الحرب الروسية-الشركسية (1763–1864) / الأحداث المأساوية ونتائج الحرب المدمرة (2) – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


28 سبتمبر/أيلول 2021

الحرب الروسيةالشركسية (1763–1864)

الفصل الثالث

الأحداث المأساوية ونتائج الحرب المدمرة (2)

PHOTO-2021-09-27-18-14-41

وللقاء الإمبراطور أثناء تواجده في المعسكر أيضًا،

ترك 50 مندوبًا شركسيًا بوسائل الركوب المتوفرة لديهم قومهم وتوجهوا نحو المعسكر. وافق الإمبراطور على استقبالهم. ناشد حاجي برزج (Haji Berzek)، ممثل الأوبخ (Ubykhs) الإمبراطور، باسم كافّة الشركس، لقبولهم كرعايا لديه. قال الملك بأنّهُ سيكون سعيدًا بقبولهم كرعاياه وفقًا للشروط التالية: أولاً وقبل كل شيء، يجب عليهم وقف غاراتهم، والامتثال والوفاء بجميع مطالب السّلطات الروسية، ولإثبات استعدادهم لذلك، يجب عليهم الآن تسليم الأسرى والهاربين. كان الصمت هو جواب النواب الشركس. أصبح من الواضح أن شيوخ ومندوبي الشركس الذين جاءوا إلى المخيم لم يكونوا ممثلين للشّعب بأكمله، لكن لجزءٍ منه فقط، وهو الجزء الذي أراد وقف الحرب.357

وعندما سأل الإمبراطور عن سبب التزامهم الصمت، أضاف حاج برزج أنهم أحضروا معهم نداءً مكتوبًا أيضًا. أمر الإمبراطور بقبول تسلم النداء المكتوب ثم أعلن أنه يضعه في أيدي السلطات الروسية في القفقاس للنظر في إمكانية مراعاة نداء الشركس وترتيب أسلوب حياتهم بشكل عام.358

طالب المندوبون الشركس في ندائهم حرمة حقوقهم في أراضيهم، ووقف بناء القلاع الروسية، ومستوطنات القوزاق العسكرية، وإنشاء الطرق فيها. ومما لا شك فيه، فإن مثل هذا التسليم المشروط سيمدد عملية تهدئة المنطقة لسنوات عديدة. فقال الإمبراطور: أمنحكم شهرًا واحدًا. ويجب أن يقرر الأبزاخ (Abadzekhs)، ما إذا كانوا على استعداد للاستقرار في منطقة حوض كوبان، حيث سيحصلون على الأرض للملكية إلى الأبد والحفاظ على تنظيمهم القومي ومحكمتهم الخاصّة بهم، أو الانتقال إلى تركيا“. لا بد أن هذا البيان المتبجِّح للإمبراطور الروسي قد صدم الشركس كما يشاؤون. عاد الوفد الشركسي المحبط إلى شعبه، وقام الإمبراطور بجولة في المخيم، وإلى كتيبة جنادرسكي (Genaderski) للبنادق وسرايا رماة البنادق السبع في الكتيبة الأمامية التي كانت تحرس النقل.359

وعلى ما يبدو، تُركت القضية في أيدي سلطات الاحتلال، التي اشتكى الشركس من أفعالها وسياساتها المنهجية والتطهير العرقي تجاههم وتجاه وطنهم. لم يكن ذلك كل ما تم التخطيط له ضد الشركس، كما أضاف الإمبراطور رسميًا وأذن بخطوة أخرى لتعزيز وتنفيذ الخطط الروسية الرسمية على الأرض.

ويتم تدوين الهدف الروسي الرئيسي من خلال الأوامر الإمبراطورية.

في 24 يونيو/حزيران 1861، وقّع الكسندر الثاني (Alexander II) على النسخةالإمبراطوريةللمرسوم بشأنالإستيطان في شمال القوقاز“. ينص المرسوم على: ”الآن بعون الله، فإن مسألة الغزو الكامل للقفقاس على وشك الانتهاء. تبقى بضع سنوات من الجهود الدؤوب من أجل طرد الجبليين المعادين تمامًا من المناطق الخصبة التي يحتلونها واستقرار السكان المسيحيين الروس فيها إلى الأبد. ويعود شرف إنجاز هذا العمل المجيد بشكل أساسي إلى القوزاق التابعين لقوات كوبانسكي (Kubanski) المسلحة“. ولكي يُشجّعون القوزاق ولتسريع العملية، وعدهم الإمبراطور بتعويضات مالية وامتيازات أخرى.360

جاء ألِكسندر الثاني إلى يكاتريندار (Ekaterinodar) {حاليًا كراسنودار} لتفقد المناطق المخصصة للمستوطنات الروسية. وفي 11 سبتمبر/أيلول، وصل إلى تامان (Taman)، حيث التقى به وفد شركسي يتألّف من 500 شخص . . . . ناشد الأبادزيخ الإمبراطور الروسي عدم طردهم من أماكنهم . . . فكانت إجابته،أعطيكم شهرًا واحدًا. يجب أن يقرر الأبادزيخ ما إذا كانوا يريدون إعادة التّوطُّن في الأماكن المخصصة لهم على طول حوض نهر كوبان، أو الانتقال إلى تركيا”.361

القادة الشركس الذين يمثلون أمتهم قالوا آراءهم، والتي تراوحت بين قبول ما يفرضه العدو عليهم ورفض الذهاب طواعية إلى العبودية غير المشروطة.

ثم تحدث بشيماف، الانبيك حاجيموكوف (Pshimaf, Alanbech Hajemukov). ”الآن، أرى أننا لا نملك القوة الكافية للدفاع عن أراضينا بالسلاح. إن الروس كثيرون. نحن لسنا سوى عدد قليل. القوات غير متكافئة . . . رأيي هو الاستسلام. لن يلومنا الله على ذلك“. ونظرًا إلى أن الحشد استاء من البيان، أصبح الإمبراطور شاحبًا.362

ثم تحدث حاتربي تسي (Hatirbay Tsey)، حيث قال:كل أمة تولد وتنمو فتكبر وتموت، تمامًا مثل الإنسان، وكأي فرد من البشر. يقولون إن عمر الإنسان هو مائة عام، لكن الأمة تعيش لآلاف السنين. القيصر الروسي أحب القفقاس كثيرا وهو يخوض حربا دموية منذ أكثر من 60 عاما ويريد الاستيلاء عليها. ومع ذلك، فإن أرضنا، هي وطننا، وهي عزيزة علينا أيضًا. وضحينا بدمائنا وأرواحنا من أجلها، ودافعنا عنها، وندافع الآن عنها، وسندافع عنها في المستقبل باسم أجدادنا، وباسم أبنائنا وأحفادنا . . . لقد أخبرنا القيصر أن القفقاس ستكون روسية. ربما ستكون القفقاس روسيّة، لكن الشركس لن يكونوا عبيدًا للقيصر الروسي، طالما يجري الدم في أجسادهم“. عندها عاد الإمبراطور على الفور إلى مقره.363

عندما توصل الزعماء الكبار والقادة الشركس إلى استنتاج الحقيقة البشعة وأصبحوا متأكدين بشكل حتمي من أن الروس كانوا يقتربون، تجمعوا في المنطقة المحيطة بسوتشي وناشدوا القوى العظمى في ذلك الوقت، ولا سيما الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية. لقد أرادوا المساعدة لوقف تقدم المستعمرين الروس الذين اقتربوا أكثر فأكثر من الاستيلاء على المنطقة بأكملها واحتلالها. كانوا يأملون في الحصول على مساعدتهم، لكنهم ووجهوا وقوبلوا بالصمت الأبدي من جميع الجهات. والظاهر أن بعضهم شهد بمباركته قيام المحتلين بارتكاب الجرائم. لم يساعد وصول اثنين من القادة الشراكسة (الزعماء) إلى إنجلترا في عام 1862، والذين مثّلوا المقاومة الوطنية في شركيسيا، لإطلاع العالم بشأن الغزو الروسي والخطط الإستعمارية وطلب المساعدة، لوقف المأساة الشركسية.

