شركيسيا / الفصل الأول / الجزء الثاني من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسياولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد.

عادل بشقوي


شركيسيا

الفصل الأول / الجزء الثاني الترحيل والتهجير

PHOTO-2021-04-29-13-32-46

لقد ثبت أن التهجير الشركسي كان مخططًا له من قبل الجيش الروسي. وكانت خطتهم هي تطهير الساحل الشركسي على البحر الأسود من السكان الأصليين. وأولئك الذين لم يُقتلوا كان سيتم نقلهم إلى مناطق ما وراء نهر كوبان أو يتم ترحيلهم إلى الإمبراطورية العثمانية. نصت نوايا الروس على القضاء التام على المقاومة الوطنية الشركسية، والتي تهدف إلى الدفاع عن الوطن من غزو القوى الأجنبية التي ليس لها أي روابط عرقية أو قومية أو دينية أو أي أهداف مشتركة مع الشركس.

تم نقل جزء من مئات الآلاف الذين تم ترحيلهم إلى البلقان لحماية مصالح الإمبراطورية العثمانية إبان الاضطرابات والمقاومة المحلية ضد الحكم العثماني، مما أدى إلى نشوب حرب البلقان. تم حشد وتوظيف الشركس للقتال مع الجيش العثماني التركي، وكان عليهم مواجهة العواقب التي نتجت عن الحرب، بما في ذلك إعادة تهجير العديد منهم للجوء إلى أجزاء أخرى من العالم.

لكن المأساة لم تنته لمن نجا من حملة روسيا في جبال القوقاز. فبعد ترحيلهم، تم تهجير ما يقرب من نصفهم من ديارهم الجديدة في البلقان من قبل القوات الروسية في سبعينيات القرن التاسع عشر. وقد أجبروا على مزيد من الهجرة إلى الشرق الأوسط وما وراءه.14

اكتسب الشركس حضارة مؤثرة وقيِّمة بسبب العناصر المترابطة والمتداخلة. لقد تعاملوا وترابطوا عبر آلاف السنين، مع الشعوب والأمم الإقليمية وحتى غير الإقليمية: ”تشير مجموعة كبيرة من الأدلة الأثرية والثقافية واللغوية إلى ثقافة قديمة في جميع أنحاء شمال القوقاز وتعود إلى العصر الحجري القديم. ربما كان هؤلاء السكان بمثابة الطبقة الأساسية التي نشأت منها جميع الشعوب الأصلية في القوقاز. لقد كانت الفروق بين شعوب شمالغرب وشمالشرق وجنوب القوقاز ناتجة عن تأثير الوافدين المتأخرين الذين فرضوا سماتهم الثقافية واللغوية على هؤلاء السكان الأصليين. وتشير أدلة أخرى إلى وجود حضارة أصلية مستقرة في شمالغرب القوقاز لما يقرب من 5000 عام.15

 في كتابأباطرة وأبطال في التاريخ الشركسي، الذي ألفه الكاتب شوكت المفتي، يؤكد كتابه أنه فيالعصور القديمة وفي فترات مختلفة من التاريخ، ظهر الشركس بأسماء مختلفة حُدِّدَتْ فقط ببعض القبائل“.16

وقال المفتي في هذا الصدد: ”عرف الإغريق القدماء أسلاف الشركس تحت اسم زيك وكيركت، وهما إسمان لقبيلتين مختلفتين من الشعب الشركسي. وقد أطلقت عليهم السجلات التاريخية الجورجية اسم جيك {Djik} (وهو نفس اسم زيخ) وبلدهم جيكيتيا (Djiketia). ومع ذلك، أطلق مؤلف كتاب دربندنامه (Derbend-nameh) على جميع الناس الذين يسكنون بين نهر تيريك والبحر الأسود اسم {دجوليآند“ (Djuli-and)، في إشارة إلى قبيلة آنتس، مع الأخذ في الاعتبار أن جميع هذه البلدان كانت دائمًا مأهولة من قبل القبائل الشركسية المختلفة“.17

وفي تفاصيل أخرى، قال: “احتلت الكركيت منطقة قباردا في زمن سترابو (Strabo)، لكنهم كانوا يعيشون أيضًا على البحر الأسود، بالقرب من مصب نهر بشات (Pshat). هناك كانوا بحارة جيدين، لكن جزء من القبيلة هاجر إلى بيزنطة، ويقال إن بعضهم ما زالوا يعيشون في مدينة مصراتة في ليبيا تحت اسم {عشيرة الشراكسة} (قبيلة الشركس). 18

يشار إلى أن بعض المصادر ذكرت أنشعب الأديغه ينحدر من منطقة شمال القوقاز، وهي منطقة يعتقد أنهم احتلوها في وقت مبكر من العصر الحجري، مع وجود آثار لهم تعود إلى 8000 سنة قبل الميلاد“. (19)

وهناك دليل ملموس على أن الشركس لديهم جذور ثقافية تعود إلى ما قبل الألفية الرابعة قبل الميلاد. ويقول النص:

ثقافة مايكوب (3700-2500 قبل الميلاد)، في شمال القوقاز، كانت من الناحية الثقافية نوع من الامتداد الجنوبي لأفق حضارة يامنا (Yamna). على الرغم من عدم اعتبارها عمومًا جزءًا من ثقافة سهوب بونتيكقزوين بسبب جغرافيتها، إلا أن منطقة شمال القوقاز كان لها روابط وثيقة مع السهوب، كما يتضح من العديد من الأسلحة والمجوهرات الخزفية والذهبية والنحاسية والبرونزية في الثقافات المعاصرة لميخايلوفكا، وسريدني ستوغ، وكيمي أوبا. 20

إن الرابط بين شمال بونتيك وشمال القوقاز أقدم من فترة ثقافة مايكوب. وسابقتها، ثقافة سفوبودنوي (4400-3700 قبل الميلاد)، كان لها بالفعل روابط مع ثقافات سوفوروفونوفودانيلوفكا وأوائل سريدني ستوغ، وحتى مستوطنة نالتشيك القديمة (5000-4500 قبل الميلاد) عرضت ثقافة مماثلة مثل خفالينسك على نهر الفولغا. قد تكون هذه هي الفترة التي بدأت فيها كروموسومات (R1b) بالتفاعل والمزج مع مجموعة (R1a) في السهوب.21

تأكيدًا لحقائق التاريخ الشركسي، أكد ترابط التراث الشركسيعلى وجود براهين تاريخية:

الأديغون (الإسم الذي يسمي الشعب نفسه فيه هو أديغه) هم من السكان الأصليين القدامى في شمالغرب القوقاز، والمعروفين في السجلات التاريخية باسم الشركس. نشأت الثقافة الزراعية وتربية الماشية في شمال غربالقوقاز في أوائل العصر البرونزي. بحلول عام 3000 قبل الميلاد، نشأت هنا ثقافة الدولمين، التي يأتي اسمها من المغليثات المميزة المستخدمة كعلامات للقبور، ووصلت إلى ذروتها؛ حيث استمرت حتى الربع الأخير من الألفية الثانية قبل الميلاد. المنطقة التي توجد فيها الدولمينات القوقازية هي موطن أسلاف القبائل الأديغيةالأبخازية. يوجد اليوم خمسة حقول دولمين في الجمهورية بها حوالي 200 من الدولمينات سواء كاملة أو مدمرة جزئيًا.22

مصدر آخر يذكر المزيد من التفاصيل:

تعايشت ثقافة مايكوب في حوض كوبان مع ثقافة دولمن. تم اكتشاف أول آثار تقليدية لثقافة مايكوب في شكل تلال دفن كبيرة (kurgans) تحتوي على مواد رائعة مصنوعة من المعادن الثمينة في كوبان قبل الثورة. وهي تشمل كورغان الشّهير الذي تم التنقيب عنه في مايكوب في عام 1897 من قبل البروفيسور نيكولاي إيفانوفيتش فيسيلوفسكي (Nikolai Ivanovich Veselovsky)، الذي أعطى تسميته للثقافة ككل. وتعد مستوطنات ميشوكو وسكالا وخادجوخ وياسينوفايا بوليانا معالم أثرية أخرى معروفة في هذه الفترة .23

كان أسلاف الشركس جزءًا لا يتجزأ من التطور البشري عبر جميع العصور التاريخية. وهناك حقائق مادية مقدمة وفقًا للأدلة المتسقة من خلال الحفريات الأثرية للمواد والأدوات المدفونة التي اكتشفها المتخصصون:

ظهر الحديد لأول مرة هنا في الألفية الثانية قبل الميلاد. وأدى ذلك إلى تقدم اقتصادي واجتماعي كبير في نهاية القرن التاسع وبداية القرن الثامن قبل الميلاد. كان الهيكل الاقتصادي يتمثل في تربية الماشية والزراعة والتعدين وأشغال المعادن والنسيج والغزل. وتُعرف هذه الفترة في التاريخ باسم البروتوموتيك.24

يثبت استخدام الحديد في شمال القوقاز التطورات التي تمكن الشركس القدماء من تحقيقها:

شهد القرنين السابع والسادس قبل الميلاد بداية الاستخدام واسع النطاق للحديد في شمالغرب القوقاز، مما أدى إلى التطور السريع للقوى الإنتاجية التي غيرت الثقافة المادية والحياة الاجتماعية بأكملها. بحلول هذا الوقت، كانت ثقافة الميوتيين (Meotic) تزدهر على الضفة اليمنى لنهر كوبان، على الضفاف اليسرى لروافده إلى المنحدرات الشمالية لسلسلة القوقاز، وعلى طول الشاطئ الشرقي لبحيرة موتا (بحر آزوف). عاش الميوتيين في مستوطنات زراعية، وإلى جانب الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك والتعدين والصناعات المعدنية والحرف اليدوية (الفخار والنسيج وصنع المجوهرات والدباغة وصناعة الأخشاب وما إلى ذلك) وكانوا متطورين بشكل جيد.25

كافّة الحقائق التاريخية تعيد سرد أسماء شعوب من القوقاز، ولا سيما أسماء القبائل والعشائر الشركسية التي استقرت في الوطن الشركسي منذ العصور القديمة:

أصبحت أسماء قبائل شمال القوقاز، مثل ميوت (Meots) وسند Sinds وأخاي (Akhei) وزيخ (Zikhs) وغيرها ممن لعبوا دورًا رئيسيًا في التكوين العرقي للأديغة، معروفة لأول مرة في حوالي عام 1000 قبل الميلاد. في المصادر اليونانية والرومانية، يشار إليهم مجتمعين باسم ميوتيين (Meots)، وفي عام 1000 قبل الميلاد، احتلوا السواحل الشرقية للبحر الأسود وبحر آزوف ووادي نهر كوبان.26

فيما يلي بعض الأسماء البارزة للشركس ودورهم في تكوين الأمة وتنميتها عبر السنين:

واحدة من قبائل تامان العديدة، انفصل أفرادها في وقت مبكر عن الآخرين وعاشوا في الألفية الأولى قبل الميلادالقرون الأولى بعد الميلاد في شبه جزيرة تامان وساحل البحر الأسود القريب حتى نوفوروسيسك. تم ذكرهم لأول مرة عن طريق الكتابة اللفظية، ثم من قبل المؤرخين اليونان والرومان هيرودوت (Herodot)، وسيودوسكيلاك (Pseudo-Skilak) وهي وثائق يونانية قديمة، وبسيودوسيمن (Pseudo-Scymn) وهو مؤلف غير معروف لعمل عن الجغرافيا مكتوب باللغة اليونانية الكلاسيكية، وسترابو {اسطرابون} (Strabon). كانت المهن الرئيسية للسند هي الزراعة وصيد الأسماك والحرف اليدوية والتجارة (في الفترة المبكرةمع أورارتو {Urartu}، ومنذ القرن السادس قبل الميلادمع الإغريق). كانوا يتاجرون عبر موانئهم الخاصةمرفأ سند، وكوركونداما وعبر المدن اليونانية التي تأسست على أراضي سينديكا (Sindika). تسببت الحروب مع السكوثيين في تعزيز قوة القادة العسكريين. في القرن الخامس قبل الميلاد ظهرت دولة تُسمّى  (دولة السند). ومنذ القرن الرابع قبل الميلاد، فقد شعب السند استقلاله السياسي وانضم إلى مملكة البوسفور (Bosporus). كانت نبالة السند جزءًا من أرستقراطية البوسفور الحاكمة.27

تم استخدام أسماء القبائل و/أو الكيانات الشركسية وفقًا لتطور الظروف. كما تمكنوا من تقوية وتوطيد العلاقات مع الدول القديمة الأخرى:

بدأ القرن الخامس قبل الميلاد مع ظهور المدن التي أصبحت مراكز الحرف والتجارة في أراضي إحدى قبائل الميوتيين في السند. أدى التفاعل مع العالم اليوناني إلى تسريع عملية تكوين الطبقات والدول بين شعب السند. بحلول نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، تحولت سنديكا إلى مملكة حقيقية. تم تكوين علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع دولة البوسفور. يعتقد العديد من العلماء أن سلالة سبارتاسيد (Spartacid) التي حكمت البوسفور لأكثر من 150 عامًا كانت من الميوتيين {م. أرتامونوف و إي. كروبنوف} (M.I. Artamonov, E.I. Krupnov) وليست يونانية.28

استدعت المرحلة التالية من التقارب الوطني تحسينًا في العمل المختلف الذي يتم إجراؤه بين القبائل الشركسية للتوحيد والعمل معًا:

تم تأكيد المستوى العالي للثقافة المادية والروحية في ميوت (Meots) وتأثير الشعوب المجاورة عليها من خلال الاكتشافات الفريدة التي تم إجراؤها أثناء التنقيب عن kurgans بالقرب من قرية Ulyap في منطقة مقاطعة كراسنوراد، والتي كانت تعرف لأول مرة باسم أولسك كورغان (Ulsk kurgans)، ولكن بعد تحليل رائع من قبل البروفيسور أ. بيسكوف في 1981 – 1982، أعيدت تسميته أولياب كورغان  (Ulyap kurgans). في بداية الحقبة المشتركة، ظهرت إحدى القبائل الساحلية، وهي الزيخ (Zikhs)، على المشهد التاريخي. ونظرا لكونهم في وضع أكثر ملائمة من الميتيين الذي يعيشون في السهوب لعدد من الأسباب، بدأ الزيخ بلعب دور مهم في التوحيد. وبحلول القرن السادس الميلادي، اتحدت القبائل المتجاورة حول الزيخ لتشكيل إتحاد زيخي. ويشير كُتّاب القرن الثامن إلى زيخيا كدولة كبيرة على الشاطئ الشرقي للبحر الأسود ناتجة عن توحيد القبائل في شعب أديغي واحد. تم تشكيل إتحادين آخرين، وهما كاسوغ (Kasog) في منطقة ما وراء كوبان (Transkuban) و أبزاغ (Abazg) في الجنوب الشرقي، تشكّلا جنبًا إلى جنب مع اتحاد زيخ.29

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً