الكذبة قد تعتني بالحاضر ولكن ليس لها مستقبل

الكذبة قد تعتني بالحاضر ولكن ليس لها مستقبل

عادل بشقوي

7 أغسطس/آب 2021

PHOTO-2021-08-05-21-39-00

الكذبة قد تعتني بالحاضر ولكن ليس لها مستقبل

عادل بشقوي

7 أغسطس/آب 2021

تبدو الدولة الروسية من حين لآخر قلقة للغاية بسبب الإرث الاستعماري الذي لا يمكن التخلص أو الهروب منه. وتتجلى هذه الحقيقة في العلاقات مع ضحايا العديد من الشعوب والأمم، وذلك بسبب الغزو والقهر والعمليات العسكرية الوحشية للأنظمة الروسية المتعاقبة، وما يصاحب ذلك من تبعات وتداعيات.

التزييف التاريخي

  • للأسف، فإن السياسة الروسية الرسمية تقوم على المماطلة والمحاولات المتكررة لإنكار الجرائم المرتكبة وبالتالي التغاضي عن تداعيات حرب الإبادة والتهجير الروسيةالشركسية على سبيل المثال، وهي التي ربما تؤدي إلى المنفى الأبدي.
  • في هذا المفهوم،تستخدم العديد من الحكومات المعلومات المضللة والدعاية لتعزيز أهداف سياستها في الداخل والخارج. ينص الإعلان المشترك الهام حول حرية التعبير و {الأخبار الزائفة} والمعلومات المضللة والدعاية، والذي يقدم منظورًا دوليًا لحقوق الإنسان حول الأخبار المزيفة، على أنه {لا ينبغي على الجهات الحكومية إصدار أو رعاية أو تشجيع أو نشر المزيد من البيانات التي يعرفونها أو يجب أن تعلم أنها خاطئة (معلومات مضللة) أو أنها تدل على تجاهل متهور لإمكانية إثباته}“.[1]
  • وعلى ما يبدو فإن المراقبين مُلِمِّين ومهتمّين ومعنيّين في نفس الوقت بالعلم والتحقق من مدى تأثير سياسة الدولة الروسية على تغيير الحقائق. وسيواجه أولئك الذين يعتزمون استخدام المنطق والوسائل والمراجع المبررة لنشر وتوزيع معلومات مستقلة ومحايدة تحترم قيم حقوق الإنسان، الترهيب والوضع على القائمة الرّسْميّة السوداء.
  • في ظل المحاولات العديدة التي لم تهدأ، وفي أطر مختلفة وأدوات مُنتقاة للتأثير على الرأي العام الشركسي، تنتشر الأكاذيب والإشاعات المضللة والتشويه والتأويل وإطالة انتشار التزييف من خلال استخدام وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الحديثة، والتي يمكن التحقق منها بسهولة. 
  • مما لا شك فيه، فإنالأخبار المزيّفة عن الماضي هي جريمة ضد التاريخفعلى الرغم من كونها ظاهرة قديمة، إلا أن الأخبار الزائفة في مظاهرها الحديثة لها أيضًا بعض الميزات الجديدة اللافتة للنظر لأنها تنتشر على صفحات الإنترنت في الوقت الحاضر، وبشكل أساسي عبر منصات التواصل الاجتماعي،[2] بالإضافة إلى أبواق ووسائل الإعلام الرسمية. والواضح أنه عندما تكون الدولة في أزمة نتيجة ظهور معلومات حقيقية ومؤكدة من مصادر موثوقة، فإنّها تكون قد تركت إرثاً ثقيلاً يتعلق بالجرائم التي ارتكبتها الأنظمة السابقة بحق الشعوب والأمم.

اللجنة الرئاسية المشكلة في شهر مايو/أيار 2009

  • تم طرح وتسجيل سؤال مُدوّن في البرلمان الأوروبي بشأن السياسات الروسية الحالية، التي تعمل ما في وسعها لتزوير الأحداث التاريخية المتعلقة بالماضي الاستعماري والمغامرات التي حدثت في الأيام الماضية، وتم توثيقها كما هي من قبل مختلف الأطراف. حتى أنها مُوثّقة في الأرشيف الروسي نفسه. وعلى الرغم من ذلك، فإن السياسات المعاصرة تُزيّف وتُكيّف هذه الأحداث وفقًا لأولوياتها. وذلك بالرغم من أن ”كذبة واحدة تكفي للتشكيك في كل الحقائق“.
  • في 15 مايو/أيار 2009، أصدر الرئيس دميتري ميدفيديف المرسوم رقم 549 بإنشاء {لجنة لمواجهة محاولات تزوير التاريخ على حساب مصالح روسيا}. شدد الرئيس ميدفيديف على أن هذه اللجنة ستحارب المحاولات الخبيثة والعدوانية لإنكار انتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية، بما في ذلك محاربة ما يسمى بإعادة إحياء النازية في دول البلطيق. وقد تكرر هذا الهدف في مناسبات متعددة من قبل العديد من السياسيين الروس، بما في ذلك كونستانتين زاتولين، النائب الأول لرئيس لجنة دوما الدولة لشؤون رابطة الدول المستقلة والعلاقات مع الروس في الخارج، وعضو اللجنة المشكلة حديثًا، وهو حالياً رئيسًا للجنة والقيِّم على إصدار هذا التشريع“.[3]
  • إن الأهمية المعطاة لهذه اللجنة التي يعاد تشكيلها بين الحين والآخر، والمواضيع المدرجة على جدول أعمالها، تؤكد عدم اهتمام السلطات الروسية بأهمية العدالة والمساواة والنزاهة والمصداقية والالتزام بالعدالة الدولية، وبالتالي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يحدد الالتزامات التي يجب على الدول والكيانات احترامها والتقيد بها.
  • قائمة الأعضاء الـ 28 في اللجنة الجديدة تظهر بوضوح طابعها السياسي بشكل أساسي، وغير المستندة إلى التاريخ. يرأسها رئيس أركان المكتب التنفيذي الرئاسي وتشملمن بين آخرينرئيس أركان الجيش الروسي وممثلين عن جهاز الأمن الفيدرالي، ودائرة الاستخبارات الخارجية، ووزارة الخارجية، وديوان الشؤون العامّة“.[4]
  • السرد الرسمي الملتوي مرن وقابل للتغيير وحسب الظروف، لإزالة اللوم عن الجاني، وجعل الضحية مسؤولة عن الظلم الحاصل. ”لا تكتفي الدولة الروسية بإنشاء وفرض الإطار القانوني لمناقشة التاريخ والحفاظ عليه. بل أنها تفرض مفهومها وفرضيتها بشكل فعال … وتتجلّى دعاية الدولة من خلال مؤسسات تابعة لها أو شبه حكوميّة أو تابعة للدولة مُصمّمة خصِّيصًا لتعزيز السرد التاريخي المرخص به؛ وغرس التاريخ الرسمي في الأذهان في المدارس؛ وحملات تشهير ضد المؤرِّخين المستقلين والمنظمات غير الحكومية، ويتم ذلك تحت قيادة وسائل الإعلام المُسيْطَر عليها من قبل الحكومة“.[5]
  • لكن المثقفين والمؤرخين ونشطاء حقوق الإنسان وأصحاب الضمير الحي لا يوافقون على مثل هذه الفظاعة. ”خلال حدث تذكاري دولي عُقِدَ مؤخّرًا، صرّحت القاضية المتقاعدة من المحكمة الدستورية الروسية، تمارا مورششاكوفا، أن {المؤرخين المستقلين يشعرون دائمًا بالخطر إذا لم يُجْروا أبحاثهم وفقًا للحكمة التي تقرها الدولة}.228“[6]

تصميم تاريخ مزور

  • تعتبر التحركات الرسمية الروسية على مر السنين مجرد قصصية وتبعث على التّندُّر، لأنها تدعو إلى هذه الأعمال اللا أخلاقية وغير المنطقية. ولا تزال انتقادات المراقبين والناشطين الحقوقيين تذكر وتشهد تداعيات أحداث الماضي من احتلال وإبادة وضم وتهجير للعديد من الحالات التي لا تزال قائمة حتى يومنا الحاضر. ”روسيا، كما يقول المثل، دولة ذات ماضٍ لا يمكن التنبؤ به. في الواقع، من الصعب التنبؤ بماضينا أكثر من التنبؤ بالمستقبل. إنها مرآة بيت المرح التي قد يبدو من المستحيل تحريفها أكثر. هل يمكن أن تكون اللجنة الجديدة مسؤولة عن تقويم الانعكاسات الملتوية؟“[7]
  • هذه الآلية غير المنطقية للإصرار على إملاء رسوم كاريكاتورية هزليّة، تقوم بها أدوات السلطة وأجهزتها، لا تعني بأي حال من الأحوال إلا التعصب والتطرف والنرجسية التي تحاكي جنون العظمة. ”مثل أي مغامرة مشابهة، فإنّ هذه أيضًا لها قاع زائف. ما هو التاريخ الذي نتحدث عنه؟ هل نستعرض آلاف السنين بأكملها؟ هل سنحمي فلاديمير مونوماخ أو إيفان الرهيب من التزوير؟ ماذا عن راسبوتين أو الكيميائي يفغيني بيرون؟“[8]
  • في سياق ذي صلة، في 29 مايو/أيار 2009، قال رئيس ليتوانيا في الاجتماع الأوروبي الثاني والعشرين للمجلات الثقافية: ”مرة أخرى، تحول التاريخ إلى وصيفة للسياسة والأيديولوجيا، وفُرِض على ليتوانيا وشعبها التستُّر على الظلم والجريمة وتشويه الحقائق والتشهير  بمناضلي الإستقلال والحرية. اليوم، وبعد أكثر من ستة عقود من الواضح بِأن النصر بدون أسس الثقة والأخلاق ليس انتصارًا، بينما التاريخ القائم على التزييف ليس تاريخًا“.[9]
  • تُعد الأكاذيب والمعلومات المفبركة عوائق يحاول فرضها الذين يُنظِّرون لها. يقوم العنصريون والمتعصبون والفاشيون والمتطرفون والمتشددون من أركان الدولة المختلفة بالترويج لها ونشرها في وسائل الإعلام الرسمية المختلفة ومنصات التواصل الإجتماعي. وفي كل الحالات، فإن الضحايا ومن خلفهم العالم المتحضر لا يقبلون ولا يعترفون بالمعلومات المزيفة والملفقة والمضللة وغير الموثّقة. ”أصبحت الذكريات التاريخية للأحداث المأساوية المتنوعة، لكن المترابطة في القرن العشرين مؤخرًا موضوع مواجهة سياسية ساخنة وحملات تضليل مكثفة“.[10]
  • ليس من المعقول ان يتم عمل خريطة طريق للحاضر والمستقبل أو رسم سياسة لدولة بحجم كيان يدّعي انه دولة عُظمى، وذلك اعتمادا على الأكاذيب وبنات افكار المزيِّفين وكأنهم يلعبون دور السُّذّج والمهرجين غير المسؤول وغير اللائق في لعبة غير مضمونة النتائج على المدى الطويل وحتى المتوسط. ما يمكن أن يقبله البعض بالإكراه في وقت من الأوقات، لا يمكن ان يستمر ذلك القبول على حاله. وعندما تُبْحث المواضيع والقضايا المشروعة على مستوى مهني جاد أو احترافي بعيدا عن المناورات الطائشة وغير المجدية، فإنه سيتم إعطاء كل ذي حق حقه. 
  • يشتهر الكرملين على نطاق واسع بقدرته المنافية للعقل والمتغطرسة وبالتالي المؤثرة على إيجاد اتهامات لا أساس لها وتصنيفات مخزية اعتمادًا على روايات تاريخية مشكوك فيها للغاية، وأغلبها مزور أو حتى مجرد سرد تاريخي ملفق … لا يمكن كسب حروب الذاكرة عن طريق العقوبات الاقتصادية أو الردع العسكري. إن الحل الفعّال الوحيد هو الاستثمار في القوى الفكرية والدبلوماسية البارعة. وفي ساحة معركة الذكريات التاريخية، لا يوجد مكان لردود مُشتّتة وغير محترفة من قبل سياسيين نفد صبرهم أو خبراء غير أكفاء“.[11]

اللجنة الرئاسية المشكلة في شهر يوليو/تموز 2021

  • آخر التطورات، نشرت صحيفة نوفايا غازيتا (Novayagazeta) في 31 يوليو/تموز 2021،  أن وزير الثقافة الروسي السابق فلاديمير ميدينسكي تم تعيينه مؤخرًا، رئيسًا للجنة جديدة للعلوم التاريخية. الهدف منها هو الدفاع عن الأفكار الرسمية حول الماضي الروسي من الشكوك غير الضرورية. بحيث يتم تنظيم العمل على نطاق واسع: يشمل ممثلين عن الإدارة الرئاسية ومجلس الأمن الروسي ومكتب المدعي العام ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع و جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. سوف يبحثون عن الهياكل الأجنبية التيتضر بالمصالح الوطنية لروسيا في المجال التاريخي، ومنعتزوير التاريخ، وتطوير نهج موحّد للدولة بشأن العلوم التاريخية وأنشطة الدعاية المضادة“.[12]

الدعاية المضللة التاريخية

  • أُجريت دراسة بعنوان: ”تزوير التاريخ كأداة للنفوذ، ونشرت في 27 يناير/كانون الثاني 2021،  لمعالجة ميل روسيا لاستخدام الدعاية التاريخية لتعزيز أهداف سياستها الخارجية. لقد تعاملت معالاتجاه المتنامي لاستخدام روسيا للدعاية التاريخية لتعزيز أهداف سياستها الخارجية. إنها تحتوي على فصول كُتِبت من قبل خبراء في هذا المجال في البلدان المعنية ألا وهي إستونيا وفنلندا ولاتفيا وبولندا“.[13]
  • تم الاتفاق على أنه ، من أجل نزاهة الخلاصة الوافية، يجب فهم الموضوع المركزي على الأقل بشكل عام كما يتصوره {جويت وأودونيل} (Jowett and O’Donnell): الدعاية هي محاولة متعمدة ومنهجية لتشكيل مفاهيم والتلاعب بالإدراك والسلوك المباشر لتحقيق استجابة تعزز القصد المنشود لِمُرَوِّج الدعاية“.[14] ناهيك عن تكتيكات الحروب الهجينة المعاصرة، والتي يتم اتباعها واستخدامها في مناطق مختارة. بالإضافة إلى إحداث تأثير لحملات الدعاية والتضليل المرتبطة بها واللاحقة وذات الصلة.
  • في مارس/آذار 2021، عقدت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الروس وغيرهم من كبار المسؤولين الحكوميين مناقشة مائدة مستديرة في مجلس الاتحاد، وهو مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي. قال المشاركون إن التاريخ الروسي يجب أن يصبح سلاحًا رئيسيًا في {حرب العقول}، أو {حرب الذاكرة}، ضد الغرب. ودعوا إلى تعزيز {الرقابة وايديولوجية [الدولة] والدعاية المضلِّلة}.253 واقترح فلاديمير ميدينسكي اعتماد سياسة تاريخ الدولة الرسمي.254“[15]

استنتاج

ازداد عدد الشركس في أماكن تواجدهم في العالم الشركسي، الذين أصبحوا قادرين عبر التمكن من الوصول إلى المعلومات الموثقة وأصبحوا متأكِّدين من الحقائق المتعلقة بماضيهم وحاضرهم والإجراءات القمعية الروسية ضدهم وضد أسلافهم. لقد تحوّلوا إلى مصدر إلهام لفعل كل ما في وسعهم وكل ما من شأنه أن يُحفِّزَهُم على عملهم الدؤوب من أجل إدراك الحاضر واستشراف آفاق المستقبل.

************

مراجع

[1] https://www.universityworldnews.com/post.php?story=20190429100401197

[2] https://www.universityworldnews.com/post.php?story=20190429100401197

[3] https://www.europarl.europa.eu/doceo/document/E-7-2009-3775_EN.html?redirect

[4] https://www.europarl.europa.eu/doceo/document/E-7-2009-3775_EN.html?redirect

[5] https://www.fidh.org/IMG/pdf/russie-_pad-uk-web.pdf

[6] https://www.fidh.org/IMG/pdf/russie-_pad-uk-web.pdf

[7] https://www.rferl.org/a/Medvedevs_Terrifying_Order/1736554.html

[8] https://www.rferl.org/a/Medvedevs_Terrifying_Order/1736554.html

[9] https://www.eurozine.com/eurozine-conference-held-in-vilnius/

[10] https://icds.ee/en/the-kremlins-obsession-with-glorifying-falsified-history/

[11] https://icds.ee/en/the-kremlins-obsession-with-glorifying-falsified-history/

[12] https://novayagazeta.ru/articles/2021/07/31/poveliteli-istorii?utm_source=fb&utm_medium=novaya&utm_campaign=byvshiy-ministr-kultury-vladimir-medinsk&fbclid=IwAR2gOqp1mSdmIE-n5jIgYLENzRbW50iSt1Ji7RXHDxbZtbAnCaYsFJYsm20

[13] https://stratcomcoe.org/publications/falsification-of-history-as-a-tool-of-influence/16

[14] https://stratcomcoe.org/publications/falsification-of-history-as-a-tool-of-influence/16

[15] https://www.fidh.org/IMG/pdf/russie-_pad-uk-web.pdf

Share Button

اترك تعليقاً