الرواية الشركسية المعربة (ميخائيل لاخفينتسكي)

الرواية الشركسية المعربة (ميخائيل لاخفينتسكي)

د. إيمان بقاعي


 

الرواية الشركسية المعربة

(ميخائيل لاخفينتسكي)

 

ميخائيل لاخفينتسكي (دوي الرّعد)[1]:

سئل الكاتب ميخائيل لاخفينتسكي[2] عن الدَّافع إلى كتابه قصة تاريخية عن الشّراكسة بالذَّات فأجاب:

“من الأمور المسلّم بها أن الإنسان، إذا لم يدرك الماضي جيدًا وإذا لم ينقب في القرون الّتي أصبحت جزءًا من التّاريخ، فلن يستطيع أن يفهم الحاضر كما ينبغي له أن يفهمه”[3].

ويعود الكاتب في روايته إلى القرن التَّاسع عشر، إذ تصور أحداثها معاناة الشّعب الشّركسي الّذي هجِّر قسرًا إلى تركيا أو مات مدافعًا عن وطنه.

وتحكي الرواية رحلة العسكري الرّوسي (ياكف قيصروف) الّذي ذهب لقتال الشّراكسة (الجبليين) والّذي شاهد الكثير من المناظر المؤلمة الّتي أثرت به، كمنظر المؤذن الأعمى العجوز[4]، ومنظر الموتى الّذين اختاروا الموت بدل الهجرة[5]، فاالتحق بالشّراكسة ودُعِيَ (يعقوب).

وقد رحب القوم به ووثقوا به، فبنوا له بيتًا وأعطوه “بقرة وخمس عنزات وعشر دجاجات وديك”[6] ووعدوه بفرس.

… لكن الحرب لم تمهله ليعيش سعادة الانتماء، إذ هاجم الرّوس القرية فقتلت زوجه الّتي أحب بجانبه، وقتلت أختها وزوجها وفقد (زاكير) و(بيبا).

اعتقد الرّوس أن يعقوب كان أسيرًا، فحاولوا إنقاذه وترقيته، لكنه رفض الترقية فنفي إلى سيبيريا جزاء له. وتنتهي القصة بانتظار يعقوب لأوراق مفروزة تمكّنه من الهرب من المنفى ليبحث عن زاكير وبيبا بعيدًا عن القرية المهجورة.

الوطن ممزق والشّعب كذلك.

وبين تركيا والقيصر وعود تبذل بسخاء:

“يرسلون لنا مَن يخدع النّاس ويغريهم بخدمة القيصر وعطاياه، فيرغّبونهم بالسّفر إلى تركيا حيث سيعيشون هناك في جنة مع الحوريات”[7].

هذا ما يقوله الشّراكسة وقد قرأوا وضعهم جيدًا.

والنّاس في الرّواية ثلاثة أقسام:

“البعض يسافر إلى تركيا، والبعض الآخر يموت والبندقية بيده، وهناك أناس يذهبون إلى المكان الّذي يشير إليه الجنود[8] مِن دون مقاومة. فهل هؤلاء أكثر قدرة على محاكمة الأمور وتصرفهم فيه حكمة أكثر منا؟ على الأقل يحفظون نسلهم وحياة أبنائهم”[9].

مَن يستطيع أن يقرأ بشكل أفضل؟

سؤال يطرح نفسه في خضم التمزقات والطروحات المتعددة.

لكن سير الرّواية واضح، والاختيار كذلك.

القرار واضح:

“الموت في ديارنا أفضل مِن الموت هناك وراء البحر”[10]: القتال إذن!

وجواب يدعم القرار؛ فإذا ركع الإنسان مرة واحدة فمن السَّهل عليه التعود على الزَّحف، وعندها ستصبح عيون النّاس تحت ذقونها كما هي عند الخلد.

لا للهجرة إذن!

يجب على الإنسان أن يدافع عن بيته، وعلى الشّعب أن يدافع عن أرضه وهكذا الأمر الآن وسيكون إلى الأبد[11].

وهكذا كان!

فالوطن غالٍ؛ لذا قام الجميع يدافعون عنه بوسائلهم البدائية وبإيمانهم الكبير.

لماذا الحرب؟

يقول الشّراكسة: “لا نريد أن نحارب أحدًا ولا أن نضع رقابنا تحت سلطة قيصركم ولا السّلطان التركي أو الملكة الإنكليزية بالرغم مِن كونها امرأة[12]؛ فلو اتحدنا مع الأتراك والإنجليز لدفعنا ثمن ذلك حريتنا”. ويعلق يعقوب على هذا الموقف الشَّريف:

“وتذكرت أن الكثير مِن مؤرخينا، أمثال فادييف قد أعطوا الشّراكسة حقّهم في تلك النَّاحية؛ فهم لم يسمحوا للإنكليز والفرنسيين والأتراك باحتلال الشّاطئ. وكان قادة الجيش الرّوسي يمررون جنودهم – في أوقات الحرب – على طول الشّاطئ حتى غروزيان وبعدها إلى شاطئ تركيا. ولو كنت قيصر روسيا، لاعتبرت الشّراكسة في جانب الرّوس لهذا السّبب وتركتهم يعيشون بسلام في أراضيهم”[13].

لكن القيصر لم يفعل، بل دمر بعنف مَن بقي مِن الشّراكسة في أرضه[14].

مَن يحب الحرب؟

كثير مِن جنود الرّوس – مثل يعقوب – رفض الحرب وانضم إلى الجبليين في دفاعهم الشَّريف عن حقهم بالبقاء في وطنهم.

لماذا الحرب والنّاس كانوا شعبًا واحدًا؟

سؤال مهمٌّ يطرح نفسه مع الكاتب الدّاعي – في روايته هذه – إلى أُخوة شعبي روسيا والقفقاس:

“لم يأت من الدار الآخرة أحد ليخبرنا بالحقيقة. إلا أنني سمعت منذ زمن بعيد جدًّا قبل عيسى ومحمد أن البشر عاشوا بعيدًا وراء البحر.

قد يكون ذلك في بلاد العرب، ثم ما لبثوا أن انقسموا إلى ثماني قبائل تفرقت فيما بعد في كل أنحاء العالم. وفي القرآنِ الكريم وردت الآية: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً… ﴾.

وعندما كانت القبائل تلك تلتقي مرة أخرى كانوا يتحاربون كغرباء ولا يعرفون بعضهم بعضًا”[15].

لماذا الحرب؟

سؤال يتنامى مع أحداث الرّواية ويقلق القارئ إلى درجة أن يبحث جاهدًا عن جواب لدى الكاتب الّذي أراد – بقوة – للسَّلام أن يعمَّ، ولم يرد – كما قال الكاتب السوفياتي “قسطنطين سمونوف” – أن يقوِّض “قضايا التحالف بين شعوب الاتحاد السّوفياتي”[16] بكتابته عن حرب جرت وانتهت.

لقد صرخ “ميخائيل لاخفينيتسكي” موجوعًا كواحد مِن شعب صغير جُلد بقسوة، لا من أجل بعث الحرب، بل من أجل ألا تتكرر، إذ أكد – على لسان بطل الرّواية – رافضًا الحرب وداعيًا إلى السَّلام بلهجة فيها الكثير من المرارة، وربما مِن عدم الثقة مِن أن دعوته ستُجاب:

“أعتقد أن النّاس جميعًا قد نسوا أنهم كانوا شعبًا واحدًا. ولن يعم السلام على الأرض إلا إذا تذكروا ذلك”[17].

هل يتذكرون؟

وهل يعم السَّلام؟

سؤال في روايةٍ على لسان الشّعوب الصَّغيرة.


[1] ميخائيل لاخفينتسكي، دوي الرّعد، ترجمة دينا دبجن (دمشق: دار دمشق 1983).

[2] ميخائيل لاخفينتسكي يورفيتش (آجوق) كاتب شركسي معروف يساهم بقلمه في توطيد الصداقة والأخوة بين الشّعوب. أصدر حتى سنة 1982 تسعة عشر كتاباً تضم رواياته وقصصه الطّويلة والقصيرة، وكتبه معروفة ليس لدى شعوب الاتحاد السوفيتي فقط وإنما لدى قراء دول أخرى. عمل رئيس تحرير جريدة الكوسومول ثم جريدة لجنة الحزب المنطقية في مدينة تفليس ومعاوناً لمدير دار النشر في جمهورية جورجيا ورئيساً (1982) لفرع اتحاد الكتاب الجورجيين الّذين يكتبون بالرّوسية. في عام (1955) ظهرت أول مجموعة قصصية له بعنوان: “لقاءات على الدروب” وفي العام التّالي قبل عضواً في اتحاد الكتاب السوفييت من الكتب الّتي رفعت اسم الكاتب عالياً كتابان هما: “طلقة بندقية في ميتيخنا” و”دوي الرّعد” الّتي وجدت صدى كبيراً في كل من قبارديا وأديغي وشركاسيا وأنجازيا. سئل الكاتب إن كان ليه نية ي متابعة ما بدأه بهذا الكتاب فأجاب: “أنا أعمل في كتابه قصة تاريخية جديدة عن ماضي الشّعب الشّركسي وستكون تتمة ل_ “دوي الرّعد”. [المقال منشور في الجريدة اليومية الّتي تصدر في منطقة تشركيسيا باللّغة الشّركسية، محمد حفيتسة، تر: ممدوح قدموق 3/5/82، بتصرف، دوي الرّعد، ص113 _ 117.

[3] دوي الرّعد، ص116.

[4] الّذي لم يغادر القرية بل صعد يؤذن ظاناً أن أهل القرية ا زالوا فيها “الله أكبر الله أكبر لا إله غلا الله. حي على الصلاة حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر”. لكن من هاجر قد هاجر وبقي المؤذن منسياً [ص21 – 22].

[5] رأى موع الموتى مستلقين على الأرض فرادى وأزواجاً وقد عقدوا أيديهم على صدورهم كانوا مستلقين ووجوههم إلى الشمس أي إلى الشّرق استلقوا ليموتوا جميعاً موتاً اختيارياً بدل الذهاب إلى تركيا أو البقاء للإبادة، [ص44 – 45].

[6] دوي الرّعد ص6.

[7] دوي الرّعد، ص90.

[8] أي إلى سهول الكوبان.

[9] دوي الرّعد، ص101.

[10] دوي الرّعد، ص94.

[11] دوي الرّعد، ص102.

[12] مع ما للمرأة من مكانة واحترام عند الشّراكسة منذ القديم وحتى الآن.

[13] دوي الرّعد، ص89 _ 90.

[14] يا. أبراموف، (القوقازيون الشّراكسة)، ترجمة زهدي سطاس وراتب سطاس (دمشق: منشورات اللجنة الثّقافية لجمعية المقاصد الخيرية الشّركسية، 1989) وفي الكتاب عرض لأحداث تهجير القبائل سكان الجبل من القوقاز وفناء ثقافتها بسبب سياسة روسيا القيصرية في الأعوام 60 – 80 من القرن التاسع عشر. وقد صدر عن مجمع الدراسات في مقاطعة الأديغي ذات الحكم الذّاتي عام 1927.

[15] دوي الرّعد، ص109.

[16] النشرة الثّقافية، دمشق: جمعية المقاصد الخيرية الشّركسية، 1990، ع:4، ص26.

[17] دوي الرّعد، ص96.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_language/0/73474/#ixzz5YStrDrpH


 

 

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_language/0/73474/#ixzz5YSukZjjw

Share Button

اترك تعليقاً