نظرة على الإبادة الجماعية الشركسية / الابتهاج باغتيال الأمة (3) – من كتاب “شركيسيا: ولدت لتكون حرة” للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021

نظرة على الإبادة الجماعية الشركسية

الفصل الرّابع

الابتهاج باغتيال الأمة (3)

PHOTO-2021-11-25-22-35-33

تم استخدام التهديد للابقاء على شراكسة قباردا تحت هاجس الخوف من هجمات وشيكة وحرب نفسية. كانت الخدعة هي إجبارهم على المغادرة للنجاة بأرواحهم مع أطفالهم وعائلاتهم. كانت هذه إحدى الطرق والخطوات على مسار التهجير: ”لم يكن لأي من هذا أي تأثير، وهكذا في أكتوبر/تشرين الأول، رتّب إرمولوف اجتماعًا مع زعماء القباردي، حيث عاد إلى إصدار التهديدات، واعدًا بأن مصير ترام سيتكرر إذا استمر القباردي في {ممارسة السرقة}“.570

من الواضح أنه عندما تميل الأفكار المتطرفة إلى الوصول إلى درجة عالية من العنصرية، فهي متشابهة بالنسبة لمن يتبنونها. إنهم يبحثون عن أعشاش وحاضنات مناسبة، ناهيك عن أولئك الذين يشاركون ليس فقط في التّبشير بهذه المفاهيم، لكن أيضًا في نشرها وتعميمها، وحتى تطبيقها على الأرض. في مثل هذا المفهوم، يكون أولئك الذين يُمْلون قواعد اللعبة متشابهين ومُماثلين ويميلون إلى الارتباط مع بعضهم البعض.

مُعْتقِدًا أن ديل بوزو (Del Pozzo) كان تصالحيًا للغاية، استبدله إرمولوف باعتباره قائد إقليمي بالجنرال كارل ستال (Karl Stahl). وصل ستال إلى المقر الإقليمي في جورجيفسك (Georgievsk) في أوائل عام 1819 وبدأ على الفور حملة ضد سكان قباردا الصغرى، متهمًا إياهم بإخفاء الشيشان الهاربين. نفى زعماء قباردى الاتهامات، مشيرين (بشكل صحيح) إلى أنهم وأسلافهم كانوا يعتبرون أنفسهميميلون باستمرار بالإخلاص لروسياوذلك منذ انقسام قباردا في منتصف القرن السادس عشر.571

وهكذا، سيكون الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر متشابهة مرتاحين في التجمع والعمل معًا. هناك من يواصل البحث عن أسباب واهية لتفاقم المشاكل. وهناك من يقدم أسبابًا جيدة وإيجابية لعدم الدخول في متاهات شريرة. فهذا بلا شك جزء من الصراع الأبدي بين الخير والشر. وفي نفس الوقت، ما كان يحدث كان صراعًا إستعماريًا في وصفه وتكوينه المثاليين.

سواء كان ستال يعتقد حقًا أن سكان قباردا الصغرى كانوا يساعدون الشيشان أم لا (ومرة أخرى، نظرًا لتقاليد الضيافة، لن يكون لديهم خيار في بعض الحالات)، وُجِدَ ذلك مبررًا مناسبًا لتطهير بقية الضفة اليمنى الخصبة لنهر تيريك (Terek). كان الشيشان قد تم طردهم بالفعل من منطقة النهر وكان القوزاق منشغلين باستعمار واستيطان واستغلال أراضيهم، والآن جاء دور القباردي.572

أولئك الذين يختارون اتباع مقاربات محددة يختارون عادة ما هو الأفضل لحالات معينة. تُظهر النية فقط ما إذا كان هذا العمل مفيدًا أو مسيئًا للبشرية. إن التحفيز أو الإحباط هو العامل أو الآلية التي تعزز السلوك أو تخفضه في أي معيار أو مقياس. ومع ذلك، فإن العقاب الجماعي والتعامل الطائش القائم على الغطرسة مرفوض تمامًا.

بعد أن أباد إرمولوف عدد من القُرى في عام 1820، وقّعت معظم منطقة قباردا الصغرى على تعهد بالولاء ووعد بإبلاغ الروس عن أي هاربين بينهم. وعلى الرغم من استسلامهم، في سبتمبر/أيلول، طالبت القوات الروسية بقيادة الرائد تارانوفسكي (Taranovsky) السُّكَّان القباردي الذين يعيشون في منطقة نهر تيريك بالمغادرة إلى مرتفعات جولات (Julat)، وهدّدتْهُم بالمدافع عندما يتردَّدون في المغادرة.573

لا شك أن الروس أقاموا تحالفات بأشكال مختلفة لتطبيق أهدافهم الخبيثة. فقد نفّذوا سياستهم الإقصائية ضد الشركس مع عدة أطراف. كان عندهم تحالفًا مع قطعان مرتزقة القوزاق ومع دول مختلفة من أجل قيادة المسارات المتعددة من خلال الإبادة والتدمير والاحتلال والتهجير والعمل على استيطان الغرباء.

لم يكن هناك الكثير مما يمكن أن يفعله القباردي بعد أن دَمّر الطَّاعون البلاد بأكملها. كما ذكر إرمولوف نفسه في مذكراته، لقدكان الطاعون حليفنا ضد القباردي، لأنه قضى تمامًا على سكان قباردا الصُّغرى ودمّر قباردا الكبرى، فقد أضعفهم لدرجة أنهم لم يتمكّنوا من التجمع بأعداد كبيرة كما دأبوا على ذلك سابقًا.574 

وكان الطاعون حليفهم أيضًا، ناهيك عن الحصار والتجويع وتعريض المُهجّرين لظروف مناخية قاسية وسلوكيات شريرة أخرى. فيا له من شعور، عند الإحساس بالانتصار على شعب صغير. لقد جُرِّدوا من حقوقهم الأساسية والطبيعية في حين أن ذلك الجنرال لم يرف له جفن.

ربما تكون هذه هي أفضل شهادة على شخصية إرمولوف: في مواجهة المرض الذي كاد يقضي على أمة بأكملها كانت حليفة مخلصة لروسيا لمدة 250 عامًا، ولم يعرب عن أي تعاطف معها على الإطلاق. بالنسبة لإرمولوف، كان الطاعون أداةً وحليفًا. ومع ذلك، فقد دمّر القباردي جزئيا فقط، لذلك كان على إرمولوف إنهاء المهمة بنفسه.575

كانوا يعتزمون القضاء على شعوب القفقاس والسيطرة عليها وعلى أوطانها. لقد كانت بالفعل حربًا لا هوادة فيها ومعلنة علنًا ضد جميع شعوب القوقاز وأي شخص يطالب بالحرية: ”أصبح إرمولوف وستال مُنْهمِكيْن بشؤون تخص الشيشان في عام 1819 بينما زادت غارات القباردي حجمًا وتكرارًا“.576

أدى استمرار عمليات الكر والفر إلى وضع الإمبراطورية الروسية في موضع قلق دائم بسبب التحدي المستمر. كانت الأعمال العدائية قد بدأت منذ مئات السنين، لكنها لم تنته بعد ولن تنتهي قريبًا، وفقًا لمعظم التّكهنات.

كانت الأعمال العدائية والغارات على الشركس تهدف إلى القضاء على ممتلكاتهم، بالإضافة إلى حرق قراهم وتدميرها. كان الجشع هو القوة الدافعة وراء الإمبريالية والاستعمار. وأخيرًا، كل شيء له نهاية. فقد تفككت الإمبراطوريات القديمة واندثرت. وأصبحت الدول المستعمَرة دولاً مستقلة.

بحلول عام 1821، كان الوضع خارج سيطرة روسيا، مما أجبر إرمولوف على العودة إلى قباردا في سبتمبر/أيلول. لكن في نوفمبر/تشرين الثاني، وضع خطةلإخماد تمردقباردا مرة واحدة وإلى الأبد وقدمها إلى ستال للتنفيذ: وقد أدى حلول فصل الشتاء إلى إيقاف قدرتهم على التحرك على خط الجبهة وسيجعل ذلك العقوبة أكثر وضوحًا وسيكون الأسلوب الأكثر تأكيدًا للتهدئة . . . في غضون ذلك، ومن أجل ابقائهم مُروَّعين من غاراتنا ومشغولين جدًا بأمانهم بدلًا من القيام بغارات على الخط، أعتبر أنه من الضروري قيادة قوة صغيرة إلى قباردا، بحيث لن تهتم في احتلال أي موقع محدد بل تنتقل بسرعة من قريةٍ إلى أخرى، لا سيما الأراضي المنخفضة التي يأخذ اليها القباردي قطعانهم من الماشية والخيول في الشتاء، حيث يمكن أن نؤذي الماشية ونسرق الخيول . . . . لا ينبغي أن يكون الهدف الأساسي لقائد الحملة هو المعارك أو المناوشات، بل القضاء على الماشية والخيول التي لا يمكنهم بالطبع إخفاءها“.577

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً