حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
07 سبتمبر/أيلول 2021
الحرب الروسية–الشركسية (1763–1864)
الفصل الثالث
التطويق والحصار
استخدمت القوات الروسية الغازية كافة الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافها مع سبق الإصرار، والتي كانت تتمثل في السيطرة الكاملة على شركيسيا والذبح وتشتيت أمتها. اعتبرت الإمبراطورية الروسية نجاحها يتمثّل في قدر ومصير شطب شركيسيا من الخريطة ومحاصرة الشراكسة في وقت صعب يعتريه التحدي والخلاف، من أجل القضاء على السواد الأعظم من الأمّة.
وقبل أن يصبح الاحتلال ممكناً، فُرض حصار مشدد على المناطق الشركسية في البر، تلاه حصار محكم آخر في البحر، يتمثّل في الساحل الشركسي على البحر الأسود. تبع ذلك بناء حصون وحاميات لاستخدامها في حشد القوات الغازية في المواقع التي يمكن الدفاع عنها واستخدامها في مداهمة القرى والبلدات والموانئ بالإضافة إلى تدمير وسرقة المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية في شركيسيا. كانت هذه الاعتداءات مرفوضة وغير مبررة إستنادا إلى حق الناس في الحرية والاستقلال.
أدى الحصار البحري في البداية إلى خفض معدل الحركة البحرية ثم منع السفن تمامًا من الاقتراب من الساحل. وأراد الحصار قطع الاتصال بالعالم الخارجي لمنع سفر الوفود والتجارة وتبادل البضائع واستيراد المواد الضرورية للحياة اليومية للدفاع عن الوطن. التالي هو النص الذي كتبه أ. ي. شير (A. Y. Chirg) عن البحرية الشركسية خلال الحرب الروسية–القفقاسية:
خلال الحرب الروسية–القفقاسية، لم توظّف روسيا القيصرية القوات البرية فقط، لكنها استخدمت أيضًا القوات البحرية. اعتبرت القيصرية أن الحصار المفروض على ساحل البحر الأديغي (الشركسي) هو أحد التّدابير الرئيسية لغزو شركيسيا، لذلك أراد الروس إيقاف أي نوع من التّواصل بين شعب الأديغه وبقية العالم. لقد تم تكليف البحرية الروسية بهذا الدور الفعال لتحقيق ذلك.
من عام 1830 وعلى طول الساحل الشرقي للبحر الأسود، قام الأسطول الروسي بدوريات بحرية خاصة دُعِيتْ ”الحملة الأبخازية“. لم تسمح طرادات القتال بالإبحار للسفن التجارية الأوروبية والتركية باتجاه الساحل الشركسي. ومن ناحية أخرى، قاتل أسطول القيصر على طول ساحل البحر الأسود من شمال القفقاس من خلال إنزال العديد من القوات البرية. كانوا يحتلون أهم الأماكن بالمعنى العسكري الاستراتيجي. في الأعوام 1837 – 1839، تم إنشاء حصون عسكرية بمساعدة البحرية مثل: سانت دوخ (Saint Doukh) على رأس أدلر (Adler)، وفيليامينوفسكوي (Velyaminovskoye) على مصب نهر طوابسه (Tuapse River)، وتنغينسكوي (Tenginskoye) على نهر شابسوغ (Shapsugh River)، ونوفوروسيسك (Novorossiysk) في خليج سودجوخ (Sudjoukh)، ونافاجينسكوي (Navaginskoye) على نهر سوتشي (Sochi River)، وغولوفينسكوي (Golovinskoye) على نهر شاخي (Shakhe River) ولازاريفسكوي (Lazarevskoye) على مصب نهر بسيشوابا (Psishuapa River).304
النشوة بالنصر جعلت العديد من القادة الروس يطلقون تصريحات معادية وعنصرية ضد السكان الأصليين: ”في رسالة التهنئة التي أرسلها القيصر ألكساندر الثاني (Alexander ll) إلى إيرل يفدوكيموف (Earl Yevdokimov): {لقد قمت بتنظيف وتدمير الشعوب الأصلية المتمردة في غرب القفقاس في السنوات الثلاث الماضية. يمكننا استرداد تكلفة هذه الحرب الدموية الطويلة من هذه الأرض الخصبة في وقت قصير للغاية}“.305
وتقول شهادة أخرى،
استولت مفرزة روسية على قرية طوبه (Toobah) على ضفة نهر سوباشي (Soobashi)، التي يسكنها حوالي مائة من الأبزاخ (قبيلة من الشركس)، وبعد أن سلم هؤلاء أنفسهم كأسرى، ذُبِحوا جميعًا على يد القوات الروسية. وكان من بين الضحايا امرأتان في حالة حمل متقدم وخمسة أطفال. والمفرزة مدار البحث تنتمي إلى جيش الكونت إفدوكيموف (Yevdokimov)، ويقال إنها تقدمت من وادي بشيش (Pshish). ومع إحراز القوات الروسية التقدم على الأرض في منطقة الساحل، لا يُسمح للسكان الأصليين بالبقاء هناك تحت أي ظرف، لكنهم مضطرون إما إلى نقل أنفسهم إلى سهول حوض نهر كوبان أو الهجرة إلى تركيا“ (F.O. 9-424, no 2, Dickson to Russell, Soukoum Kale,17 March 1864).306
كان تسلسل الاحتلال على النحو التالي: التحضير للغزو، وحشد القوات، وإعداد الأهداف، وجدول زمني للمعارك وتنفيذ الهجوم. ومن النتائج المرجوة من الغزو إيجاد وضع الأرض المحروقة والتدمير الشامل لزعزعة استقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للسكان وتعطيلها، الأمر الذي ساعد على ترويع الناس وإجبارهم على الانتقال إلى مناطق كان الغزاة قد اختاروها مسبقًا: ”العدالة المتأخرة حرمان من العدالة“.307
وأضافت الشهادة، ”استخدم سكان المناطق الساحلية الأديغه بَحْرِيّتَهُم في القتال ضد العدوان القيصري، والتي كانت تتكون من سفن صغيرة، سُمِّيَتْ في المصادر الأوروبية في القرن التاسع عشر بـ ”القوادس“. أتقن الشركس الملاحة في البحر الأسود منذ العصور القديمة، وبالتالي كانوا ملّاحين وبحّارة ذوي كفاءة عالية. ويتوفر كم كبير من المعلومات حول الملاحة الشركسية في المصادر القديمة مثل (سترابو {Strabos}، وتاسيتس {Tacitus}، إلخ…) ومصادر العصور الوسطى مثل (المسعودي {Al-Masoudi}، وﺟﻮﺭﺝ ﺍﻧﺘﺮﻳﺎﻧﻮ (Interiano)، إلخ…)“.308
لم يهملوا الأسلوب، لكنهم استغلوا كافة الإمكانات لإبلاغ العالم بما يواجهونه من ظلم وعدوان على المدنيين.
رسالة من الشركس إلى داود بيك (DAVID URQUHART)
الصحافة الحرة، مجلة لجان الشؤون الخارجية، 2 ديسمبر/كانون الأول 1863 (The Free Press, Journal of the Foreign Affairs Committees December 2, 1863)
إن الروس، الذين يسخرون ويستهزئون منا، بدأوا في أن يكونوا أكثر عنفًا وقمعًا، وسمعوا وصول الأشياء المذكورة أعلاه، فدفعوا بعض القوات إلى الأمام، وحاصروا في الليل مائتي منزل تابعين لشعبنا، وحتى لجيراننا، وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال؛ بلغ عدد القتلى ألف وثمانين فردا، وأولئك الذين تم أسرهم ألف وثلاثمائة.(309)
يتبع…