الحرب الروسية-الشركسية (1763–1864) / سياسات الهيمنة الروسية – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


10 سبتمبر/أيلول 2021

الحرب الروسيةالشركسية (1763–1864)

الفصل الثالث

سياسات الهيمنة الروسية

PHOTO-2021-09-10-16-31-26

كانت شركيسيا، من بين آخرين في شمال القوقاز وأماكن أخرى، واحدة من هؤلاء الضحايا الذين لم يتم تدميرهم والقضاء عليهم بالكاملإن حل محنتهم سيكون طويل الأمد ويجب أن يؤخذ ذلك في عين الإعتبارهناك مجموعة من الشركس المخلصين لهويتهم الشركسية بفخر، وينتمون إلى ما يمليه عليهم الضمير والواجب القومي، ويبذلون قصارى جهدهم لاستعادة حقوق الشركس في وطنهم الأم.

ظل شمال القوقاز عبر التاريخ على أطراف العالم الإسلاميلم تنجح الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية المجاورتين مطلقًا في احتلال المنطقة وضمها، وظلت راضية عن تحصيل مدفوعات الجزية والضرائب والعبيد. وهكذا تُرك الأمر للروس، الذين جلبوا منذ أواخر القرن الثامن عشر المعدات الاستعمارية الثقيلة — الجيش والبيروقراطية والمبشرون والمستوطنون والمحاكم والمدارس — لبدء تغيير المشهد الجغرافي والاجتماعي التقليدي.310

يجب اتخاذ تدابير لمتابعة آثار وخطى صانعي السياسة والمروجين الروس الذين كانوا هم المتآمرين والمُسيِّرين الرّئيسيين في خطة للقضاء على أي وجود شركسي من خلال إبادة نصف السكان في الوقت الذي تمّ فيه ترحيل وتهجير البقية دون تردُّد، أو اهتمام إنساني أو إنصاف تجاه أمة تؤمن بالحرية والحق في العيش على أرضها دون تدخل أجنبي.

وبجلاء، فإن الطريقة التي يبرمون بها الصفقات تمنحهم القدرة على التراجع عن أي التزام.

في عام 1813، تم تكليف رافائيل سكاسي (Rafael Scassi)، وهو تاجر أصوله من جنوة، بتطوير العلاقات التجارية، وأبرم المعاهدات التي زادت التجارة، بما في ذلك بيع الأخشاب لاستخدامها في بناء السفن في سيفاستوبول (Sevastopol). وقد أشرف سكاسي أيضًا على إنشاء مركز تجاري رئيسي على البحر الأسودفي صيف عام 1819 تم رفع التعريفات الجمركية عن بيع الملح، وهو استيراد مهم للغاية في شركيسيا، وافتتح مركزان تجاريان جديدانفي عام 1821 أجاز الكسندر {لوائح العلاقات التجارية مع الشركس والأباظة}، التي بالإضافة إلى إحصاء الإجراءات القانونية الدقيقة للتجارة الروسيةالشركسية، قام بتأسيس كيرش (Kerch) وبوغاز (Bugaz) كمراكز تجارية رسمية. لكن لسوء الحظ، كانت اللوائح غير مناسبة للظروف الفعلية في شركيسيا وفعلًا أعاقت التجارة.311

لم يحترم الروس أبدًا التزاماتهم تجاه الشركس، حيث فضّلَتْ روسيا خياراتها على أي اعتبار آخر.

على الرغم من الإمكانات المربحة لتوسيع العلاقات التجارية مع روسيا، إلا أنه كانت هناك عناصر من كلا الجانبين تحاول على تخريبهافضّل العديد من الزعماء (pshis) العلاقات مع العثمانيين واستمروا في الإغارة على مستوطنات القوزاقعلى الجانب الروسي، عارض الجنرال أليكسي يرمولوف (Alexi Yermolov)، قائد جيش القفقاس من 1816 إلى 1827، بشدة العلاقات الاقتصادية مع شركيسيا، وبعد أن فشل في وقف التجارة بشكل مباشر، حاول عمدًا تخريب العلاقات بين الشركس والروس، وقام بتدمير القرى وقتل القرويين المسالمينومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الجهود من كلا الجانبين لتسميم الوضع، استمرت التجارةبعد معاهدة أدريانوبل (Adrianople) في عام 1829، زادت التجارة بين الطرفين على الرغم من إقالة سكاسي وإنهاء الإدارة الرسمية للتجارة الروسيةالشركسية.312

انطلقت الدولة الروسية منذ ”صعود المسكوفيين“313 قبل أكثر من 450 عامًا، وتم تأكيد ذلك لاحقًا، حيث وصفت نفسها باسم روسيالقد مرت بعصور روسيا بطرس الأكبر“ و ”الإمبراطورية الروسية“،314 والإتحاد السوفياتي (الذي هيمنت عليه روسيا والروس بالكامل، إلى جانب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي)،315 حيث لم يكن الشركس وغيرهم معنيين في دور الفيدراليّة التي بدا أنها بين روسيا المهيمنة وعشرات الأمم والكيانات الإقليمية المختلفةتشكلت السياسات الإمبريالية خلال الفترة القيصرية/الإمبراطورية عبر إنشاء قوات مسلحة كبيرة وقوية باستخدام المرتزقة لتنفيذ سياسات شريرة ضد عشرات الأمم في القفقاس وأماكن أخرى.

نسّقت القوات العسكرية الروسية وحلفاؤها المرتزقة لتنفيذ الخطة الموضوعة، والتي تضمنت استفزاز المواطنين الشركس من جهة، وإساءة معاملتهم وتعذيبهم من جهة أخرى.

أدى تزايد نطاق الاستعمار في شمال القفقاس وقسوة سياسة الغزو التي انتهجتها القيصرية الروسية إلى تشكّل انتفاضات عفوية واسعة النطاق للجبليينوقعت أولها في الشيشان في يوليو/تموز 1825:   استولى الجبليون بقيادة بيبولات (Bey-Bulat) على موقع أميرادجيورت (Amiradzhiiurt)، لكن محاولاتهم للاستيلاء على غيرزبي (GerzeP) وغروزنايا (Groznaia) باءت بالفشل، وتم قمع الانتفاضة في عام 1826. – 316

ولتحقيق النصر بأقل قدر ممكن من الخسائر، حاولوا فرض حصار على الساحل الشركسي.

تم إنشاء تحصينات غولوفينسكوي (Golovinskoe) ولازاريفسكوي (Lazarevskoe) على ساحل البحر الأسود في عام 1839، وتم في نفس العام إنشاء خط شاطئ البحر الأسود، الذي يمتد من مصب نهر كوبان إلى حدود مينغريليا (Megrelia). في العام التالي، تم إنشاء خط لابا (Laba)، لكن سرعان ما مُنِيت القوات القيصرية بعدة هزائم بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 1840 عندما استولى المتمردون الشركس على تحصينات خط شاطئ البحر الأسود ازاريفسكوي (Lazarevskoe) وفيليامينوفسكي (Vel’iaminovskoe) وميخائيلوفسكي (Mikhailovskoe) ونيكولايفسكي (Nikolaevskoe).317

نشرت إذاعة أوروبا الحرة / راديو الحرية مقالاً لبول غوبل (Paul Goble) جاء فيه:

اعترف بيان الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين (Boris Yeltsin) في مايو/أيار 1994 عبر نداء الى الجبليين بأن مقاومة شمال القفقاس للقوات القيصرية كانت مشروعة، لكنه لم يشر في نفس النداء إلى الإعتراف بذنب الحكومة القيصرية في الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد شعوب شمال القفقاس“.318

قدم خليفته، الرئيس بوتين (Putin)، الذي تولى منصب رئيس الوزراء والقائم بأعمال الرئيس والرئيس فيما بعد، فكرة الاحتفال بحدث غير واقعي بشأن ما يسمى ذكرى ”مرور 450 عاما على إنضمام الشركس الطوعي لروسيا“. إنّهُ ليس من المنطقي أن يعلن رئيس دولة أن الدفاع ضد القوات القيصرية كان شرعيًا، بينما بعد سنوات قليلة يتفادى خلفه ذكر وقوع حرب استمرت 101 عامًا!319

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً