رحلة إلى الوطن الأم

رحلة إلى الوطن الأم

عادل بشقوي

5 يونيو/حزيران 2020

PHOTO-2020-06-05-12-27-50

إذا اضطر الناس إلى مغادرة وطنهم أو كانت أُمّتَهُم ضحية للإبادة الجماعيّة والتّطهير العِرقي والتّرحيل القسْري، و/أو أنهم ولدوا في الشتات، حيث لا يستطيعون الخروج من جلدهم، فإنّهُ ينطبق عليهم المثل التالي: ”لا يستطيع النّمر أن يُغيِّرَ رُقْطَهُ“. [1] إن هاجس الوطن يبقى في قلوبهم وعقولهم، حيث تنطبق عليهم هذه الحكمة: ”تَحِنُّ الكِرام لِأََوْطانها حنين الطيور لأَوْكارها“. [2]

وفي هذا المجال، أود مشاركة من يهمهم الأمر بشأن ما كتبته في مقدمة كتابي الأول (شركيسيا: ولدت لتكون حرة)، حول محاولة والدي الراحل مع صديقه الوصول إلى الوطن الأم في عام 1965، بغض النظر عن كافّة العقبات التي كانت في ذلك الوقت:

قام إثنان من الشركس في الأردن برحلة غير عادية في منتصف الستينيات من القرن الماضي (خلال الحقبة السوفيتية) أعادتهما إلى حيث تجذّرت عائلتهما. بدأت الرحلة في عمان، الأردن، عن طريق البر. قادوا سيارتهم إلى تركيا عبر سوريا. في ذلك الوقت، لم يكن من الممكن السفر بالسيارة الخاصّة عبر الحدود البرية بين تركيا وجمهورية جورجيا الاشتراكية السوفياتية. كان عليهم أن يستقلّوا عبّارة ليعبروا البحر الأسود مع سيارتهم متّجهين إلى ميناء باتومي. في ذلك الوقت، تم الحصول على تأشيرات سياحية من السفارة السوفيتية. قيّد ذلك من المكان المقصود وتحديد المناطق المسموح التجوال بها دون غيرها (والتي كانت جورجيا بشكل رئيسي في هذه الحالة). ولدى وصولهم، استلموا السيارة ثم توجهوا إلى تبليسي. وفي اليوم التالي، التقيا بشخص أرمني كان يقيم في تبليسي، لتسليم رسالة شخصية وبعض الهدايا من ابنه الذي كان يعيش في عمان. استفسر الصديقان عن طريقة ممكنة للسفر إلى الجزء الشركسي في شمال القوقاز. غادرا تبليسي في الصباح الباكر، وذلك حسب الإرشادات، ولأول مرة، قادا السيارة عبر وطنهم الأصلي. استمرا حتى وصلا إلى فندق في مدينة كراسنودار. دخلا إلى ردهة الفندق بحثًا عن أماكن إقامة في الفندق حيث تحدثا باللغة الإنجليزية. حاولا التحدث بلغة الأديغة (اللغة الشركسية)، فبدأ موظف الاستقبال في التحدّث معهما في اللغة الأديغيّة، حتى أنّهُ تحدث معهما بلهجة شابسوغ الخاصة بهم.

وقد أوضحا بأنهم من الشركس وقد جاءوا لزيارة وطنهم الأم للقاء الناس فيه. وعلى الرغم من أنه لم يكن لديهم حجز مُسبق، إلا أن الرجل قدم لهما غرف في الفندق. ثم أجرى مكالمة هاتفية مع معارفه. وفجأة، أصبح الشراكسة من قريته يتدفقون إلى الفندق للقاء الصديقين. لقد دعوهم إلى وليمة شركسية واستقبلهما الجميع بحرارة. تم تقديم الطعام الشركسي، واستمتعوا بالموسيقى والرقص الوطني المحلي حتى منتصف الليل تقريبًا. وشكروا الله العلي القدير على جمعهم مع الشركس.

عادا لاحقًا إلى الفندق، على الرغم من أنّهُ عُرِض عليهم قضاء تلك الليلة عندهم. وعندما سمع شراكسة آخرون من قرى أخرى في المنطقة بالزوار المفاجئين، جاؤوا ودَعوهم للِّقاء في اليوم التالي. ووعدوا باصطحابهم من الفندق في صباح اليوم التالي. وكانوا يعتزمون القيام بجولة في المنطقة، ولا سيما ميناء طوابس (Tuapse) على البحر الأسود، حيث تم ترحيل أسلافهم من هناك في عام 1864.

في اليوم التالي، جاء المضيفون لمرافقتهم إلى مكان الاستضافة التالي. غير أن مفاجأة كانت بانتظار الجميع. لقد جاء عملاء الاستخبارات السوفيتية أو كي جي بي (KGB) إلى الفندق. وطلبوا رؤية الوثائق وجوازات السفر. وعند رؤية جوازات السفر المُقدَّمة لهم، تم إخبار الصديقين بأن تأشيراتهم لم تكن صالحة للسفر خارج المنطقة السياحية المسموح بها. فكان عليهم أن يودّعوا مواطنيهم. ورافقهم ضابط في المخابرات السوفياتية في طريق عودتهم إلى تبليسي. كان هذان الصديقان (المرحومان) والدي الراحل محي الدين وصديقه الراحل يعقوب تاموخ“. [3]

في الختام، اختار الشركس منذ الإبادة والتّهْجير، وكلما سمحت الظروف بذلك، نهجًا مستنيرًا، في احتمال الاستفادة من الفرص المواتية لتعليم أبنائهم مختلف العلوم والتخصصات والمسارات والمهن والدراسات الأكاديمية العليا. يقول نيلسون مانديلا في هذا المجال أنالتعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم“. [4]

***********************

المراجع:

[1] (http://ahewar.org/debat/show.com.asp?coid=267205#.XtgndZ4zZQI)

[2] (https://www.aljazeera.net/blogs/blogs/2017/6/21/%D8%AA%D8%AD%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%87%D8%A7-%D8%AD%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%88%D8%B1)

[3] (منقول عن مقدمة كتابشركيسيا: ولدت لتكون حرة، الذي نُشِرَ في عام 2017، بقلم عادل بشقوي)

[4] (https://www.iqtp.org/?p=256)

Share Button

اترك تعليقاً