أدى التأثير العميق لاحتلال شركيسيا، بالإضافة إلى التغييرات الجغرافية والديموغرافية التي نفذتها الإمبراطورية الروسية من خلال احتلالها الاستعماري منذ عام 1864، إلى سلسلة من المناسبات عندما قامت الأنظمة الروسيّة المتعاقبة الى تقسيمها وإعادة تقسيمها، ثم تجزئتها، وقدّمت لاحقًا مهام تظهر نواياهم الإستعمارية والجشعة. وقد أظهر أولئك الذين مارسوا كل أنواع القهر والاستبداد، بالإضافة إلى تطبيق القوانين الإستعمارية الرسمية عند التعامل مع السكان الشركس، توقهم الحصول على الوطن الشركسي، لكن من دون شعبه الشركسي.

لطالما رسّخ الروس انتصارهم في الحرب ووظّفوه على مر السنين وما زالوا يفعلون ذلك. فقد تم اتخاذ خطوة غير إنسانية إضافية في هذا الاتجاه، والتي حدثت في فبراير/شباط من عام 2014، عندما استضافت العاصمة الشركسية سوتشي دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الروسية، والتي كانت تقترب في حينه من إحياء ذكرى مرور 150 عامًا على احتلالها على أيدي القوات الغازية في الحادي والعشرين من مايو/أيار 1864، والتي سيتم تناولها لاحقًا في فصل آخر. كانت سوتشي آخر معقل شركسي استولى عليه الروس. وبناءً عليه، فرضت الإمبراطورية الروسية سيطرة استعمارية إدارية واحتلالًا فعليًا للوطن الشركسي بأكمله بالإضافة إلى أجزاء أخرى من شمال القفقاس.

منذ أمد بعيد كان القوزاق في صدارة التّيّار المناهض للشركس، على ما يبدو وفقًا لسياسات الغزو الرسمية للإمبراطورية الروسية. كان للقوزاقوهم أناس يتحدثون اللغة السلافية والذين تبنوا نمط حياة شبه بدوي في السهوبدورًا أساسيًا فعّالًا في عملية توسُّع الإمبراطورية الروسية، حيث لم يكن شمال القوقاز استثناءً. تم إنشاء موقع حشد (Cossack Host) كوبان الخاص بالقوزاق (جيش القوزاق) على أطراف الأراضي الشركسية في أواخر القرن الثامن عشر، وبرز بشكل واضح في الحروب الروسيةالتركية (والروسيةالشركسية). وخلال هذه الفترة، استعار القوزاق الزي التقليدي الشركسي بالكامل من أعدائهم الشركس.364

أراد القادة الروس في القوقاز جعل القوزاق يرتدون زيًا موحدًا بدلاً من ارتداء ما يرغبون فيه، وهو ما استحوذ على الزي الوطني الشركسي.

في عام 1828، لم يستطع القائد الملازم أول إيمانويل تحمل الزي العشوائي للقوزاق، حيث أمرهم جميعًا بارتداء الزي الشركسي. أطلق على الزي الشركسي اسم Cherkessia في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1861، بعد أن تمت الموافقة عليه من قبل وزارة الحرب الرّوسيّة.365

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1861، قام (الإمبراطور) بإصدار مرسوم إمبراطوري يطلق على الرّداء العلوي للقوات المسلحة لقوزاق كوبان وتريك باسم ”شركيسكا“ (Cherkesska) بدلاً من ”الزي الرسمي“. أ. شين (A. Sheen) وصف فعل الإمبراطور بـ ”نزع ملابس“ الضحية، وهي الأمة الشركسية.366

زي قوزاق كوبان (وتريك) هو شكل من أشكال الزي القوقازي التقليدي المعروف باسم {شوخا} (chokha). لكن المضاهاة التاريخية، لم تستلزم التعايش السلمي. عندما قررت الحكومة القيصرية إخلاء وتطهير الشركس في ستينيات القرن التاسع عشر، كان القوزاق في الطليعة لأداء هذه المهمة. بدأت اعتداءاتهم عادة بالسلب والنهب واسع النطاق للخيول — وفقًا لقول أحد الأديغه المحليّين، ”لا يمكن هزيمة الشركسي والحصان معًا“ — وانتهت بإحراق القرى وطرد الناس. ونتيجة لذلك، استحوذت مجتمعات القوزاق على بعض من أفضل الأراضي في شمال-غرب القفقاس.367

كانت هذه نتائج الحرب الوحشية وترحيل الأمة الشركسية.

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً