في صراع مع ريتشارد كوبدن (Richard Cobden).
“وفي عام 1835؛ عُيّن سكرتيرًا للسفارة في إسطنبول، لكن محاولة مؤسفة للتصدي للنماذج العدوانية الروسية في شركيسيا -والتي هددت بأن تؤدي إلى أزمة دولية- أدت مرة أخرى إلى استدعائه في عام 1837. وكان في عام 1835 -قبل مغادرته إلى الشرق- قد أسس دورية تسمى {المحفظة} (Portfolio)، وفي العدد الأول طبعت سلسلة من الأوراق الحكومية الروسية، والذي ترك انطباعًا عميقًا”.[9]
إن التزوير ليس مقبولًا، وليس من العدل أن نعلن أن “الشعب الشركسي قد خدع ودخل في حرب كانت نتيجتها معروفة، وخُدع بالتآمر ضده حتى من أولئك الذين زعموا أنهم كانوا حلفاء له في ذلك الوقت”. إن الحقيقة هي أن الإمبراطورية القيصرية الروسية كان بحوزتها خطة طريق محددة مسبقًا للسيطرة على شركيسيا بالكامل من أجل احتلال وضم الساحل الشركسي على البحر الأسود. وأما الشركس؛ فكان عليهم أن يبادوا ويهجروا ويرحلوا من وطنهم التاريخي.
“في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1860؛ اقترح الجنرال نيكولاي إيفدوكيموف (General Nikolai Evdokimov) ما كان ربما أول تطهير عرقي في التاريخ. رسميًّا؛ كان على الشركس أن يختاروا بين الاستقرار في الشمال أو الهجرة إلى تركيا. ومع ذلك، ذكر شاهد العيان ميخائيل فينيوكوف (Mikhail Venyukov) أن إيفدوكيموف صرح بشكل خاص أنه خطط لدفع جميع الشركس إلى الأناضول (Anatolia) … وهذا بالضبط ما حدث في شركيسيا. اتبعت روسيا سياسة تهدد بوضوح حياة عدد كبير من الناس (كما حذرت لجنة إيفدوكيموف في عام 1861)، وعندما أصبحت نتائج تلك السياسة واضحة، لم يغيروا المسار”.[10]
وفي ظل هذه الظروف؛ فليس لاحد أن ينتقص الشركس بسبب التواصل مع أي شخص يمكنه المساعدة في شرح قضيتهم إقليميًّا وعالمياًّ. وبغض النظر عن محاولات الكاتب الساذجة والمتعثرة -والمتطفلة- لتقويض حق الشركس في النظر في شؤونهم الخاصة ورعايتها؛ إلا أن الحقيقة المأساوية تؤكد أنهم كانوا يتعاملون مع مختلف الإمبراطوريات والقوى العظمى التي ليس لديها أي قدر من المسؤولية المعنوية والأخلاقية أو حتّى الالتزامات الإنسانية.
لقد تعلم الشركس من التجربة أنهم كانوا -وما زالوا- يتعرضون لأفظع الاتهامات والأكاذيب، مما يمكن أن يوصف بأنه النفاق الأكثر سفورًا، وكما قيل: “يتضرر المنافقون من الحقيقة”[11].
وفي سياق إيجابي -وبه نختم-؛ ينبغي تذكر كلمات آينشتاين: “قليلون هم من يرون بأعينهم ويشعرون بقلوبهم”[12].
[1] (http://www.syrializm.com/blog/analytics/754.html)
[2] )https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/with-friends-like-you-who-needs-enemies(
[3] )http://oc-media.org/unambitious-state-backed-circassian-groups-hide-a-growing-nationalism-in-young-circassians/(
[4] )Circassia: Born to be Free. Adel Bashqawi. Page 105(
[5] )Circassia: Born to be Free. Adel Bashqawi. Page 273(
[6] (https://books.google.jo/books?id=83YEAAAAQAAJ&pg=PA187&lpg=PA187&dq=&redir_esc=y#v=onepage&q&f=false)
[7] )Circassia: Born to be Free. Adel Bashqawi. Page 274(
[8] )Circassia: Born to be Free. Adel Bashqawi. Page 274(
[9] (http://www.clanmacfarlanegenealogy.info/genealogy/TNGWebsite/getperson.php?personID=I82111&tree=CC)
[10] (https://historynewsnetwork.org/article/151025)
[11] (https://www.academyofhappylife.com/see-eyes-feel-hearts/)
[12] (https://www.academyofhappylife.com/see-eyes-feel-hearts/)