الإستقلال الشركسي / الإمبراطورية الروسية ما بعد القيصرية (1) – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


13 يوليو/تموز 2021

الإستقلال الشركسي

الفصل الثاني

الإمبراطورية الروسية ما بعد القيصرية (1)

PHOTO-2021-07-13-12-58-18

لم تتوقف الدّسائس الروسية ضد الشركس وشعوب القوقاز الأخرى على الإطلاق. تم ممارسة المؤامرات ضدهم بشكل دائم وعلى فواصل خلال فترات المد والجزر وعدم الاستقرار. ولطالما ساهمت نتائج السياسات المتقلبة السائدة في الأوقات الصعبة في حجم الضغط الروسي الذي يعاني منه الشعب المُسْتَعْمَر.

بينما كان الشركس والقفقاسيين الآخرين يبتهجون بالحصول على استقلالهم مرة أخرى، ظهر البلاشفة وهددوهم، وأجبروهم على تقديم تضحيات جديدة، في محاربة البلاشفة. واستمر هذا القتال مدة ستة أشهر هزموا فيها البلاشفة، وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1919 تم ترتيب هدنة بين الطرفين. وفي ذلك الوقت، ظهر الجنرال دينيكين (Denikin)، قائد قواتالروس البيض“ (White Russians). أبرمت جمهورية القوقاز اتفاقية معه، وذلك بناءً على نصيحة أحد القادة البريطانيين. وبموجب هذا الاتفاق، تم تشكيل جيش من المتطوعين القفقاسيين بمساعدة القوى الأوروبية لمحاربة البلاشفة. استمر القتال حتى يناير/كانون الثاني 1920 عندما نجح جيش إنغوشيا (Ingush army) في طرد الغزاة من فلاديكافكاس (Vladikavkas).178

عند إقامة علاقات مع الآخرين، تقدم دول شتّى شروطًا مختلفة لتلبية مصالحها. في العادة، فإن هذه الشروط لا تتوافق مع المصالح الأساسية للشعب. إنها تتعارض مع المصالح المشروعة لشعوب الدول المختلفة. حتى عند الاضطرار إلى استيفاء هذه الشروط (أو بعضها)، لن يلتزم الطرف المقابل بشكل طبيعي بينما يظل التنفيذ الفعلي خاضعًا للمزاج والرغبة.

اعترفت بريطانيا بجمهورية القوقاز، لكن هذا الاعتراف ترافق مع بعض الشروط الصعبة، أي قطع العلاقات مع الإمبراطورية العثمانية، وفتح البلاد للجنرال دينيكين حتى يستفيد الحلفاء الغربيين من الموقع الاستراتيجي للقوقاز في مقابل تعهد الجنرال بأنه لن يتدخل في الشؤون الداخلية لجمهورية القوقاز. لم يكن القوقازيين في البداية مستعدين لقبول هذه الشروط، لكن تأكيدات الجنرال طومسون (General Thomson)، الممثل البريطاني، فيما يتعلق بالجنرال دينيكين، دفعتهم إلى الموافقة.179

ارتبط عدم الامتثال لشروط الاتفاق الذي تم عقده بإحجام الروس البيض عن العمل ضد جمهورية القوقاز. سواء أكانوا البيض أو البلاشفة، فإن هدفهم النهائي معروف جيدًا: احتلال القوقاز بشكل عام وشركيسيا بشكل خاص بغض النظر عن الظروف التي تؤثر عليهم. لقد اتبعوا دائمًا أساليب مختلفة لتحقيق أهدافهم.

ومع ذلك، لم يدرك القوقازيين أن ترددهم وعدم ثقتهم بالجنرال دينيكين كان لهما ما يبررهما إلا بعد فوات الأوان، وأنه قد تم خداعهم وتم توجيههم إلى فخ، لأن الجنرال سرعان ما بدأ في تنفيذ سياسة عدوانية ضد بلدهم، تهدف إلى الفتك بجمهورية القوقاز. لم يكن بمقدورهم فعل أي شيء سوى الاحتجاج على أعماله العدوانية لقوات الحلفاء، والمطالبة بانسحاب القوات الروسية البيضاء من بلادهم. ومع ذلك، لم يُعِرْ الحلفاء اهتمامًا لهذه الاحتجاجات، واعتبروا رفض جمهورية القوقاز الانصياع لأوامر الجنرال دينيكين أو التجنيد في جيشه سلوكًا عدائيًا موجهًا ضد الحلفاء أنفسهم. وبالتالي، كان على القوقازيين محاربة دينيكين لمدة ثلاثة أشهر، لكن دون جدوى، حيث لم يتمكنوا من منعه من احتلال أراضيهم والسكك الحديدية والموانئ وغيرها من المرافق. ومع ذلك، لم ينجح في التوغل بعمق في القوقاز، وخاصة في داغستان، التي وقفت وقفة رجل واحد وأجبرت الجنرال على الانسحاب.180

تعرضت شعوب القوقاز لهجمات روسية متكررة ضد وجودهم في أوطانهم. أثبتت التجربة أن الروس لا يحترمون التزاماتهم ولا يحترمون المواثيق والاتفاقيات التي هم جزء منها. لم يكن هناك ما يحمي حقوق شعوب القوقاز في حالة حدوث خطأ ما. وفي حالة عدم تنفيذ شروط الاتفاقيات، لن يتم توقع فرض عقوبات ضد الجانب الذي يخالف هذه الشروط.

امتدت سيطرة دينيكين في ذلك الوقت من سواحل البحر الأسود في الغرب إلى نهر تيرك في الشرق (أي أنه سيطر على الأجزاء الشمالية الغربية من القوقاز). لم يمتنع عن الاعتداء على الحكومات القوقازية المحلية المستقلة حديثًا، والتي انفصلت عن روسيا وأعلنت نفسها دولًا تتمتع بالحكم الذاتي، لأنه كان بعيدًا عن الاعتراف باستقلالها وسيادتها. فيما بعد أراد بسط سلطته شرقاً وضم الشيشان المستقلة إلى حكومته الجديدة أيضًا.181

لقد استخدموا أساليبهم الخبيثة التي تم استخدامها عندما احتاجوا إلى تجاوز بعض العراقيل. ولحل بعض المعضلات التي واجهوها، قاموا بتجنيد بعض السكان الأصليين المحليين في وحدات عسكرية محلية لمساعدتهم في كثير من الحالات للتغلب على بعض الصعوبات. ومع ذلك، فإن هذه الطريقة لا تعمل دائمًا؛ ويتوقف ذلك على حساسية المهمة المطلوب تنفيذها وكذلك استعداد أعضاء هذه الوحدات للمشاركة في مثل هذه المهام.

وقد عَيَّنَ الجنرال الشركسي كيليش غيري (Kilich Gerey)، كقائد للقوات الشركسية التي جندها من القوقاز رغم عدم رغبتهم بذلك، وأمره بمهاجمة الشيشان وإخضاعهم. غير أنّ، غيري رفض الانصياع لأوامر دينيكين، قائلاً إنه لا يستطيع التفكير في قتال إخوانه وإراقة دمائهم مهما كانت الأسباب أو الالتزامات. ونتيجة لذلك، اضطر الجنرال دينيكين إلى إرسال لواء من القوزاق لمحاربة الشيشان، لكنهم لم ينجحوا واضطروا إلى التراجع بعد تعرضهم لخسائر فادحة.182

كانت الأولوية في نظر الروس، وخاصة الروس البيض، هي مقاومة انفصال القوميات المستعمَرة وإبقائها كافّة تحت نير الحكم الروسي. لم يكن وقف التمدد الشيوعي على رأس الأولويات، كما كان إبقاء منطقة القوقاز تحت السيطرة الروسية. فقد كان هذا هو السبب في قيام القوات العسكرية التابعة للبيض بشن عمليات عسكرية ضد شعوب القوقاز.

لقد تغاضوا عن الخطر الذي تشكله عليهم القوات البلشفية الروسية.

وعلى الرغم من أن دينيكين كان أداة في أيدي الحلفاء، إلا أنه كان لديه خططه وأهدافه الخاصة. واعتبر أن الدول المستقلة التي تشكلت في القوقاز وأماكن أخرى على حساب روسيا المُفكّكة أهم وأخطر من الشيوعية نفسها. وهكذا نسي واجبه الأصلي وأهمل المهمة الأساسية لمحاربة الشيوعية. بدلاً من ذلك، جعل هدفه الأسمى محاربة القوقازيين الذين حاربهم بلا هوادة لمدة عامين. لكن حروبه لم تنفعهعلى العكس من ذلك، فقد أضروا به لأنه اضطر في كثير من الأحيان إلى سحب وحدات كبيرة من قواته من مواجهة الشيوعيين لأجل مساعدته في محاربة القوقازيين. وقد أدى ذلك إلى إضعاف جيشه وكان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هزيمته في مواجهة التقدم الشيوعي الساحق.183

الشراكسة الحقيقيون لم ينسوا أبدًا الحفاظ على هويتهم القومية ولا وطنهم واستقلاله. لقد استمروا في رعاية مصالحهم القومية أينما كانوا، سواء في وطنهم في شمال القوقاز أو في الشتات. لم يكن من السهل أبدًا دمج جميع الاهتمامات التي تؤدي إلى تحسين الاتصال والترابط. قامت كافة المجتمعات بالتنسيق فيما بينها عندما كان ذلك ممكنا للوصول إلى التقارب وتحقيق أهدافها النبيلة.

ظهرت فكرة استقلال القوقاز وانفصالها عن روسيا لأول مرة في مقر {جمعية التعاون الشركسية} التي تم إنشاؤها في اسطنبول بعد إعلان الدستور العثماني في عام 1908. طالب أعضاء تلك الجمعية الدولة العثمانية بالسعي رسميًا لمساعدة القوقاز، التي كان غالبية سكانها من المسلمين، للانفصال عن روسيا، وأن تصبح دولة مستقلة.184

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً