حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد.
عادل بشقوي
شركيسيا
الفصل الأول /الاتصال بالبيزنطيين
7 مايو/أيار 2021
إن معظم العلاقات التي حدثت بين الشركس والأمم الأخرى أحدثت تأثيرات إيجابية. وبالتالي، لا نقلل من العواقب السلبية في بعض الحالات. ومع ذلك، فإن الحقيقة المرة تكشف وتكفل وجود استثناء للوضع الشركسي. لقد تعرضت الأمة الشركسية لغزو غير مسبوق، مدمر وعديم الرحمة، وذلك خلال الحرب الروسية–الشركسية.
أقام الشركس علاقات مميزة مع البيزنطيين. لقد اعتنقوا الدين المسيحي تدريجياً. بنوا الكنائس والأديرة. أيضًا، بدأوا في ممارسة المسيحية حتى الوقت الذي اعتنق فيه أغلبيتهم الإسلام.
في القرن السادس الميلادي، كان النفوذ البيزنطي يتزايد في شمال غرب القفقاس. وبحلول ذلك الوقت، تحولت منطقة الأديغه الساحلية إلى المسيحية وتم تشكيل أبرشية زيخ مباشرة تحت رعاية البطريرك البيزنطي. الإشارات المعاصرة تبين أن إنقسام الأديغة إلى زيخ وكاسوغ يعطي سببًا للاعتقاد بأن اتحاد الأديغة قد انقسم إلى الأديغه الغربيين والأديغه الشرقيين (القباردي).33
يقول المفتي أن الشركس عاشوا وسكنوا في غرب القفقاس وكذلك في شبه جزيرة القرم في نفس الوقت، حيث ربما طردهم التتار تحت حكم باتو خان (Batu-Khan). سفير فينيسيا (البندقية) في بلاد فارس، جوسافات باربارو (Josaphat Barbaro) أطلق وصف قباردا في عام 1474 على منطقة قباردا الحالية، وعلاوة على ذلك، وكان سترابو قد عرف الكركت (Kerkets) في تلك المنطقة. ويظهر على خريطة البحر، التي صممها فريدوسيوس (Freducius) من أنكونا (Ancona) في عام 1499، اسم القباردي (مكتوب بالحبر الأحمر) في المكان الذي تقع فيه اليوم تاغانروغ (Taganrog).34
لم تدم إقامتهم في القرم طويلاً؛ فقد غادروا المنطقة تحت تأثير ضغط التتار المتزايد، ودخلوا عبر مضيق كيرتش ليستقروا مؤقتًا في شبه جزيرة تامان التي تقع بين فرعي نهر كوبان، التي أطلق عليها التتار اسم ”كيزيه طاش“ (الحجر الأحمر). لكنهم سرعان ما تركوها أيضًا وعادوا أدراجهم إلى منطقة كوبان تحت قيادة أميرهم الكبير إينال، وهو الجد الأكبر لجميع أمراء القباردي، حيث استقروا هناك.35
وفقًا لتقاليد الأوسيتيين، أشار المينغريليون إلى الشركس باسم ”الكازاخ” ووصفوا أمرائهم بوصف “كازاخ-ميبي” (Kazakh-mepe) وتعني “ملوك الكازاخ”، وذلك حتى وصول الأمراء القباردي من شبه جزيرة القرم.36
كان هناك تأثير مؤثر للاعبين الرئيسيين في ذلك الوقت في تسمية الأجزاء الإقليمية: ”يتزامن هذا البيان أيضًا مع رواية الإمبراطور قسطنطين بورفيروجينيتا (Emperor Constantinus Porphyrogeneta) الذي أطلق على بلاد الشركس الواقعة على البحر الأسود اسم ”زيكيا“ والتي تجاور بلاد الآلان الإيرانيين {كازاخيا}“ (kazakhia).37
وأوضح المؤلف بشأن الموقع والتأثير: ”في زمن جورج إنتريانو {George Interiano} (حوالي 1502) احتل الشركس جميع البلدان الواقعة حول بحر أزوف، وامتدت أراضيهم من نهر الدون (Don River) إلى بوسفور الكيميرين (Cimmerian Bosphorus)”.38
وعن صفات الناس، قال المؤلف: “إذا نظرنا إلى الأساطير والتقاليد التي وردت إلينا منذ العصور القديمة، نجد أن الأديغه القدامى كانوا يتمتعون بالعديد من الفضائل والصفات الرائعة بما في ذلك الفروسية والكرامة الذاتية والحصافة، والذكاء. وأنهم عُرفوا بشجاعتهم وفروسيتهم. لقد صقل تكاثرهم القومي معنوياتهم، وعزز أخلاقهم، وجعلهم يعتادون على تحمل التعب والمشقة في الحرب والرحلات الطويلة“.39
ذكر الكِتاب إصرار الشركس وتلك الإستراتيجية التي اتُّبِعتْ عندما تعرضت بلادهم للهجوم والاحتلال من قبل قوى أجنبية: ”في الحقيقة كان أجدادنا معروفين بجهودهم الدؤوبة واجتهادهم ومثابرتهم، ولكن بعد تعرضهم لهجمات المتوحشين مثل المغول (Mongols) والتتار (Tatars) والهون (Huns) والكالمك (Kalmuks) وغيرهم الكثيرين، فإنهم خسروا مثابرتهم وأُجبروا على مغادرة أوطانهم واللجوء إلى الجبال والوديان العميقة“.40
كما وصف الأوضاع والظروف التي أثّرت على تطورهم الاجتماعي والثقافي. كانوا منشغلين باهتمامهم بالدفاع عن وجودهم كأُمَّة: “في بعض الأحيان كان عليهم قضاء أشهر أو حتى سنوات في الحياة البرية، مما أدى في النهاية إلى تفسخهم؛ وبالمثل، لم يجدوا الوقت والهدوء اللازمين للقيام بأنشطة مدنية مفيدة أو اتباع أساليب الحضارة الحديثة“.41
تم التأكيد مجددًا على حقائق عن الشخصية القومية الشركسية الفريدة: ”لقد أُعجب جيران الأديغه القدامى ببراعتهم العسكرية وفروسيتهم الفريدة وملابسهم الأنيقة. كانوا مغرمين بالفروسية وتربيتهم لأجود الخيول“.42
وذكر المؤلف تفاصيل خطط الحرب وتنظيم الصُّفوف وتحديد القادة وتقاسم المسؤوليات بين الجميع. كما حددوا أسلوب التنسيق فيما بينهم: ”عندما خرج الأديغه للقتال اختاروا قادتهم من بين صفوفهم وعهدوا إليهم بإدارة وقيادة الجيوش المقاتلة وفقًا لتقاليدهم“. ثم أكمل: ”هؤلاء القادة كانوا مقتدرين وشجعان ولم يأخذوا الحيطة والحذر“.43
ذكر الكتاب مزيدًا من التفاصيل بشأن تأثير التضاريس الطبيعية على سلوكهم العام. لقد تكيّفوا مع طبيعة وطنهم، ما منحهم الثقة بالنفس وساعدهم ذلك على الكفاح من أجل الدفاع عن أنفسهم: ”إلى جانب شجاعتهم كانت لديهم سمات أخرى، بما في ذلك القدرة على القتال على ارتفاعات عالية في الجبال وفي المناطق الضيقة، والقدرة على المناورة والسرعة في الأماكن التي قد يواجه فيها الآخرين صعوبات خطيرة وحساسية بشأن التمركز في الوديان العميقة والغابات الكثيفة“.44
وتناول الكتاب بالتفصيل جودة الناس: ”لقد أدى طموحهم إلى الشجاعة والجسارة وحب المغامرة. وأعطتهم ثقتهم بأنفسهم وكرامتهم الذاتية حرية فردية لا حدود لها. ومع ذلك، فقد كانوا وديعين وبعيدين عن الشهوانية والعواطف الجذابة. لم يتباهوا إلا بشجاعتهم وانتصاراتهم العسكرية“45
وتابع في ذكر مناقب الشركس: ”تقاليدنا تشير إلى أن أجدادنا لم يعرفوا الغش أو الغدر. لقد تحملوا التضحية والوفاء بتعهداتهم ووعودهم وصداقتهم المتبادلة؛ وبسبب بساطتهم، فإن تلك الاعتبارات لها أهمية نادرًا ما توجد. ومن فضائلهم كرم الضيافة والحفاظ على حياة وممتلكات ضيوفهم“.46
عُرف الشركس بالزراعة في سهولهم وجبالهم الخصبة. فقد مارسوا الزراعة المناسبة التي تناسبهم، مما يدل على تقدمهم في هذا المجال. لقد زرعوا المحاصيل التي يحتاجونها لاستهلاكهم الخاص وللتجارة والتبادل التجاري مع الآخرين. ”لقد اعتاد الشركس (أي الأديغه) على الزراعة منذ العصور القديمة؛ وقاموا بزراعة الحبوب مثل الذرة والشعير والقمح والدخن مع الخضار المختلفة. لغتنا تشمل أسماء جميع الحبوب، ما عدا الأرز. بعد الحصاد وقبل التخلص من المحصول الجديد، أقاموا بعض الاحتفالات، حيث كان لا بد من تلاوة بعض الصلوات، وبعد ذلك يعد الشّخص مأدبة من المحصول الجديد يدعو إليها أقاربه وأصدقائه“.47
يتبع…