20 ماي/أيار 2020
د. توقه يكتب: يا سيدي العمق الإستراتيجي الأوروبي لا يُسمن ولا يُغني من جوع
الاردن 24 –
كتب الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي، الدكتور حسين عمر توقه –
المقدمة :
يا سيدي إن الأمن القومي العربي في مهب الريح فهي أمة لاهية ملهية فقدت بوصلة الحق لديها فأموالها منهوبة مسروقة وما تبقى منها يصرف في الفتنة والقتل والدمار وكل ما هو بعيد عن جادة الدين والحق والصواب بل إن بعضهم تغيرت موازين العقل والعاطفة لديهم يحاولون أن يخدعوا أنفسهم بأن عدو الأمس سوف يدافع عنهم ضد إيران.
يا سيدي إنهم يحاربون في الخفاء والعلن ما تمثله من الصمود ووقفة الشرف في وجه المحتل والمطالبة بالحفاظ على ما تبقى من قدس الأقداس في وجه عدو لا يرحم ليس له ضمير مدعوم من قبل معظم الدول التي أطلقنا عليها زورا وبهتانا الدول العظمى بناء على ما تحتويه ترسانتها من رؤوس نووية وأسلحة الموت والدمار وليس بما تمثله من قيم ومبادىء إنسانية.
ويا خوفي يا سيدي أنك ستكون فوق مسرح الأحداث وحدك وفوق منبر الحق وحدك لا يقف معك بعد الله سبحانه وتعالى إلا الشرفاء من أبناء شعبك والشرفاء من أبناء فلسطين توأم أهلك.
إن ألمانيا لا زالت تعيش عقدة الذنب وهي تلتحف مرغمة بغطاء المحرقة اليهودية الكبرى وذكريات معسكرات الإعتقال النازية. ولقد دفعت ألمانيا مئات المليارات من الدولارات لإسرائيل من أجل أن تشطب وصمة العار في تاريخها. فهي لن تستطيع أن تكون وسيطا محايدا حين تكون إسرائيل أحد أطراف النزاع.
ويبدو أننا في غمرة تهافتنا على الدول الغربية واستنجاد ثوراتنا العربية بكل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وبعد أن أصبحت واشنطن وباريس ولندن مقر انعقاد مؤتمرات المقاومة العربية الحديثة وربيعها العربي بدءاً برجالات الثورة العراقية وانتهاء برجالات المعارضة الليبية والسورية واليمنية واللبنانية. أننا قد نسينا بعضا من تاريخ أمتنا وبالذات تاريخ القضية الفلسطينية والأمة العربية لا سيما في بدايات القرن العشرين ويبدو أن أعداء الأمس ومستعمري العالم العربي والإسلامي قد أصبحوا اليوم حلفاء للثورات العربية.
لقد نسينا التاريخ لأننا لا نعيش إلا في فتوحات وإنتصارات الماضي واليوم ونحن نناقش العمق الإستراتيجي الأوروبي أعيد إلى الذاكرة العربية المسلمة دعوة حزب المحافظين البريطاني كلا من فرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا بالإضافة إلى رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ديفيد ويلفسون عام 1905 إلى عقد مؤتمر سري استمرت مناقشاته لمدة عامين وتم التوصل في نهاية المؤتمر إلى وثيقة سرية عرفت بوثيقة ” كامبل ” نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت هنري كامبل بنرمان. حيث تم في هذا المؤتمر وضع خطة لإحتلال العالم العربي المسلم من شرقه من الخليج العربي إلى غربه على شواطىء المحيط الأطلسي وإستعماره والإستيلاء على منابع النفط والسيطرة على منافذ البحر الإستراتيجية بدءا بمضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس وإنتهاء بمضيق جبل طارق.
ولعل أكثر القرارات إيلاما هو الإجماع الظالم والإتفاق اللا أخلاقي في غرس الكيان الإسرائيلي في أغلى بقعة من الأرض العربية وأقدسها قاطبة وهي أرض فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول ومهبط الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والتي تربط بين القارتين الآسيوية والإفريقية والعمل على إبقاء شعوب هذه المنطقة جاهلة متأخرة محرومة من أي تقدم تكنولوجي لأطول فترة زمنية ممكنة. وإبقائها مفككة متناحرة مشغولة بحروب داخلية بعيدة عن أي توجه وحدوي فيها.
أعذروني فإن الدول الأوروبية التي نطمع في عمقها الإستراتيجي هي سبب كل المشاكل العربية ومآسيها طوال القرن الماضي وأنضم إليها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تغنينا في القرن الماضي بحركات التحرر والتخلص من الإستعمار وتغنينا بالقومية والوحدة العربية ولكننا خسرنا كل حروبنا مع إسرائيل التي غرستها الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا والتي شنت عدوانها الثلاثي مع إسرائيل على مصر عام 1956.
لقد تغنينا بالتطور العمراني وتحدثنا عن أرقى الفنادق وأعلى الأبراج وأفخم أنواع اليخوت والسيارات والطائرات وشراء اللوحات والقصور ولم نذكر أبداً أننا لم نصنع مسماراً أو هاتفا نقالا واحداً. ولم نذكر أبدا أننا أضحينا أسواقا للإستهلاك ولولا رحمة الله بنا أن أعطانا نعمة النفط والغاز لكنا جُعنا ونهشنا لحم بعضنا بعضا. حتى هذه النعمة لا نحافظ عليها ونهدرها في تمويل حروب أهلية غير إنسانية يقتل فيها الإنسان العربي المسلم أخاه العربي المسلم مثل دعم داعش لتدمير العراق وما يحدث في سوريا واليمن وليبيا.
أعذروني فأنا أريد أن أذكركم ببعض صفحات التاريخ التي يجب ألا تُنتسى وببعض الوثائق والمعاهدات لربما نتعلم شيئا منها فهي تحدثنا عن إنشاء دولة إسرائيل وهي تحدثنا عن دور بعض الدول وبالذات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في تحقيق أهداف إسرائيل.
بريطانيا:
بين عامي 1905 لغاية عام 1907 تم عقد مؤتمر يضم كلا من بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والتي وضعوا فيها مخططاتهم ضمن وثيقة “بنرمان ” التي صدرت عام 1907 والتي تم فيها التخططيط للإستيلاء على العالم العربي الممتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي وزرع إسرائيل في أقدس بقعة في العالم العربي “فلسطين ” وإبقاء العالم العربي تحت رحمة وسيطرة أوروبا.
بتاريخ 16 أيار عام 1916 تم التوقيع على اتفاقية سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا من أجل تقسيم العالم العربي فيما بينهما.
بتاريخ 2 تشرين الثاني عام 1917 أصدرت بريطانيا وعد بلفور المتضمن إقرار الحكومة البريطانيه بإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
في عام 1919 تم الإشراف من قبل بريطانيا على وضع المنهج الدراسي العبري في المدارس في فلسطين.
في عام 1920 تم تأسيس اتحاد العمال اليهودي وتأسيس المجلس الوطني اليهودي بالإضافة الى تأسيس منظمة “الهاجاناه” العسكرية.
في عام 1921 تم تأسيس المكتب التنفيذي لأعضاء المنظمة الصهيونية العالمية في فلسطين وما أن تم تعيين السير هيوبرت صامويل حاكماً عاماً لفلسطين بعد أن فرضت بريطانيا الإنتداب والذي أقرته بكل أسف عصبة الأمم بتاريخ 24/7/1922 حتى قامت بريطانيا بالتمهيد لعمليات إجلاء الفلسطينيين وفتح باب الهجرة لليهود وبعد أن كانت الأراضي التي احتلها اليهود عام 1922 تساوي 60 ألف هكتار أصبحت خلال عام 1939 تساوي 55 ألف هكتار وبعد أن كانت نسبة اليهود بتاريخ 24/7/1922 لا تتجاوز 10% من سكان فلسطين أصبحت عام 1939 تساوي 29% وبلغ عدد المهاجرين اليهود في عام 1948 ما يزيد على 452 ألف مهاجر يهودي.
في عام 1924 تم افتتاح مركز اسرائيل للتكنولوجيا في حيفا كما تم تدشين الجامعة العبرية في القدس عام 1925.
في عام 1936 قامت بريطانيا بتشكيل قوة جديدة عرفت بإسم بوليس المستعمرات اليهودية وقامت بتدريبهم وتسليحهم ودفع رواتبهم.
في عام 1938 قام ضابط مخابرات بريطاني هو الكابتن أودري شارلز وينجيت بتأسيس ثلاث وحدات خاصة من اليهود أطلق عليها ” فصائل الليل الخاصة ” كما قامت بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية بتجنيد 32 ألف مقاتل يهودي للقتال مع الجيش البريطاني كما تم تشكيل فيلق يهودي خاص مؤلف من 5 آلاف مقاتل يهودي حاربوا في إيطاليا.
في عام 1941 نشطت منظمة الهاجاناه وتبنت مشروع تأسيس ثلاثة آلاف مقاتل يهودي عرفت بإسم ” البالماخ ” وقد تم تدريب هذه القوة من قبل الجيش البريطاني.
بتاريخ 15 أيار 1948 أصبحت ” الهاجاناه ” نواة جيش الدفاع الإسرائيلي والذي بلغ في ذلك الوقت ما يقارب 88 ألف مقاتل.
كما تم دعم ورعاية المجندين اليهود في الجيش البريطاني ومنحهم تشكيلا خاصا عام 1944 أطلق عليه ” الفرقة اليهودية المقاتلة “.
وبإختصار شديد فإن بريطانيا قد تولت مهمة تطبيق وعد بلفور سياسيا وعسكريا واقتصاديا حتى تم إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 واستمرت العلاقات الإستراتيجية بين بريطانيا واسرائيل حتى بلغت قمتها عام 1956 حيث اشتركت كل من بريطانيا وفرنسا واسرائيل في عدوانهم الثلاثي على مصر.
فرنسا:-
في تشرين الثاني عام 1954 قام ممثل فرنسا في الأمم المتحدة ووزير دفاعها السابق السيد ” جول موك ” بالكشف عن اتفاق تعاون فرنسي – إسرائيلي في حقل الذرة تم توقيعه في النصف الأول من عام 1953.
وبتاريخ 16/11/1954 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي مو شيه شاريت أمام الكنيست أن فرنسا وإسرائيل قد عقدتا اتفاقا للتعاون في البحث الذري وبتاريخ 1957 تم التوصل الى اتفاق بين فرنسا واسرائيل الى إنشاء مفاعل ديمونا النووي.
في عام 1956 اشتركت كل من فرنسا وبريطانيا واسرائيل في عدوانها الثلاثي على مصر.
منذ عام 1956 قامت فرنسا بتزويد اسرائيل بأسراب الطائرات المقاتلة والزوارق السريعة.
الولايات المتحدة الأمريكية :-
إنني لا أغالي ولا أبلغ إذا قلت إن إسرائيل هي عبارة عن ولاية من الولايات المتحدة.
بتاريخ 12 تموز 1955 تم عقد اتفاقية بين الولايات المتحدة واسرائيل تنص على تبادل واسع للمعلومات المتعلقة بمفاعلات البحث الذري.
في عام 1952 تم توقيع أول اتفاقية دفاع مشترك بين اسرائيل والولايات المتحدة.
بتاريخ 19 آذار 1958 تم توقيع عقد مع قسم الذريات التابع ” أميركان ماشين آند فاوندري ” في نيويورك لشراء بحث ذري تم إنشاؤه في ” ناحال سوريك “.
في عام 1962 اتخذ الرئيس الأممريكي ” جون كنيدي ” قرارا بالموافقة على تزويد إسرائيل بصواريخ هوك المضادة للطائرات
في عام 1970 قامت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقية خاصة من أجل تبادل المعلومات مع إسرائيل التي تساهم في تطوير القدرة القتالية لدى الطرفين وتبادل المعلومات في مجال مكافحة التجسس الإلكتروني والحرب الإلكترونية والإتصالات والمتفجرات والقذائف المدفعية ذاتية التوجيه وصواريخ جو/جو.
في عام 1971 قامت الولايات المتحدة بالتوقيع على مذكرة تفاهم مع اسرائيل تسمح بموجبها الولايات المتحدة لإسرائيل بالحصول على المعلومات الفنية من أجل تصنيع ما لايقل عن مائة صناعة حربية ربعها يدخل في التكنولوجيا المتطورة لأنظمة الدفاع.
في عام 1973 نستعين بتقرير السيد أمين هويدي في مؤلفه ” اللجنة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية والبدائل المتاحة أمام الطرف العربي ” الذي أورد وصفا متكاملاً للجسر الجوي بين الولايات المتحدة واسرائيل ابان حرب تشرين 1973 حيث يقول ” تم في يوم 13/10/1973 إقلاع ثلاثين طائرة ” سي 130 ” في طريقها الى اسرائيل أثناء الحرب وبحلول يوم الثلاثاء 16/10/1973 كان ألف طن من المعدات العسكرية يصل يوميا الى اسرائيل وفي خلال الأسابيع التالية وصل عدد عمليات النقل الجوي إلى إسرائيل ” 550 ” عملية وهو يزيد في ضخامته على الجسر الجوي الذي أقيم في برلين عام 1948-1949.
في عام 1975 تم التوقيع على مذكرة تفاهم سرية تعهدت فيها الولايات المتحدة بعدم الإعتراف بمنظمة التحرير.
في عام 1979 تم التوقيع على مذكرة اتفاق جديدة تسمح بموجبها الولايات المتحدة لإسرائيل بالإستفادة من مجالات البحث والتطوير والإستفادة من المشاريع المشتركة والحصول على تمويل من الحكومة الأمريكية بالإضافة الى التوقيع على اتفاق تجاري اقتصادي تسمح بموجبه الولايات المتحدة لإسرائيل بتسويق انتاجها في الولايات المتحدة.
في عام 1981 تم التوقيع على مذكرة تفاهم جديدة تسمح بموجبه الولايات المتحدة للشركات الإسرائيلية بالدخول في مناقصات السلاح ومنافسة الإنتاج الأمريكي.
لقد زادت المساعدات المادية الأمريكية لإسرائيل من عام 1976 لغاية 1984 على 21 مليار دولار بالإضافة الى المساعدات العسكرية.
وفي الثلاثين من تشرين الثاني عام 1981 تم التوقيع في واشنطن من قبل وزيري الدفاع الأمريكي والإسرائيلي على الصيغة النهائية للأتفاق الإستراتيجي الذي حمل اسم ” مذكرة تفاهم ” وفي الثاني من كانون الأول 1981 حظي هذا الإتفاق بموافقة الكنيست الإسرائيلي عليه وينص على الأمور التالية:
1: تبادل المعلومات الإستخبارية.
2: القيام بتدريبات مشتركة لسلاح البحرية الإسرائيلية والأسطول السادس مع إمكانية إجراء مناورات برية مشتركة داخل اسرائيل.
3: تخزين وصيانة أسلحة أمريكية بما في ذلك دبابات في مستودعات طوارىء داخل اسرائيل بهدف تمكين القوات الأمريكية من التدخل السريع في حال تعرض المصالح الأمريكية في البلدان العربية النفطية للخطر.
4: تقديم الخدمات للطائرات الأمريكية في المطارين اللذين تشيدهما الولايات المتحدة في صحراء النقب.
5: إقامة مستشفى ميداني داخل إسرائيل لخدمة القوات الأمريكية في حالات الطوارىء.
6: فتح الموانىء الإسرائيلية أمام الأسطول السادس الأمريكي وتقديم الخدمات لها.
7: دعم الصناعة العسكرية الإسرائيلية بإعتبارها شريكا في الجهد الإستراتيجي. ومنح الصناعة الجوية الإسرائيلية حق إنتاج أجهزة لطائرات إف 16 وإصلاح طائرات ومعدات أمريكية في الورش الإسرائيلية.
لقد جاء هذا الإتفاق نتيجة قيام لجنة خاصة عليا أمريكية إسرائيلية بوضع وثيقة سرية تحت عنوان ” أهمية إسرائيل الإستراتيجية ” جاء فيها أن إسرائيل هي القوة المشاركة للولايات المتحدة في مجالات ثلاثة هي الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط والجبهتان الجنوبية والوسطى لحلف شمال الأطلسي.
وأخيرا فلقد أصدر الرئيس الأمريكي ترامب أوامره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقام بالموافقة على إعتبار الجولان المحتلة أرضا خاضعة للسيادة الإسرائيلية. وهو يؤيد إضفاء الشرعية على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وإعتبارها أراضي تقع تحت السيادة الإسرائيلية وهي الداعم الأكبر في صفقة القرن لطمس القضية الفلسطينية مقابل ثمن بخس.
ويمكننا الإستمرار الى ما لا نهاية في تعداد تواريخ لا بداية لها من تاريخ وقوف هذه الدول في دعم إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة.