الحرب الروسية-الشركسية (1763–1864) – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


 

3 أغسطس/آب 2021

الحرب الروسيةالشركسية (1763–1864)

الفصل الثالث

PHOTO-2021-08-03-19-16-17

منذ العثور على السجلات التاريخية، كان السكان الأصليون القدماء لشمال-غرب القوقاز معروفين في معظم السجلات التاريخية بالشركس الذين كانوا يعيشون في وطنهم. لقد عانت الأمة الشركسية من حرب ذات عواقب وخيمة شملت على سبيل المثال لا الحصر، الدمار والإبادة والتهجير والترحيل. هذه عناصر الإبادة الجماعية، استخدمها أولئك الذين أرادوا تنفيذ خطة شريرة لتدمير الأمة الشركسية. فخلال الحرب، تعرضت شركيسيا للدمار والعقوبات والحصار الشامل والصارم عن طريق البر والبحر، وفي نهاية المطاف الاحتلال الكامل. وقد أدى ذلك بالتالي إلى المجاعة وانتشار الأوبئة وتعرض المواطنين الذين بقوا على قيد الحياة للظروف المحيطة، وكان عليهم أن يواجهوا ظروفًا قاسية وشديدة.

الخلفية

لم تكن الحرب الروسيةالشركسية حدثًا مرتجلًا أو طارئًا، بل كانت مشروعًا محددًا ومخططًا له على نحوٍ جيد. لقد تم تشييده على صرح الإمبريالية القيصرية، باعتباره كيانًا قادمًا مبني على أنقاض الأمم الصغيرة من خلال حروب استعمارية مدمرة. لقد ورث الموسكوفيين وأحفادهم الرغبة في السيطرة على أوطان الآخرين من أسلافهم الذين سبقوهم في ذلك.

تعود خلفية الحرب إلى مئات السنين، والتي أظهرت تطلعات استعمارية قديمة تندرج تحت مظلتها، وكانت تحت قيادة الأمير مستيسلاف (Mstislav) من إمارة تاماتارخا (Tamatarkha)، وغزا كاسوغيا الشركسية، في عام 1022. وقد واجهه الجيش الشركسي بقيادة الأمير ردايداي (Rededey). وقد حافظ الفولكلور الشركسي على تفاصيل هذه المواجهة الشهيرة وتم تسجيلها في السجلات الروسية.214 وفي عام 1561، تزوّج إيفان الرهيب (Ivan the Terrible)، أول ملك روسي يُتوج قيصرًا، من الأميرة غوشن (Goshen)، ابنة الأمير إدار تمريوك (Idar Temriuk)، من أجل وضع القبارديين من شركيسيا الشرقية تحت سيطرته. وقام على عجل ببناء تحصينات القوزاق في قبارديا: تومين (Tumen) وسونجا (Sunja) وأندريفو (Andreevo) وذلك بحلول عام 1579. لقد كان معروفًا بسياسته التوسعية وبالقسوة. لم يكن يحاول فقط المطالبة بشركيسيا الشرقية، بل ومن أجل توسيع حدود روسيا، قام بإخضاع قازان (Kazan) وأستراخان (Astrakhan) وسيبيريا (Siberia) أيضًا.

حقق إيفان الرهيب وصفًا مستحقًا، كونه حاكمًا مغامرًا لا يعرف الشفقة ولا الرحمة.

لقد حقق كل ذلك بمثابرة أحادية التفكير وقسوة لا ترحم، والتي من أجلها حصل على لقبالرهيب“. ومع ذلك، لم تقتصر قسوته على الناس الذين غزاهم. في عام 1594  ُمُنِحَ خليفة إيفان الرهيب، القيصر فيودور إيفانوفيتش (Feodor Ivanovich)، لقبحاكم الأراضي الأيبيرية، والقياصرة الجورجيون، وقباردا، والشركس، والأمراء الجبليين“. بعبارة أخرى، بدأ القياصرة الروس في المطالبة مسبقًا، بالعنوان، بخطط التوسع التي يعتزمون تحقيقها.216

لم تنبثق السياسات الاستعمارية الروسية من العدم. فقد دفعت النوايا الاستعمارية المحددة مسبقًا الخطوات الأولية التي أدت إلى اندلاع الحرب الروسيةالشركسية، والتي استمرت لمدة 101 عامًا وأدت إلى سقوط ضحايا أبرياء ووضعت الشركس أمام عواقب وخيمة غير مسبوقة.

كان بطرس الأكبر قد ترك وصية لخطته: أن تُوسّع بلا كلل أو ملل حدود روسيا شمالًا وجنوبًا، على طول البحر الأسود، وأن تقترب من القسطنطينية والهند، لأن من يمتلكهما يمتلك العالم.

في 13 مايو/أيار 1711، أمر القيصر بيتر الكسندروفيتش الأول (Peter Alexandrovich I)، المعروف باسم بطرس الأكبر، أراكسين (Araksin)، حاكم أستراخان، بغزو شركيسيا. تحرك أراكسين مع ثلاثين ألف جنديٍ روسيٍ مسلح، وفي 26 أغسطس/آب 1711، اقتحم أراضي الشركس. على مسافة 100 كم شمال نهر كوبان، حيث استولى على بلدة كوبيل {Kopyl} (سلافيانسكي الحالية). وقد اتجه من هناك نحو البحر الأسود، فاستولى على موانئ نهر كوبان لمسافة 86 كيلومتر، ونهب القرى، ودمر الأرض، وقتل السكان. بطبيعة الحال، فإن هذا الهجوم المفاجئ، أربك الشركس في البداية. ومع ذلك، سرعان ما تعافوا من الصدمة وأرسلوا سبعة آلاف فارس شركسي، وقد اشتبكوا مع قوات العدو عند نهر تشالو (Chalou)، لكنهم هُزموا هناك في 6 سبتمبر/أيلول بسبب عدم وجود مدافع لديهم.

على عكس أولئك الذين لديهم نوايا عدوانية وشهوة للاستيلاء على أراضي الآخرين بالقوة والعنف، بغض النظر عن التكلفة البشرية والخسائر، والتي لم تكن تعني شيئًا لهم، كان الشركس يدافعون عن أنفسهم بوسائل أكثر تقليدية، على عكس أولئك الذين أعدّوا جيوشًا مندفعة والتي تم تسليحها وكانت مستعدة لاحتلال أراضي جيرانها وما وراءها.

الخسائر الجسيمة في الأرواح والممتلكات والماشية لم تثن الشركس عن الدفاع عن وطنهم باستخدام أية وسيلة متاحة.

خلال هذا الغزو المنفرد لشركيسيا، قتل الروس 43247 من الرجال والنساء الشركس، واستولوا منهم على 39200 حصان، و 190000 رأسًا من الماشية، و 227000 رأسًا من الخرفان. استمرت روسيا في شن هذا النوع من الحروب ضد شركيسيا خلال الفترة من 1716 إلى 1763، لكن لم يكن وراء هذا الدافع المجنون مكسبًا ماديًا فقط. كانت هذه فقط مقدمة للحرب الرهيبة التي كانت ستشنها الإمبراطورية الروسية ضد شركيسيا من أجل تحقيق الخطة السرية التي كانت تحاول إخفاءها عن القوى العظمى الأخرى في العالم.217

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً